قصة على لسان صاحبها
وهو شاب في أواخر العشرينات من عمره , يقول: تعودت كل ليلة أن امشي قليلا ، فأخرج لمدة نصف ساعة ثم أعود.. وفي خط سيري يوميا كنت أشاهد طفلة لم تتعدى السابعة من العمر.. كانت تلاحـق فـراشا اجتمع حول إحدى أعمدة الإنارة المعلقة في سور أحد المنازل لفت انتباهي شكلها وملابسها فكانت تلبس فستانا ممزقا ولا تنتعل حذاءاً ..
وكان شعرها طويلا وعيناها خضراوان .. كانت في البداية لا تلاحظ مروري .. ول...كن مع مرور الأيام .. أصبحت تنظر إلي ثم تبتسم .. في أحـد الأيام استوقفتها وسالتها عن اسمها ، فقالت نورا فسألتها أين منزلكم .. فأشارت إلى غرفة خشبية بجانب سور أحد المنازل .. وقالت هذا هو عالمنا ، أعيش فيه مع أمي وأخي حسام.. وسألتها عن أبيها ،فقالت أبي كان يعمل سائقا في إحدى الشركات الكبيرة ثم توفي في حادث مروري ..
ثم انطلقت تجـري عـندما شاهـدت أخيها حسام يخرج راكضا إلى الشارع .. فمضيت في حال سبيلي .. ويوما بعد يوم .. كنت كلما مررت أستوقفها لأجاذبها أطراف الحديث .. سألتها ماذا تتمنين ؟
قالت كل صباح أخرج إلى نهاية الشارع لأشاهد دخول الطالبات إلى المدرسة .. أشاهدهم يدخلون إلى هذا العالم الصغير .. مع باب صغير.. ويرتدون زيا موحدا ... ولا أعلم ماذا يفعلون خلف هذا السور .. أمنيتي أن أصحو كل صباح .. لألبس زيهم واذهب وأدخل مع هذا الباب لأعيش معهم وأتعلم القراءة والكتابة .. لا أعلم ماذا جذبني في هذه الطفلة الصغيرة .. قد يكون تماسكها رغم ظروفها الصعبة .. وقد تكون عينيها .. لا أعلم حتى الآن السبب كنت كلما مررت في هذا الشارع أحضر لها شيئا معي .. حذاء .. ملابس .. ألعاب .. أكل .. وقالت لي في إحدى المرات .. بأن خادمة تعمل في أحد البيوت القريبة منهم قد علمتها الحياكة والخياطة والتطريز ..
وطلبت مني أن أحضر لها قماشا وأدوات خياطة فاحضرت لها ما طلبت .. وفي احد الايام طلبت مني طلبا غريبا .. قالت لي : أريدك أن تعلمني كيف أكتب كلمة أحبك.. ؟ مباشرة جلست أنا وهي على الأرض .. وبدأت أخط لها على الرمل كلمة أحبك .. على ضوء عمود إنارة في الشارع .. كانت تراقبني وتبتسم .. وهكذا كل ليلة كنت أكتب لها كلمة احبك .. حتى أجادت كتابتها بشكل رائع .. وفي ليلة غاب قمرها ... حضرت إليها .. وبعد أن تجاذبنا أطراف الحديث .. قالت لي أغمض عينيك .. ولا أعلم لماذا أصرت على ذلك .. فأغمضت عيني .. وفوجئت بها تقبلني ثم تجري راكضة .. وتختفي داخل الغرفة الخشبية .. وفي الغد حصل لي ظرف طاريء استوجب سفري خارج المدينة لأسبوعين متواصلين لم استطع أن أودعها .. فرحلت وكنت أعلم انها تنتظرني كل ليلة .. وعند عودتي .. لم أشتاق لشيء في مدينتي .. أكثر من شوقي لأسماء .. في تلك الليلة خرجت مسرعا وقبل الموعد وصلت المكان وكان عمود الإنارة الذي نجلس تحته لا يضيء.. كان الشارع هادئا .. أحسست بشي غريب .. انتظرت كثيرا فلم تحضر .. فعدت أدراجي .. وهكذا لمدة خمسة أيام .. كنت أحضر كل ليلة فلا أجدها ..
عندها صممت على زيارة أمها لسؤالها عنها .. فقد تكون مريضة .. استجمعت قواي وذهبت للغرفة الخشبية .. طرقت الباب على استحياء.. فخرج أخاها حسام .. ثم خرجت أمه من بعده .. وقالت عندما شاهدتني .. يا إلهي .. لقد حضر .. وقد وصفتك كما أنت تماما .. ثم أجهشت في البكاء .. علمت حينها أن شيئا قد حصل .. ولكني لا أعلم ما هو ؟! عندما هدأت الأم سألتها ماذا حصل؟؟ أجيبيني أرجوك .. قالت لي : لقد ماتت نورا .. وقبل وفاتها .. قالت لي سيحضر أحدهم للسؤال عني فأعطيه هذا وعندما سألتها من يكون ؟ .. قالت أعلم أنه سيأتي .. سيأتي لا محالة ليسأل عني؟؟ اعطيه هذه القطعة .. فسألت أمها ماذا حصل؟؟ فقالت لي توفيت نورا .. في إحدى الليالي أحست إبنتي بحرارة وإعياء شديدين ..
فخرجت بها إلى أحد المستوصفات الخاصة القريبة .. فطلبوا مني مبلغا ماليا كبيرا مقابل الكشف والعلاج لا أملكه .. فتركتهم وذهبت الى أحد المستشفيات العامة وكانت حالتها تزداد سوءا فرفضوا إدخالها بحجة عدم وجود ملف لها بالمستشفى فعدت إلى المنزل لكي أضع لها الكمادات ولكنها كانت تحتضر بين يدي ثم أجهشت في بكاء مرير .. لقد ماتت .. ماتت نورا .. لا أعلم لماذا خانتني دموعي .. نعم لقد خانتني .. لاني لم أستطع البكاء .. لم أستطع التعبير بدموعي عن حالتي حينها .. لا أعلم كيف أصف شعوري .. لا أستطيع وصفه لا أستطيع .. خرجت مسرعا ولا أعلم لماذا لم أعد الى مسكني ... بل أخذت اذرع الشارع ..
فجأة تذكرت الشيء الذي أعطتني إياه أم نورا .. فتحته فوجدت قطعة قماش صغيرة مربعة وقد نقش عليها بشكل رائع كلمة (( أحبك )) .. وامتزجت بقطرات دم متخثرة ...
ياإلهي .. لقد عرفت سر رغبتها في كتابة هذه الكلمة .. وعرفت الآن لماذا كانت تخفي يديها في آخر لقاء .. كانت أصابعها تعاني من وخز الإبرة التي كانت تستعملها للخياطة والتطريز .. كانت أصدق كلمة حب في حياتي ..
لقد كتبتها بدمها .. بجروحها .. بألمها .. كانت تلك الليلة هي آخر ليلة لي في ذلك الشارع .
وهو شاب في أواخر العشرينات من عمره , يقول: تعودت كل ليلة أن امشي قليلا ، فأخرج لمدة نصف ساعة ثم أعود.. وفي خط سيري يوميا كنت أشاهد طفلة لم تتعدى السابعة من العمر.. كانت تلاحـق فـراشا اجتمع حول إحدى أعمدة الإنارة المعلقة في سور أحد المنازل لفت انتباهي شكلها وملابسها فكانت تلبس فستانا ممزقا ولا تنتعل حذاءاً ..
وكان شعرها طويلا وعيناها خضراوان .. كانت في البداية لا تلاحظ مروري .. ول...كن مع مرور الأيام .. أصبحت تنظر إلي ثم تبتسم .. في أحـد الأيام استوقفتها وسالتها عن اسمها ، فقالت نورا فسألتها أين منزلكم .. فأشارت إلى غرفة خشبية بجانب سور أحد المنازل .. وقالت هذا هو عالمنا ، أعيش فيه مع أمي وأخي حسام.. وسألتها عن أبيها ،فقالت أبي كان يعمل سائقا في إحدى الشركات الكبيرة ثم توفي في حادث مروري ..
ثم انطلقت تجـري عـندما شاهـدت أخيها حسام يخرج راكضا إلى الشارع .. فمضيت في حال سبيلي .. ويوما بعد يوم .. كنت كلما مررت أستوقفها لأجاذبها أطراف الحديث .. سألتها ماذا تتمنين ؟
قالت كل صباح أخرج إلى نهاية الشارع لأشاهد دخول الطالبات إلى المدرسة .. أشاهدهم يدخلون إلى هذا العالم الصغير .. مع باب صغير.. ويرتدون زيا موحدا ... ولا أعلم ماذا يفعلون خلف هذا السور .. أمنيتي أن أصحو كل صباح .. لألبس زيهم واذهب وأدخل مع هذا الباب لأعيش معهم وأتعلم القراءة والكتابة .. لا أعلم ماذا جذبني في هذه الطفلة الصغيرة .. قد يكون تماسكها رغم ظروفها الصعبة .. وقد تكون عينيها .. لا أعلم حتى الآن السبب كنت كلما مررت في هذا الشارع أحضر لها شيئا معي .. حذاء .. ملابس .. ألعاب .. أكل .. وقالت لي في إحدى المرات .. بأن خادمة تعمل في أحد البيوت القريبة منهم قد علمتها الحياكة والخياطة والتطريز ..
وطلبت مني أن أحضر لها قماشا وأدوات خياطة فاحضرت لها ما طلبت .. وفي احد الايام طلبت مني طلبا غريبا .. قالت لي : أريدك أن تعلمني كيف أكتب كلمة أحبك.. ؟ مباشرة جلست أنا وهي على الأرض .. وبدأت أخط لها على الرمل كلمة أحبك .. على ضوء عمود إنارة في الشارع .. كانت تراقبني وتبتسم .. وهكذا كل ليلة كنت أكتب لها كلمة احبك .. حتى أجادت كتابتها بشكل رائع .. وفي ليلة غاب قمرها ... حضرت إليها .. وبعد أن تجاذبنا أطراف الحديث .. قالت لي أغمض عينيك .. ولا أعلم لماذا أصرت على ذلك .. فأغمضت عيني .. وفوجئت بها تقبلني ثم تجري راكضة .. وتختفي داخل الغرفة الخشبية .. وفي الغد حصل لي ظرف طاريء استوجب سفري خارج المدينة لأسبوعين متواصلين لم استطع أن أودعها .. فرحلت وكنت أعلم انها تنتظرني كل ليلة .. وعند عودتي .. لم أشتاق لشيء في مدينتي .. أكثر من شوقي لأسماء .. في تلك الليلة خرجت مسرعا وقبل الموعد وصلت المكان وكان عمود الإنارة الذي نجلس تحته لا يضيء.. كان الشارع هادئا .. أحسست بشي غريب .. انتظرت كثيرا فلم تحضر .. فعدت أدراجي .. وهكذا لمدة خمسة أيام .. كنت أحضر كل ليلة فلا أجدها ..
عندها صممت على زيارة أمها لسؤالها عنها .. فقد تكون مريضة .. استجمعت قواي وذهبت للغرفة الخشبية .. طرقت الباب على استحياء.. فخرج أخاها حسام .. ثم خرجت أمه من بعده .. وقالت عندما شاهدتني .. يا إلهي .. لقد حضر .. وقد وصفتك كما أنت تماما .. ثم أجهشت في البكاء .. علمت حينها أن شيئا قد حصل .. ولكني لا أعلم ما هو ؟! عندما هدأت الأم سألتها ماذا حصل؟؟ أجيبيني أرجوك .. قالت لي : لقد ماتت نورا .. وقبل وفاتها .. قالت لي سيحضر أحدهم للسؤال عني فأعطيه هذا وعندما سألتها من يكون ؟ .. قالت أعلم أنه سيأتي .. سيأتي لا محالة ليسأل عني؟؟ اعطيه هذه القطعة .. فسألت أمها ماذا حصل؟؟ فقالت لي توفيت نورا .. في إحدى الليالي أحست إبنتي بحرارة وإعياء شديدين ..
فخرجت بها إلى أحد المستوصفات الخاصة القريبة .. فطلبوا مني مبلغا ماليا كبيرا مقابل الكشف والعلاج لا أملكه .. فتركتهم وذهبت الى أحد المستشفيات العامة وكانت حالتها تزداد سوءا فرفضوا إدخالها بحجة عدم وجود ملف لها بالمستشفى فعدت إلى المنزل لكي أضع لها الكمادات ولكنها كانت تحتضر بين يدي ثم أجهشت في بكاء مرير .. لقد ماتت .. ماتت نورا .. لا أعلم لماذا خانتني دموعي .. نعم لقد خانتني .. لاني لم أستطع البكاء .. لم أستطع التعبير بدموعي عن حالتي حينها .. لا أعلم كيف أصف شعوري .. لا أستطيع وصفه لا أستطيع .. خرجت مسرعا ولا أعلم لماذا لم أعد الى مسكني ... بل أخذت اذرع الشارع ..
فجأة تذكرت الشيء الذي أعطتني إياه أم نورا .. فتحته فوجدت قطعة قماش صغيرة مربعة وقد نقش عليها بشكل رائع كلمة (( أحبك )) .. وامتزجت بقطرات دم متخثرة ...
ياإلهي .. لقد عرفت سر رغبتها في كتابة هذه الكلمة .. وعرفت الآن لماذا كانت تخفي يديها في آخر لقاء .. كانت أصابعها تعاني من وخز الإبرة التي كانت تستعملها للخياطة والتطريز .. كانت أصدق كلمة حب في حياتي ..
لقد كتبتها بدمها .. بجروحها .. بألمها .. كانت تلك الليلة هي آخر ليلة لي في ذلك الشارع .