محمد حسنين هيكل وسؤال الوقت!

بقلم صلاح عيسى - المصرى اليوم

من بين الأفكار الكثيرة والمثيرة - كالعادة - للجدل والتفكير، التى طرحها الأستاذ محمد حسنين هيكل، فى حواره مع الزميل ياسر رزق، رئيس تحرير «الأخبار»، توقفت أمام سؤال الوقت: هل نضع الدستور أولاً.. أم ننتخب الرئيس أولاً؟

وخلاصة ما أجاب به الأستاذ هو أنه يتحفظ على قول القائلين بأن الدستور جاهز، وأن كل ما هو مطلوب هو تعديل الباب الخامس - الخاص بالسلطات من دستور ١٩٧١ - لأن بقية أبواب هذا الدستور متفق عليها، وهو قول يرى أن أصحابه يتجاهلون أن الدساتير ليست نصوصاً محفوظة على الحجر، وأن العالم الحديث - فضلاً عن التطورات التى لحقت بمجتمعنا نفسه - أسفر عن رؤى جديدة لمسائل قديمة، ومستجدات لم تكن فى ظنوننا.

ومن هذه المسائل القديمة مثلاً مسألة الهوية: هل مازلنا جزءاً من الأمة العربية كما يرى الأستاذ ويرى غيره، أم أننا أصبحنا أمة مصرية قائمة بذاتها ترفع شعار «مصر أولاً.. وأخيراً»، كما جرت على ذلك سياسة مصر خلال الأعوام الأربعين الماضية؟ ومنها مسألة المرأة التى لم تحصد، فى أول انتخابات أجريت بعد الثورة، إلا على عدد لا يزيد على أصابع اليد الواحدة من مقاعد البرلمان - كما يقول الأستاذ - ما لا يستقيم معه حق أو يتسق معه دستور.. ومنها مسألة حقوق الأقباط التى عادت الأصوات المطالبة بـ«كوتة» لهم فى المجالس النيابية والوظائف العامة تتصاعد بعد تراجع الوعى العام بحقوق وواجبات المواطنة، ومنها طبيعة النظام الجمهورى، وهل يكون رئاسياً أم برلمانياً.

ومن بين المسائل المستحدثة التى يتجاهلها القائلون بأن الدستور جاهز، مسألة الحقوق السياسية لأبناء وأحفاد المصريين فى الخارج الذين سيحملون بحكم الميلاد جنسية أجنبية، وهى مسألة لم يتعرض لها دستور مصرى من قبل، فضلاً عن مسائل أخرى كثيرة لم تكن موجودة، اكتشفت بالتجربة مثل حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدنى، أصبح من الضرورى وضع حدود لها وتعريف دستورى لمجالاتها لأن الدساتير كما يقول الأستاذ: «لكى تحترم.. لابد أن تعبر عن حقائق وواقع ومستقبل».

وفيما يتصل بسؤال الوقت: هل نضع الدستور - أولاً - أم ننتخب الرئيس أولاً؟ تحفظ الأستاذ «هيكل» - بشكل غير مباشر - على ما سماه «الكلام المرسل عن تسليم السلطة بأسرع وقت».. فمع إقراره بأنه من حيث المبدأ كلام مفهوم ومعقول، إلا أنه أحاطه بسلسلة من الأسئلة التحذيرية والإجابات الاستنكارية تجعله كلاماً غير مفهوم وغير معقول.. لأن الجهة الوحيدة المؤهلة لتسلم السلطة هى حزب الأغلبية، الذى ولد من رحم جماعة الإخوان المسلمين، ومع التسليم بأن هذا الحزب، كما يرى الأستاذ، «جدار فى بناء الشرعية، وله بلا جدال مشروعية قانونية»، إلا أن الشرعية الكاملة فى البلد.. كما يضيف: «لا يمكن أن يرفعها سوى دستور كامل.. بناء كامل.. على أساس متفق عليه».

وفى استعراضه للإشكاليات التى تترتب على هذا الكلام المرسل، والمفهوم والمعقول، عن الإسراع بتسليم السلطة، طرح الأستاذ «هيكل» اشمئناطية منها: هل نسلم سلطة وزارة الدفاع وفيها قيادة القوات المسلحة للإخوان المسلمين؟.. وكيف والقوات المسلحة موصولة بالدستور وليست بأغلبية فى مجلس الشعب، وهذه اللحظة ليس هناك دستور، هل نسلم لهم سلطة وزارة الداخلية وكيف وهم كانوا لسنوات فى عداء مع أجهزة الأمن؟ هل نسلم لهم سلطة السياسة الخارجية.. وكيف والأمن القومى معلق ليس فقط بالدستور، ولكن بممارسات خبرتها النخب المدنية وليس الإخوان، فى هذه اللحظة مستعدون لها أو قادرون عليها، ثم إن لهم ــ كما يضيف الأستاذ ـ صداقات مع قيادات وقوى فى الإقليم قد تكون عبئاً على الدولة المصرية.. هل نسلم لهم بسلطة التعليم أى صياغة عقل وفكر المستقبل.. وكيف فى هذا الزمن وفى ظروفه؟.. ثم أن يتم ذلك دون دستور جديد يحدد الهويات والمرجعيات الأساسية والفكرية!

والخلاصة التى ينتهى إليها الأستاذ «هيكل»، هى أن هذا الكلام المرسل، والمفهوم والمعقول، عن الإسراع بتسليم السلطة لرئيس مدنى، فى غيبة دستور، يقرر الحدود ويربط الأواصر، هو «وصفة فوضى» سوف تسفر عن صدام بين القوات المسلحة والإخوان، وبين البوليس والإخوان، وبين الإخوان والأقباط، خاصة أن مصر سوف تواجه خلال شهور حقيقة أن الأزمة الاقتصادية قد وصلت إلى الحافة.. وأن قدرة الاقتصاد المصرى على المقاومة قد نفدت.

تلك بعض الإشكاليات التى دفعت الأستاذ «هيكل» إلى الحكم بأن مصر غارقة وغائبة فى عالم آخر، تحيط بها أحوال سوف تصل إلى ذروتها خلال شهور، وإذا كان ليس صحيحاً ولا هو نافعاً فى رأيه أن يقول له أحد إن الدستور جاهز وإن المطلوب هو مجرد تعديل فى أحد فصول دستور ١٩٧١، فليس من المنطقى أن ننتخب رئيساً جديداً لمجرد سد فجوة فراغ فى السلطة، مع أن السلطة ـ كما يضيف ـ ليست هى المشكلة، ولكن المشكلة هى الدولة.. والدولة مكشوفة ومعرضة.

والبحث عن حل لمواجهة هذه الحقائق المرّة هو ـ فى رأيه ـ مسؤولية الجيل الذى فجر الثورة، والذى يملك المستقبل، وهو ما يتطلب ـ فى رأيى ـ قراءة نقدية لأحداث العام الذى انقضى من عمر الثورة، وكثيراً من التفكير والتنظيم وقليلاً من الانفعال والاندفاع.

منقوووول