أنت المسيح ابن الله الحي

بقلم المتنيح ‏الأنبا‏ ‏غريغوريوس


أنت المسيح ابن الله الحي



1-يسوع المسيح ينسب إلى ذاته الألوهية‏

عن موسوعة الانبا غريغوريوس المجلد رقم 6

اللاهوت العقيدى " الجزء الاول "


لاهوت السيد المسيح


إن التعليم بلاهوت المسيح لم يخترعه المسيحيون ولا ابتكره من عندياتهم، ولكنهم أخذوه أول ما أخذوه عن المسيح رأساً، ثم عن تلاميذه ورسله من بعده ممن أخذوا عنه وتتلمذوا عليه وكانوا امتداداً له في تعليمه.

لقد علم المسيح بألوهته على الرغم من أنه أخفى لاهوته عن الشيطان وعملائه من اليهود.

ففي أكثر من موضوع يوصي تلاميذه ويأمرهم بأن لا يظهروه على حقيقته اللاهوتية للناس إلا بعد أن يقوم من بين الأموات حتى لا يتعطل عمل الفداء.

من ذلك أنه بعد أن تجلى على الجبل بمجد لاهوته أمام تلاميذه:

«وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ ٱلْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً: «لاَ تُعْلِمُوا أَحَداً بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (متى 17: 9 مرقس 9: 9). ويقول الإنجيل «فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا أَحَداً فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْصَرُوهُ» (لوقا 9: 36).

بل إنه بعد أن سأل تلاميذه: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» وأجابه تلميذه الأكبر سناً سمعان بطرس بلسان جميع التلاميذ وقال «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!» (متى 16: 15 و16) يقول الإنجيل في نهاية الحوار «حِينَئِذٍ أَوْصَى تَلاَمِيذَهُ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنَّهُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ» (متى 16: 20) بل «ٱنْتَهَرَهُمْ كَيْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ عَنْهُ» (مرقس 8: 30، لوقا 9: 21).

هذا إلى أنه كان يزجر بعض الشياطين إذا صرخوا وأعلنوا أنه ابن الله (مرقس 3: 11، 5: 7، متى 8: 29، لوقا 4: 41، 8: 28).


أو أنه قدوس الله (مرقس 1: 24، لوقا 4: 34). على الرغم من أنه مدح إيمان تلاميذه واعتراف القديس بطرس (متى 16: 16، يوحنا 6: 69)

واعتراف من سبقه إلى ذلك من أمثال يوحنا المعمدان، قال يوحنا المعمدان:

« وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هٰذَا هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ» (يوحنا 1: 34، 3: 35، 36). ونثنائيل (يوحنا 1: 49) وهو برثولماوس الرسول وآخرين (متى 14: 33، يوحنا 11: 27، أعمال الرسل 8: 37، 9: 20، رومية 1: 4، 1يوحنا 4: 15، 5: 5 و13).

وعلى الرغم من أنه أعلنه صراحة للمولود الأعمى الذي شفاه (يوحنا 9: 35-38) وأعلنه لرئيس الكهنة عندما استحلفه أثناء المحاكمة أمام مجمع السنهدريم وقال له:

«أَسْتَحْلِفُكَ بِٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ:

«أَنْتَ قُلْتَ!» (متى 26: 63 و64 مرقس 14: 61 و62، لوقا 22: 70).

بل سبق الملاك جبرائيل وأعلنه للعذراء مريم «ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللّٰهِ» (لوقا 1: 35، 1: 32).

من ذلك عندما طرد الرب يسوع الروح النجس من الرجل المصروع، وصرخ الروح النجس قائلاً:

«مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ، قُدُّوسُ ٱللّٰهِ! فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «ٱخْرَسْ وَٱخْرُجْ مِنْهُ!» (مرقس 1: 24 و25، لوقا 4: 34 و35).

ويروي الإنجيل أنه «أَخْرَجَ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَلَمْ يَدَعِ الشَّيَاطِينَ يَتَكَلَّمُونَ لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ» (مرقس 1: 34).

كما يقول الإنجيل أيضاً «وَٱلأَرْوَاحُ ٱلنَّجِسَةُ حِينَمَا نَظَرَتْهُ خَرَّتْ لَهُ وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: «إِنَّكَ أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ! وَأَوْصَاهُمْ كَثِيراً أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ» (مرقس 3: 11 و12).


وكان لا بد للرب يسوع أن يخفي لاهوته عن الشيطان وعملائه من الناس الأشرار حتى لا يفشل تدبير الفداء للإنسان، إذ لو كشف الرب يسوع لاهوته كاملاً كيف كان يمكن للشيطان الذي يريد هلاك الناس، لا خلاصهم، أن يساعد خلاص الناس بتحقيق صلب المسيح وموته؟..


يقيناً لو عرف الشيطان ذلك لما هيّج قادة اليهود ليطلبوا صلب المسيح، ولكان على العكس سعى لتعطيل الصلب، وهذا ما يقوله الوحي عن الشيطان وعملائه:

«بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ فِي سِرٍّ: ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمَكْتُومَةِ، ٱلَّتِي سَبَقَ ٱللّٰهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ ٱلدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، ٱلَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْدِ» (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 2: 7 و8، انظر متى 11: 25، ولوقا 23: 34، يوحنا 16: 3، أعمال الرسل 3: 17 الرسالة الثانية إلى كورنثوس 3: 14، 15).

ذاك هو السبب الأول لإخفاء الرب يسوع لاهوته عن الشيطان وعملائه، أعني لتحقيق تدبير الفداء.


أما السبب الثاني


لهذا الإخفاء فهو تحقيق تدبير التجسد لأنه لو نزل الله بكمال لاهوته على الأرض فمن كان يقوى على احتمال نوره؟ ومن كان من البشر يمكنه أن يعيش؟



لقد قال الرب لموسى:

«لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ» (خروج 33: 20) وقال الرسول بولس إن الله «لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ» (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 6: 16)


فلكي يجعل الله ذاته منظوراً كان لا بد أن يحجب لاهوته في جسد يتخذه ستراً له وحجاباً يخفي به لاهوته حتى لا يحترقوا به ويموتوا «لأَنَّ إِلٰهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ» (عبرانيين 12: 29).



ومع ذلك وعلى الرغم من هذه الحقيقة الواضحة في الكتاب المقدس، والتي علم بها آباء الكنيسة (انظر كتاب «الشفا في كشف ما استتر من لاهوت سيدنا المسيح واختفى» تأليف أبو شاكر بن الراهب أبو الكرم بطرس بن المهذب شماس كنيسة المعلقة).


فإن الرب يسوع أعلن لنا لاهوته وكشف عنه من وقت إلى آخر بلمحات وومضات واضحة أحياناً، ومغلقة أحياناً أخرى، لكنها كانت في مجموعها كافية لأن تجعل حقيقة لاهوته حقيقة مؤكدة بتعليمه هو له المجد.


ولسوف نرى بيان ذلك بشيء من التفصيل بالدليل تلو الدليل والبرهان في أثر البرهان.


إن الرب يسوع إذن هو الذي نسب إلى ذاته الألوهية قبل أن ينسبها إليه تلاميذه ورسله من بعده.

فإذا لم يكن الرب يسوع صادقاً فيما نسبه إلى ذاته، كان مجدفاً على الله الواحد، لأنه نسب إلى ذاته ما لا ينسب إلا إلى الله وحده.


ولكن معاذ الله أن ننسب إلى المسيح أنه لم يكن صادقاً في تعليمه، وحاشا لنا أن نقبل أنه كان يدعي الألوهة لذاته من غير حق، وأنه - وهو المخلص - كان مضلاً ومدعياً وأنه جاء ليصرف الناس عن عبادة الله الواحد إلى شخصه هو، الأمر الذي يأبى أن يرتضيه لنفسه أي تقي يخاف الله.


إن أحد قادة اليهود، وواحداً من كبار علمائهم جاء إلى السيد المسيح يناقشه ولم يستطع أن ينكر إيمانه الكامل بصدقه المطلق:


«قَالَ لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ ٱللّٰهِ مُعَلِّماً، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هٰذِهِ ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ ٱللّٰهُ مَعَهُ» (يوحنا 3: 2).


واعترف الفريسيون بل والهيرودسيون بذلك ولم ينكروا على المسيح صدقه في تعليمه على الرغم من حقدهم عليه. وأرسلوا إليه تلاميذهم قائلين:


«يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ ٱللّٰهِ بِٱلْحَقِّ، وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ ٱلنَّاسِ» (متى 22: 16، مرقس 12: 14، لوقا 20: 20).



لذلك فإن المسيح يسوع إذا نسب إلى ذاته الألوهة، فهذا تعليم حق، وتعليم السماء لأنه لم يطلب هذا التعليم مجد ذاته.


ولقد قال الرب يسوع:

« لِهٰذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهٰذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ» (يوحنا 18: 37) وقال: «وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَقٌّ»(يوحنا 18: 14) وقال أيضاً: «أَنَا هُوَ ٱلشَّاهِدُ لِنَفْسِي، وَيَشْهَدُ لِي ٱلآبُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي» (يوحنا 8: 18) «ٱلآمِينُ، ٱلشَّاهِدُ ٱلأَمِينُ ٱلصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ ٱللّٰهِ» (الرؤيا 3: 14، 1: 5، 19: 11، 22: 6، الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 6: 13). كما يصفه بأنه «ٱلْقُدُّوسُ ٱلْحَقُّ» (الرؤيا 3: 7، 6: 10).