التمهيد لرسالة فيلبي

كتب بولس رسول الأمم هذه الرسالة الفائضة بالفرح إلى أهل الكنيسة في مدينة فيلبي المكدونية سنة 62 م، لما كان سجيناً في روما، ومحبوساً من أجل اسم المسيح، لشكاية اليهود ضده، ينتظر محاكمته النهائية أمام القيصر، التي ستقرر حياته أو موته. وفي غمرة هذا التوتر العصبي وفي انتظار الحكم الفاصل، اختبر الرسول قرب المسيح وقوته المعزية، حتى عزى هو أصدقاءه ودعاهم إلى الفرح الإلهي المتفوق.
وكانت غاية بولس من هذه الرسالة إظهار محبته وشكره للمؤمنين في فيلبي، لأجل الهبة المالية الكبيرة التي قدموها له ليخففوا ضيقه، لأن وجوده في السجن منعه من العمل بيديه ليكفي حاجاته. فً لهذه البادرة الطيبة، كتب الرسول هذه الرسالة الممتلئة بالفرح، وقوى بها المضحين في الكنيسة، مظهراً لهم عواطفه ومفيضاً عليهم لطف اللّه، وطالباً لأجلهم مزيد البركة والمعرفة من القدير.
لقد أسس الرسول هذه الكنيسة في جولته التبشيرية الثانية، كأول كنيسة في أوروبا. واختبر خلال تأسيسها اضطهاداً وآلاماً عنيفة في السجن هناك. ولكن الرب بارك رسوله، ومنحه باكورة شهية، أي التاجرة ليديا والسجان، اللذين أصبحا من أركان الكنيسة الحية.
وفرح الرسول خاصة لأن جميع أعضاء الكنيسة في فيلبي اشتركوا في نشر الإنجيل منذ بداية إيمانهم، ورافقوا رحلات الرسول بصلواتهم، ومّوَلوا خدماته بتبرعاتهم رغم الاتهام والضغط عليهم في بلدتهم الخاصة. فشجعهم الرسول الأسير المربوط بسلاسل بيد أحد حراسه. وأثَّرت بشارته قولاً وسلوكاً في الجند حتى آمنوا بالمسيح وتجددوا. وذاع هذا الخبر إلى بيت القيصر. فاهتم البعض بالسجين وإنجيله، ومالوا إلى المخلص. وأصبح أفراد منهم قديسين.
وسمع الرسول في سجنه أن كنيسة فيلبي كانت عرضة لتجارب متنوعة. حيث كانت مدينة فيلبي مركزاً للمعسكر الروماني في الجبال اليونانية، ليس بعيداً عن تسالونيكي.
ولم يمنع الفرح في الروح بولس أن يحذر كنيسته المحبوبة من خطر الانشقاق الذي يتبع المشاريع المبنيَّة على الكبرياء، فدلهم على سيرة المسيح المركزة على التواضع وبذل النفس، ليتعلم كل عضو أن يتواضع مثله، ويعتبر نفسه أصغر من جميع الإخوة.
وكان خطر آخر مقبل على الكنيسة بتعليم الختان وحفظ السبت، كأن الإنسان يستطيع أن يضيف بمجهوداته الشخصية على نعمة المسيح، ليتقدس إلى التمام. فحذرهم بشدة من الفهم الخاطئ للكمال، وأراهم ينابيع سرمدية للغلبة على الذات والفرح الحقيقي، ليثبتوا في الرب وقدرته الفادية.
وأراد بولس أن يرسل إلى كنيسة فيلبي مرة أخرى تيموثاوس لتقوية المؤمنين. وهذا الشاب كان بعد طرد الرسول خليفته هناك مع لوقا الطبيب، ليعمِّقا الكنيسة في ملء كلمة اللّه، ويقوداها إلى النضوج في الخدمات والمحبة. وتمنى الرسول أن يسمح الرب له أيضاً بزيارة كنيسة فيلبي مرة أخرى، بعد إطلاقه من السجن. فأرسل مسبقاً أبفرودتس المرسل إليه بالهبة المالية، والذي كان قد شُفي من مرض مميت، ليمهد الطريق له. فيكمل فرحهم إذ يجتمعون مرة أخرى مبتهجين.
هذه الرسالة المكتوبة وبولس على مشارف الموت فاضت بالمحبة والغبطة والشكر أكثر من كل الرسائل الأخرى من يد الرسول. فتستطيع أن تملأنا بفرح اللّه، وتريحنا من مشاكل عصرنا. لأن منها تجري قوى عظيمة إذ عاش الرسول قرب ربه، مفارقاً دنيانا وداخلاً إلى الحياة الحقة ولربما كانت هذه الرسالة آخر ما كتبه الرسول إلى المؤمنين. فأصبح «الفرح في الرب»
1- متى وأين كتب بولس هذه الرسالة؟
2- ماذا كانت أهم الحوادث عند تأسيس كنيسة فيلبي؟ (إقرأ أعمال الرسل 16: 11 - 40).
3- ما سبب وغاية هذه الرسالة؟
4- بما تمتاز هذه الرسالة على رسائل بولس الأخرى؟