لنيافة الأنبا موسي
أسقف الشباب

هل التجسد يتعارض مع قداسة الله وقدرته ؟

... يتصور البعض أن التجسد ربما يتعارض مع قداسة الله وقدرته فيقولون مثلا: هل من المعقول أن إلهنا العظيم القدوس المتعالي ينزل إلي بطن العذراء ويأخذ جسد إنسان, ويأكل ويشرب وينام ويصير كواحد منا؟!, أليس في ذلك تلويث لقداسة الله؟!.
يرد القديس أثناسيوس الرسولي - أعظم من كتب عن سر التجسد - فيشبه إلهنا العظيم بالشمس, إذ نلمس فيها شبها من خالقها, في سموها وطهرها وجبروتها ودفئها ولزومها للحياة .. فلو سطعت الشمس عل كومة من القمامة, أتتدنس الشمس, أم أنها تطهر هذه الكومة من القمامة دون أن تتلوث هي؟!, كذلك إلهنا العظيم, حين يسكن فينا, لن يتدنس بنا, بل بالحري يطهرنا بطهره... نعم يطهرنا دون أن يتدنس!.
وهذه الحقيقة لم تستجد بالتجسد الإلهي, بل بالحري نحياها كل يوم .. فالله يشرق بنوره وبروحه القدوس, علي البشرية الخاطئة, منذ الأزمنة السحيقة, يعمل فيها ويهديها ويطهرها, دون أن يتدنس. فماذا استجد إذن؟, أليس الله في كل مكان, وفي كل زمان, وفي كل إنسان مهما كان خاطئا؟, هل يخلو منه مكان؟ مهما كان هذا المكان دنسا؟, هل نسينا أن الله غير محدود, ويستحيل أن تخلو منه أحشاء الإنسان أيا كان؟, ألسنا به نحيا ونتحرك ونوجد؟, إذن فالتجسد لا يتعارض مع قداسة الله الذي إذ يتخذ جسدا يظهر به لا يتدنس بل يقدسه. الجديد هو أن الله ارتأي أن يأخذ مالنا, ليعطينا ما له. وإنه أحبنا في المسيح, ليتحد بنا ونتحد به . رضي بالسكني وسط البشر, وفي قلوبهم, ليطهرهم من الخطايا, ويجدد طبيعتهم الساقطة, ويحملهم علي منكبيه فرحا. ويعود بهم إلي السماء. إذن التجسد لا يتعارض مع قداسة الله , وفي الوقت ذاته حتمي
لقداسة الإنسان .. كيف؟.
عظيم هو سر التقوي
إن تجسد الله هو بالحقيقة سر التقوي: أي سر التقوي الإنسانية, وبدونه لا تكون التقوي ولا القداسة. والسبب ببساطة أن طبيعتنا فسدت بعد سقوط آدم وحواء, وكان لابد من تجديدها وإعادة خلقة الإنسان وصنعه مرة ثانية. فما كان من الممكن أن يتم هذا التجديد إلا بسكني الله في قلوبنا وتقديسه لطبيعتنا من الداخل. وهذا سر الأسرار في المسيحية, فهي لا تكتفي بتقديم النصائح الخيرة والشرائع الطيبة والأوامر والنواهي. كلا هي ببساطة تجعل إلهنا العظيم الذي سكن في أحشاء العذراء , يسكن في أحشائنا جميعا فيطهرنا, ويخلصنا ثانية: ' إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة' (2كو17:5). إذن فالتجسد لا يضر بقداسة الله, ولكنه أساسي لقداستنا نحن ..
وهل التجسد يتعارض مع قدرة الله ؟
هذا غير معقول, لسبب بسيط, أن الله كلي القدرة, قادر علي كل شئ. إن الشئ الوحيد الذي لا يوافق طبيعة الرب أن يعمله هو الخطية لأنها خارجة عن طبيعته, وهو منزه عن الشر. وخارج هذا الأمر 'هل يستحيل علي الرب شئ؟' (تك14:18).
إذا كانت أرواح الصديقين تظهر لنا في أشكال حسية, كما ظهرت أم النور علي قباب كنيستها بالزيتون, فهل يكون هذا صعبا علي الخالق الحافظ, القادر علي كل شئ؟, وإن كانت الملائكة تظهر للقديسين في هيئة حسية, فهل من الصعب أن يتخذ الله جسدا ويظهر لنا؟, إن التجسد هو سر خلاص الإنسان, وهو يتعارض مع طبيعة الله القدوسة القادرة.