ملامح البرنامج الرئاسى للعوا من مؤلفاته: تجديد الخطاب الدينى.. تدعيم استقلالية الأزهر والمرأة فى المشاركة بالحياة السياسية.. التعاون مع إيران والاجتهاد فى التقريب بين السنة والشيعة
السبت، 18 يونيو 2011 - 09:56


المفكر الدكتور محمد سليم العوا
كتبت هدى زكريا


جاءت أفكار ورؤى المفكر الدكتور محمد سليم العوا، المرشح لرئاسة الجمهورية من خلال مؤلفاته، لتوضح موقفه من طبيعة الدولة المدنية فى الإسلام، وتشرح قواعد وأسس النظام السياسى فيه وتصور وضع الأقباط والأقليات الدينية فى مصر والحقوق المكفولة لهم والتى نص عليها القرآن الكريم وسنة رسوله، إضافة إلى التركيز على ضرورة الاجتهاد والتجديد فى النص والخطاب الدينى وغيرها من الأفكار التى كانت ومازالت تحتاجها مصر فى الفترة الحالية.

وفيما يلى عرض لأهم الكتب التى توضح موقف العوا فى كثير من القضايا السياسية، وذلك بعدما أعلن رسميا ترشحه لرئاسة الجمهورية بعد فترة طويلة من النفى والتردد بحجة أن هناك ما هو أهم من الانتخابات الرئاسية الآن على حد قوله.

فى كتابه "النظام السياسى للدولة الإسلامية" الصادر منه الطبعة الثامنة عام 2007 عن دار الشروق، والذى يقع فى 351 صفحة، يقدم العوا نظرة عميقة عن النظام السياسى للدولة الإسلامية متناولا أهم المصطلحات الحديثة للنظم السياسية وموقف الإسلام منها والسمات العامة والهامة للنظام السياسى الإسلامى، ويضم الكتاب خمسة فصول تتحدث عن الحالة السياسية فى جزيرة العرب قبل الإسلام وهى الأرض التى نشأت عليها أول دولة إسلامية عرفها التاريخ بقيادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكذلك يتناول نشأة الدولة الإسلامية ونظام الحكم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلاقة الدين بالدولة وغاية الحكومة فى الدولة الإسلامية، وأهم المبادئ الدستورية الإسلامية، ويتحدث العوا فى كتابه عن النظام الإسلامى وموقفه من غير المسلمين.

أما كتاب "الإسلام والأقباط" الصادر عن الدار نفسها فيتحدث فيه العوا عن تاريخ المسلمين والمسيحين فى مصر، ويشير لوجود عناصر خارجية تحاول أن تضرب هذه الوحدة الوطنية ويحذر من المساس بالأقباط، ويرفض فيه مسمى عنصرى الأمة لأنهم فى حقيقة الأمر عنصر واحد وهو عنصر يمثل خلاصة اختلاط مستمر وتزاوج دائم بين سكان الوادى الأصليين ومن وفدوا إليه واستوطنوا فيه من مختلف شعوب العالم ويحذر فيه من الفكرة التى تقول بأن أمن القبطى وضمان وجوده السياسى والاجتماعى مرتبط بإضعاف الإسلام أو نفى إسلامية المسلم، والكتاب عبارة عن مجموعة الحوارات والمقالات التى نشرتها جريدة الشعب خلال فترة فبراير ومارس عام 1987.

ويذكر العوا فى كتابه أن المؤسسة الرسمية فى مصر تتقاسمها رموز ثلاثة هى الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، ويرى أن منصب الإمام الأكبر يتم التعامل معه على أنه منصب حكومى، وبالتالى عليه أن يتحرك فى ضوء ما تسمح به الجهات الحكومية السياسية والأمنية، وهذا فى رأيه يحمل فى داخله العديد من الأزمات، فالأزهر ليس جهة من الجهات الإدارية التابعة للحكومة بل هو وفق المادة الثانية من القانون 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر، الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التى تقوم على حفظ التراث الإسلامى وتجليته ونشره وتهتم ببعث الحضارة العربية والإسلامية وتزويد العالم الإسلامى والوطن العربى بالمختصين وأصحاب الرأى فيما يتصل بالشريعة الإسلامية والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن الكريم، وأكد العوا على ضرورة أن يكون شيخ الأزهر قوالا للحق بلا تردد فى جميع المناسبات والظروف وألا يخشى فى الحق لومة لائم.

وفى كتابه "الفقه الإسلامى فى طريق التجديد" يبدأ العوا مؤلفه بمقدمة يبرز فيها أهمية الاجتهاد فى الفقه الإسلامى ومراحل تطوره، ويؤكد فى البداية أن المسلمين عانوا طويلاً من إحجام كثير من المؤهلين للاجتهاد عن القيام به، بسبب الدعوى الباطلة التى نادت بإغلاق باب الاجتهاد، ولكن اعتقاد استمرار الاجتهاد لا يعنى أن يُترك لكل إنسان أن يقول فى الدين ما شاء كيف شاء. بل إن العلم الدينى تخصص - شديد الدقة والعمق- لا يحل لأحد أن يقول فيه إلاّ إذا كان مؤهّلاً لذلك تأهيلاً يقبله المجتمع العلمى، ويوضح العوا الفارق بين التأهيل للقول فى العلم الدينى وبين التأهيل للقول فى التخصصات الأخرى، ويؤكد على دور العلماء فى التصدى لكل من يدعى أنه الأعلم بشئون الدين ويغلق باب الاجتهاد فيه.

ويوضح العوا الاجتهاد الذى يدعو إليه قائلا: الاجتهاد الذى ندعو إليه، هو اجتهاد العلماء القادرين على ذلك، الذين يُؤخذ من قولهم ويُردّ عليهم - شأن العلماء جميعاً على مدى التاريخ- ولكنهم لا يتهمون فى دينهم أو إخلاصهم أو ورعهم أو علمهم. ولا يبيعون دينهم بدنيا غيرهم، ولا يبتغون بما يقولون ويفعلون رضاء الخلق، ولو جلب عليهم سُخط الرب سبحانه وتعالى، وهو الاجتهاد الذى يسير على مناهج الاستدلال والبحث التى قبلها المسلمون على امتداد تاريخهم، لا الاجتهاد الذى يتحلل صاحبه من كل قيد، ويرفض كل قديم، ويتبع هوى نفسه وأغراض فؤاده، أو مصالح قريبة زائلة له أو لمن يسترضيهم بما يقول. فذلك ليس من الاجتهاد فى شىء.

وفى مدخله لفصول الكتاب يُعرّف الدكتور العوا الفقه الإسلامى بأنه العمل البشرى لمحاولة فهم النصوص الإلهية التى يتضمنها القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية. وفى ضوء هذا الفهم وحدوده يتم تطبيق تلك النصوص على الواقع العملى، ويتناول المؤلف الموضوع من خلال عدة فصول منها: تعريف الفقه وشروط أهلية الفقيه، وأدوار الفقه الإسلامى، والحاجة إلى استمرار الاجتهاد (الفقه الجديد)، وواجب الفقيه فى هداية الناس.

وفى فصل ثانٍ يتناول موضوعات اختلاف المجتهدين والجمود على الآراء، وحق الاجتهاد وحق الاعتراض، ويتساءل فى هذا الفصل عن سبب توقف العلماء عن ممارسة الاجتهاد، ويضع لذلك عدة استنتاجات، كما يتحدث أيضاً عن ضرورة رصد الاجتهاد الإسلامى المعاصر، والاجتهاد الحركى، وأسباب قلة العناية بالجانب السياسى فى الفقه الإسلامى، وفى فصل آخر يتحدث العوا عن أن الإسلام دعوة شاملة، وليس مجرد إقامة دولة، ويبين الفرق بين القواعد والتفاصيل فى نظم الإسلام.

أما كتاب "العلاقة بين السنة والشيعة" فيركز فيه الدكتور العوا فى البداية على الجوامع بين السنة والشيعة، فيؤكد أن ما "يجمع بيننا وبين إخواننا من الشيعة الإمامية الإيمان بالله تعالى ربا وبمحمد نبيا ورسولا وبكل ما جاء به من عند الله تبارك وتعالى، كما يجمع بين السنة والشيعة الإيمان بالقرآن كتابا منزلا من عند الله تبارك وتعالى وأنه محفوظ بحفظ الله له، يوجه الدكتور العوا أصبع اللوم والاتهام فى التفريق بين السنة والشيعة إلى السياسة، فهى السبب فى البدء وهى السبب فى المنتهى، وهى السبب فى زمن الصحابة والتابعين، وهى اليوم كذلك فى زماننا ووقتنا الردىء.

وقد تناول الكاتب السياسة المتهمة بالتفريق من خلال أحداث سياسية ساخنة جدا شهدتها المنطقة العربية الإسلامية فى الشرق الأوسط والخليج العربى كالثورة الإسلامية فى إيران وسعى الغرب لإجهاضها عندما لاحظ أن قلوب المسلمين كانت معها، فقام بتحريض النظام العراقى ضدها فى حرب دامت ثمانى سنوات، مشجعا النعرة العربية ضد النعرة الفارسية حتى افترق الشعب العربى بين مؤيد لإيران وآخر مؤيد للعراق.

ويؤكد العوا على أن توحيد الأمة يحتاج إلى جهد جبار وشاق جدا ولكنه ضرورى ومن أوجب واجبات العلماء، موضحا فى نهاية الكتاب أن أعداء الأمة الإسلامية ما فتئوا يعملون بالمبدأ الاستعمارى الاستكبارى المعروف "فرق تسد"، ويوضح أن مسئولية العلماء المسلمين هى التقريب والتوحيد والوقوف ضد نزعات التفرق والتعصب المذهبى المذموم.

وأخيرا كتاب "الوسطية السياسية" وفيه يوضح العوا أن الوسطية الإسلامية السياسية تنظر إلى مسألة العلاقة بين الدين والدولة على أنها علاقة اجتهادية، توجب على العلماء المؤهلين استمرار الاجتهاد فى كل عصر. وتنطلق من أن الإسلام دين يُتعبّد به وشريعة قانونية تحكم تصرفات الناس وأفعالهم؛ فهو دين ودولة. والمقصود بكلمة (دولة) فى هذا المقام هو الشريعة التى أقلها نصوص صريحة قطعية الورود والدلالة، وأكثرها ظنى فيهما أو فى أحدهما، والفقه المبنى على النوعين معا هو الاجتهاد البشرى. والمراد من كون الإسلام (دينا ودولةً) هو قبول المرجعية الإسلامية العامة التى تسمح بتعدد الآراء وتنوعها فى الشأن السياسى، كما تسمح بتعددها وتنوعها فى كل شأن إسلامى آخر، ولا يُعترض على هذا التنوع بمسألة نظام الخلافة؛ لأن هذا اللفظ لا يعنى فى مدلوله السياسى أو الدستورى أكثر من تنظيم رئاسة الدولة الإسلامية تنظيما يشمل اختيار رئيسها وتحديد حقوقه وواجباته التى مرجعها كلها إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وإلى الاجتهاد فى فهمهما والعمل بهما، ويوضح العوا أن انضباط الاجتهاد الإسلامى السياسى إنما هو بالتزام القيم السياسية المنصوص عليها فى الكتاب والسنة، وما يترتب عليها من قواعد فقهية؛ فهى أحكام ملزمة للحكام والمحكومين والمجتهدين والفقهاء على السواء، وأشار إلى أن القيمة الأساسية التى تتفرع عنها كل القيم السياسية الإسلامية هى مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المقرر فى القرآن الكريم.

ويرى الدكتور العوا أن وجود الأحزاب السياسية الحالية للمجتمعات الإسلامية ضرورة لتقدمها، ولحرية الرأى، ولضمان عدم الاستبداد، وفى حديثه عن المرأة والعمل السياسى أشار العوا إلى أن هناك فريقين متناقضين فى نظرتهما إلى المرأة؛ أحدهما يقصر دورها على البيت وأنها لا تصلح إلا لرعاية البيت وإنجاب الأطفال، والفريق الآخر يبيح لها كل شىء ويرى أن كل قيد متعلق بحجاب أو حشمة أو عفة هو نوع من التخلف والرجعية، وتعرض لحديث "لن يفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأةً"، وأوضح أنه مقصور على الولاية العامة فقط، ويؤكد على حرية غير المسلمين فى بناء دور عبادتهم وإقامة شعائرهم وحول العلاقات بين الدول الإسلامية وغيرها من الدول أشار العوا إلى أن الفقه الإسلامى التقليدى كان يقسم العالم إلى دارين: دار الإسلام ودار الحرب، أو إلى ثلاثة بإضافة دار العهد، وهو مفهوم يستمد من حقيقتين: العقيدة، والظرف الواقعى، وتترتب عليه أحكام فقهية ليس بينها حكم واحد يجيز العدوان؛ فالفقهاء الذين صاغوا هذا المفهوم كان نصب أعينهم قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وكان حديثهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس كلكم لآدم وآدم من تراب، ألا لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى".

ويبين أن هذا المفهوم الإسلامى قد أدى دوره فى تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، وهو مقصد من مقاصد الشرع باتفاق الفقهاء، ويرى أن الاجتهاد القديم القائل بمثل هذا التقسيم قد انقضى زمنه، وأن الفقه المعاصر يجب أن يتوجه صوب واقع العلاقات الدولية المعاصرة إذا انتقلت من حال السلم إلى حال الحرب وجب على المواطنين مسلمين وغير مسلمين الدفاع عن الوطن، ورد العدوان حتى يجلو المحتل، ويستعيد أهله سيادتهم وحكمهم، ويظهر دور الفقهاء والمفكرين فى حال السراء والضراء وحين البأس