فاطمة ناعوت
إجهاض كفاح البشرية نحو الحرية
الثلاثاء، 26 يوليو 2011 - 16:00
كأنما البشريةُ لم تخُض حروبًا طوالاً ضد ألوان الظلم والطاغوت والقهر التى مارسها عليهم الحكّامُ الفاشيون وطبقات الإقطاع وأصحاب الياقات العالية من طبقة النبلاء، طبقيّا وليس خُلقيّا، منذ فجر التاريخ. كأنما الإنسان لم يُبدع «شريعة حمورابى» فى بابل عام 1790 ق.م. ليسنَّ عبرها ضوابطَ وتشريعات وعقوبات مُغلّظة تُطبّق بحسم على كلّ من يخترق القانون، لتضمن بها حقوق الناس وممتلكاتهم، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق العبيد. كأن «الماجنا كارتا» لم تُكتب عام 1215م، لتُحجِّم من استعباد السادة لمن اعتبروهم عبيدًا من أبناء الشعب. تلك «الوثيقة العظمى» التى منعت الملك البريطانى من أن يتصرف فى شعبه كإله، وحجّمت صلاحياته اللامحدودة فى الجور على عباد الله، والتى أجبرته على أن يوافق علنًا على عدم معاقبة أى «رجل حرّ» إلا بموجب قانون الدولة، وكذلك تلك التى حدَّت من نفوذ البارونات غير المحدود على العوام. كأنما لم يُعلن «الإعلانُ الفرنسى لحقوق الإنسان» فى أعقاب الثورة الفرنسية عام 1789، وكأنما نطوى الآن، فى غفلة، أو تغافل، كلَّ جهود البشرية التى أعلت من كرامة الإنسان لتنتهى بميثاق الأمم المتحدة الذى تنصُّ مادته الأولى على «تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعًا بلا تمييز، تبعًا للاشواقأو اللغة أو الدين». وكأنما لم تُـجمِع دولُ العالم على «الإعلان العالمى لحقوق الإنسان» عام 1948 لتحمى الإنسانَ من شر أخيه الإنسان! كأننا لا نُراكم منجزاتِ البشرية التنويرية عبر قرون من الظلم والثورة ضد الظلم، بل نبدأ من جديد فى اختراع العجلة، وحدنا فى معزل عن العالم، الذى يسبقنا كل يوم سنواتٍ طوالاً، بعدما استقر منذ زمن على مبادئ عامة تحفظ أمن الإنسان وكرامته وحريته، ليتفرغ، من ثم، للإبداع والاختراع والصناعة والعلم والتقدم والحياة، تاركًا لنا التخلف والرجعية والعنصرية والاقتتال!
خرجوا علينا بالإعلان الدستورى المكون من 63 مادة منسوخة نسخًا من دستور 71 الذى قامت ضدَّه ثورةُ يناير بسبب ما يحمل من عوار دستورى فادح، مع إضافة المواد التى أُجرى عليها الاستفتاء «الكوميدى»، (الذى وافق يوم السبت التالى ليوم الجمعة، لماذا؟)، مع تأكيدهم على أن المادة الثانية من الدستور هى مادة «فوق» دستورية. وحينما اعترضتُ فى مقالى: «مادة فوق دستورية» بجريدة «اليوم السابع» بتاريخ 25 فبراير، كما اعترض غيرى من الكتاب فى مقالاتهم، على تسمية مادة أيّا كانت، فى أى دستور كان، بمادة «فوق دستورية»، لأن مواد الدستور سواء، اتهمونا بالجهالة والإلحاد والعمالة! وها هم الآن يستنكرون علينا ما أقرّوه من قبل حين تبدّلت الأوراق والمراكز والمصالح! فيستنكرون تسمية المبادئ السامية العُليا التى أقرتها البشريةُ عبر قرون، بالمبادئ «فوق الدستورية»، لأنه لا شىء فوق الدستور سوى كلمة الله. فهل كانت المادةُ الثانية من دستور 71 آية من كتاب الله أو أمرًا سماويّا؛ أم هى قرارٌ سياسى معروفة أبعادُه وأهدافه وبرجمتياته، التى هى أبعد ما تكون عن الدين والسماء؟ هل أفادت هذه المادةُ الإسلامَ أو المسلمين فى شىء؟ وهل قبل وجودها كان الإسلامُ فى خطر، والمسلمون غيرَ مسلمين؟! لماذا يستنكرون الآن نعتًا أقرّوه بأنفسهم قبل شهور قليلة؟! أى مصداقية فيما يقولون؟! يتعللون بأنهم يمثلون صوتَ الشعب بنتيجة الاستفتاء التى يعلم كلُّ طفل صغير فى مصر كيف تم توجيهها نحو «نعم»، بالترغيب فى الجنة والترهيب من النار (فى خطب الجمعة التى سبقت السبت 19 مارس)! وفى حوزتى أنا شخصيّا العديدُ من استمارات الاستفتاء مُصوّتٌ عليها بـ «لا»، التقطتُها من شوارع مصر، بما يعنى أن تزويرًا شابَ الاستفتاء أيضًا، إضافة إلى التضليل باسم الدين! فعلى أى حجة ضعيفة يستندون؟! على أن المبادئ فوق الدستورية التى تقرُّ بالمساواة والعدالة والمواطَنة وحقوق الإنسان، منصوصٌ عليها فى جميع المواثيق الدولية التى استقرت عليها البشرية، مثلما منصوصٌ عليها فى الشرائع السماوية كافة. ذاك أن تلك المواثيق تعلو على القوانين المحلية والدساتير، وفق ما نصت عليه المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية عام 1976.
كأنما لم يأت رجلٌ رفيع اسمه ابن رشد فى القرن 12 ليقول: «الحكمةُ هى صاحبةُ الشّريعة، والأختُ الرّضيعة لها، وهما المصطحبتان بالطّبع، المتحابّتان بالجوهر والغريزة». فأىُّ حكمة فى عدم الإقرار بالعدالة والمساواة بين عباد الله جميعًا! لكِ اللهُ يا مصرُ المحزونة بالمضلَّلين من أبنائك، والمضلِّلين!
إجهاض كفاح البشرية نحو الحرية
الثلاثاء، 26 يوليو 2011 - 16:00
كأنما البشريةُ لم تخُض حروبًا طوالاً ضد ألوان الظلم والطاغوت والقهر التى مارسها عليهم الحكّامُ الفاشيون وطبقات الإقطاع وأصحاب الياقات العالية من طبقة النبلاء، طبقيّا وليس خُلقيّا، منذ فجر التاريخ. كأنما الإنسان لم يُبدع «شريعة حمورابى» فى بابل عام 1790 ق.م. ليسنَّ عبرها ضوابطَ وتشريعات وعقوبات مُغلّظة تُطبّق بحسم على كلّ من يخترق القانون، لتضمن بها حقوق الناس وممتلكاتهم، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق العبيد. كأن «الماجنا كارتا» لم تُكتب عام 1215م، لتُحجِّم من استعباد السادة لمن اعتبروهم عبيدًا من أبناء الشعب. تلك «الوثيقة العظمى» التى منعت الملك البريطانى من أن يتصرف فى شعبه كإله، وحجّمت صلاحياته اللامحدودة فى الجور على عباد الله، والتى أجبرته على أن يوافق علنًا على عدم معاقبة أى «رجل حرّ» إلا بموجب قانون الدولة، وكذلك تلك التى حدَّت من نفوذ البارونات غير المحدود على العوام. كأنما لم يُعلن «الإعلانُ الفرنسى لحقوق الإنسان» فى أعقاب الثورة الفرنسية عام 1789، وكأنما نطوى الآن، فى غفلة، أو تغافل، كلَّ جهود البشرية التى أعلت من كرامة الإنسان لتنتهى بميثاق الأمم المتحدة الذى تنصُّ مادته الأولى على «تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعًا بلا تمييز، تبعًا للاشواقأو اللغة أو الدين». وكأنما لم تُـجمِع دولُ العالم على «الإعلان العالمى لحقوق الإنسان» عام 1948 لتحمى الإنسانَ من شر أخيه الإنسان! كأننا لا نُراكم منجزاتِ البشرية التنويرية عبر قرون من الظلم والثورة ضد الظلم، بل نبدأ من جديد فى اختراع العجلة، وحدنا فى معزل عن العالم، الذى يسبقنا كل يوم سنواتٍ طوالاً، بعدما استقر منذ زمن على مبادئ عامة تحفظ أمن الإنسان وكرامته وحريته، ليتفرغ، من ثم، للإبداع والاختراع والصناعة والعلم والتقدم والحياة، تاركًا لنا التخلف والرجعية والعنصرية والاقتتال!
خرجوا علينا بالإعلان الدستورى المكون من 63 مادة منسوخة نسخًا من دستور 71 الذى قامت ضدَّه ثورةُ يناير بسبب ما يحمل من عوار دستورى فادح، مع إضافة المواد التى أُجرى عليها الاستفتاء «الكوميدى»، (الذى وافق يوم السبت التالى ليوم الجمعة، لماذا؟)، مع تأكيدهم على أن المادة الثانية من الدستور هى مادة «فوق» دستورية. وحينما اعترضتُ فى مقالى: «مادة فوق دستورية» بجريدة «اليوم السابع» بتاريخ 25 فبراير، كما اعترض غيرى من الكتاب فى مقالاتهم، على تسمية مادة أيّا كانت، فى أى دستور كان، بمادة «فوق دستورية»، لأن مواد الدستور سواء، اتهمونا بالجهالة والإلحاد والعمالة! وها هم الآن يستنكرون علينا ما أقرّوه من قبل حين تبدّلت الأوراق والمراكز والمصالح! فيستنكرون تسمية المبادئ السامية العُليا التى أقرتها البشريةُ عبر قرون، بالمبادئ «فوق الدستورية»، لأنه لا شىء فوق الدستور سوى كلمة الله. فهل كانت المادةُ الثانية من دستور 71 آية من كتاب الله أو أمرًا سماويّا؛ أم هى قرارٌ سياسى معروفة أبعادُه وأهدافه وبرجمتياته، التى هى أبعد ما تكون عن الدين والسماء؟ هل أفادت هذه المادةُ الإسلامَ أو المسلمين فى شىء؟ وهل قبل وجودها كان الإسلامُ فى خطر، والمسلمون غيرَ مسلمين؟! لماذا يستنكرون الآن نعتًا أقرّوه بأنفسهم قبل شهور قليلة؟! أى مصداقية فيما يقولون؟! يتعللون بأنهم يمثلون صوتَ الشعب بنتيجة الاستفتاء التى يعلم كلُّ طفل صغير فى مصر كيف تم توجيهها نحو «نعم»، بالترغيب فى الجنة والترهيب من النار (فى خطب الجمعة التى سبقت السبت 19 مارس)! وفى حوزتى أنا شخصيّا العديدُ من استمارات الاستفتاء مُصوّتٌ عليها بـ «لا»، التقطتُها من شوارع مصر، بما يعنى أن تزويرًا شابَ الاستفتاء أيضًا، إضافة إلى التضليل باسم الدين! فعلى أى حجة ضعيفة يستندون؟! على أن المبادئ فوق الدستورية التى تقرُّ بالمساواة والعدالة والمواطَنة وحقوق الإنسان، منصوصٌ عليها فى جميع المواثيق الدولية التى استقرت عليها البشرية، مثلما منصوصٌ عليها فى الشرائع السماوية كافة. ذاك أن تلك المواثيق تعلو على القوانين المحلية والدساتير، وفق ما نصت عليه المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية عام 1976.
كأنما لم يأت رجلٌ رفيع اسمه ابن رشد فى القرن 12 ليقول: «الحكمةُ هى صاحبةُ الشّريعة، والأختُ الرّضيعة لها، وهما المصطحبتان بالطّبع، المتحابّتان بالجوهر والغريزة». فأىُّ حكمة فى عدم الإقرار بالعدالة والمساواة بين عباد الله جميعًا! لكِ اللهُ يا مصرُ المحزونة بالمضلَّلين من أبنائك، والمضلِّلين!