إكرم عمل السهر لتجد نفسك
تعزية، وإذا أردت أن تنصرف إلى عمل الصلاة وإلى سهر الليالي، فابتعد عن
مشاهدة الدنيا، واقطع الأحاديث، ولا تقبل الأصدقاء في قلايتك بحجة عمل
الخير، بل اقبل الذين يشابهونك في آرائك وأحوالك ويشاركونك في السيرة،
فبقدر ما يصفو القلب من الأشياء الخارجية، يزداد فهمه ودهشه في المعاني
الإلهية.



+





إنَّ أردت أن تبدأ خدمة السهرانية بمؤازرة الله فافعل ما أقول لك:


. إحنِ ركبتيك حسب المعتاد، ثم قم ولا تبدأ بالعمل وأنت جالس.


. صلِ وانتهى من الصلاة
واختم أعضاءك بإشارة الصليب المحييّ، وابقَ برهة من الزمن حتى تستريح
حواسك، وبعد ذلك ارفع تأملك الداخليّ إلى الرب، واطلب منه بحزن أن تقوى على
ضعفك ويصبح هذيذك في المزامير، وأفكارك العقلية مرضيين لمشيئته المقدسة.



. يجب أن تسير في الخدمة بعد ذلك بحرية تامة، بعيداً عن أي فكر صبيانيّ مشوش.








عندما ترى أنَّ الصبح قد
بدأ ولم تنتهِ خدمة السهر، يمكننا أن نحذف تمجيداً واحداً أو اثنين من
التماجيد المعتادة، وذلك بإرادتنا ومعرفتنا حتى لا ندع شيئاً يبدد حلاوة
الخدمة، وتعكر خدمة المزامير الساعة الأولى.



. إذا كنت لا تزال داخل
الخدمة ووشوشك فكر يقول: اسرع قليلاً فالخدمة تطول، فلا تكترث له، أما إذا
زاد إزعاجه لك، فكرر تمجيداً واحداً أو قدر ما تشاء، وردد المقاطع نفسها
مرات كثيرة بفهم، وإذا ظل يزعجك ويضايقك، فاترك الترتيل واركع وصلِ وقل: لا
أُريد ترتيل الكلام يارب، بل البلوغ إلى المساكن السماوية، وإنني على
استعداد الآن أن أسير في كافة السُبل التي تهديني إليها.



+





إن كنت لا تقدر أن تقف في
السهر، فاسهر جالساً أو على مرقدك أو مستلقياً، وعندما تمل من الوقوف بسبب
ضعفك وارتخائك أو بسبب طول الصلاة، ويراودك فكر أو بالحري يكلمك الروح
الرديء كما كلم الحية ويقول لك: كفى أنت لا تستطيع الوقوف، فقل له: لا بل
سأجلس قليلاً أثناء قراءة كاثيما واحدة ( ) وهذا خير لى من النوم، وإذا سكت
لساني ولم يتفوه بالمزمور فذهني سيظل متأملاً في الصلاة والهذيذ، لأنَّ
اليقظة أنفع من النوم.



+





إنَّ السهرانية ليست فقط
بالوقوف وترتيب المزامير، فهناك من يسهر في ترتيل المزامير طول الليل، ومن
يعمل ميطانيات وصلوات خشوعية مع انحناءات على الأرض، ومن يقضي الليل
بالبكاء والدموع والنوح على خطاياه، وهناك من يرتل قليلاً من المزامير عند
المساء ويقضى بقية الليل في الطروباريات، ومن يقضى الليل في التمجيد
والمطالعة، وأخيراً من يقضى الليل واقفاً عندما يحاربه فكر الزنى.



+ لا تظن أيها الإنسان أنه يوجد في حياة الراهب، عمل أعظم من سهر الليالي، حقاً يا أخي إنَّه لعمل عظيم وضروريّ جداً للعفيف.


+





لا تنظر إلى الراهب
الساهر بذهنه بتمييزه كما تنظر إلى إنسان ذي جسد، لأن السهر هنا هو من عمل
الملائكة، فالذين يسلكون هذه السيرة دائماً، لا يدعهم الله بدون مواهب
عظيمة، بسبب انتباههم ويقظة قلوبهم واهتمامهم بتوجيه أفكارهم نحوه.



+





أنا أعتقد أنَّ الجسد إذا
تلاشى ولم يقدر على الصوم، فإنَّ الذهن بواسطة السهر دون غيره يعيد للنفس
حالتها، ويهب القلب معرفة لإدراك القوة الروحية، إذا لم تتمادى في الأحاديث
خلال النهار، فيا من ترغب في الحصول على ذهن متيقظ بالله ومعرفة للحياة
الجديدة، أرجوك ألاّ تهمل حياة السهر طوال حياتك، لأنَّها تفتح عينيك
لتشاهد مجد سيرتك وقوة طريق البر كله.



+





إذا جاءك فكر تراخى مرسل
من معينك بقصد امتحانك، واستحال عليك اتمام السهر، فاسهر ولو جالساً وصلى
بقلبك ولا تنم، حاول أن تعبر الليل كله بكافة الطرق، وأنت جالس تهذ
بالمعاني الصالحة، فلا تقسِِ قلبك ولا تظلمه بالنوم.



+





الأرض الجيدة تفرّح
الزارع بتربتها التي تنتج 100 ضعف، والنفس التي صقّلها ذكر الله والسهر
الدائم يحفظها الرب، بأن يجعل حولها سحابة تظللها من نار تنبعث داخلها
الليل والنهار.



+





من
يعرف لماذا يقاوم المجاهدون النوم، ويضغطون على طبيعتهم حتى يؤدوا صلوات
كل ليلة بتيقظ أجسادهم وذكرياتهم، يدرك أهمية القوة الناتجة من صيانة النفس
أثناء النهار، وماهية العون الذي يُعطى للذهن خلال سكينة الليل وقوة
السلطة على الأفكار، ومقدار النقاوة التي يحصل عليها، ولأدرك أيضا أنَّه
يمنح الكثير من الفضائل دون تعب وإرهاق
.