ألوان
سليم البيك
وقفت مرة أمام لوحة أتأمل الألوان الشاردة في فضائها. صرت أسافر من لون لآخر, أحدق في روعة كل لون بعينه, معتقداً بأن الجمال يكمن في اللون ذاته, إلى أن أدركت بعدها بأن جمال كل لون يكمن في تفاعله مع الألوان الأخرى, أو ببساطة, وجود الألوان الأخرى. فلا روعة و لا حركة في اللوحة لو سيطر عليها (اللون الواحد).
كذلك الحال بالنسبة لحياتنا الثقافية و الفكرية. فالأدب, مثلاً, بحاجة إلى الاختلاف في الأجناس و المذاهب. ما كان حال الأدب لو لم يحوي إلا جنساً واحداً كالرواية مثلاً؟ أو مذهباً واحداً كالرومنسية, بعيداً عن الواقعية و الكلاسيكية و الوجودية و غيرها..؟ أذكر بأني رددت غير مرة بأن الواقعية في الأدب هو ما أنحاز إليه, و لكن إن فرض علي القراءة أو الكتابة ضمن قفص الواقعية, و لا شيء إلا الواقعية, كما كان يمارس النظام الستاليني, فلن أكف عن اللحاق بكل ما هو مختلف عن الواقعية, لا لشيء إلا لبحثي عن الجمال الذي يكمن, لا في الأعمال غير الواقعية, بل في وجودها مع الأعمال الواقعية. و المسرح و السينما و الفن التشكيلي, جميعها تبهت و تفقد جمالها إن سيطر عليها المذهب الواحد, نافياً المذاهب الأخرى.
جميل أن تكون حياتنا كذلك. اتباعي لمذهب ما لا يعني كفري بباقي المذاهب أو الألوان. لا ينكر أحد التناقض الحاصل بين المذاهب الثقافية و الفكرية, و لكن أن أصل بتناقضي معهم الى حد الإلغاء و النفي و التكفير, فذلك هو التطرف بعينه. إن كنت قومياً أو ليبرالياً أو ماركسياً أو اسلامياً فأنا في تناقض و تواجد طبيعي مع المذاهب الأخرى, و لكن يتملكني التطرف حين أرغب في فرض مذهبي على الآخر, سواء كان هذا الآخر فرداً أم مجتمعاً. فليكن ما يريد و لأكن ما أريد, و في النهاية لا يصح إلا الصحيح.
هناك إيجابية تعود على كل من المذاهب إن وجد إلى جانبها مذاهب أخرى. ففي جو منافسة, سأواصل , كأحد المذاهب, تطوير و تجديد نفسي و معتقدي, مراجعة أخطائي, تقوية حججي و ما إلى هنالك من وسائل سلمية و مشروعة لأسيطر بالإقناع و القبول لا بالقوة, أسيطر هنا بمعنى أن أكون الأكثرية, لا أن أكون الأوحد. وهذا بطبيعة الحال سيحفز الآخرين على التقدم, و التنيجة لذلك حركة و ارتقاء مستمرين للحياة بجوانبها المختلفة.
الأشياء جميلة بتنوعها و اختلافاتها التي لا تصل حد الخلافات. أي شيء أو فكرة لا يمكن استيعابها إلا بالمقارنة مع الأشياء و الأفكار الأخرى, فالأزرق أزرق بقدر ما الأحمر أحمرو الأصفر أصفر.. و المذاهب و الأفكار و الألوان جميعها, لاستيعابها و ادراكها جيداً لا بد من وجود غيرها معها.
جميل أن أقول رأيي.. أما الأجمل فأن أسمع رأيك