لماذا الاشواق؟ ومتى ينحرف ؟

ترتفع صيخات كثيرة – هذه الايام – لتتساءل " لماذا خلق الله فينا هذه الغريزةالتى تتعبنا ؟ ها نحن نرى مع بدايات تكوين البشرية ، وكيف كانت هذه الغريزة سببا فى مشاكل وحروب :كخطايا سدوم وعمورة، ومحاربو زوجة فوطيفار ليوسف ، وانواع الانحرافات المختلفة المسجلة فى سفر الللاويين ، وسبط بنيامين وداود الخ .
وفى العصر الحديث نسمع ونرى تيار الاباحية وهو يكتسح العالم ، سواء فى العلاقات او وسائل الاعلام ، وفى بلادنا نشعر بوطأة المشكلة وهى تخرج من مكان الظلام ، لتسير فى الطرقات ترفع رأسها بلا حياء .
فهل خلق الله الاشواقليعذبنا ؟
كم من شباب يخاف الله ويتطلع الى الملكوت ويهتم بخلاص نفسه ، ولكنه يتعثر أمام هذه المشكلة ويتصور ان خلاصه عسير ، وربما مستحيل ، بينما الرسول يقول " خلاصنا الآن أقرب مما كان حين أمنا " (رو13: 11) .

لماذا خلق الله الاشواق؟

كان من الممكن – لو أراد الله للبشرية ان تستمر – أن خلقنا بتكوين آخر يسمح بامتداد النوع وحفظه دون الحاجة الى هذه الشركة دون جنسين مختلفين ونحن نعرف – علميا – ذلك الذى نسميه : التلقيح الذاتى مثلا او ان يخلق الله الانسان بغريزة تتحرك فى وقت معين بهدف حفظ النوع وترقد هادئة بقية العام ، لكن الله – فى الواقع – اراد بالجنس ما هو ابعد من مجرد حفظ النوع وذلك ما انفرد به الانسان دون سائر المخلوقات لقد اراد بالاشواقنوعا من الحب والشركة والاتحاد بين الانسان والله ، وبين الانسان والآخر .
وهذا يتحقق – بصورة خاصة – فى سر الزواج المقدس ، حينما يعطى الانسان المؤمن نفسه للآخر بلا تحفظ ، ويتحد الاثنان بالروح القدس ليصيرا واحدا ، ويصير كل واحد منهما زوجا .
لذلك فكل انحراف بالاشواقعن ذلك المسلك الطبيعى المقدس هو تعبير عن انحراف فى " تيار الحياة " .

لماذا ينحرف ؟

ان خطايا الجنس لا تبدأ من الجسد وحواسه المختلفة ، بقدر ما تبدأ من تيارات دفينة تعمل فى باطن الانسان ، وتوجه سلوكه وشهواته وغرائزه .. أما الجسد فهو مجال التعبير الخارجى المحسوس ليس إلا . فما هى هذه القوى الباطنية التى تجعل الانسان ينحرف بالاشواق؟ هذه بعض الامثلة :

1) الذاتية :

ليس من شك ان الله خلق الانسان ليحيا فى شركة معه ، ولذة الطرفين تكمن فى هذه الشركة ، لذتى مع بنى آدم " لكن مشكلة الانسان تحدث حين ينعكف على ذاته ، وينحصر داخل نفسه ، لا يعطى شيئا للغير ولا حتى لله . هذه الاكتفائية بالذات هذه الانانية والعزلة هى القوة الاولى التى تنحرف بالاشواقليصير ضارا .
هنا يبدأ الشباب يحصل على لذته من نفسه ، ويتعبد لذاته وكبريائه ، ويحطم الآخرين ليرتفع هو هذا الانغلاق الانانى هو المحرك الاول لشهوات الجسد سواء ما كان منها ذاتيا ( كالعادات الشبابية ) او مع الآخرين ( كالعلاقات المنحرفة ) الذات هى المحرك فهو يحب نفسه ويريد ان يمتعها ولو على حساب اآخر .
لذلك فالاحساس بالمسيح ، والاقتراب منه ، والانفتاح لعمل السماء والنعمة ، يصحح تيار الحياة وهذا امر ضرورى لحفظ الاشواقفى إطاره الصحيح والتخلص من هذه الانحرافات المسيح يخرج النفس من عزلتها لتتحد به وبالبشرية كلها " أفتحى لى يا أختى يا حبيبتى يا حمامتى يا كاملتى " (نش5: 2) .
المسيح ينادى نفسك يا اخى الشاب . فهل تفتح له قلبك ؟ وهل تدخل فى حوار واقعى معه ؟ وهل تسلم له حياتك ليخلصها من كل أنانية بغيضة فتعيش بالمحبة وللمحبة ؟
إن الايمان بشخص المسيح ، والحديث الهادىْ معه فى الانجيل او المخدع او القداس ، هو دواء لكل الشهوات الرديئة : " عند إصعاد الذبيحة على مذبحك ، تضمحل الخطيئة من أعضائنا بنعمتك " ( قسمة القداس الالهى ) .

لذلك فالسؤال الاول المطروح أمامى كشاب هو :

هل عرفت المسيح حقا ؟ وهل دخلت فى حديث معه ؟ وهل احبه لصفاته العذبة وعمله الفدائى لأجلى ، إن لم تكن قد دخلت فى هذه الشركة فهيا الآن اجلس فى هدوء وتصور رب المجد أمامك وأبدأ حديثا معه ، وإن بدأ الحديث فلن ينته .
2) المادية :

يحس الانسان بنشوة خاصة فى ممارسة الجنس سرعان ما تتحول الى ضيق وفراغ ، ان هو مارس الاشواقخلوا من المحبة النقية الكائنة فى سر الزيجة ، لذلك فهذه النشوة الشعورية الحسية ، التى كثيرا ما تشد الشباب للانحراف ، تحتاج الى اختبار لنشوة روحية هادئة تنقل الانسان من مستوى الجسدانيين الى مستوى الروحانيين .
مشكلة الشباب انهم لا يريدون ان يحيوا الحياة فى ملئها ونقاوة قصدها وهم ان تذوقوا هذه الحياة سيتأكدون أنها أفضل وأعمق وأبقى من لذة الخطية ، التى عن الحياة جديتها وعمق مصيرها .
وهذا السقوط الى المستوى الحسى والمادى ينسحب الى ( او هو فى الحقيقة ينبع من ) الاستعباد للمادة بوجه عام ، وعدم قدرة الانسان على رؤية غير المنظور من خلال المنظور ، إن الوهم الذى يقع فيه معظم الناس هو ان المادة فى ذاتها تقدر ان تهب الحياة والسعادة وهذا الوهم كان نتيجة سقوط آدم لكن ابن الله الكلمة الذى خلق كل شىء حسنا ، صحح هذه الرؤية بتجسده إذ لبس المادة ولمسها واكل منها وهكذا تقدست المادة او بالحرى استعلنت نعمة الله من خلالها ، ومن ثم وهبنا بصيرة جديدة هى عطية الايمان : ان نرى ونطلب بالايمان مجد الكلمة من وراء الجسد والمادة .. هذا الايمان نختبره ونمارسه من خلال الاسرار الكنسية ، وفى ممارستها تتجدد فينا قوة هذه البصيرة وتشحذ وهكذا نستطيع ان نعيش فى الخليقة الجديدة ، بالحياة الروحية اى بروح الله المنسكب علينا من العلاء ، فلن نقف بحسنا ومشاعرنا عند حد المادة ، ولن نظن ان سعادتنا وكفايتنا كامنة فى المنظور ، بل فى ابن الله الكلمة واهب الحياة وغاية الحياة .
هل ذقت يا اخى الشاب حلاوة صفاء الحياة الروحية هذه ؟ وهل ترن فى اذنيك أنغام اورشليم ؟ التى سبقنا اليها انطونيوس وبولا وأغسطينوس ؟ تلمس فى هدوء بصيرة الايمان التى فيك ، حتى ترى الله فى كل خليقة وكل إنسان ، فيتنقى العالم أمامك ويتطهر .
3) الفراغ :

يستحيل ان يعيش الانسان فى فراغ ، والفراغ هنا ليس فراغ الوقت بل خلو الحياة ، حين تكون الحياة خلوا من رسالة هنا الضياع والسقوط فى العبث الذى طبع الادب الفرنسى لزمان غير قليل ، وأنتشر فى بقاع كثيرة ، بعد ذلك إن من يقرأ لصموئيل بيكيت او اونسكو سيشعر بمرارة ما يعانيان من ضياع معنى الحياة والوجود فى نظرهما وحين يفقد الانسان رسالته فى الحياة الى مأساة ويتحول الآخرون الى جحيم ، لانهم سيعطلون طوح الذات .
لكن الرب يفتح لنا هنا أفقا رائعة : " أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا " الانسان هنا ، وجد لكى يخدم ويتحد بالمحبة مع البشرية كلها ، وحين يشعر الانسان انه " رسول محبة " للانسانية ينسى ذاته ويتذكر أخاه فلا يعد أنانيا بل محبا للجميع من قلب طاهر بشدة .
لا تجلس متباكي على بعض المتاعب الجنسية عندك ، لكن أخرج الى الطرقات لتبحث عن الخراف الضالة والمجهدة ، وتدعوها الى وليمة المحبة فى بيت الرب ، والى شركة الوجود فى حضرة الله ، هل تشعر يا اخى الشاب أنك " رسول محبة " ؟ تقدم الخدمة لكل فقير او بعيد ، وتقدم من حبك لكل محروم ومتضايق ، هل تخدم الرب بأمانة وأتساع قلب ؟ أم أنك تحيا لتكون نفسك ماديا ، وتمتع نفسك بما فى هذا الدهر وتترك أخوة لك – فقراء فى الروح او المادة – يتضورون جوعا .
فلتكن لك رسالة وخدمة ، واخرج من بيتك لتزرع الحب والسلام فى كل الارض .
4) التوتر :

حين يعانى الشباب توترا وقلقا نفسيا من اجل المستقبل مثلا ، او من اجل متاعب مادية او اجتماعية فى محيط الاسرة ، ينعكفون على الخطية لاستجلاب لذة تعويضية عن المرار الذى يعيشونه .
لذلك يلزم للشباب الذى ينشد الطهارة ألا يترك نفسه لأى سبب او لأى مشكلة ، بل يسلمها فى هدوء بين يدى الله ، واثقا أنه أبن لأب يرعى إحتياجاته ويعطيه الطعام فى حينه الحسن ، ويعمل كل شىء حسنا فى وقته .
ان لحظات المخدع التى تتحاور مع الله بخصوص مشاكلك المادية والعلمية والعائلية .. تهدى نفسك وتسكب السلام فى داخلك ، فلا تشعر بجوع عاطفى ، ولا بتوتر نفسى يدفعك للسقوط ، خصوصا فى الافكار الشريرة او العادات الضارة كالعادة الشبابية او عادة التدخين او غيرها .

والآن يا أخى الحبيب ..

مزيدا من الحب للمسيح والتطلع للسماء ، والمحبة للآخرين ، والسلام الداخلى .. وهكذا تحصل على الطهارة والقداسة التى بدونها لن يرى احد الله .
" من لى فى السماء ومعك لا اريد شيئا على الارض " (مز73: 25) .
************************************************** *
منقول