نجاة فقدت حياتها تحت أقدام بشر شاركوها فقرها بالطبع، لكنهم لم يقصدوا قتلها، عندما تسابقوا جميعا على إطعام أولادهم بأمل الحصول على شنطة رجل الأعمال الذى يقوم بتوزيع شنط الطعام بمناسبة شهر رمضان فى شارع السودان بالجيزة، ومن هنا بدأت نهاية نجاة.
زوجها صلاح عبد الصبور، 50 سنة، أرزقى وعلى باب الله، شاركها همَّ الدنيا، وعاهدها على أن لا يفرق الفقر بين أرواحهما، إلى أن وجد نفسه وحيدا بين عشية وضحاها، اليوم هو يجلس على الفراش لا يقوى على الحركة منذ سماعه خبر رحيل زوجته، الرجل قال إنه يتمنى الموت ليلحق بشريكة حياته التى ماتت وهى تحاول أن تأتيه وأولاده بزاد يسير يعينهم على تلك الأيام التى يعيشونها.
الرجل قال إن زوجته استيقظت مبكرا فى ذلك اليوم وأعدت الطعام لأولادها الصغار، كان ذلك ثانى أيام رمضان، وكانت قد اغرورقت عيناها دمعا، دون أن يعرف زوجها لذلك سببأ، كانت تشعر أنها المرة الأخيرة التى ستطعم فيها صغارها التعساء، هكذا يؤكد زوجها، أوصتنى على أولادنا، وظلت تقبلهم وكأنها تودعهم، ثم خرجت عند أذان المغرب دون أن تأكل شيئا، لم يكن هناك طعام أصلا لنأكله، ولذلك خرجت عندما سمعت أن هناك رجلا فى شارع السودان يوزع شنط الطعام على الفقراء، فهرولت إلى حيث ماتت، كانت تريد أن تأتى لأولادها بأى طعام يُدخل الفرحة على قلوبهم الفقيرة المنكسرة.
كان المشهد عظيما، وكأنه يوم الحق، تراصت صفوف الناس أشتاتا من كل حدب وصوب لينالوا حظهم من شنط الطعام التى يوزعها رجل الأعمال، حتى لم يعد هناك موضع لقدم فى ذلك الحر القائظ الذى يحمل ريح جهنم، المرأة وجدت نفسها محشورة فى ذاك الزحام، لكنها لم تستطع تحمله، سقطت أرضا، وسقط معها حلم الحصول على شنطة طعام الأولاد، ودهسها الفقراء بأقدامهم دون أن يشعروا، المرأة أخذت تستغيث ببارئها وهى تموت تحت التدافع والزحام الذى يشبه يوم الحشر، إلا أن أنفاسها بدأت تخمد تحت وطأة الزحام الشديد، لم تعد المرأة تعرف كيف تستغيث من البؤس الطافح على كل هذه الأجساد التى دهستها، حتى فاضت روحها صاعدة إلى رحاب أرحم، وانتهى كل شىء فى لحظات.
نورا طفلتها الصغيرة، لم يفارقها البكاء، وظلت لأكثر من يومين لا تذوق الطعام، الطفلة كانت تريد لبن أمها، وأمها ترقد فى رحمة ربها، والجوع يحاصر الطفلة التى أخذت تصرخ وتجوب جوانب الحجرة التى يعيشون فيها فى محاولة منها أن تجد أمها، وبعد أن تفشل فى العثور على أمها تعود إلى البكاء من جديد.
علاء هو أكبر الأولاد، 20 سنة، لم يفارقه الذهول، وأخذ يدعو الله أن يأخذه إلى أمه بعد أن أصبح لا يطيق الحياة بدونها.