فى بيتنا مسن

عندما نتحدث عن الشيخوخة



ممن المعروف أن الإنسان عندما يمر في كل مرحلة من مراحل عمره يكون لهذه المرحلة مهام يتوجب القيام بها وقد أسهم علم الاجتماع وعلم النفس في فهم الكثير عن النفس البشرية وما تمر به في كل مرحلة من مراحل العمر وفي كل مجتمع

وعندما نتحدث عن الشيخوخة فإننا نتحدث عن مرحلة من العمر يصعب تحديدها بالأرقام وإن كان لفظ المسن يطلق عادة على من تجاوز الخمس والستين من عمره

هذه المرحلة من العمر يكون المرء فيها قد جمع من الخبرات والتجارب في حياته الشيء الكثير وهو يقف على أعتاب فترة من الانحدار البدني أو الفكري أو كلاهما معاً. إنه ينظر إلى العقود الستة التي خلفها وراءه ويقوم إما واعياً مدركاً أو بدون وعي منه بتقييم هذه الفترة الزمنية الطويلة وما قدم فيها لنفسه ومن بعده من ذرية أو حتى للاشواقالبشري. قد يكون الرضى وبالتالي الارتياح النفسي وقد يكون عدم الرضى وبالتالي الانهيار فريسة للأمراض النفسية من اكتئاب وقلق ونحو ذلك

كذلك فإن المسن في هذه المرحلة من العمر يتوقع أن يأخذ مقابل سني العطاء الطويلة ، يتوقع أن يقابل بالعرفان والتقدير ممن أفنى حياته في خدمتهم من ذرية أو عم

وفي الغالب أن سلوكيات المسنين تكون محكومة بظروف حياتهم عبر السنين وأنماط شخصيتهم وظروف حياتهم الحالية ولكن يمكن القول دون مجانية الصواب أن المسنين أقل مرونة وهذا شبيه بعدم مرونة عضلاتهم وجلودهم – كذلك فإنه يصعب عليهم تقبّل التغيير في أسلوب الحياة والأفكار والسلوكيات وإن فرض عليهم الواقع ذلك التغيير فإنهم يواجهون بالرفض وعدم القبول وعدم القدرة على التكيف وبالتالي الشعور بالاضطراب والقلق والخوف أو حتى الكآبة

من ناحية أخرى فإن المسن يكون أقل استجابة وأبطأ في تفاعلاته ومن ثم فإن الأمور التي تحتاج استجابة سريعة وجواباً أو عملاً سريعاً تكون صعبة عليه وإذا ما كان ذلك واجباً أو مطلوباً منه فإنه يفشل ، فمثلاً عند قيادة السيارة قد لا يمكنه تفادي التوقف المفاجئ للسيارة التي أمامه. وإدراكاً للمسنين لهذا القصور تجدهم يقودون سياراتهم ببطء وهدوء يقلل من احتمال هذه التفاعلات السريعة

وما دمنا في نفس الموضوع من بطء الاستجابة فإن قدرة المسن على التعبير عن مشاعره تكون أقل فيبدو بارداً قليل التفاعل لا يفرح بسرعة ولا يحزن بسرعة وقد يخلق ذلك حساسية لدى ذويه الذين لا يدركون هذه الخاصية فيتهمونه بعدم الاكتراث واللامبالاة. ولكن تجدر الإشارة إلى أن التقدم الكبير في السن وضمور الفص الجبهي للدماغ يؤدي إلى التغيرات السريعة والغير عادية في المزاج فمثلاً يبكي المسن بسرعة عند الحديث عن قريب أو صديق حصل له شىء مزعج ولكنه لا يلبث أن يضحك عندما يكون هناك سبب للضحك ولو بسيط و بالتالي يتأثر الأداء الوظيفي بالتقدم في السن خاصة في المواقع التي تعتمد علي كفاءة الوظائف الذهنية مثل الأنشطة الحسية والإدراكية و الانتباه المتقطع و الذاكرة والتعامل السريع مع المعلومات . وهناك اتجاه في بعض الدول المتقدمة إلي انتقال العامل بعد 45 عاماً من العمل العضلي العنيف إلي أعمال أخف.

والمسنون عادة لا تناسبهم الأعمال التي لا يمكنهم التحكم في سرعتها أو تلك التي يرهقهم فيها الجري وراء الحافز المادي (العمل بالقطعة) أو تلك الأعمال التي تتطلب الحركة المستمرة أو سرعة الأداء أو الحاجة إلي تعلم مهارات جديدة .

أن المسن تقل كفاءته العضلية عن العامل الأصغر سناً ومن هنا فإنه يوجه إلي مجالات أخرى يكون فيها أكثر فائدة ، ولكي يتحقق ذلك ينبغي أن يهيأ له عمل يتوافق مع قدراته وتغيراته السمعية والبصرية والذهنية وأن تحدد المجالات التي يمكن أن يؤديها بكفاءة أكبر .

قد تكون هذه الخاصية من بطء الاستجابة وعدم القدرة على الانفعال أو التفاعل السريع مثلبة في بعض الأحيان ولكنه منقبة للكبار فهم لا يتهورون ولا ينفعلون ولا يستعجلون في مواجهة الأحداث. بل يتروون ويفكرون تخدمهم خبرتهم وتجاربهم الطويلة – فتكون غالباً آراؤهم صائبة وقراراتهم صحيحة

وإضافة إلى ما ذكر من عوامل التقدم في العمر من الناحية النفسية والاجتماعية فإن المسن يحدث تغيرات جسدية سلبية كثيرة فمثلاً يضعف البصر ويقل السمع وتضمر العضلات فتقل القوة الجسدية ويتجعد الجلد ويتساقط الشعر. وهذا النقص بالذات في الحواس المهمة مثل السمع والبصر وفي القوة الجسدية يواكبه ازدياد الأمراض التي يمكن أن يصاب بها مثل ارتفاع ضغط الدم وداء البول السكري وليونة العظام وهم نتيجة لذلك قد يحجمون عن الاختلاط والاجتماع وإذا ما توجب عليهم ذلك فإنهم يلتزمون الصمت إذ تحد من مشاركتهم ضعف السمع والبصر ناهيك عن عدم فهمهم لما يدور بين بني الجيل الجديد من حوارات ومواضيع. كذلك فإن عدم قدرة المسن على الرؤية الجيدة تجعله يخطئ في استعمال دوائه فيأخذ أكثر مما يجب أو أقل وفي هذا ضرر كبير على صحته
أما النوم فإن المسن تقل قدرته على النوم ساعات طويلة فهو ينام مبكراً ويستيغظ كثيراً وبالتالي فهو ينام ساعات أقل ليلاً ويحتاج إلى النوم في النهار أكثر لتعويض ما يفوت عليه من الراحة


تعريف المسن والشيخوخة :

اختلفت الآراء وتضاربت في تعريف المسن ؟ وهل هو الذي بلغ من العمر سنا معيناً 65 عاماً مثلاُ فأكثر ؟ أو هو الذي تبدو عليه آثار تميزه بكبر السن ؟ .

هناك رأي بأن الشيخوخة تغير طبيعي في حياة الإنسان أي أنها تطور فسيولوجي شأنها كمرحلة الرضاعة والطفولة والبلوغ والسن الوسط ثم الكهولة، وهذه سنة الله في خلقه وقد يفسر هذا التغير الفسيولوجي بأنه نتيجة التحول الذي يطرأ علي أنسجة كبير السن وخلاياه .

وهناك رأي أخر بأن الشيخوخة هي نتيجة لتراكم ظواهر كثيرة منها ما هو مرضي- مثل تصلب الشرايين والأمراض المزمنة -ومنها ما هو بسبب نقص التغذية والتقلبات الجوية والحالة النفسية والعصبية والحالة المناعية ومنها ما هو بسبب المؤثرات الداخليـة والخارجية والإسراف فـي تعاطي العقاقير والعدوى 00 إلي آخره مما يـؤدي إلـي الاضمحلال والشيخوخة ، ذلك إذا أتـت مبكـرة عن ميعادها الافتراضي.

هذا ويلعب الاستعداد الشخصي والعائلي دورا في بلوغ الإنسان مرحلة الشيخوخة قبل الأوان وهو الذي يصدق عليه القول بالشيخوخة المبكرة .

والفصل بين هذه الأنواع قد لا يكون بالسهولة أو الإمكان ولهذا تعتبر الشيخوخة خلاصة تلك المسببات جميعاً .

ولقد اختلفت الآراء كذلك في الوقت الذي تبدأ فيه الشيخوخة ، وأوضحت دراسات عدة أن التقدم في السن ، وبالتالي ظهور أعراض الشيخوخة سواء صحياً أو نفسياً أو عقلياً قد يبدأ في أي مرحلة من مراحل العمر 0000 فالقدرات عامة تبدأ في التغير ابتداء من سن العشرين، ومن جهة أخرى فمن المعروف أن سن الشخص قد لا يكون بالضرورة متفقاً واحتفاظه بوظائفه البدنية .

وعلي هذا يتفق الكثيرون علي تعريف الشيخوخة بأنها مرحلة العمر التي تبدأ فيها الوظائف الجسدية والعقلية في التدهور بصورة أكثر وضوحاً مما كانت عليه في الفترات السابقة من العمر .



أهم جوانب حياة المسن ومميزاتها



1- قد تمتد فترة الشيخوخة عشرات السنين ولذلك أثره في حياة الفرد ومن حوله من معارف وأصدقاء وأهل ..

2- يعاني المسن من ضعف جسمي عام في الإحساس والعضلات والعظام والنشاط الجسمي الداخلي ( هضمي وبولي ودموي وجلدي ) وضعف عام في النضارة .. وبدء ظهور الترهلات . وأعراض الشيخوخة هذه تظهر على كل إنسان ..

3- نضوج علمي وغزارة وثراء فكري ، حيث أن أكابر العلماء خير إنتاجهم الفكري في هذه المرحلة ( ما بعد الستين ) ويكون لدى المسن أيضاً ثراء شخصي بالخبرة الذاتية مع الآخرين حيث يفهم الحياة فهماً واقعياً ويدرك الحياة بعيداً عن الخيال وبواقعية عملية .

4- معاناة صحية في تناوب مع المتاعب المرضية ، ويتطلب ذلك عناية صحية متواصلة ودقيقة .

5- صلابة نفسية واجتماعية في الاتجاهات ، يصعب معها التكيف والتوافق النفسي للمسن مع مستجدات الحياة وما تتطلبه من علاقات وأنماط سلوكية جديدة مع عدة أجيال مما يجعله يعاني من صعوبات التوافق الضروري للحياة الهادئة

6- يرى المسن نفسه إما متخوفاً من الوصول للشيخوخة أو منكراً لها ولا يعطي لها بالاً في تصرفاته ، وكلما تقدم به السن شعر بالعجز أكثر ويحدث ذلك في المجتمعات الغربية حيث يرى المسن نفسه قد وصل لمرحلة سلبية في حياته وذلك نتيجة لطبيعة العلاقات الاجتماعية المفككة ، والروابط العائلية الضعيفة .

وبالنسبة ٍإليهم فإن مشكلة سن التقاعد قد خلقت مشاكل جديدة تتعلق بتحقيق الذات ، وبحقوقهم كبشر وفي شعورهم بتدني المستوى المعيشي ، وعدم ملائمته لصحتهم ورفاهيتهم ، ولصحة ورفاهية أسرهم وأيضاً لزيادة الحاجة إلى الرعاية الصحية والطبية والاجتماعية والنفسية ويرافق ذلك شعورهم بعدم الأمان بسبب تقدم السن وكل ذلك يساهم في نشوء مشكلات المسنين . أما في مجتمعاتنا الأكثر التزاماً بالنواحي الدينية فإننا نجد أن كبر السن يصاحبه ارتفاع في المكانة ويعامل المسن بالتبجيل والاحترام والتوقير ..

ومن ناحية أخرى يؤدي الانقطاع عن العمل في عصرنا الراهن إلى زيادة النظر للشيخوخة بوصفها مشكلة نفسية واجتماعية حيث أن التوقف عن العمل يتضمن انقطاع أدوار اجتماعية هامة ، وتقلصاً في الدخل وتقليلاً في فرص الاتصالات الاجتماعية ، وزيادة في الوحدة والفراغ وهذا ما توصل إليه العلماء عموماً بأن التقاعد هو أمر سلبي .

والمشكلات يمكن أن تكون انفعالية وجدانية كالشعور بالفشل أو الاحباط مما يؤدي إلى أن تغلب على هؤلاء روح التشاؤم . وقد يصل ببعضهم إلى الشك بأقرب المقربين إليهم . ويكون سلوكهم متسماً بالشك والحذر والحساسية والتأثر الانفعالي ( قد يتزوج المسن ممن هي في سن بناته ويتصابى وعند عجزه يتهمها ويشك بها وبهذا لا يوقر نفسه )

وهناك مشكلات ذهنية فكرية وذلك نتيجة لضعف الحواس وضعف الانتباه وعدم القدرة على التركيز ، مما يضعف المدركات بالإضافة إلى ضيق الاهتمام وإلى ضعف الذاكرة وتشتتها وسرعة النسيان مما يجعل الفرد يتمركز بشكل محوري في تفكيره حول شيء مما يبدو شبيهاً بالوسوسة أو الهلوسة .

وأما المشكلات الصحية فإن أمراض الشيخوخة تعتبر أكثر خطورة لضعف مقاومة الجسم لدى المسن وشدة تأثره وضعفه مما يقلل فرص إجراء جراحات ضرورية لصحته . كما أن ضعف الجسم عموماً يظهر لديه أمراضاً ومشكلات جسدية مثل أمراض القلب والشرايين وهشاشة العظام والكسور والأمراض الجلدية والحسية . وغيرها وقد يظهر لدى المريض توهم بالأمراض وتركيز زائد على الصحة حيث ينظر للعرض البسيط بأنه خطير

وهناك مشكلات اقتصادية يعاني منها المسنون لنقص مواردهم المالية ، ولضعف الأداء لديهم ، أو للتقاعد ، أو لترك العمل ، وهذا في حد ذاته مشكلة نفسية واجتماعية وصحية واقتصادية بأبعادها المؤثرة والمتأثرة .

وأما المشكلات الاجتماعية فإن ازدياد العمر يقلل من الأصدقاء بسبب تفرقهم إما بالبعد أو بالوفاة أو بالسفر . وكذلك الأولاد لانهماكهم بشؤون الحياة . وأما شريك الحياة الزوجية فقد يتوفى وبالتالي يظل المسن يعاني من الوحدة وآثارها النفسية . وكذلك فإن عدداً غير قليل من المسنين يعاني من الصلابة الاجتماعية لصعوبة تكيفه وتبنيه لأنماط جديدة في السلوك والتفكير .