[size=21]كمال التوبة ليس هو مجرد عدم فعل الخطية‏,‏ إنما هو كراهية الخطة‏.‏ أي أن القلب يكون قد تنقي تماما من كل محبة للخطية أو تجاوب معها‏.‏ وهكذا يكون القلب نقيا‏.‏ إذن فالتوبة الكاملة هي علامة علي نقاء القلب‏.‏ ولكن ماهو المقياس الذي يثبت كمال التوبة؟‏.‏




‏**‏ وقد يظن الانسان انه تائب بسبب انه ترك الخطية الرئيسية التي تتعب ضميره‏,‏ ولم يعد يسقط فيها الآن اي انه لم يعد يزني أو يسرق او يغش ولم يرتكب خطايا في هذا المستوي‏.‏ لذلك استراح ضميره‏,‏ وظن انه تاب‏....!‏ وربما في نفس الوقت يكون واقعا في خطايا كثيرة يعتبرها طفيفة‏,‏ ولا تدخل في مقاييسه الخاصة بالتوبة‏.‏ مثل الحديث بافتخار عن النفس‏,‏ والفرح لمديح الناس‏,‏ وتبرير الذات باستمرار‏,‏ والتشبث بالرأي الذي يقود الي العناد‏,‏ مع إهمال بعض عناصر العبادة كالصلاة مثلا‏,‏ وربما عدم احتمال الإساءة‏,‏ وعدم دفع نصيب الله في ماله‏...‏ ومع هذا كله‏,‏ ضميره لايوبخه‏.‏ لانه لم يصل الي المستوي الذي يتبكت فيه علي امثال هذه الأمور‏.‏
إنه ولاشك محتاج الي ان ترتقي مقايسه الروحية‏,‏ لكي يتوب عن أمثال هذه الخطايا التي يعتبرها طفيفة او لايلتفت إليها باهتمام‏!‏ وعليه ان يطردها جميعها من قلبه ومن فكره‏.‏
وهنا يصعد الإنسان درجة في سلم التوبة لكي ينضج روحيا‏,‏ ويصير ضميره حساسا جدا‏.‏
فهل إذا وصل الي هذه الدرجة نحكم عليه بأنه وصل الي نقاوة القلب؟ هنا نبدي ملاحظة هامة‏,‏ لكي تكون لنا دقة في الحكم وهي‏:‏
ربما هو لايخطئ‏,‏ لأن الشيطان قد تركه الي حين‏.‏ والشيطان حكيم في المحاربة بالخطيئة‏.‏ يعرف متي يحارب‏,‏ وكيف يحارب‏,‏ وفي أية خطية يركز قتاله‏...‏ فإن وجد شخصا متحمسا جدا لحياة البر‏,‏ ومستعدا‏,‏ يتركه فترة حتي يثق هذا الإنسان بنفسه ثقة كاملة ربما تدفعه الي التهوان والتراخي وعدم التدقيق‏.‏ ثم يرجع الشيطان اليه في وقت يكون فيه اقل استعدادا وحرصا فيسهل إسقاطه‏.‏
وهذه الفترة لاتكون فترة انتصار علي الخطية‏,‏ إنما فترة عدم قتال‏.‏ إنها فترة راحة من الحروب الروحية‏,‏ وليست انتصارا من الله‏.‏ فإن وجدت نفسك لاتسقط في خطية معينة‏,‏ ربما لايعني هذا أنك تنقيت منها تماما‏.‏ وربما يرجع السبب الي ان الشيطان لايقاتلك بها حاليا‏,‏ او ربما الظروف الحالية غير مواتية‏,‏ ولاتوجد عثرات ومسببات للخطي‏,‏ ولا ما يثيرك من جهتها‏!‏ والشيطان لايقاتلك الآن‏,‏ ليس حبا في إراحتك‏,‏ وإنما لانه يجهز لك فخا من نوع آخر وربما يكون هذا الفخ هو الافتخار بنقاوتك‏.‏
ومن الملاحظ ان بعض الخطايا لها مواسم‏,‏ وليست دائمة‏.‏ إنها مثل دورات الألم أو الوجع‏.‏
تلف دورتها في عنف وشدة‏,‏ ثم تهدأ‏,‏ ثم تلف دورة اخري‏,‏ وهكذا‏...‏ أو مثل نبات له أحيانا موسم رقود وفي وقت آخر موسم إزهار وإثمار‏.‏
أو من الجائز ان الله ـ تبارك اسمه ـ اراد ان يريحك فترة من إرهاق الخطية حتي لاتبتلع نفسك من اليأس‏.‏ لذلك تدركك مراحم الله‏,‏ وتحفظك النعمة وتسندك ولو إلي حين‏.‏ فتمر عليك فترة هدوء لاتزعجك الخطية‏,‏ لأنك غير مقاتل بها حاليا‏.‏
أو من الجائز انك مستريح الآن لأن صلوات قد رفعت لأجلك‏,‏ سواء من قديسين في السماء‏,‏ او من أحباء لك علي الأرض‏.‏ واستجاب الرب لهم‏,‏ واسترحت من الخطية وضغطاتها‏.‏
ولذلك نقول ان هناك فرقا بين نقاوة الأطفال‏,‏ ونقاوة الناضجين سنا وروحا‏.‏ حقا ان الاطفال لهم قلب نقي بسيط لم يعرف الخطية بعد‏,‏ ولم يدخلوا بعد في حرب روحية‏,‏ ولم تختبر إرادتهم بعد‏.‏ اي انهم لم يصلوا الي السن التي تختبر فيها ارادتهم‏.‏ وهم غير الكبار الناضجين الذين دخلوا في حروب العدو وقاتلوا وانتصروا‏,‏ ورفضت ارادتهم الحرة كل اغراءات الخطية‏.‏ هؤلاء لهم مكافأة الغالبين التي ليست للأطفال‏.‏ وما أعظم الذين يصلون الي نقاوة مثل نقاوة الاطفال بعد صراعات وحروب روحية خرجوا منها منتصرين‏.‏
والنقاوة الكاملة هي نقاوة من جميع الخطايا بكل صورها وأنواعها‏.‏ سواء كانت بالعمل او بالفكر‏,‏ أو بالحواس‏,‏ أو بمشاعر القلب‏,‏ او بسقطات اللسان‏.‏ ولاتظن اذن انك قد وصلت الي درجة نقاء القلب‏,‏ إن كنت قد تخلصت من بعض الخطايا التي كان لها سلطان عليك‏,‏ إنما النقاوة الحقيقية هي النقاوة الكاملة الشاملة بحيث لايكون لأية خطية من الخطايا سلطان عليك‏,‏ فهل انت كذلك؟ وهل تنقيت من جميع الخطايا حتي التي تتنكر في كل فضيلة لتخدعك‏.‏
والنقاوة الحقيقية تكون نابعة من القلب وليست مظهرية خارجية‏.‏ يذكرني هذا الامر بأن كثيرا من الوعاظ حينما يتكلمون عن حشمة المرأة‏,‏ يركزون علي ملابسها وزينتها وشكلها الخارجي‏,‏ دون ان يهتموا بالقلب ومحبة العفةوالحشمة فيه‏,‏ هذا الذي إذا وصلت إليه المرأة‏,‏ يكون من نتائجه تلقائيا حشمة الملابس والزينة‏.‏ كذلك ينبغي للعمل النقي‏,‏ أن يكون نقيا ايضا في أهدافه ووسائله‏,‏ ويحكم عليه ضمير صالح غير منحرف‏,‏ ويعتبر الانسان نقيا تماما لو دخل في كل حرب مع الخطية في عمقها وشدتها ولم يهتز‏.‏ فاختبار نقاوة القلب يأتي من الحروب الروحية الشديدة في استمرارها وإلحاحها‏.‏ لان الشخص قد ينتصر مرة‏,‏ ولكنه لو استمرت الضغوط مدة طويلة ربما يضعف امامها ولايقوي علي المقاومة‏.‏ والشيطان يختبر كل شخص‏,‏ ويدرس نواحي الضعف فيه‏,‏ ويضغط بشدة علي نقط الضعف‏,‏ وتزداد حروبه قسوة‏.‏ إن نقاوة القلب درجة عالية جدا‏,‏ لاتكون في بدء الحياة الروحية إنما قد يصل اليها الانسان بعد اختبارات طويلة منتصرا علي كل أنواع الخطايا‏,‏ فكرا‏,‏ وقلبا وحواسا ولسانا وجسدا وعملا‏.

[/size]