هل
يحكم الفأر الغابة بعد الأسد العجوز، نتيجة ديمقراطية الكم الأعمى لجهلة
الناخبين ، على حساب الكيف المستنير؟ (قصة قصيرة من الأدب الرمزى)
يحكم الفأر الغابة بعد الأسد العجوز، نتيجة ديمقراطية الكم الأعمى لجهلة
الناخبين ، على حساب الكيف المستنير؟ (قصة قصيرة من الأدب الرمزى)
بقلم: الأديب فايز البهجورى
تاريخ النشر: 8 بشنس 1728 ش – 16 مايو 2012 م
هذه الحكاية
تقوم الديقراطية على أساس الكم المطلق .
فعدد أصوات الناخبين هو الذى يختارويحدد المرشح الفائز، دون أى اعتبار
لنوعية الناخبين ، ومدى صلاحية المرشح الفائز للعمل المطلوب منه القيام
به.
تاريخ النشر: 8 بشنس 1728 ش – 16 مايو 2012 م
هذه الحكاية
تقوم الديقراطية على أساس الكم المطلق .
فعدد أصوات الناخبين هو الذى يختارويحدد المرشح الفائز، دون أى اعتبار
لنوعية الناخبين ، ومدى صلاحية المرشح الفائز للعمل المطلوب منه القيام
به.
هذه الديمقراطية هى ديمقراطية عمياء . تجاهلت الكيف لحساب الكم .
ان أصوات ألف ناخب مثقف ومستنير أفضل من أصوات مائة ألف ناخب أمى وجاهل .
ان الوعى السياسى المستنير للناخبين يجب أن يأتى قبل ممارسة حقوقهم السياسية فى الانتخاب .
ولو وضعت الشعوب هذه القاعدة فى الاعتبار لما عانت من هذا الكم الهائل
من القوانين السيئة السمعة ، ومن الحكام المستبدين والدكتاتوريين ، الذين
عادة ما ينتهى بهم الأمرالى المحاكم بتهم الفساد والسرقة واستغلال النفوز
.
وهذه القصة الرمزية التى أوصلت الفار لحكم الغابة، اعتمادا على كم
الناخبين من الفئران ، قياسا الى كم الناخبين من الحيوانات الأخرى ذات
الأهمية فى الغابة، هى تجسيد للديمقراطية العمياء، وما أدت اليه من خطأ فى
اختيار القادة .
لم يعد الأسد العجوز قادرا على السيطرة على الغابة والمحافظة على
إستقرار الحياة فيها . فقد زادت الفوضى إلى حد أقلق كل سكانها . ولم يعد
أحد فيها آمنا على نفسه .
الكبير يأكل الصغير . والقوى يبتلع الضعيف . والقادر يقضى على العاجز.
والماكر يخدع الطيب. ولم يعد أحد فى الغابة راضيا على مايحدث حوله.
ودارت مناقشات كثيرة ..فى مواقع كثيرة.. بين مجموعات مختلفة من الحيوانات تندد بالوضع السيىء الذى آلت اليه الأمور فى الغابة .
واقترح أحد الأفيال عقد مؤتمر عام يحضره حيوان واحد ممثلا لفصيلته من
الحيوانات، يتدارسون فيه الوضع السيىء فى الغابة ، للبحث عن مخرج من
حالة الفوضى العارمة التى يعيش فيها سكانها ، وإعادة الأمن والأمان لهم .
كما يتم الاتفاق على أن لا يعتدى حيوان على آخر فى هذا اليوم ، حتى يمكن أن يشارك الجميع ، بلا خوف ، فى هذا المؤتمر.
استجابت الحيوانات لهذه الاقتراحات وبدأت فى تنفيذها .
وبناء على هذا الاتفاق قامت كل فصيلة من الحيوانات بإختيار من يمثلها
فى هذا المؤتمر العام الذى تحدد موعد إنعقاده فى ليلة اكتمال القمر فى
الشهر الجديد .
وفى الموعد المحدد إنعقد المؤتمر العام لكل ممثلى حيوانات الغابة
إبتداء من أكبر حيواناتها كالفيل والخرتيت والزراف والجمل والثور وغيرهم ،
وحتى أصغر حيواناتها كالسنجاب والفأر والأرنب وغيرهم.
وناقش المجتمعون الوضع العام للغابة. واستعرضوا صور الفوضى فى الحياة
العامة فيها .. وافتقاد الأمن والأمان.. وغياب العدل والمساواة فى الحقوق
والواجبات .. وغير ذلك من الأمور .
وإتفق المجتمعون على أنه لابد من إختيار حيوان قوى قادر يتولى حكم
الغابة .. وإقامة العدل والسلام والأمان فيها .. بدلا من الأسد العجوز
الذى لم يعد قادرا على ذلك .
وهنا ظهرت مشكلة . من هو الحيوان القوى الفادر الذى سيتم إختياره ؟ وكيف يتم إختياره لهذه المهمة الصعبة ؟
واستمع المجتمعون إلى وجهات نظر عديدة
قال الأسد أنه من الضرورى أن يكون الحيوان المنتخب من بين الأسود . فالأسد
هو الحيوان القوى القادر على حكم الغابة وتحقيق الاستقرار فيها .
وقال الفيل أنه يرى أن يكون الحيوان المختار من بين الأفيال . فالفيل
يستطيع بزلومته الطويلة أن يعاقب أى حيوان يخرج على النظام العام فى
الغابة . يلفه بزلومته ويطوح به فى الهواء فيهبط على الأرض محطما .
وقال الخرتيت إنه يجب أن يكون من يحكم الغابة من بين الخراتيت .
فالخرتيت يملك أقوى قرن يستطيع أن يغرزه فى جسم الحيوان الذى يخرج على
النظام العام فيمزق جسده .
وقال الزراف ان الحيوان المناسب لحكم الغابة يجب ان يكون من بين
الزراف . فالزراف يملك أطول رقبة تساعده على رؤية ما يدور حوله فى الغابة
فى مساحات واسعة ، وهذا مالا يتوفر لأى حيوان آخر .
وعلى هذا النحو أبدى كل حيوان رأيه فى أن يكون الحيوان المنتخب من فصيلته .
الثور والنمر والذئب والثعلب والكنجارو والحصان والحمار حتى الكلب
والخروف وتيس الماعز والفار والسنجاب وغيرهم طالبوا بنفس المطلب .
وكانت النتيجة أنه لم يتم الاتفاق على حيوان بعينه يتولى حكم الغابة .
وهنا اقترح الثعلب إقتراحا جيدا .
قال الثعلب للحاضرين : للخروج من هذه المشكلة أرى إن يتم إختيار
الحيوان الذى سيحكم الغابة عن طريق الانتخابات ،على أساس ديمقراطى .
بمعنى أن يرشح نفسه لهذا المنصب أى حيوان فى الغابة يرى أنه يستطيع أن
يقوم بواجبات ومسئوليات هذا المنصب الكبير ، وعلى جميع أفراد الغابة - من
خلال إنتخابات حرة مباشرة - إختيار أفضل المرشحين لهذا المنصب . ومن يحصل
على أكبر عدد من أصوات الناخبين يصبح رئيسا للغابة ، سواء كان أسدا أو
خروفا أو حتى فارا .
وهنا أشار الثور الى مشكلة : هل سنسمح لكل من يرى فى نفسه أنه قادر
على حكم الغابة أن يرشح نفسه لهذه الانتخابات ، سواء كان من الأسود ..
أو الأفيال.. أو الجمال . أو الحمير.. أو المعيز.. أو الفئران .. الخ
ألخ
أعتقد أن ذلك غير ممكن لكثرة عدد الحيوانات فى كل فصيلة.
وهنا قال الثعلب : اذن لنجعل الانتخابات على مرحلتين .
المرحلة الأولى تنتخب كل فصيلة من الحيوانات حيوانا واحدا منها لخوض انتخابات ملك الغابة .
وفى المرحلة الثانية تقتصرالانتخابات على قادة الحيوانات الذين أفرزتهم انتخابات الفصائل العديدة، فى المرحلة الأولى .
وفى النهاية يكون هناك أسد واحد وفيل واحد وخرتيت واحد وحمار واحد وفأر
واحد ...الخ وهؤلاء هم الذين يخوضون انتخابات اختيار ملك الغابة .
***
وافق معظم الحاضرين على هذا الاقتراح . فقد أعطى الفرصة لجميع الحيوانات
على قدم المساواة للفوز بمنصب الملك ، دون تمييز بين فصيلة وفصيلة لأى
سبب من الأسباب .
لا الحجم ولا القوة ولا سرعة الجرى ولا طول الرقبة ولا كبر القرون ولا طول الذيل ولا أى شيىء آخر .
ولم يرفض هذه الاقتراح الا مجموعة قليلة من الحيوانات ، كما أن القليل منهم إمتنع عن إبداء رأيه فيه.
ولكنه بناء على رأى الأغلبية تمت الموافقة عليه . وتم تحديد موعد إجراء
الانتخابات للمرشحين فى ليلة البدر الجديد فى الشهر الجديد .
***
وقبل هذا الموعد تحركت كل فصائل الحيوانات تعمل من أجل إختيار ملك الغابة من بين أفرادها .
وقامت كل فصيلة باختيار قائد لها ، كما راحت تجند كل أفرادها للمشاركة فى
الانتخابات الكبيرة لإختيار الحاكم المطلوب للغابة من فضيلتها
يوم الانتخابات
ثم جاء يوم الانتخابات . وكان طبيعيا أن ينتخب كل أفراد فصيلة من فضائل الحيوانات المرشح الذى ينتمى إليها .
الأسود إختارات الأسد . والنمور اختارت النمر. والحمير اختارت الحمار .
والكلاب اختارت الكلب والسناجب اختارت السنجاب . والفئران اختارت الفار ..
وهكذا .. وهكذا
وفى نهاية يوم الانتخاب تم فرز الأصوات التى حصل عليها كل مرشح .
وكانت المفاجأة الكبرى.
لقد حصل مرشح الفئران على أكبر عدد من الأصوات !
فقد نجح الفار المرشح وأعوانه من الفئران فى أن يدفعوا بأكبر عدد من الفئران للتصويت فى صالح الفار الممثل لهم .
فى حين حصل الأسد المرشح على أقل عدد من الأصوات .
وكذلك الخرتيت والثور حيث لم يتحمس كثيرا من إتباعهم لاختيارهم
وجاء ترتيب الحمار فى المرتبة الثانية بعد الفأر .
ويليهم الخنزير ثم الكلب ثم باقى الحيوانات .
وعقب إعلان هذه النتيجة عقد الزراف مؤتمرا عاما بدأ يناقش فيه هذه
النتائج المفاجئة وأسباب وقوعها . وكيف سيتولى حكم الغابة فار. وكيف سيكون
حال الغابة فى ظل حكمه لها .
وتحدث كثير من الحيوانات فى هذا الشأن . وعبر البعض على إستيائه من هذه
النتيجة ، ولكن يجب إحترام إرادة الناخبين . والأخذ برأى الأغلبية .
الديمقراطية كما يراها الثعلب
ثم تحدث الثعلب قائلا : عندما ينتهى الأمر إلى أن يصل إلى حكم الغابه
فأر، فانه لابد وأن يكون هناك خلل قد حدث فى هذه العملية أدى إلى هذه
النتيجة المؤسفة . ولابد من معرفة هذا الخلل ومحاولة علاجه ان كان له
علاج .
أو على الأقل تفادى الوقوع فيه مرة أخرى .
لقد تمت الانتخابات بطريقة ديمقراطية صحيحة . لم يحدث فيها تزوير لصالح أحد الأطراف ، أو تواطؤ مع طرف دون الآخر .
ولكن النتيجة كانت على هذا النحو من السوء ، فجاءت باسوأ المرشحين .. ليسبق أفضل المرشحين .. ليشغل مثل هذا المنصب الكبير .
فهل العيب فى الديمقراطية أم أن هناك عوامل آخرى غيرها أدت إلى ذلك ؟
فى رأيى أن العيب ليس فى الديمقراطية فى حد ذاتها ، ولكن فى المناخ الذى تمت فيه عملية ممارسة الديمقراطية .
فهذا المناخ لم يكن هو المناسب لهذا الأسلوب الراقى فى إختيار الرئيس .
فعدد أصوات الناخبين ليس هو المعيار الصحيح للاختيار. فالمعيار الصحيح ليس هو الكم وحده بل هو أيضا الكيف .
هو المستوى الذى يجب توافره فى شخصية الناخب . فالناخب الواعى المستنير صوته أفضل من ألف صوت لناخب جاهل و تافه لا عقل له .
والمرشح الذى يحصل على 100 صوت لناخبين مثقفين وواعين وفاهمين لما يدور
حولهم ، أفضل من مرشح يحصل على1000 صوت لناخبين جهلة وأميين ولا يعرفون
شيئا عما يدور حولهم .
ونحن هنا ساوينا بين صوت الزراف وصوت الفيل وصوت الخرتيت مع صوت الفار وصوت السنجاب وصوت الأرنب وأمثالهم.
هذا التقدير السيئ والغبى لقيمة ووزن الناخب أحدث هذا الخلل فى نتائج تطبيق الأسلوب الديمقراطى الراقى فى الاختيار .
هذا هوتحليلى وتفسيرى لهذه النتيجة السيئة للغاية التى أوصلت الفأر إلى حكم الغابة .
وأؤكد لكم أنه لو سمحنا للحشرات ، مثل النمل والنحل والذباب
والصراصير وغيرها ، بالاشتراك فى هذه الانتخابات ، بمرشحيها وناخبيها ، ،
لحصلت نملة أو ذبابه أو صرصور على أكثر الأصوات ، ووصلت الى حكم الغابة .
وهنا سأل الفيل : اذا كان الأمر كما تقول ، فكيف ترى أن تكون
الانتخابات حتى لا يتكرر مثل هذا الخلل الذى حدث ، فى المرات القادمة ،
وحتى لا نصل إلى مثل هذه النتيجة السيئه مرة أخرى ؟
قال الثعلب : يجب أن نعيد النظر فى كل عناصر العملية الانتخابية.
** مستوى الانتخابات التى يتم اجراؤها.
** و مستوى المرشحين لكل موقع فيها .
** ومستوى الناخبين الذين يسمح لهم بممارسة حق الانتخاب فى أى من هذه الانتخابات.
** ثم كيف تتم العملية الانتخابية
** وأخيرا الأسلوب الديمقراطي فى الإختيار.
وعاد الفيل يسأل مرة أخرى : قد تكون الفكرة واضحة فى ذهنك ، ولكنى لا أظنها كذلك فى أذهان الآخرين . فهل لك أن توضحها لنا ؟
قال الثغلب :
سأوضحها لكم على النحو التالى :
أولا - بالنسبة لمستوى الانتخابات:
يجب أن نفرق بين ثلاثة مستويات للانتخابات :
* المستوى الأول هو الذى يتم فيه اختيار الحراس المحليين لمنابع المياه.
* و المستوى الثانى هو الذى يتم فيه اختيار أعضاء مجلس الغابة الممثلين لكل حيواناتها .
* و المستوى الثالث هو الذى يتم فيه اختيار حاكم الغابة.
وهو أعلى هذه المستويات الانتخابية جميعا.
ثانيا - بالنسبة لمستوى المرشحين لكل موقع حسب أهميته :
انه من الضرورى وضع ضوابط وشروط محددة لكل من يسمح له بترشيح نفسه فى أى موقع من هذه المواقع.
* مواصفات لمن يسمح له بالترشيح لموقع حارس لأحد منابع الماء المحليين فى الغابة
* ومواصفات لمن يسمح له بالترشيح لعضوية مجلس الغابة
* ومواصفات لمن يسمح له بالترشيح لموقع حاكم الغابة
والى جانب المواصفات الخاصة المطلوب توافرها فى كل فريق منهم توجد مواصفات عامة يجب توافرها فى الجميع . ومن هذه المواصفات العامة :
1 – توفرمستوى عالى من الخبرة المناسبة للموقع
2 – أن يكون ذو فكر ناضج ومستوى خبرة مناسب
3 – لا يسمح بحال من الأحوال أن يترشح لهذه الانتخابات جاهل لا يملك الخبرات الكافية والمناسية للموقع الذى يترشح له.
ثالثا - بالنسبة لمستوى الناخبين:
وفيما يتعلق بمستوى الناخبين الذين يكون لهم حق الانتخاب فى أى مستوى
من مستويات الانتخابات الثلاثة ، للحراس المحليين ، أو أعضاء مجلس الغابة
، أو الحاكم. فنحن نلاحظ ما يلى :
* هناك الناخب الواعى الذى يملك خبرات وقدرات كبيرة على تفهم الحياة من حوله .
* وهناك الناخب السطحى الضحل الذى لا يعرف شيئا عما يدور حوله . ولم يحصل
على أى قدر من الخبرات ، ولا يتابع مجرى الأمور فى الغابة .
* وبين المستوى العالى الواعى من الناخبين والمستوى السطحى الذى يفتقد
إلى الخبرات العامة يوجد مستوى ثالث وسط بين الفريقين . وهم الذين لديهم
قدر محدود من الخبرات، اقل من الفريق الأول واكثر من الفريق الثانى ..
والمستوي الأول من الناخبين يمكن اعتبارهم ناخبين من الدرجة الأولى .
والمستوي الوسط من الناخبين يمكن اعتبارهم ناخبين من الدرجة الثانية .
والمستوي السطحى من الناخبين يمكن اعتبارهم ناخبين من الدرجة الثالثة .
ومن الضرورى أن توضع فى الاعتبار هذه الفوارق بين مستويات الناخبين فى عمليات الانتخاب لأى مستوى .
رابعا - عملية الانتخاب:
فيما يتعلق بعملية الانتخاب يجب أن تتم على النحو التالى:
• فى الانتخابات المحلية لحراس منابع المياه يكون لأى ناخب من
المستويات الثلاثة الحق فى الاشتراك فيها والادلاء بصوته ، وانتخاب من
يراه صالحا لهذا الموقع المحلى المحدود .
• أما انتخابات أعضاء مجلس الغابة فيجب أن تقتصر على الناخبين من
المستوى الأول والثانى فقط ، فهم الصفوة من المثقفين وأنصاف المثقفين ،
ولا يسمح فيها بالمشاركة لناخبى المستوى الثالث الذين لا يستطيعون أن
يفرقوا بين المناسب وغير المناسب لعضوية مجلس الغابة .
• أما انتخابات المستوى الأعلى لاختيار حاكم الغابة ، فخطورة وأهمية
هذا الموقع تحتم أن يقتصر انتخابه على الناخبين من المستوى الأول فقط ،
فهم أصحاب الخبرات العالية فى الغابة . وهم الأكثر وعيا والأكثر قدرة على
اختيار أفضل المرشحين لهذا المنصب الكبير
ولا يسمح لناخبى المستوى الثانى والثالث بالمشاركة فى اختياره ، لأنه لا
يجوز أن يتوقف اختار حاكم الغابة على أصوات ناخبين جهلة ، يسوقهم البعض
كقطيع الى انتخابات لا يعرفون أهميتها وخطورة نتائجها ، وحتى لا نصل الى
مثل تلك النتيجة التى وصلنا اليها وأفرزت لنا فأرا ليحكم الغابة .
خامسا – الأسلوب الديمقراطر فى الانتخابات:
يبقى موضوع الديمقراطية .
ومن المؤكد أن الديمقراطية كنظام حكم أفضل من الدكتاتورية .
ولكن من الضرورى أن نفرق بين الديمقراطية الصحيحة و" الديمقراطية العمياء ".
فالدكتاتورية يمكن أن تسمح لذئب أن يحكم غابة الحملان ثم يأكلها واحدا بعد الآخر.
ولكن "الديمقراطية العمياء" ، التى تقوم على الكم فقط ، يمكن أيضا أن تؤدى
الى أن يحكم الغابة فأر او أرنب أو سنجاب أو... أو.....الى آخره .
وكما قلت من قبل لو اشتركت الحشرات فى الانتخابات مثل النمل والنحل
والصراصير والذباب ....الخ لوصلت الى حكم الغابة نملة ، ما دام الأمر كله
يتوقف على عدد الأصوات .
ولكن الديمقراطية الصحيحة لا يجب أن تقوم على الكم وحده . فعدد أصوات
الناخبين ليس هو العامل الوحيد الذى يجب أن تقوم عليه الديمقراطية ، حيث
يجب أيضا مراعاة الكيف .
والكيف يعنى مستوى الوعى الكافى للناخب الذى يسمح له بالمشاركة فى الانتخابات والمشاركة فى ابداء الرأى فيها.
أن عملية اختيار الملك أو الحاكم يجب أن تكون قاصرة على الصفوة من الناخبين .
انهم وحدهم القادرون على التمييز بين المرشح القادر على تدبير شئون
الغابة ، والمرشح العالى الصوت ، ولكنه لا يملك الامكانات التى يجب
توافرها فيمن يتولى الحكم.
هذا الاختيار لا تقرره أصوات الناخبين من المستوى الثالث، أو حتى
المستوى الثانى منهم ، الذين يدلون باصواتهم حسب توجيه القيادات المسيطرة
عليهم لهم ، دون تمييز بين المرشح الصالح للحكم والمرشح السطحى المتطفل
عليه.
ولا مانع من أن يمارس ناخب المستوى الثالث حقه فى الانتخابات المحلية لحراس ينابيع المياه
وأن يمارس ناخب المستوى الثانى حقه فى انتخابات حراس ينابيع المياه ، وأيضا أعضاء مجلس الغابة .
ولكن انتخاب الملك أو الحاكم يجب أن يكون قاصرا على الصفوة من المواطنين .
بهذه الممارسة الصحيحة للديمقراطية الصحيحة نتفادى الاستغلال الخاطئ
للديقراطية ، وتحويلها الى ديمقراطية عمياء .تقوم على الكم الغبى ، دون
اعتبار للكيف الناضج المطلوب .
هذه هى وجهة نظرى. ولكم أن تتقبلونها أو ترفضونها . ثم توقف الثعلب عن الحديث.
***
وهنا قال الزراف للثعاب .
لقد طرحت عرضا نموزجيا جيدا للعمليات الانتخابية كما يجب أن تكون فى شكلها المثالى ، وهذا ما يمكن العمل به فى المستقبل .
ولكن ماذا عن الانتخابات التى تمت فى الغابة وأسفرت عن وصول الفأر الى حكم الغابة ؟
قال الثعلب :
لقد أخطأنا فى التخطيط الجيد لهذه الانتخابات ، ونتج عن ذلك خطأ آخر أكبر منه .
ومع ذلك فانى أرى أن نتحمل نتيجة خطأنا لندرك نتيجة سوء التخطيط ، وندرك أيضا قيمة التخطيط الجيد لمثل هذه الأمور الهامة .
وبناء على ذلك فانى أرى أن نعطى الفرصة للفأر أن يحكم الغابة ، وأعتقد أنه لن يستمر طويلا فى ذلك .
وعندما ينتهى أمره نعيد الانتخابات على الأسس التى طرحتها لكم .
وسيرى المواطنون الفرق بين الديمقراطية الكمية العمياء وبين الديمقراطية
الكيفية -الكمية الصحيحة ، التى تبدأ بتحديد الكيف الذى يصنع الكم .
وهنا دار جدل كبير بين المواطنين فى الغابة حول هذه الرؤية الجديدة التى طرحها الثعلب ، ولكنهم فى النهاية وافقوا عليها.
***
وتولى الفأر حكم الغابة . وأحاط به مجموعة من أقاربه الفئران .
و كان جبانا يخشى الأقوياء . ويلبى مطالب الكبار على حساب مصالح الصغار.
كان ضعيفا وجبانا . لم ينصف مظلوما ضعيفا من ظالم قوى .
ولم يعد حقا مغتصبا لمظلوم ممن اغتصبه
والأسوأ من ذلك كله أنه كان يخشى الثعابين ، وأعطاهم الفرصة لكى يمارسوا ارهابهم للمواطنين فى الغابة.
وحدث ما توقعه الثعلب . فلم يستمر الفأر طويلا يحكم الغابة
، وانتهت حياته بواسطة واحد من الثعابين التى ترك لها الفرصة لترعب المواطنين .
فقد ابتلعه ثعبان .
الديمقراطية الصحيحة تفرز حاكما صالحا
وكان على سكان الغابة أن يجروا عملية انتخاب جدييدة ، تمت على أسس
جديدة . بدأت بتحديد الكيف المناسب لاختيار الكم الذى سيكون له حق
الادلاء بصوته الانتخابى فى المستوى المسموح له بالتصويت فيه .
وتمت الانتخابات . وأفرزت مجلسا قويا للغابة .والأهم هو أنها أفرزت حاكما قويا لها.
فلقد نجح الفيل بأصوات العقلاء من كل المواطنين ، ليصبح الحاكم الجديد
للغابة ، بدلا من الأسد العجوز الضعيف . والفأر المرتعد الجبان.
ولم يمض وقت طويل حتى شعر سكان الغابة بالفرق بين ما أفرزته الديمقراطية الصحيحة وما أفرزته الديمقراطية العمياء .
ان أصوات ألف ناخب مثقف ومستنير أفضل من أصوات مائة ألف ناخب أمى وجاهل .
ان الوعى السياسى المستنير للناخبين يجب أن يأتى قبل ممارسة حقوقهم السياسية فى الانتخاب .
ولو وضعت الشعوب هذه القاعدة فى الاعتبار لما عانت من هذا الكم الهائل
من القوانين السيئة السمعة ، ومن الحكام المستبدين والدكتاتوريين ، الذين
عادة ما ينتهى بهم الأمرالى المحاكم بتهم الفساد والسرقة واستغلال النفوز
.
وهذه القصة الرمزية التى أوصلت الفار لحكم الغابة، اعتمادا على كم
الناخبين من الفئران ، قياسا الى كم الناخبين من الحيوانات الأخرى ذات
الأهمية فى الغابة، هى تجسيد للديمقراطية العمياء، وما أدت اليه من خطأ فى
اختيار القادة .
لم يعد الأسد العجوز قادرا على السيطرة على الغابة والمحافظة على
إستقرار الحياة فيها . فقد زادت الفوضى إلى حد أقلق كل سكانها . ولم يعد
أحد فيها آمنا على نفسه .
الكبير يأكل الصغير . والقوى يبتلع الضعيف . والقادر يقضى على العاجز.
والماكر يخدع الطيب. ولم يعد أحد فى الغابة راضيا على مايحدث حوله.
ودارت مناقشات كثيرة ..فى مواقع كثيرة.. بين مجموعات مختلفة من الحيوانات تندد بالوضع السيىء الذى آلت اليه الأمور فى الغابة .
واقترح أحد الأفيال عقد مؤتمر عام يحضره حيوان واحد ممثلا لفصيلته من
الحيوانات، يتدارسون فيه الوضع السيىء فى الغابة ، للبحث عن مخرج من
حالة الفوضى العارمة التى يعيش فيها سكانها ، وإعادة الأمن والأمان لهم .
كما يتم الاتفاق على أن لا يعتدى حيوان على آخر فى هذا اليوم ، حتى يمكن أن يشارك الجميع ، بلا خوف ، فى هذا المؤتمر.
استجابت الحيوانات لهذه الاقتراحات وبدأت فى تنفيذها .
وبناء على هذا الاتفاق قامت كل فصيلة من الحيوانات بإختيار من يمثلها
فى هذا المؤتمر العام الذى تحدد موعد إنعقاده فى ليلة اكتمال القمر فى
الشهر الجديد .
وفى الموعد المحدد إنعقد المؤتمر العام لكل ممثلى حيوانات الغابة
إبتداء من أكبر حيواناتها كالفيل والخرتيت والزراف والجمل والثور وغيرهم ،
وحتى أصغر حيواناتها كالسنجاب والفأر والأرنب وغيرهم.
وناقش المجتمعون الوضع العام للغابة. واستعرضوا صور الفوضى فى الحياة
العامة فيها .. وافتقاد الأمن والأمان.. وغياب العدل والمساواة فى الحقوق
والواجبات .. وغير ذلك من الأمور .
وإتفق المجتمعون على أنه لابد من إختيار حيوان قوى قادر يتولى حكم
الغابة .. وإقامة العدل والسلام والأمان فيها .. بدلا من الأسد العجوز
الذى لم يعد قادرا على ذلك .
وهنا ظهرت مشكلة . من هو الحيوان القوى الفادر الذى سيتم إختياره ؟ وكيف يتم إختياره لهذه المهمة الصعبة ؟
واستمع المجتمعون إلى وجهات نظر عديدة
قال الأسد أنه من الضرورى أن يكون الحيوان المنتخب من بين الأسود . فالأسد
هو الحيوان القوى القادر على حكم الغابة وتحقيق الاستقرار فيها .
وقال الفيل أنه يرى أن يكون الحيوان المختار من بين الأفيال . فالفيل
يستطيع بزلومته الطويلة أن يعاقب أى حيوان يخرج على النظام العام فى
الغابة . يلفه بزلومته ويطوح به فى الهواء فيهبط على الأرض محطما .
وقال الخرتيت إنه يجب أن يكون من يحكم الغابة من بين الخراتيت .
فالخرتيت يملك أقوى قرن يستطيع أن يغرزه فى جسم الحيوان الذى يخرج على
النظام العام فيمزق جسده .
وقال الزراف ان الحيوان المناسب لحكم الغابة يجب ان يكون من بين
الزراف . فالزراف يملك أطول رقبة تساعده على رؤية ما يدور حوله فى الغابة
فى مساحات واسعة ، وهذا مالا يتوفر لأى حيوان آخر .
وعلى هذا النحو أبدى كل حيوان رأيه فى أن يكون الحيوان المنتخب من فصيلته .
الثور والنمر والذئب والثعلب والكنجارو والحصان والحمار حتى الكلب
والخروف وتيس الماعز والفار والسنجاب وغيرهم طالبوا بنفس المطلب .
وكانت النتيجة أنه لم يتم الاتفاق على حيوان بعينه يتولى حكم الغابة .
وهنا اقترح الثعلب إقتراحا جيدا .
قال الثعلب للحاضرين : للخروج من هذه المشكلة أرى إن يتم إختيار
الحيوان الذى سيحكم الغابة عن طريق الانتخابات ،على أساس ديمقراطى .
بمعنى أن يرشح نفسه لهذا المنصب أى حيوان فى الغابة يرى أنه يستطيع أن
يقوم بواجبات ومسئوليات هذا المنصب الكبير ، وعلى جميع أفراد الغابة - من
خلال إنتخابات حرة مباشرة - إختيار أفضل المرشحين لهذا المنصب . ومن يحصل
على أكبر عدد من أصوات الناخبين يصبح رئيسا للغابة ، سواء كان أسدا أو
خروفا أو حتى فارا .
وهنا أشار الثور الى مشكلة : هل سنسمح لكل من يرى فى نفسه أنه قادر
على حكم الغابة أن يرشح نفسه لهذه الانتخابات ، سواء كان من الأسود ..
أو الأفيال.. أو الجمال . أو الحمير.. أو المعيز.. أو الفئران .. الخ
ألخ
أعتقد أن ذلك غير ممكن لكثرة عدد الحيوانات فى كل فصيلة.
وهنا قال الثعلب : اذن لنجعل الانتخابات على مرحلتين .
المرحلة الأولى تنتخب كل فصيلة من الحيوانات حيوانا واحدا منها لخوض انتخابات ملك الغابة .
وفى المرحلة الثانية تقتصرالانتخابات على قادة الحيوانات الذين أفرزتهم انتخابات الفصائل العديدة، فى المرحلة الأولى .
وفى النهاية يكون هناك أسد واحد وفيل واحد وخرتيت واحد وحمار واحد وفأر
واحد ...الخ وهؤلاء هم الذين يخوضون انتخابات اختيار ملك الغابة .
***
وافق معظم الحاضرين على هذا الاقتراح . فقد أعطى الفرصة لجميع الحيوانات
على قدم المساواة للفوز بمنصب الملك ، دون تمييز بين فصيلة وفصيلة لأى
سبب من الأسباب .
لا الحجم ولا القوة ولا سرعة الجرى ولا طول الرقبة ولا كبر القرون ولا طول الذيل ولا أى شيىء آخر .
ولم يرفض هذه الاقتراح الا مجموعة قليلة من الحيوانات ، كما أن القليل منهم إمتنع عن إبداء رأيه فيه.
ولكنه بناء على رأى الأغلبية تمت الموافقة عليه . وتم تحديد موعد إجراء
الانتخابات للمرشحين فى ليلة البدر الجديد فى الشهر الجديد .
***
وقبل هذا الموعد تحركت كل فصائل الحيوانات تعمل من أجل إختيار ملك الغابة من بين أفرادها .
وقامت كل فصيلة باختيار قائد لها ، كما راحت تجند كل أفرادها للمشاركة فى
الانتخابات الكبيرة لإختيار الحاكم المطلوب للغابة من فضيلتها
يوم الانتخابات
ثم جاء يوم الانتخابات . وكان طبيعيا أن ينتخب كل أفراد فصيلة من فضائل الحيوانات المرشح الذى ينتمى إليها .
الأسود إختارات الأسد . والنمور اختارت النمر. والحمير اختارت الحمار .
والكلاب اختارت الكلب والسناجب اختارت السنجاب . والفئران اختارت الفار ..
وهكذا .. وهكذا
وفى نهاية يوم الانتخاب تم فرز الأصوات التى حصل عليها كل مرشح .
وكانت المفاجأة الكبرى.
لقد حصل مرشح الفئران على أكبر عدد من الأصوات !
فقد نجح الفار المرشح وأعوانه من الفئران فى أن يدفعوا بأكبر عدد من الفئران للتصويت فى صالح الفار الممثل لهم .
فى حين حصل الأسد المرشح على أقل عدد من الأصوات .
وكذلك الخرتيت والثور حيث لم يتحمس كثيرا من إتباعهم لاختيارهم
وجاء ترتيب الحمار فى المرتبة الثانية بعد الفأر .
ويليهم الخنزير ثم الكلب ثم باقى الحيوانات .
وعقب إعلان هذه النتيجة عقد الزراف مؤتمرا عاما بدأ يناقش فيه هذه
النتائج المفاجئة وأسباب وقوعها . وكيف سيتولى حكم الغابة فار. وكيف سيكون
حال الغابة فى ظل حكمه لها .
وتحدث كثير من الحيوانات فى هذا الشأن . وعبر البعض على إستيائه من هذه
النتيجة ، ولكن يجب إحترام إرادة الناخبين . والأخذ برأى الأغلبية .
الديمقراطية كما يراها الثعلب
ثم تحدث الثعلب قائلا : عندما ينتهى الأمر إلى أن يصل إلى حكم الغابه
فأر، فانه لابد وأن يكون هناك خلل قد حدث فى هذه العملية أدى إلى هذه
النتيجة المؤسفة . ولابد من معرفة هذا الخلل ومحاولة علاجه ان كان له
علاج .
أو على الأقل تفادى الوقوع فيه مرة أخرى .
لقد تمت الانتخابات بطريقة ديمقراطية صحيحة . لم يحدث فيها تزوير لصالح أحد الأطراف ، أو تواطؤ مع طرف دون الآخر .
ولكن النتيجة كانت على هذا النحو من السوء ، فجاءت باسوأ المرشحين .. ليسبق أفضل المرشحين .. ليشغل مثل هذا المنصب الكبير .
فهل العيب فى الديمقراطية أم أن هناك عوامل آخرى غيرها أدت إلى ذلك ؟
فى رأيى أن العيب ليس فى الديمقراطية فى حد ذاتها ، ولكن فى المناخ الذى تمت فيه عملية ممارسة الديمقراطية .
فهذا المناخ لم يكن هو المناسب لهذا الأسلوب الراقى فى إختيار الرئيس .
فعدد أصوات الناخبين ليس هو المعيار الصحيح للاختيار. فالمعيار الصحيح ليس هو الكم وحده بل هو أيضا الكيف .
هو المستوى الذى يجب توافره فى شخصية الناخب . فالناخب الواعى المستنير صوته أفضل من ألف صوت لناخب جاهل و تافه لا عقل له .
والمرشح الذى يحصل على 100 صوت لناخبين مثقفين وواعين وفاهمين لما يدور
حولهم ، أفضل من مرشح يحصل على1000 صوت لناخبين جهلة وأميين ولا يعرفون
شيئا عما يدور حولهم .
ونحن هنا ساوينا بين صوت الزراف وصوت الفيل وصوت الخرتيت مع صوت الفار وصوت السنجاب وصوت الأرنب وأمثالهم.
هذا التقدير السيئ والغبى لقيمة ووزن الناخب أحدث هذا الخلل فى نتائج تطبيق الأسلوب الديمقراطى الراقى فى الاختيار .
هذا هوتحليلى وتفسيرى لهذه النتيجة السيئة للغاية التى أوصلت الفأر إلى حكم الغابة .
وأؤكد لكم أنه لو سمحنا للحشرات ، مثل النمل والنحل والذباب
والصراصير وغيرها ، بالاشتراك فى هذه الانتخابات ، بمرشحيها وناخبيها ، ،
لحصلت نملة أو ذبابه أو صرصور على أكثر الأصوات ، ووصلت الى حكم الغابة .
وهنا سأل الفيل : اذا كان الأمر كما تقول ، فكيف ترى أن تكون
الانتخابات حتى لا يتكرر مثل هذا الخلل الذى حدث ، فى المرات القادمة ،
وحتى لا نصل إلى مثل هذه النتيجة السيئه مرة أخرى ؟
قال الثعلب : يجب أن نعيد النظر فى كل عناصر العملية الانتخابية.
** مستوى الانتخابات التى يتم اجراؤها.
** و مستوى المرشحين لكل موقع فيها .
** ومستوى الناخبين الذين يسمح لهم بممارسة حق الانتخاب فى أى من هذه الانتخابات.
** ثم كيف تتم العملية الانتخابية
** وأخيرا الأسلوب الديمقراطي فى الإختيار.
وعاد الفيل يسأل مرة أخرى : قد تكون الفكرة واضحة فى ذهنك ، ولكنى لا أظنها كذلك فى أذهان الآخرين . فهل لك أن توضحها لنا ؟
قال الثغلب :
سأوضحها لكم على النحو التالى :
أولا - بالنسبة لمستوى الانتخابات:
يجب أن نفرق بين ثلاثة مستويات للانتخابات :
* المستوى الأول هو الذى يتم فيه اختيار الحراس المحليين لمنابع المياه.
* و المستوى الثانى هو الذى يتم فيه اختيار أعضاء مجلس الغابة الممثلين لكل حيواناتها .
* و المستوى الثالث هو الذى يتم فيه اختيار حاكم الغابة.
وهو أعلى هذه المستويات الانتخابية جميعا.
ثانيا - بالنسبة لمستوى المرشحين لكل موقع حسب أهميته :
انه من الضرورى وضع ضوابط وشروط محددة لكل من يسمح له بترشيح نفسه فى أى موقع من هذه المواقع.
* مواصفات لمن يسمح له بالترشيح لموقع حارس لأحد منابع الماء المحليين فى الغابة
* ومواصفات لمن يسمح له بالترشيح لعضوية مجلس الغابة
* ومواصفات لمن يسمح له بالترشيح لموقع حاكم الغابة
والى جانب المواصفات الخاصة المطلوب توافرها فى كل فريق منهم توجد مواصفات عامة يجب توافرها فى الجميع . ومن هذه المواصفات العامة :
1 – توفرمستوى عالى من الخبرة المناسبة للموقع
2 – أن يكون ذو فكر ناضج ومستوى خبرة مناسب
3 – لا يسمح بحال من الأحوال أن يترشح لهذه الانتخابات جاهل لا يملك الخبرات الكافية والمناسية للموقع الذى يترشح له.
ثالثا - بالنسبة لمستوى الناخبين:
وفيما يتعلق بمستوى الناخبين الذين يكون لهم حق الانتخاب فى أى مستوى
من مستويات الانتخابات الثلاثة ، للحراس المحليين ، أو أعضاء مجلس الغابة
، أو الحاكم. فنحن نلاحظ ما يلى :
* هناك الناخب الواعى الذى يملك خبرات وقدرات كبيرة على تفهم الحياة من حوله .
* وهناك الناخب السطحى الضحل الذى لا يعرف شيئا عما يدور حوله . ولم يحصل
على أى قدر من الخبرات ، ولا يتابع مجرى الأمور فى الغابة .
* وبين المستوى العالى الواعى من الناخبين والمستوى السطحى الذى يفتقد
إلى الخبرات العامة يوجد مستوى ثالث وسط بين الفريقين . وهم الذين لديهم
قدر محدود من الخبرات، اقل من الفريق الأول واكثر من الفريق الثانى ..
والمستوي الأول من الناخبين يمكن اعتبارهم ناخبين من الدرجة الأولى .
والمستوي الوسط من الناخبين يمكن اعتبارهم ناخبين من الدرجة الثانية .
والمستوي السطحى من الناخبين يمكن اعتبارهم ناخبين من الدرجة الثالثة .
ومن الضرورى أن توضع فى الاعتبار هذه الفوارق بين مستويات الناخبين فى عمليات الانتخاب لأى مستوى .
رابعا - عملية الانتخاب:
فيما يتعلق بعملية الانتخاب يجب أن تتم على النحو التالى:
• فى الانتخابات المحلية لحراس منابع المياه يكون لأى ناخب من
المستويات الثلاثة الحق فى الاشتراك فيها والادلاء بصوته ، وانتخاب من
يراه صالحا لهذا الموقع المحلى المحدود .
• أما انتخابات أعضاء مجلس الغابة فيجب أن تقتصر على الناخبين من
المستوى الأول والثانى فقط ، فهم الصفوة من المثقفين وأنصاف المثقفين ،
ولا يسمح فيها بالمشاركة لناخبى المستوى الثالث الذين لا يستطيعون أن
يفرقوا بين المناسب وغير المناسب لعضوية مجلس الغابة .
• أما انتخابات المستوى الأعلى لاختيار حاكم الغابة ، فخطورة وأهمية
هذا الموقع تحتم أن يقتصر انتخابه على الناخبين من المستوى الأول فقط ،
فهم أصحاب الخبرات العالية فى الغابة . وهم الأكثر وعيا والأكثر قدرة على
اختيار أفضل المرشحين لهذا المنصب الكبير
ولا يسمح لناخبى المستوى الثانى والثالث بالمشاركة فى اختياره ، لأنه لا
يجوز أن يتوقف اختار حاكم الغابة على أصوات ناخبين جهلة ، يسوقهم البعض
كقطيع الى انتخابات لا يعرفون أهميتها وخطورة نتائجها ، وحتى لا نصل الى
مثل تلك النتيجة التى وصلنا اليها وأفرزت لنا فأرا ليحكم الغابة .
خامسا – الأسلوب الديمقراطر فى الانتخابات:
يبقى موضوع الديمقراطية .
ومن المؤكد أن الديمقراطية كنظام حكم أفضل من الدكتاتورية .
ولكن من الضرورى أن نفرق بين الديمقراطية الصحيحة و" الديمقراطية العمياء ".
فالدكتاتورية يمكن أن تسمح لذئب أن يحكم غابة الحملان ثم يأكلها واحدا بعد الآخر.
ولكن "الديمقراطية العمياء" ، التى تقوم على الكم فقط ، يمكن أيضا أن تؤدى
الى أن يحكم الغابة فأر او أرنب أو سنجاب أو... أو.....الى آخره .
وكما قلت من قبل لو اشتركت الحشرات فى الانتخابات مثل النمل والنحل
والصراصير والذباب ....الخ لوصلت الى حكم الغابة نملة ، ما دام الأمر كله
يتوقف على عدد الأصوات .
ولكن الديمقراطية الصحيحة لا يجب أن تقوم على الكم وحده . فعدد أصوات
الناخبين ليس هو العامل الوحيد الذى يجب أن تقوم عليه الديمقراطية ، حيث
يجب أيضا مراعاة الكيف .
والكيف يعنى مستوى الوعى الكافى للناخب الذى يسمح له بالمشاركة فى الانتخابات والمشاركة فى ابداء الرأى فيها.
أن عملية اختيار الملك أو الحاكم يجب أن تكون قاصرة على الصفوة من الناخبين .
انهم وحدهم القادرون على التمييز بين المرشح القادر على تدبير شئون
الغابة ، والمرشح العالى الصوت ، ولكنه لا يملك الامكانات التى يجب
توافرها فيمن يتولى الحكم.
هذا الاختيار لا تقرره أصوات الناخبين من المستوى الثالث، أو حتى
المستوى الثانى منهم ، الذين يدلون باصواتهم حسب توجيه القيادات المسيطرة
عليهم لهم ، دون تمييز بين المرشح الصالح للحكم والمرشح السطحى المتطفل
عليه.
ولا مانع من أن يمارس ناخب المستوى الثالث حقه فى الانتخابات المحلية لحراس ينابيع المياه
وأن يمارس ناخب المستوى الثانى حقه فى انتخابات حراس ينابيع المياه ، وأيضا أعضاء مجلس الغابة .
ولكن انتخاب الملك أو الحاكم يجب أن يكون قاصرا على الصفوة من المواطنين .
بهذه الممارسة الصحيحة للديمقراطية الصحيحة نتفادى الاستغلال الخاطئ
للديقراطية ، وتحويلها الى ديمقراطية عمياء .تقوم على الكم الغبى ، دون
اعتبار للكيف الناضج المطلوب .
هذه هى وجهة نظرى. ولكم أن تتقبلونها أو ترفضونها . ثم توقف الثعلب عن الحديث.
***
وهنا قال الزراف للثعاب .
لقد طرحت عرضا نموزجيا جيدا للعمليات الانتخابية كما يجب أن تكون فى شكلها المثالى ، وهذا ما يمكن العمل به فى المستقبل .
ولكن ماذا عن الانتخابات التى تمت فى الغابة وأسفرت عن وصول الفأر الى حكم الغابة ؟
قال الثعلب :
لقد أخطأنا فى التخطيط الجيد لهذه الانتخابات ، ونتج عن ذلك خطأ آخر أكبر منه .
ومع ذلك فانى أرى أن نتحمل نتيجة خطأنا لندرك نتيجة سوء التخطيط ، وندرك أيضا قيمة التخطيط الجيد لمثل هذه الأمور الهامة .
وبناء على ذلك فانى أرى أن نعطى الفرصة للفأر أن يحكم الغابة ، وأعتقد أنه لن يستمر طويلا فى ذلك .
وعندما ينتهى أمره نعيد الانتخابات على الأسس التى طرحتها لكم .
وسيرى المواطنون الفرق بين الديمقراطية الكمية العمياء وبين الديمقراطية
الكيفية -الكمية الصحيحة ، التى تبدأ بتحديد الكيف الذى يصنع الكم .
وهنا دار جدل كبير بين المواطنين فى الغابة حول هذه الرؤية الجديدة التى طرحها الثعلب ، ولكنهم فى النهاية وافقوا عليها.
***
وتولى الفأر حكم الغابة . وأحاط به مجموعة من أقاربه الفئران .
و كان جبانا يخشى الأقوياء . ويلبى مطالب الكبار على حساب مصالح الصغار.
كان ضعيفا وجبانا . لم ينصف مظلوما ضعيفا من ظالم قوى .
ولم يعد حقا مغتصبا لمظلوم ممن اغتصبه
والأسوأ من ذلك كله أنه كان يخشى الثعابين ، وأعطاهم الفرصة لكى يمارسوا ارهابهم للمواطنين فى الغابة.
وحدث ما توقعه الثعلب . فلم يستمر الفأر طويلا يحكم الغابة
، وانتهت حياته بواسطة واحد من الثعابين التى ترك لها الفرصة لترعب المواطنين .
فقد ابتلعه ثعبان .
الديمقراطية الصحيحة تفرز حاكما صالحا
وكان على سكان الغابة أن يجروا عملية انتخاب جدييدة ، تمت على أسس
جديدة . بدأت بتحديد الكيف المناسب لاختيار الكم الذى سيكون له حق
الادلاء بصوته الانتخابى فى المستوى المسموح له بالتصويت فيه .
وتمت الانتخابات . وأفرزت مجلسا قويا للغابة .والأهم هو أنها أفرزت حاكما قويا لها.
فلقد نجح الفيل بأصوات العقلاء من كل المواطنين ، ليصبح الحاكم الجديد
للغابة ، بدلا من الأسد العجوز الضعيف . والفأر المرتعد الجبان.
ولم يمض وقت طويل حتى شعر سكان الغابة بالفرق بين ما أفرزته الديمقراطية الصحيحة وما أفرزته الديمقراطية العمياء .