خاص صوت المسيحى الحر
السعيد هو الذي يشعر بحاجته إلى الله






«طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَات»






(متى 5: 3)





الدرجة الأولى في سلم الارتقاء الروحي هي الشعور بالحاجة، والافتقار إلى علاقة سليمة حميمة بالله.








وهناك فرق بين المسكين «في الروح» و«المسكين بالروح».







فالمسكين في الروح هو الفقير في علاقته بالله




أما المسكين بالروح فهو الذي يشعر باحتياجه الدائم للرب، وقد وصفه المسيح بالسعادة، لأن اليد السفلى تنتظر عون السماء وتناله.








وأذكر ثلاثة معانٍ للمسكنة بالروح:



(أ) المسكين بالروح هو الذي يشعر في أعماقه أنه فقير دائماً إلى رحمة الله، وأنه ناقص في الموازين الإلهية:



(مزمور 62: 9 ودانيال 5: 27).




وهو الذي يعرف أنه بدون الله لا يستطيع
شيئاً، ولا يساوي شيئاً، ويقول: «أَمَّا أَنَا فَعَلَى رَحْمَتِكَ
تَوَكَّلْتُ. يَبْتَهِجُ قَلْبِي بِخَلاَصِكَ. أُغَنِّي لِلرَّبِّ لأَنَّهُ
أَحْسَنَ إِلَيَّ» (مزمور 13: 5، 6).





فيتمُّ فيه القول: « هَذَا الْمِسْكِينُ صَرَخَ، وَالرَّبُّ اسْتَمَعَهُ، وَمِنْ كُلِّ ضِيقَاتِهِ خَلَّصَهُ» (مزمور 34: 6).






روى لنا المسيح مثَلاً عن جابي ضرائب
مسكين بالروح، وقف في الهيكل من بعيد، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء،
لشدة خجله من خطاياه، وقرع على صدره قائلاً:





« اللهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ ».




فكان هذا بداية رقيِّه الروحي، وصار له
حق الدخول إلى ملكوت السماوات، وقال المسيح عنه: « أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ
هَذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّراً.. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ
نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ» (لوقا 18: 13،
14).






وكان اللص المصلوب التائب مسكيناً بالروح





فقال للمسيح: «اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ».



وبهذه الطلبة ارتقى أولى درجات السلّم الروحي، فدخل ملكوت السماوات لما


قال المسيح له: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ» (لوقا 23: 42، 43).





المسكين بالروح هو الذي يهتف مع رسول
المسيحية بولس: «لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنْ نَفْتَكِرَ
شَيْئاً كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ اللهِ،
الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ»
(2كورنثوس 3: 5، 6).







ومن المؤسف أن البشر لا يرتقون روحياً
لأنهم عادةً ينتفخون بكبرياء داخلي، ولا يحبون أن يشعروا بالمسكنة الروحية،
كما فعل قائد كنيسة لاودكية




فوبَّخه المسيح بالقول: « لأَنَّكَ
تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي
إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ، وَالْبَائِسُ،
وَفَقِيرٌ، وَأَعْمَى، وَعُرْيَانٌ. أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ
مِنِّي ذَهَباً مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَاباً
بِيضاً لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ
عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ»


(رؤيا 3: 17، 18).





وكان الهدف من التوبيخ أن تكون الطوبى والارتقاء الروحي من نصيب هذا القائد.





وهذا ما أراده الله لشعبه إذ قال:
«أَنْزِعُ مِنْ وَسَطِكِ مُبْتَهِجِي كِبْرِيَائِكِ، وَلَنْ تَعُودِي
بَعْدُ إِلَى التَّكَبُّرِ فِي جَبَلِ قُدْسِي، وَأُبْقِي فِي وَسَطِكِ
شَعْباً بَائِساً وَمِسْكِيناً، فَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ»


(صفنيا 3: 11، 12).





فما أسعد المسكين بالروح، الذي يقول له
المسيح: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ
الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ،
لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ، ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ،
وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ»





(لوقا 4: 18).





طوبى لمن اكتشف فقره الروحي، فألقى كل هموم روحه وجسده على الله.







(ب) والمسكين بالروح هو الذي يتواضع
ويختار أن يضحي من أجل المسيح ، ومن أجل إخوته، ومن أجل جيرانه، مطيعاً
الأمر الإلهي: «وَأَنْتَ فَهَلْ تَطْلُبُ لِنَفْسِكَ أُمُوراً عَظِيمَةً؟
لاَ تَطْلُبُ!»




(إرميا 45: 5).




وهو الذي يحيا بحسب النصيحة الربانية




«مَتَى دُعِيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى
عُرْسٍ فَلاَ تَتَّكِئْ فِي الْمُتَّكَإِ الأَوَّلِ، لَعَلَّ أَكْرَمَ
مِنْكَ يَكُونُ قَدْ دُعِيَ مِنْهُ، فَيَأْتِيَ الَّذِي دَعَاكَ وَإِيَّاهُ
وَيَقُولَ لَكَ: أَعْطِ مَكَاناً لِهَذَا. فَحِينَئِذٍ تَبْتَدِئُ
بِخَجَلٍ تَأْخُذُ الْمَوْضِعَ الأَخِيرَ. بَلْ مَتَى دُعِيتَ فَاذْهَبْ
وَاتَّكِئْ فِي الْمَوْضِعِ الأَخِيرِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ الَّذِي دَعَاكَ
يَقُولُ لَكَ: يَا صَدِيقُ، ارْتَفِعْ إِلَى فَوْقُ. حِينَئِذٍ يَكُونُ
لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ
نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ»


(لوقا 14: 8-11).





(ج) والمسكين بالروح هو الذي يعرف أن كل ما عنده عطية من عند الله:





كما قال الملك داود للرب: «مِنْكَ الْجَمِيعُ، وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ» (1أيام 29: 14).





ومثل النبي عاموس الذي قال: «لَسْتُ
أَنَا نَبِيّاً وَلاَ أَنَا ابْنُ نَبِيٍّ، بَلْ أَنَا رَاعٍ وَجَانِي
جُمَّيْزٍ، فَأَخَذَنِي الرَّبُّ مِنْ وَرَاءِ الضَّأْنِ وَقَالَ لِي
الرَّبُّ: اذْهَبْ تَنَبَّأْ لِشَعْبِي» (عاموس 7: 14، 15).








ويسألنا الوحي: « أَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟





(بمعنى أنك لم تحصل على شيء بمجهودك،
لكنه من كرم الله عليك). وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا
تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟» (1كورنثوس 4: 7).





وكل من يعرف أن ما عنده عطية إلهية يملك الله على حياته هنا، ويمنحه الحياة الأبدية في الحياة الأخرى، لأنه عضو في ملكوت الله.







والجزاء الذي يمنحه الله للمسكين بالروح
هو أن يُدخله ملكوت السماوات، فيكون من رعايا الملك السماوي الآن! فالمسيح
لا يقول «سيكون» لهم ملكوت السماوات، ولا يقول «ربما» يكون لهم، بل «لأن
لهم» الملكوت هنا والآن.







وهذا الملكوت يتكون من ثلاث خطوات:






(أ) أولها أنه يبدأ كبذرة في قلب المؤمن : يقول الله له فيها: « مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ» (لوقا 17: 21).





(ب) ثم ينمو ويصير شجرة تنمو من البذرة:
فقد قال المسيح: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَلٍ
أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ
الْبُزُورِ. وَلَكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ
شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي
أَغْصَانِهَا» (متى 13: 31، 32)





فنقول: « كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ»



(2كورنثوس 6: 10).



«لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ
الْمُرْتَفِعُ سَاكِنُ الأَبَدِ الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: فِي الْمَوْضِعِ
الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ
وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ،
وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ» (إشعياء 57: 15).






(ج) وخطوته الثالثة المجازاة الكاملة في الأرض وفي سماء المجد: فيربح نفوساً للمسيح، كما قال المسيح لبطرس وأندراوس:





«هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ»


(متى 4: 19) فإن «رَابِحَ النُّفُوسِ حَكِيمٌ» (أمثال 11: 30).






أما في سماء المجد فيقول الرب له:
«نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي
الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ
سَيِّدِكَ» (متى 25: 23).












آية للحفظ





«طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَات»


(متى 5: 3)









صلاة



أعترف لك يا رب بفقري الروحي، وأطلب أن يبدأ ملكوتك بذرة في قلبي تنمو كشجرة زاهية مثمرة