المودة بين الأزواج = أسرة أفضل
سعيد الحسنية ايلاف
لأطفال متفوقين ومستقبل مضمون
مما لا شك فيه أن وجود علاقة عاطفية بين الزوجين له تأثير ايجابي وفعال على الحالة السلوكية لأبنائهما سواء صحياً أو نفسياً أو اجتماعياً ويقلل من إمكانية انحرافهم، ويتضح ذلك جليا في البيوت والأسر التي تعتمد الحب كمبدأ يحكم العلاقة بين الأب والأم مما يساعد على نشأة أبناء يتمتعون بالأمان، على حاضرهم ومستقبلهم.
التوافق بين الزوجين يؤدي إلى تنشئة أجيال صالحة
ترى ما هو أثر العلاقة بين الأزواج على الأبناء ؟ يتبين لنا من خلال بعض الدراسات أن أبناء الأمهات غير المرتاحات في زواجهن هم أكثر معاناة من المشكلات الدراسية والأسرية والصحية، غير أن هذا التوافق لابد وان يطال أشياء كثيرة كالتوافق الثقافي والفكري والاجتماعي، إضافة إلى التوافق المهم والاهم في ذات الوقت وهو التوافق النفسي والذي من خلاله يتم التقارب بدرجة كبيرة من التفاهم بين الزوجين وبالتالي تنشأ بينهما المحبة والمودة والألفة والرحمة ويعتبر مدخلاً ايجابياً ومناسباً لتنشئة الأبناء تنشئة صالحة سليمة وخالية من العقبات، فالصفاء بين الوالدين وتقاربهما يجعل الأبناء مرتاحين ومتفائلين إضافة إلى جعل الحياة يسودها التكاتف والتعاضد بين الإخوة ويتصفون بالأمانة والصدق والوفاء، حيث أن تلك الصفات الايجابية تكتسب من الوضع السوي الذي يسود العلاقة بين الزوجين.
حول ذلك الأثر يقول عبد العزيز( موظف ): " أن مسألة الحب بين الزوجين وتأثيرها على سلوكيات الأبناء لا شك أنها تؤثر تأثيراً ايجابيا على الأبناء كونهم يقتدون بوالديهم". كما يرى أن توافق الزوجين له أكثر من مظهر فهناك التوافق الثقافي، وهو الركيزة الأساسية في تنشئة الأبناء على اعتبار أن الثقافة هي المؤسس الرئيسي للقيم والعادات والسلوك، ومن هذا المنطلق فإن التوافق بين الزوجين في هذا المجال يؤدي إلى تنشئة الأبناء على ثقافة واحدة دون الوقوع في مشكلة الفراغ العقلي والسلوكي الذي يؤدي إلى المزيد من المشاحنات بين الأبناء بسبب عدم وجود قدوة تعلمهم الحب والعطف والحنان.
أما " منصور الغامدي" فيبدي اعتقاده بأن انعدام المودة والحب بين الأزواج يهدد بنيان الأسرة ويهدد مستقبلها لذلك يجب على الزوجين أن يكونا متفقين على أسلوب إدارة المنزل أو مواجهة الحياة.
من جهة أخرى من المناسب فيما لو كان الزوجين يعملان أن يكون هناك فصل بين دخل الزوج والزوجة لان هذا الفصل يوسع مدارك الأبناء نحو الاستقلالية ، على ألا يؤدي ذلك إلى الأنانية وبالطبع فإن هذه الأنانية قد تظهر بسبب استقلال الأب أو الأم بدخلهما الشهري لسد حاجات المنزل أو بعض التكاليف.. وتظهر أنانية الأبناء في مجالات كثيرة فهو يستقل بألعابه وأقلامه وكتبه وكافة ممتلكاته ولا يجود به لأخوته ولا إلى الناس وهذا من مساوئ أخلاق الأبناء الناتجة عن عدم التوافق الاقتصادي.
ويأتي التوافق الاجتماعي كأحد هذه التوافقات المهمة بمعنى أن يكون للزوجين نظرة مشتركة في التعامل مع أفراد المجتمع من أصدقاء ومعارف وأقارب وزملاء مما يؤدي إلى انسجام في النظرة إلى المجتمع.
ومن جهتهم يشير عدد من علماء التربية والاجتماع إلى عدد من النقاط التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار وأهمها: القيم مثل الاحترام المتبادل لكل طرف للآخر واحترام اهتماماته لتسهيل مفهوم الحياة المشتركة ذلك يؤدي في النهاية إلى تكوين شخصية متوازنة لدى الأبناء من خلال تشرب هذه المعطيات من توافق ثقافي واقتصادي واجتماعي ... وهذه الشخصية المتوازنة للأبناء تتيح لهم السير في هذه الحياة المضطربة والقلقة التي تسود عالمنا المعاصر .
فإذا كان الزوجان يؤدي كل منهما دوره في تربية الأبناء بتوافق كبير ويقومون بالمساعدة بكافة الأشكال كتعويد الأبناء على أنماط في السلوك والأفكار كالإيمان بالمعتقدات الدينية السليمة مثل الصلاة والصدق والأمانة إضافة إلى الأخلاق الفاضلة مثل الوفاء ومساعدة الآخرين، والتكاتف والتكافل ما بين إخوانهم وأخواتهم خاصة والمجتمع بشكل عام- كل ذلك يعكس التوافق ما بين الزوجين في مساعدة الأبناء على توسيع مداركهم لإدارة شئون حياتهم الحالية والمستقبلية بالاعتماد على أنفسهم من خلال ما تم من تغذية أفكارهم بكل ما هو جميل ورائع وايجابي.
القدوة الحسنة والأخلاق الحميدة
على جانب آخر يشير إبراهيم جمال (مدرس دين ) :أن الزواج ما هو إلا شجرة يجني منها الأزواج الثمر الطيب وهذا لا يتأتى إلا بعوامل كثيرة مثل المحبة الخالصة بين الزوجين والتفاهم التام لان الأبناء عندما يعيشون في بيئة يسودها الوئام والانسجام يكونون أكثر من غيرهم نجاحاً في المستقبل وترابطا فيما بينهم. فأساس التنشئة السليمة هو مدى انسجام الوالدين وقدرتهما على إيصال رسائل عملية إلى أبنائهما من اجل تهيئتهم للقيام بدورهم الاجتماعي في محيط أسرتهم على أكمل وجه، فالأبناء دائمو المراقبة لتصرفات والديهم والحذر نحو هذه التصرفات خيراً كانت أم شراً... جميلة كانت أم قبيحة، وهنا تبدأ المرحلة الأولى والخطوة الأساسية" .
لا يخفى على أحد أنه إذا كان الأزواج متفاهمين ومترابطين نشأ الأبناء على النسق ذاته ونما معهم حب الصفات النبيلة والمكارم الحميدة والأخلاق إضافة إلى شعور الأبناء بالأمان والطمأنينة وهذا بدوره يساعد الأبناء على الحياة في ظل حياة كريمة ويؤثر تأثيراً ايجابياً على نمط سلوكيات الأبناء في كافة مجالات المعيشة والعكس صحيح ، وهنا تأتي أهمية وجود الوالدين كقدوة حسنة لأبنائهما في تصرفاتهم. فمهما ينصح الوالد أبنائه إضافة إلى تعليمهم وتنشئتهم النشأة الحسنة إلا أن التنشئة الحقيقية تنبع من سلوك الزوجين فالشجار الذي يتكرر أمام مرأى الأبناء لا شك انه يعكر صفوهم ويزعزع ثقتهم وهذا يضعف الجانب الاجتماعي للأبناء فأما أن يكون منزويا لوحده بعيدا عن الناس وأما أن يكون متشرداً لا ملجأ له سوى الطرقات والشوارع وبالتالي يخسر الأبناء أنفسهم أولا وما لديهم ثانيا، والمجتمع بأسره ثالثا وعند هذا يكون المسئول بالطبع الزوجين وربما تمتد هذه التصرفات السلبية عند الزوجين على تركيز الأبناء في الجانب الدراسي.
قلق نفسي وتخلف دراسي
نلاحظ أن الخلافات المستمرة بين الزوجين قد تعطل مسيرة الطفل وتجعله يعيش في دائرة القلق النفسي وتخلفه دراسيا يعني تخلفه اجتماعيا، فتحصد الحياة الزوجية بين الأزواج ما زرعته بالأمس وتجني من زرعها ضياع الأبناء الذين انساقوا خلف أهوائهم وخلافاتهم. هنا.. يفترض من الزوج والزوجة أن يعيا أهمية إبعاد أبنائهما عن مشاكلهما وشجاراتهما فعند عدم القدرة على استمرار الحياة الزوجية بسبب المشاكل والمشاجرات والمشاحنات الدائمة فهنا يعتبر الطلاق رحمة بالأبناء لكي نجنبهم هذه الصدمات النفسية المتكررة. وفي هذا الصدد أظهرت بعض الدراسات الاجتماعية أن الأبناء الذين يعيشون في منزل يقطنه زوجان تربطهما المحبة الخالصة والتفاهم يكتسبون أولا محبة الوالدين ثم الطاعة لهما ثم الثقة بالنفس والشعور بالأمان وهذا يجر إلى التفوق في الدراسة ومن ثم النجاح، في العمل، والنجاح الأكبر .. النجاح في الحياة، فكل هذه الأمور وجميع هذه النجاحات لا يكتب لها الحياة إلا بعد مرور حاجز واحد وهو محبة الأزواج وأما بخلاف ذلك فإن قضايا العنف بين الزوجين تكاد تكون مورثة لدى شريحة الأبناء الذين يرون هذا العنف في المنزل ومن خلال الواقع المعاش.فحتما الكثيرون سمعوا بوقائع مشابهة لهذه الواقعة التي تحكي قصة الزوجة التي اشتكت من زوجها بأنه يعذبها ودائم الاعتداء عليها بالضرب ولأسباب تكاد تكون تافهة، وبالرجوع إلى تاريخ هذا الزوج نجد أن أباه كان يعامل والدته بقسوة ثم طلقها منذ فترة طويلة من الزمن، وبالتالي فالمخزون لدى هذا الشاب عن الحياة هو ما رآه وما شاهده من اعتداءات متكررة على والدته.
الأبناء هم امتداد للوالدين في سلوكياتهما
في هذا الإطار يقول عبد المجيد العتيبي ( موظف ) : لا شك في أن المحبة بين الزوجين لها تأثير مباشر في تحديد سلوكيات الأبناء وفي المقابل فالأبناء هم امتداد للوالدين في سلوكياتهما وطريقة المخاطبة وكيفية التعامل مع الناس بيد أن المنزل هو الموقع الحقيقي الذي يرى الأبناء حال الأب والأم فإن كانت العلاقة بين الزوجين تتسم بسمة المحبة كان ذلك أثره واضحا على الأبناء فنراهم يبدأون مشوار الحياة بنجاحات كثيرة منها الأمن والأمان والطمأنينة فانسجام الأب وإلام يعكس هذه الصفة على الأبناء".
ومن جهته يقول يوسف (مهندس كمبيوتر): "ان مسألة الحب بين الأزواج وما إذا كان يؤثر على سلوكيات الأبناء أم لا فهي مسألة مهمة وطرحها أهم. فالكثيرون يقولون أن المحبة بين الأزواج لابد أن تؤثر إيجابا على الأبناء وأنا مع هؤلاء".
وهكذا يتبين لنا أنه من خلال الطمأنينة يكتسب الأبناء الكثير أهمها حبهم لوالديهم وإخوتهم ومنزلهم فالابن لمس ذلك الحب من والديه وهذا يجعله محباً للحياة وأكثر ثقة في نفسه كما تؤثر في صفاء ذهن الأبناء، ففي ظل التوافق والود والتفاهم الكبير ينشأ الأبناء خاليي التفكير في المشاكل والهموم والمشاحنات ، ليستطيع الأبناء تنمية المواهب لديهم بهذا الصفاء الذهني، كما أن لذلك تأثير على المجال الدراسي، فراحة البال والتركيز على الدراسة يخلقان من الأبناء طلاباً متفوقين دراسياً وسلوكيا.
فمما لا شك فيه أن الأولاد يقلدون سلوكيات والديهم من الحب والحنان فينشأ الكل على هذه السلوكيات النبيلة الذي يرتضيها لنفسه لان الأب والأم يفعلان تلك السلوكيات برضا تام وبالتالي يكون الأبناء محمودي السيرة ولهم من الأخلاق الحميدة رصيد كبير، وتتعدد محاسن هذه السلوكيات مثل الوفاء بالعهد والأمانة والصدق في الحديث وعدم الكذب . فمرجع كل هذه النجاحات والسلوكيات الحسنة هي علاقة الحب الصادق والتفاهم التام والوئام والانسجام بين الأزواج وهذه حقيقة لأمراء فيها ولا يداخلها جدل فالأبناء هم بذرة الأزواج فإن كانت البذرة حسنة كان الحصاد أحسن وان كانت البذرة سيئة كان الحصاد أسوأ.
الفطرة السليمة تصنع المحبة
كان لأمهات أرائهم حول ذلك ، فتقول أم خالد أن العواطف الزوجية بمثابة المطر الذي يروي الأرض والأبناء هم تلك الأرض الخالية والمتعطشة للماء فإن كان المطر غزيراً نشأ الأبناء على أحسن حال وان كان المطر معه شيء من الشح نشأ الأبناء في حالة من الفقر العاطفي وعدم الحنان، لذلك يجب على الزوجين التريث في سلوكهما وأفعالهما أمام أبنائهما فإن كانت هناك بعض الخصومة أو المشاجرات واختلاف في الآراء والمفاهيم فيجب عليهما إخفاءه عن الأبناء وتجنيبهم رؤية تلك المواقف وإظهار الحب والمودة والتوافق أمامهم حتى يتشرب الأولاد تلك الصفات الحميدة والشعور بالطمأنينة".
وتجنبا لهذه الأمور يجب أن تكون حالة الأزواج أمام أبنائهما يسودها الحب والحنان وان كانا مصطنعين حتى يتأثر الأبناء بهذا الحب المتبادل بينهما أما إذا كان هذا الحب المتبادل صادقا فإن الأبناء ينشأون نشأة حسنة ولا تخشى عليهم غائلة الزمن ولا تصل إليهم أصابع الفساد ولان الأبناء تحصنوا بالمحبة لأنفسهم ولوالديهم ولكل ما يحيط بهم فينشأون على فعل الحسنات وتجنب السيئات ومن ذلك فإن الأبناء يقبلون على التعاون والتكاتف ومد يد العون ومساعدة الجميع والابتعاد عن الكذب والخيانة والسرقة وكل ما من شأنه أن يشين الفرد وهذا ما يحصن الأبناء أمام غوائل الدهر.. أما تلبية رغبات الأبناء وإغرائهم بالمال وتوفير الحياة المناسبة لهم بجانب الخلافات الزوجية المستمرة فإن ذلك لا يحصنهم بل يزيد من مساوئهم لأنه الابن الذي ينشأ في حياة رغيدة تتوفر له جميع متطلبات الحياة من المال وتلبية الرغبات فتكون له تلك الصفات مطية للذهاب إلى جلساتهم السرية ولذاتهم الجنسية وذلك راجع إلى عدم استقراره النفسي والخوف الدائم من أبويه لأنه يعيش وسط مشاكلهما.
وعودة إلى ذي بدء فإن كانت العلاقة الزوجين تجتمع تحت راية المحبة والتفاهم والفطرة نشأ الأبناء على مكارم الأخلاق وحب الآخرين ولا شك أن النجاح يكون حليفهم في شتى مناحي الحياة لان الأبناء ما هم إلا مقلدين لتصرفات الأب والأم .