[size=32]عيد الرسل الأطهار -- القس بنيامين مرجان[/size] --

نحتفل فى الثانى عشر من هذا الشهر (12 يولية - 5 أبيب) بعيد آبائنا الرسل وهو اليوم الذى استشهد فيه أبونا القديس بطرس ومعلمنا القديس بولس فى روما على يد نيرون الطاغية. وكان القديس بطرس قد أستؤمن على إنجيل الختان والقديس بولس على إنجيل الأمم (غل 7:2). كان القديس بطرس يهودياً يحمل البشارة إلى بنى جنسه من اليهود. أما القديس بولس فكان يهودياً فريسياً حمل البشارة بالإنجيل إلى العالم الأممى الوثنى. فقد اختارته النعمة ليكون لها إناءاً مختاراً يحمل اسم المسيح إلى الأمم بعيداً (أع 15:9)، وكما أهلته النعمة لهذه المهمة الجبارة. كانت شخصيته أيضاً مهيأة لهذا العمل ذات مواهب متعددة وأبعاد انسانية عميقة انسكب فيها فيض الروح القدس فأعناها بغناه الإلهى - يشدنا بقوة شخص القديس بولس لنخطف لمحات سريعة من شخصيته المباركة كمن يبهر عيونهم النور القوى فلا يلاحظون سوى إشاعات خاطفة منه على قدر ما تحتمل عيونهم وقدرتهم على الرؤية.


[size=32]القديس بولس "عبد ليسوع المسيح" [/size]
من الألقاب المحببة جداً لقلب بولس الرسول يطلقه على نفسه باستمرار لقب "عبد"، "بولس عبد ليسوع المسيح" (رو 1:1)، وهذا لا يدل فقط على تواضع قلب الرسول ولكن بالأكثر على طبيعة حياته الجديدة "فى المسيح يسوع" الذى آمن به وأحبه وكلمة "عبد" التى استخدمها الرسول فى أصلها اليونانى تحمل معان متعددة فهى تشير إلى ذلك العبد الذى ارتبط بسيده مدى العمر بربط قوية لا يمكن ان ينفصلا إلا بالموت وكان الرسول يدرك ان المسيح مات وقام ولا يسود عليه الموت بعد (رو 9:6)، وأنه هو نفسه له الحياة هى المسيح والموت ربح (فى 21:1) فإنى لهذه العلاقة ان تنفصم؟ إنها علاقة أبدية، علاقة مديونية بالحياة كلها لذلك السيد المحبوب الذى فدى نفسه من الموت ونقله من الظلمة إلى النور. وهى تشير أيضاً إلى العبد الذى لم تعد له إرادة خاصة منفصلة عن إرادة سيده. إنما رادته إتحدت وذابت فى إرادة السيد الذى اشتراه فأصبح يعيش لأجل تنفيذ مشيئته. هكذا عاش القديس بولس مكرساً حياته للمسيح مستعبداً نفسه له فى طاعة كاملة "أنتم عبيد للذى تطيعونه إما للخطية للموت او للطاعة للبر" (رو 16:6)، وليس ذلك فقط بل انه قد أستعبد نفسه لكل إنسان لكى يربحه للمسيح الذى أحبه يقول "فإنى إذاً كنت حراً من الجميع استعبدت نفسى للجميع لأربح الاكثرين" (1كو 19:9)، كان الرسول يحس انه مديون بحياته للمسيح وهذا الدين جعله مديوناً لأولاده بحبهم ويجتذبهم إليه يحمل لهم بشرى الإنجيل الذى أمن به وأنتقل فيه من الظلمة إلى النور "فأنى مديون لليونانيين والبرابرة للحكماء والجهلاء" (رو 14:1). لم يستعف الرسول يوماً من الكرازة والخدمة إذا كان يعتبر نفسه مسخراً لهذا العمل ليس له فيه فضل إنما هو سداد دين، كان مديوناً للمسيح بحياته يسكبها سكيب محبة لأجل الآخرين "فإنى الآن اسكب سكيباً. ووقت إنحلالى. ووقت انحلالى قد حضر" (2تى 6:4).


[size=32]القديس بولس "مثال" للخلاص [/size]
"المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا لكننى لهذا رحمت ليظهر يسوع المسيح فى أنا أولاً كل أناة مثالاً للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبدية" (1تى 16:1). هنا سر قوة وعظمة كرازة بولس، انه هو نفسه كان مثالاً لأناة وخلاص ابن الله، لم يكن بولس يكرز بإنجيل خارجاً عنه أو منفصلاً عن حياته نفسها، لقد اختبر بولس حياة حسب الجسد حين عاش فريسياً تحت الناموس ثم اختير فى يوم فريد على أبواب دمشق قوة الدم، دم المسيح للتبرير، هكذا كان أيشر على بولس أن يموت من أن يعطل أحد فخره بالإنجيل "لأنى لست استحى بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن" (رو 16:1). اختبار بولس لفعل الصليب قوة الدم المنسكب عليه هو سر قوة واستمرارية الخدمة. كان بولس يكرز بمسيح يعرفه بخلاص تذوقه. بدم تطهر به بحياة دخل إليها ويعيش فيها. لذلك كان الإنجيل هو سر حياته وقوته. وكان موضوعاً لحمايته والكرازة به. فانطلق بلا عائق بقوة الروح الساكن فيه. فى حياة كل رجل من رجال الله الذين خدموه كان هذا الاختبار هو مدخله للتكريس القلبى والشهادة. كان لابد من هذه المواجهة بينه وبين الله يدرك فيها نفسه ويدرك محبة الله. هذا الكشف الإلهى، هذا الإستعلان، الواضح لعمل الله فى حياة الإنسان هو نقطة البدء فى الكرازة والخدمة.


[size=32]القديس بولس معلم الخلاص [/size]
لا يوجد على امتداد الكتاب المقدس كله من انكشف له سر محبة الله للإنسان وسر تدبير الخلاص بصورة كاملة وعميقة مثلما انكشف للقديس بولس "قد سمعتم بتدبير نعمة الله المعطاة لى لأجلكم. إنه بإعلان عرفنى بالسر كما سبقت فكتبت بالإيجاز الذى بحسبه حينما تقراونه تقدرون إن تفهموا درايتى بسر المسيح" (أف 2:3،3). كان بولس يدرك انه أعطى هذه النعمة أن يبشر بين الأمم "بغنى المسيح الذى لا يستقصى" وإن ينير الجميع فيما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور فى الله خالق الجميع بيسوع المسيح (أف 8:3،9). كان بولس الرسول يحكم تربيته الفريسية دارساً مدققاً للناموس وأسفار العهد القديم. وقد استوعبها تماماً ودرس كل حروفها ونقاطها "أنا رجل يهودى ولدت فى طرسوس كيليكية ولكنى ربيت فى هذه المدينة مؤدباً عند رجلى غمالائيل على تحقيق الناموس الأبوى وكنت غيوراً لله" (أع 3:22). ولكن فى "نور المسيح" كان للناموس والأسفار معناً آخر جديداً فى نور معرفة المسيح صار كل شئ جديداً، عاد بولس بمصباح الروح القدس يجوس الأسفار الإلهية يستقرئ من جديد ما تعلمه ليجده يشير كله إلى المسيح المخلص. كان بولس معلماً لاهوتياً بارعاً تأصل لاهوته على جذور كتابية، يستعمق "سر المسيح" فى الينابيع الأولى فلم يكن مثله من استخدم أسفار العهد القديم فى استجلاء نور المسيح - كانت القشور التى سقطت عن عينيه وأبصر هى البرقع الذى كان يحجب عنه نور المسيح. أعلن بولس بعمق ووضوح سر التبرير سر الخلاص المجانى بدم المسيح، قاوم جداً المجانى بدم المسيح، قاوم جداً بر الذات وبر الناموس وصار بلا منازع المعلم اللاهوتى الأول عن التبرير ليس بطريقة عقلية نظرية كمن يقدم كلمات وحروف وإنما بطريقة عملية اختبارية كرست قلبه وعقله وكيانه كله للمسيح الذى غسله من خطاياه وجعله له إنسان ممتازاً. لقد أحب بولس المسيح بإخلاص فانسكبت فى قلبه أسرار تدبير الله متعلماً من الروح القدس غنى مجد المسيح وكما كان معلماً لاهوتياً كان أيضاً مربياً ومهذباً لأولاده، لسلوكهم وحياتهم فكان اللاهوت عنده أساس الحياة والسلوك أو مجال تطبيق واختبار ويضيق المجدال هنا عن حصر الموضوعات اللاهوتية الى عالجها بولس فى رسائله فقط تحدث عن الروح القدس، وعن الكنيسة والأسرار وعن الدينونة والمجئ الثانى وقيامة الأجساد - الخ. يا قديسنا العظيم صلى عنا لنوهب وروحك وخدمتك وكرازتك، صلى عنا لدى ربنا يسوع المسيح لكى يعطينا حسب غنى مجده إن نتأيد بالقوة بروحه فى الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبنا لكى نتأصل وتأسس فى المحبة حتى نستطيع إن ندرك مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو ونعرف محبة المسيح الفائقة المعرفة لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله (أف 13:3-18).

عيد الرسل الأطهار -- القس بنيامين مرجان -- Mju5r8