التجربة في الطريق

التجارب في الحياة تأتي
علي كل الناس فكل الخليقة تئن وتتمخض فلا يوجد أنسان لا يواجه المشكلات
والمصاعب التي ينبغي مواجهتها والتغلب عليها. ونحن نسمع صوت الرب يسوع
المسيح يقول لنا في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا اني قد غلبت العالم
،فالمسيح رئيس ايماننا جُرب وخرج منتصراً وهو قادر ان يعين المجربيين .


الجهاد طبيعة كل إنسان
يريد أن يحصل على شيء ثمين. الحرب تكون ثقيلة عندما يكون المقصود منها
الحرب لذاتها. ولكن إذا كان الهدف منها النمو الروحي والثبات في الله فهي
حرب لذيذة. والحرب لذيذة لأن النصرة أكيدة لأن الرب يسوع انتصر لي ، وأنا
به أنتصر . هي حرب مع عدو شرس سبق أن غلبه الرب. حارب المسيح بالأكل،
وحاربه بالكبرياء قائلاً ارم نفسك عن جناح الهيكل، وأخيراً حاربه بترك
الصليب ونهج الطريق السهل قائلاً: أعطيك ممالك الأرض كلها إن خررت وسجدت لي
بدل أن تملك على قلوب البشر بالصليب... ارم صليبك وتعلم الميوعة في
الحياة... ولكن ربنا انتصر لنا .


اليوم الكنيسة في حالة
حرب... وهذه ملامحها، مثلاً ماذا يغيظ الشيطان أكثر من الصوم ؟ "هذا الاشواق
لا يخرج إلاَّ بالصلاة والصوم" الشيطان أيضاً يدخل طرق العالم في الكنيسة،
محبة المال، اللف والدوران تحت اسم الحكمة، والغاية تبرر الوسيلة، والكذب
الأبيض... ثم يدخل العالم البيت وبدل أن يسمع الطفل صوت الترتيل والعبادة
يسمع التليفزيون ويرى الصور الخليعة وأيضاً تأثير الشارع والمدرسة... البنت
المسيحية محاصرة في وسط إغراءات العالم... وتسمع في كل مكان عن مغامرات
الشر. وترى المجلات . الحق أن أولادنا في جب الأسود... جب الأسود أرحم...
لكن دانيال سد أفواه الأسود بالصوم والصلاة... إنها حرب عنيفة لا يمكن ضمان
سلامتنا في الرحلة إلاَّ بالصوم والصلاة مع الإيمان. ربنا قال لأرميا
النبي: "طوفوا في شوارع أورشليم... " هل تجدون إنساناً أو يوجد عامل
بالعدل، طالب الحق فأصفح عنها" (أر 5: 1). لو أن واحد يصوم صوماً حقيقياً و
يبذل ذاته ربنا ينقذ الكنيسة كلها. لو أن واحد يكرس حياته في صمت وبذل
يخزى الشيطان.


توجد حرب في كل مكان- في
العائلة القبطية، أولادنا في الجامعة- توجد حرب الإلحاد- و الانحراف
الخلقي- الإيمان يتزعزع... تأثير المادة، طلب الهجرة من أجل المال- من كثرة
الإثم تفتر محبة الكنيسة. لعل إبن الإنسان عندما يجئ يحد الإيمان على
الأرض. والموضوع في أيدينا لأن أسلحتنا قادرة بالمسيح يسوع على هدم حصون،
وإخضاع كل فكر لطاعة المسيح.


لماذا ينسانا الله إن كان أبانا ؟

هذا هو إنجيل الأحد
الثاني: إنها تجربة التشكيك في أبوة الله لنا "إن كنت ابن الله- لماذا
يتركك جائعاً؟ ولماذا يسمح الله بالمرض وبالفشل وبموت أحبائنا". علينا أن
نختبر أن يكون إيماننا في محبة الآب الذي بذل ابنه عنا- أن يكون إيماناً
فوق مستوى التجارب و الانفعالات إيمان بالآب يعطينا حصانة أمام تجارب العدو
وضيقات العالم وآلام و شهوات الجسد.



التجربة على الجبل


لما صام المسيح عنا أربعين
نهارًا وأربعين ليلة وقد أورد الإنجيليون مار متى ومار لوقا عينات من هذه
التجارب تجربة الخبز وتجربة مجد العالم وتجربة إلقاء المسيح نفسه من على
جناح الهيكل وقد صرعه المسيح في كل تجاربه وكسر شوكته عنا واستخلص لنا
بصومه المقدس نصرة على جميع سهام الشرير الملتهبة نارًا. ولكن لأن المسيح
صام عنا ومن أجلنا، ولم يفعل شيئًا إلا لحسابنا فبكل تأكيد أن ما خرج به
المسيح منتصرًا على كل تجارب العدو كان لحسابنا بل أعطاه المسيح لنا وأجزل
لنا العطاء. ونحن نقترب إلى سجله بمار مرقص تلمس فيه نصيبنا لأن المسيح وهو
متحد بطبيعتنا البشرية، صام بها وحارب بها وانتصر بها لحسابنا ومن أجلنا.


الانقياد بروح الله

فأعلم أنه قد تسجل لنا هذا
ميراثًا في المسيح، وقد تم هذا بعد المعمودية مباشرة حين جاء صوت الآب من
السماء شاهدًا "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت"، وحين حل الروح عليه
بهيئة جسمية كاملة بشكل حمامة. فصار فيما بعد أن الذين ينقادون بروح الله،
فأولئك هم أبناء الله.


فبدء بمعموديتنا حين ينادي
أننا صرنا أولاد الله وحين نقبل نعمة البنوة إذ نتحد مع المسيح بشبه موته
وننال نعمة الروح المعزي الحال فينا والساكن فينا حينئذ يتسلم الروح القدس
قيادتنا.


فالذي يُقتاد بروح الله
فقد ختم أن الله أبوه وهو ابن الله. الروح هو الذي يرشد إلى جميع الحق،
يعلم وينصح ويعزي ويشفع فينا بأنات لا ينطق بها ويأخذ مما للمسيح ويعطينا
ويذكرنا بكل ما قاله السيد، وهو يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة،
ويفحص كل شيء حتى أعماق الله.


فإن كان الإنسان ينقاد
بالروح في العمل والكلام ويسلك بالروح ولا يطفئ الروح ولا يحزن الروح،
ويكون مراضيًا للروح مادام في طريق الحياة يسلك. يصير الإنسان محمولاً
منقادًا بروح الله وحسبما يسير الروح يسير.


التجارب في حياتنا

ويتقدم المجرب لأن التجارب
في حياة أولاد الله حتمية ولا مفر لأن العدو متربص ويوم أن ننحاز إلى
المسيح فقد أعلنا الحرب عليه. إن بداية معموديتنا أننا جحدنا الشيطان وكل
قواته الشريرة وكل نجاساته وكل حيله الردية والمضلة.


فبعد أن خرج الشعب مع موسى
من أرض العبودية واعتمدوا جميعهم في البحر الأحمر صارت الحرب مع عماليق.
فالحرب بعد أن استعلن المسيح ابن الله بصوت الآب وحلول الروح صارت الحرب
والتجارب وانتصب المجرب للصراع. إذن التجربة نتيجة طبيعية لالتصاقنا
بالمسيح واتحادنا معه ودخولنا إلى شركة معه وفيه بالروح القدس. لم تخل حياة
أحد من القديسين على مر العصور من التجارب، فتش في حياة القديسين جميعًا،
هل خلت حياة أحدهم من التجارب؟ "جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في
المسيح يضطهدون".


فالرسل الأطهار كم قاسوا
من التجارب والتشريد والحبس والسجون الاضطهادات والضيقات والأحزان... شيء
مهول ولكن في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا.


وهكذا الشهداء والأبرار
الصديقين والنساء سكان البراري ورجال الإيمان والآباء، كم قاسوا وحملوا
الصليب وتجربوا وطافوا معتازين مذلين مكروهين من العالم مجربين.


ولكن الذي يحلو لنا أن نتفكر فيه أن النصرة في المسيح وبالمسيح شيء أكيد لا يقرب منه الشك.

فالمسيح سحق الشيطان وأذل
فخره، ورجع الشيطان مكسورًا مهانًا مذلولاً خائبًا. فالتمسك بالمسيح
والحياة فيه، يزكي فينا الشعور بالنصرة ووعد المسيح قائم أنه أعطانا
السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو الشرير.


وهكذا ندرك أنه مهما طالت
التجارب وتنوعت ومهما بدا أن الشيطان متقوٍ علينا ولكن الغلبة النهائية هي
لحساب المسيح. وما بناه الشيطان في سنين وسنين يهدمه المسيح بكلمة، لأن ابن
الله قد جاء لكي ينقض أعمال إبليس.


وهكذا يدخل أبناء الله
التجارب وهم حاملون للنصرة في داخلهم كتلميذ يدخل الامتحان ونتيجة الامتحان
والفوز في جيبه. "ثقوا أنا قد غلبت العالم"، "وخرج غالبًا ولكي يغلب".
وهذا الشعور في القديسين هو الذي قادهم إلى الاتضاع الحقيقي، لأنهم أدركوا
أن النصرة ليست بقوتهم ولا بذراع البشر، ولا اعتمدوا على عملهم ولا على
قدرتهم بل على الله وحده. فكان إذا انتصروا على الشيطان وأذلوا فخره، كانوا
يزدادون اتضاعًا وإنكارًا لذواتهم ويزدادون ثقة في الذي يقويهم "أستطيع كل
شيء في المسيح الذي يقويني"، "أنا ما أنا ولكن نعمة الله التي معي".


فؤائد التجارب

ولا يجب على المؤمن أن ينظر إلى التجربة الصعبة ، على أنها نقمة بل نعمة ، لأن لها بركاتها الكثيرة ، ومنها ما يلى :

- إحساس المؤمن بوجود يد الله معه فى تجاربه من أجل الإيمان ، وشعوره بالأكثر بالفرح ، بعد أنقضائِها فعلاً ، وشكره عليها .

- زيادة المعونة والتعزية
للنفس المتألمة ظلماً ، كما قال القديس بولس الرسول ." كلما كثرت آلامنا ،
كثُرت ( بنفس النسبة ) تعزياتنا أيضاً " ( 2 كو 1 : 5 ) . والرب يساعد
الأبرار فى تجارب كثيرة . " عند كثرة همومى فى داخلى تعزياتك تلذذ نفسى " (
مز 94 : 19 ) .


- وأنها تُعلم المؤمن
الصابر فضائل كثيرة ، وتُشعر المؤمن بضعفه ، فلا يفتخر بعمله ، أو بجهاده
الروحى " إن خفة ضيقتنا الوقتية ، تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقَل مجد أبدياً " (
2 كو 4 : 17 ) . وقال القديس مار إسحق السريانى : " إن التجارب أبواب
للمواهب " .


- ولها بركاتها فى الأبدية ( رو 8 : 17 ) ، ( أع 14 : 22 ) فمقدار المكافأة يكون حسب صبر الإنسان على احتمالها ، وعدم تذمره عليها .

- ووعد الله بإنقاذ الأتقياء من تجارب الشياطين ( 2 بط 2 : 9 ) : " سأحفظك فى ساعة التجربة " ( رؤ 3 : 10 ) وهو وعد أكيد .

- وتقود للخير ( يوسف فى
السجن + القاء موسى فى النهر + الفتية فى أتون النار + حرب شاول لداود +
دانيال فى جب الأسود + أكاليل للشهداء والمعترفين بالإيمان )


- تُظهر لنا أمانة الله ،
وبُطلان التعزيات الأرضية ، وتدفعنا للتوبة ، وتؤدى إلى إذلال الخاطئ
المتجبر ، الذى يعاند النصائح اللينة . وتدعو للصلاة وطلب معونة الله (
يونان فى جوف الحوت ) ، وتُعلم الجدية ، وفهم متاعب الدنيا ، وامتحان
للتزكية ( إر 9 : 7 )


- فاحذر ، لئلا تكون التجربة ، بسبب البُعد عن الله ، كما قال عن بنى إسرائيل :

" أُضيق عليهم حتى يشعروا " ( إر 10 : 18 ) .

- وقال القديس مارإسحق
السريانى : " إن كنا أشراراً ، بالأحزان نؤدب وإن كنا أبراراً بالأحزان
نُختبر " . فتذكر هذا الفارق الواضح . وقال أب قديس آخر : " عندما تأتينا
التجربة ، يكون لنا شعوران : شعور بالفرح ، لأننا نسيرفى طريق الله الضيق (
المؤدى للملكوت ) ، أو شعور بالحزن ، لئلا تكون التجربة بسبب غلاظة القلب
فينا " . وبدلاً من أن نفكر ، ونحزن ، ونتعب من التجربة ، نسأل انفسنا ،
لماذا سمح الله لك بتلك الضيقة ؟! وخذ الدرس ، لخلاص النفس



للاب افرايم الاورشليمى