تحكيها أم مريم....وتقول:
استيقظتُ مبكرة كعادتي .. صغيرتي مريم كذلك اعتادت على الاستيقاظ مبكرًا .. وحينما كنت جالسة في مكتبي مشغولة بكتبي وأوراقي ..
ـ ماما .. ماذا تكتبين ؟
ـ أكتب أمنيات أحب أن يحققها الرب لي ..
- هل تسمحين لي بقراءتها يا ماما ؟؟

- لا يا حبيبتي .. هذه أمنياتي الخاصة .. ولا أحب أن يقرأها أحد .
خرجت مريم من مكتبي وهي حزينة .. لكنها اعتادت على ذلك .. فرفضي لها كان باستمرار ..

مر على ذلك الحوار عدة أسابيع ..
ذهبت إلى غرفة مريم ولأول مرة ترتبك مريم لدخولي .. يا ترى لماذا هي مرتبكة !!

- مريم .. ماذا تكتبين ؟ .. زاد ارتباكها .. !!!

- لا شيء ماما .. اكتب أمنيات أحب أن يحققها الله لي كما تفعلين . . ولكن .. هل يتحقق كل ما نتمناه من الله يا ماما ؟؟

ـ طبعًا يا ابنتي إذا اراد ذلك .. فإن الله على كل شيء قادر ..
( لم تسمح لي بقراءة ما كتبت .. ترى ما الذي تكتبه ابنة التاسعة وتخشى أن أراه ؟؟!! )
خرجت
من غرفتها واتجهت إلى زوجي كي أقرأ له الجرائد كالعادة ..كنت أقرأ الجريدة
وذهني شارد مع صغيرتي .. فلاحظ زوجي شرودي .. فظن بأن سبب شرودي هو حزني
على إصابته بالشلل وتعبي في خدمته .. فحاول إقناعي بأن أجلب له ممرضة كي
تخفف عني هذا العبء ..

يا إلهي لم أرد أن يخطر على باله هذا الظن .. قبلت جبينه الذي طالما تعب وعرق من أجلي وابنته مريم .. وأوضحت له سبب حزني وشرودي ..

عندما عادت مريم من المدرسة كان الطبيب في البيت .. فهرعت لترى والدها المقعد وجلست بقربه تواسيه بمداعباتها وهمساتها الحنونة ..
وضّح لي الطبيب سوء حالة زوجي ثم انصرف ..

تناسيت
أن مريم ما تزال طفلة .. ودون رحمة صارحتها بأن الطبيب أكد لي أن قلب
والدها بدأ يضعف كثيرًا وأنه لن يعيش بعد مشيئة الرب أكثر من ثلاثة أسابيع
.. فانهارت مريم وظلت تبكي ..
- ادعي له بالشفاء يا مريم .. فأنتي ابنته الكبيرة والوحيدة ..

في كل صباح تقبِّل مريم خدّ والدها .. ولكنها اليوم عندما قبلته نظرت إليه بحنان وقالت : ليتك توصلني مثل صديقاتي ..
غمره حزن شديد فحاول إخفاءه .. وقال : باذن الرب سيأتي يومٌ أوصلك فيه يا مريم ..

عندما
ذهبت مريم إلى المدرسة غمرني فضول لأرى الأمنيات التي كتبتها ..بحثت في
مكتبها ولم أجد شيئًا .. وبعد بحث طويل .. وجدت أوراقها .. أمنيات كثيرة ..
وكلها أمنيات تريد أن يحققها الله !!
- يا رب .. يا رب .. يموت كلب جارنا سعيد .. لأنه يخيفني !!
- يا رب .. قطتنا تلد قططًا كثيرة .. لتعوضها عن قططها التي ماتت !!!
- يا رب .. تكبر أزهار بيتنا بسرعة .. لأقطف كل يوم زهرة وأعطيها معلمتي !!!
والكثير من الأمنيات الأخرى وكلها بريئة ..
من أطرف الأمنيات التي قرأتها هي التي تقول فيها :
- يا رب .. يا رب .. كبِّر عقل خادمتنا .. لأنها أرهقت أمي ..
- كل الأمنيات قد تحققت ..
- لقد مات كلب جارنا منذ أكثر من أسبوع ..قطتنا أصبح لديها صغار .. كبرت الأزهار ..
- مريم تأخذ كل يوم زهرة إلى معلمتها ..
يا
إلهي لماذا لم تصلي مريم ليشفى والدها ويرتاح من مرضه !! ؟؟ شردت كثيرًا
ليتها تصلي له .. ولم يقطع هذا الشرود إلا رنين الهاتف المزعج ..
إنها
مديرة المدرسة !! ابنتك مريم سقطت من الدور الرابع وهي تطل من الشرفة ..
حيث كان في يدها زهرة ستعطيها لمعلمتها الغائبة .. سقطت منها الزهرة ..ثم
تبعتها مريم ..
كانت الصدمة قوية جدًا لم أتحملها أنا و زوجي .. حتى إنه شُلَّ لسانه من شدة الصدمة .. فمن يومها وهو لا يستطيع الكلام ..
لم
أستطع استيعاب وفاة ابنتي الحبيبة .. كنت أخادع نفسي .. أفعل كل شيء كانت
صغيرتي تحبه .. كل زاوية في البيت تذكرني بها .. أتذكر رنين ضحكاتها التي
كانت تملأ البيت حياة ..
مرت سنة على وفاتها وكأنها يوم .. في صباح يوم الجمعة صدر صوت من غرفة مريم !!

يا إلهي .. هل يعقل أن مريم قد عادت !!.. لم تطأ قدمي هذه الغرفة منذ أن ماتت مريم !! أصر زوجي على أن أذهب وأرى ما هنالك ..
لما وضعت المفتاح في الباب انقبض قلبي .. فتحت الباب فلم أتمالك نفسي .. جلست أبكي وأبكي .. ورميت نفسي على سريرها .. إنه يهتز ..
آه
تذكرت بأنها قالت لي مرارًا بأنه يهتز ويصدر صوتًا عندما تتحرك .. ونسيت
أن أحضر النجار لكي يصلحه لها .. ولكن لا فائدة الآن .. لكن ما الذي أصدر
الصوت !!؟؟

نعم .. إنه صوت وقوع الصورة.... وحين رفعتها كي أعلقها .. وجدت ورقة وضعت خلفها !!

يا إلهي إنها إحدى الأمنيات .. يا ترى .. ما الذي كان مكتوبًا في هذه الأمنية بالذات !!؟؟

ولماذا وضعتها مريم خلف الصورة؟؟

إنها إحدى الأمنيات التي كانت تكتبها مريم ليحققها لها الرب ..

كان مكتوب فيها .. : يا رب .. يا رب .. أموت أنا ويعيش بابا

......................
يارب تعجبكم