بقلم حنا حنا
كنت قد كتبت فى رسالة سابقه وأشرت فيها إلى أن الحل الامثل حماية لحقوق الاقباط وأموالهم وأعراضهم هو تقسيم مصر. وذلك بعد أن رأيت كيف أن حقوق الاقباط ضائعه كما أن هناك إصرار لاهدار كرامتهم والاطاحه بحقوقهم وأبسط حقوق الانسانيه. بينما كنا ننتظر أن تكون الثوره البيضاء – ثورة اللوتس – قد أتت ثمارها وأدرك الكافه أن مصر قد بدأت مرحلة جديده من العداله والحريه والمساواه, وإذا بنا نصدم بأن تلك الثوره العظيمه قد اختطفت لصالح شراذم من مدعى الدين والتدين. ومن ثم بدأ معول الهدم يعمل فى كيان مصر وأوصالها مما أثر تأثيرا بالغ الخطوره على اقتصادها والقيم الانسانيه والمبادئ الساميه التى تهدف إلى البناء وإنشاء دوله تكون لها المكانه والاحترام والتقدير بين دول العالم على النحو الذى تستحقه مصر بوصفها من أعظم دول العالم فى الحضاره الانسانيه التى بزغت مع بزوغ شمس مصر وهبت مع نسيمها العليل وترقرقت مع غدير مياه النيل وفاح أريجها مع أريج الياسمين والرياحين.
لا اريد أن استرسل فى وصف مصر ذلك أنها الآن فى حاله مرضيه تدعو إلى سرعة العلاج وإنقاذها من مختلف الفيروسات التى تحقن بها بهدف تفتيتها وإضعافها سواء عن قصد أو عن جهل.
لقد ناديت فى مقال سابق بتقسيم مصر على نحو يفصل بين الراغبين فى تكوين دوله على أسس علميه علمانيه يسودها السلام بدلا من الصراعات بشتى أنواعها حتى تكون دولة قويه تبنى على أسس علميه يكون فيها المواطنون وحدة واحده لا تفرق بين مسلم ومسيحى يتركون الدين لله وينكبون على بناء وطن جديد تسوده عناصر البناء من محبه وتعاون وتضافر وأمن وسلام والاستفاده من كل المواهب.
وقد قلت إن الدوله الجديده محظور دخول المتطرفين إليها سواء كانوا إخوان أو سلفيين أو أى فئه متطرفه لأنها فى واقع الامر هى السبب فى إيجاد فكرة ومبدا ألتقسيم بسبب الصراعات والاحقاد والعنف وهجر فكرة أو مبدأ السلام والتعايش السلمى والحريات بين أبناء الوطن. الهدف الاسمى كان العمل على بناء وطن قوى جدير بأن يحمل أسم مصر.
وقد تضمنت الفكره تقسيم مصر إلى قسمين يفصلان الشمال عن الجنوب بخط عرض يمتد من الصحراء الغربيه حتى البحر الاحمر وذلك بنسبة من يرغبون فى الانضمام إلى الدوله الجديده بعيدا عن التطرف الدينى والتعصب ووأد الحريات إلى أخره.
ومما لم أذكره أن مثل هذا الوطن سيبنى على أساس مدنى بحت يكون فيه المواطنون – كل المواطنين – متساويين فى الحقوق والواجبات يتمتع فيه المواطن بالحريه الكامله فى النطاق الذى لا يعتدى فيه على حقوق الغير أو عبادتهم أو كرامتهم أو إنسانيتهم. وسرعان ما ينهض الوطن الوليد إلى المستوى الذى يرتقى إلى دول المهجر الراقيه المزدهره علما وخلقا. وهذا الوطن الجديد سوف يكون حافزا على الساده عشاق التدين الصورى والمشيخه التى لا تهدف إلا إلى الوصول إلى السلطه ليمارسوا السياده بمفهومهم المتعجرف والمادى الذى يبعد كل البعد عن القيم والمبادئ التى تهدف إلى البناء وليس الهدم والتقدم وليس التخلف. فلا يلبث المواطنون الاصليون يشعرون بصوره عمليه بمدى القصور الذى يعيشون فيه والذى بسببه تسببوا فى ذلك الانقسام فيثوبوا إلى رشدهم ويدركوا الغث من الثمين وربما – بل الارجح – أن تعود المياه إلى مجاريها وتكون مصر دوله عظيمه وليست دوله تابعه كما هو الحال الآن. ذلك أن نظرة الشعوب والدول إليها للاسف الشديد أصبحت نظره دونيه ينظرون إليها أنها دوله هشه ضعيفه تمد يدها إلى الدول المتحضره المتقدمه بينما هى الاحق بهذا التقدم وتلك الحضاره.
وقد استمعت إلى آراء بعض المثقفين الذين أبدوا رأيهم بأن فكرة التقسيم هذه ليست الحل الامثل بل الحل الوحيد.
كما استمعت إلى آخرين يرفضون أو ينتقدون فكرة التقسيم وإن كنت لم أستمع إلى بدائل أخرى تنهى ذلك الصراع القائم والعدوان المستمر على الاقباط ومقدساتهم وحقوقهم وأعراضهم.
كنت أومن إيمانا راسخا أن هذه هى الفكره المثلى بل الوحيده, وأن الايام القليله القادمه سوف تؤكد هذا الاعتقاد بل هذا الايمان بحقيقه حتميه.
...... إلى أن قرأت نبأ أزعجنى وراعنى وروعنى.
أصدر المجلس العسكرى بيانا أعلن فيه أن لديه مستندات تؤكد أن هناك مؤامره لتقسيم مصر إذ يستولى الاقباط على الصعيد, والنوبيون على النوبه, والمسلمون على الصحراء الشرقيه, وتكون سيناء للعرب والمقيمين وأسرائيل. وتبدا المؤامره بوجود نزاع بين المسيحيين والمسلمين فى مصر.
يا نهار إسود؟
قفز إلى دهنى على التو واللحظه أبعاد المؤامره وكيف تحاك. أعلن رئيس المخابرات الاسرائيليه أن إسرائيل انفقت الملايين فى مصر حتى تؤجج نار الفتنه بين المسيحيين والمسلمين. وكان هذا صدقا وحقيقه واضحه للعيان, ما الهدف سوى أن إسرائيل طرف فى تلك المؤامره وتقوم بتنفيذها والتضحيه من أجلها. وقد كان ذلك فى عصر مبارك وقت كانت مصر تباع بالمزاد على عينك يا تاجر.
كذلك قفز إلى ذهنى موقف أوباما. لقد لاقى فشلا ذريعا فى انتخابات الكنجرس حتى أن أعضاء الحزب حذروه من مغبة تصرفاته. إلا أن مقتل بن لادن أعطاه دفعه سياسيه رفعت من شأنه فاستعاد ثقته بنفسه وأعلن أنه سيرشح نفسه للرئاسه فى المده المقبله. يريد أوباما إذن أن يكسب ويجذب أصواتا عن طريق القفز على الحبال شأنه شأن "سجيع السيما". فأراد أن يزكى روح الفرقه والعداء والصراع فى مصر حتى يكون له اليد الطولى فى عملية التقسيم وبذلك يدخل التاريخ ولو من أقذر الابواب. أعلن بأنه ليس لديه أى مانع من أن يتولى الاخوان المسلمون الحكم فى مصر. وصلته الكثير من التوسلات من أعضاء عديدين من الكونجرس للتدخل مع المجلس العسكرى لعلاج مشكلة المسيحيين والاعتداء المستمر عليهم. ولكن العم أوباما ودن من طين والاخرى من طين ايضا.
ستكون النتيجه الحتميه هى وضع المسيحيين فى أزمه وأزمات وطحن وعجن لن يجدوا أمامهم سبيلا إلا الصراخ من أجل التقسيم على أى نحو أيا كان تخلصا من الاضطهاد الممنهج والمستمر الذى يصل إلى حد الاباده الاقتصاديه والتصفيه الجسديه والافقار الذى يؤدى بالنفوس الضعيفه إلى التخلى عن ديانتهم. وحينئذ تحقق أمريكا أهدافها تجاه مصر ولصالح اسرائيل فتصبح إسرائيل أقوى دوله فى المنطقه شعبا وأرضا وسلاحا. وتذهب مصر إلى غياهب النسيان وتضيع فى ماضى التاريخ. ويكون هذا جميعه بسبب التعصب الاعمى والسياسه الفاسده التى تضعف مصر وتصيبها بالوهن والهزال وكأن ما أصابها لا يكفيها فلا بد من القضاء على أعظم دوله فى التاريخ.
هذا هو المخطط والذى ينفذ فعلا وحكامنا الاشاوس لا أقول أنهم يتواطأون حاشا وكلا ولكنهم فى سبات عميق.
وبناء عليــــــــــــــه
المطلوب من المجلس العسكرى المو قر فى هذه المرحله الحرجه والحرجه جدا للوطن المصرى الغالى أن يقضى قضاء مبرما على أى فتنه طائفيه بيد صلبه وليس بيد بسكوتيه ذلك أن هذه المرحله بعد نجاح الثوره مرحله حرجه فى تاريخ مصر. وفى هذه المرحله التى من المفروض أن يكون كل الشعب بكل فئاته وعناصره على استعداد تام لقبول القيم المثاليه التى تبنى مصر على أسس قويه وليست هشه مما لا يدع مجالا لأى صراعات دينيه أو طائفيه أو عنصريه حتى تكون مصر وحدة واحده قويه متينه مستعده لمواجهة الملمات والمؤامرات التى تحاك ضدها.
والامر ليس مناطه ألا يطلب المسيحيون التقسيم أو بصفه عامه شامله ألا يطلبوا الحمايه الدوليه. إن ما يدفع المسيحيين إلى طلب الحمايه الدوليه هو أن دولتهم لا تحميهم من أى اعتداء داخلى بل على العكس تحمى المعتدى من أى مساءله الامر الذى ينمى شهوة العداء والاحساس بالقوه الوهميه ضد المسيحيين لان الاقباط لا يحاربون ولا يعتدون وتكون فى النهايه مصر هى الضحيه.
بل يتعين على المجلس العسكرى أن يترك موضوع المشيخه وينظر إلى مصلحة مصر ومصلحتها فقط ويعمل على استئصال روح النزاع والتعصب والكراهيه والعداء الغير مؤسس والذى ينهش فى عظام مصر وأوصالها.
وهذا لن يتأتى بأن يقبل الاقباط الظلم والضيم والتفرقه والتجبر والقتل وهتك الاعراض بل هى مسئولية المجلس العسكرى فى هذه المرحله بأن يعمل على نزع أى سبب من أسباب الفتنه. وعليهم أن يدركوا أن حق الدفاع الشرعى حق خولته كل الشرائع والقوانين والاعراف والاديان. وطلب الحمايه الدوليه أو التقسيم ليس إلا صورة من صور ممارسة حق الدفاع الشرعى حماية للارواح والممتلكات والمقدسات والاعراض. ولكن قتل الفتن وقوة مصر لن تتأتى الا بالعداله والمساواه.
وليكن معلوما أن وسائل الارهاب الفكرى من خيانه وعماله واستقواء بالخارج أصبحت اسطوانه مشروخه لا تعبر إلا عن سوء النوايا لدى القائلين بها بقصد استمرار الوضع العدوانى على الاقباط بصوره تتعارض تعارضا صارخا مع القيم والاعراف الاخلاقيه بل والدينيه أيضا.
لقد أبدى المجلس العسكرى رغبته فى أن يصدر قانونا يحمى به المجلس العسكرى من أى رئيس مقبل للجمهوريه. وهنا أقول للمجلس العسكرى الموقر أن مثل هذا القانون لو صدر فإنه لن يحمى المجلس العسكرى من الخطأ الجسيم الذى يصيب مصر بأذى بالغ. ذلك أن الخطأ الجسيم ينحدر إلى مرتبة العمد.
يا حضرات الساده إن سريان الامور على ما هى عليه أمر لا يدعو إلى التفاؤل. إن أى أمر يؤدى إلى ضعف الوطن هو خيانه. الفتن الطائفيه خيانه للوطن, الصراعات الدينيه خيانه للوطن, رفع علم أجنبى فى أرض مصر خيانه للوطن, التمييز فى المعامله على أساس الدين خيانه للوطن, العداله النسبيه فى المحاكم التى تفرق بين المسلم والمسيحى فى المعامله خيانه للوطن, الاستاذ الجامعى الذى يحرم وطنه من كفاءه ونبوغ طالب مسيحى بسبب ديانته خيانه للوطن, الضابط بالجيش الذى ينادى المجند المسيحى تعالى يا كافر روح يا كافر خيانه للوطن, ضابط البوليس الذى يفرق فى المعامله بين شخص وأخر بسبب الدين أو الجدنس أو المركز خيانة للوطن, التمييز فى المعامله بوجه عام ومطلق خيانه للوطن.
لذلك على المجلس العسكرى أن ينظر إلى مصلحة مصر وهذا لن يتأتى إلا ببسط المساواه والعداله فى كل ربوع مصر.
وهذا هو القــــــــــول الفصــــــــــــــــــل
ضع تعليقك هنا
اخبرنا عن هذا الرد اذا سيء