ثورة ٢٤ أغسطس السِّلمية بقلم فاطمة ناعوت

كثيرون، مثلى، يرون أن ثورة يناير انحرفت عن أهدافها، لذا يلزمها «كِمالة». بالنسبة لى، حسبتُ أن ثورة يناير ستنقلنا نقلةً نوعية حضاريةً فائقة. تقفزُ بنا إلى مصافِّ الدول الديمقراطية العظمى؛ كما نقلتِ الثورةُ الفرنسية ابنتها، من الهمجية إلى النور. حسبتُ ثورتنا ستوقدُ مشاعلَ التنوير والتحضّر والصناعة والعلم، وتبنى دولة مؤسسات، تقدّسُ القانون والعدل. ثوارُ الجمعة القادمة ٢٤ أغسطس، ليس من بين أهدافهم إسقاطُ الرئيس، كما يُشيع الإخوان لتضليل الرأى العام، إنما هم مع الشرعية، يحترمون أصوات ٥١% من الشعب، (بغضّ الطرف عن كيف جاءت الأصوات). لم أنتخب «مرسى»، لكنْ، جفّتِ الأقلامُ ورُفِعتِ الصُّحف. وأنا الآن، مُجبرةٌ على الإقرار به رئيساً. مهما كان حزنى أن ثورةً اندلعت، ودماءً هُدرت، لكى نحظى بحاكم يحضر الاحتفالات ويسافر الأسفار ويملأ الميكروفونات بخطبٍ تَعِدُ بخير لا يأتى. حاكم وضع الأوسمة فوق صدره، بعدما صدّر كهرباءنا لخارج حدودنا، مع إن (اللى تحتاجه مصر يحرم على العالم). حاكم أطلق سراح جهاديين روّعوا المصريين سنوات،
بينما مازال معتقلو الثورة أسرى ظُلمة السجون، يهتفون: «وامراسااااه»، فلا يسمع الحاكمُ إلا أصوات أهله وعشيرته. مازال المصريون خارج مصر مهانين، رغم تعهّده بألا تُهدر كرامةُ مصرىٍّ فى عهده. صرخت المصريةُ «نجلاء وفا»: «وامرسااااه»، مع كل سوط من السياط الخمسمائة فوق ظهرها، فى معتقل السعودية. و«مرسى» لا يسمع، لأنه لا يريد أن يسمع سوى صوت الجماعة التى قالت «طز فى مصر»! الثورةُ إذن، لا تستهدفُ الرئيسَ «المنتخب»، إنما هى ثورةٌ (سِلمية) محددةُ الأهداف، مشروعةُ المطالب. ثورةٌ تعلن رفضَ المصريين «أخونة» مصر. فمصرُ أذابت كلَّ الغزاة عبر التاريخ، وامتصتهم فى نسيجها الطيب، وأبتْ أن تذوبَ فى نسيج عِرقٍ أو هويةٍ غير مصرية. فكيف لها أن تذوب وتتحلل فى نسيج جماعة، مهما كانت تلك الجماعة؟! ثورةٌ تطالبُ بكشف مصادر تمويل جماعة التنظيم السرى للإخوان، ومراقبة ميزانيتها عن طريق الجهاز المركزى للمحاسبات، وتقنين وضعها الذى ظل، منذ نشأتها وحتى اللحظة، غيرَ قانونىّ. ولهذا فنحن، كمصريين، نطالبُ الرئيس بحماية تلك الثورة، وتأمين أولئك الثوار، وإلا وقع عليه ما وقع على النظام السابق حين أهدر دماءَ ثوار يناير. أخطرُ أنواع الاستعمار والغزو، هو ذاك الذى يُفقد شعبًا هُويتَه، وهو ما تتعرض له مصرُ فى المرحلة الراهنة؛ بعدما سُرقِت ثورةٌ كان يُنتظر منها الكثير؛ لو كان حافظ عليها الثوارُ والشعب، من لصوص الثورات. مصرُ، أيها المصريون، تفقد هويتها ببطء، لكن بثبات. ونخشى أن نفيق وقتَ لا ينفع إصلاحٌ لما فسد. لهذا، فإنها ليست معركةَ نخبة ثقافية، ولا هى معركةٌ حزبية، أو معركةُ تيارات سياسية، إنما هى «معركة شعب» كامل يخشى على ذوبان هويّته فى هويّات صغيرة لا تشبهنا. المواطن المصرىُّ الذكى يدرك استثنائية هُويتنا المصرية العريقة. تلك التى كتبت السطرَ الأول فى كتاب التاريخ. تعاقَب عليها الغُزاةُ والطغاةُ والطامعون، فأذابت الكلَّ فى نسيجها، ولم تسمح بأن يُذيبَها أحدٌ. نثقُ أن كلَّ مصرىّ شريف سيساند انتفاضةً تسعى لحماية مصرَ من عبث دول «صغيرة»، تحاول أن تنال من تاريخنا، لكى تصعد على أكتاف مصر الشاهقة، لتصطنع لنفسها تاريخًا، غيرَ موجود.
المصرى اليوم...