لقداسة البابا شنودة الثالث
من الآيات الواضحة جداً عن تأثير كلمة الله، هى قوله تبارك إسمه "[b]هكذا تكون كلمتى التي تخرج من فمى. لا ترجع إلى فارغة، بل تعمل ما سررت به، وتنجح في ما أرسلتها له " (أش 55: 11).نعم، إنه كلمة الله لا ترجع فارغة.
إن
لها قوتها، ولها تأثيرها. الذين اختبروا قوة الكلمة في حياتهم، يستطيعون
أن ينقلوا هذه القوة إلى غيرهم أيضاً.. إن القديس بولس الرسول في شرحه لقوة
الكلمة وتأثيرها يقول " كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل، ومميزة أفكار القلب ونياته " (عب 4: 12)
و لعل
إنساناً يقول: إذن لماذا اقرأ ولا أتأثر؟!
يقيناً إن العيب هو فيك
أنت، وليس في الكلمة، إن كلمة الله مثل سيف ذى حدين. بالنسبة إلى اللحم
يقطعه، ولكنه لا يقطع الصخر. لذلك قال الرب في سفر حزقيال النبى " وانزع قلب الحجر من لحمكم، وأعطيكم قلب لحم
" (خر 36: 26. فما هو نوع قلبك الذي يستقبل كلمة الله. أهو قلب حجر أو قلب
حجر أو قلب صخر؟ إن عذراء النشيد سمعت صوت الرب يناديها " افتحى لى يا أختى يا حبيبتى، يا حمامتى، يا كاملتى، فإن رأسى قد امتلأ من الطل وقصصى
يقرأ الكتاب المقدس في أحد القداسات من ندى الليل " (نش 5: 2) ومع ذلك لم
تفتح، واعتذرت بأعذار..!
إن كلمة الله حية وفعالة. ولكنها تعمل بالأكثر في الذين يفتحون قلوبهم لها، ويريدون أن تعمل فيهم.
و مع ذلك فإن كلمة الله إن لم تعمل فيك اليوم، فقد تعمل بعد حين.. ولا ترجع فارغة.
ستظل
راسخة فى عقلك الباطن. وفى وقت ما، حينما يصبح قلبك مهيئاً لها، وحينما
تكون الظروف المناسبة، تجد الكلمة قد خرجت من ذاكرتك، ولصقت بقلبك، وأخذت
تعمل عملها. و كأن عدم استجابتك الأولى كانت تصرفاً مؤقتاً، أو فترة أو
لحظة فتور، تستيقظ بعدها إلى نفسك. مثل عذراء النشيد التي اعتذرت أولاً عن
فتح باب قلبها. ثم عادت تقول " حبيبى مد
يده من الكوه، فأنت عليه أحشائى.. نفسى خرجت عند ما أدبر.. " (نش 5: 4، 6)
ليست
كل بذرة تلقى على الأرض، تخرج ثمراً في نفس الوقت. وربما بعد أيام أو
شهور. لذلك اختزن كلام الله في قلبك وفى ذهنك، وسيعطى ثمره في الحين الحسن.
وبخاصة إذا كنت تتعهده بالاهتمام، وتلهج فيه النهار والليل، وتحفظه من
الموانع التي تعوق عمله، سواء أكانت موانع داخلية أو خارجية.. ربما بذرة في
الأرض، ولم تصل إليها المياه، فظلت كما هى، والحياة فيها ولكنها كامنة. ثم
وصلتها المياه بعد أيام، فبدأت هذه الحياة تنشط وتظهر على وجه الأرض. لذلك
ما أجمل قول الكتاب " إرم خبزك
على وجه المياه، فأنك تجده بعد أيام كثيرة "..
و لهذا لا تيأس في الخدمة، إن لم تلاحظ للكلمة ثمراً سريعاً..
بل
اصبر وانتظر الرب، ولا تتضجر. فليست كل النفوس من نوعية واحدة. وليست كلها
سريعة الإستجابة. وليست كل الظروف الخارجية مواتية.. هناك من يسمع الكلمة
فيتأثر بسرعة. وهناك من يحتاج بعدها إلى شرح وإقناع، وإلى متابعة وحل
الإشكالات التي تعترضه في التنفيذ..
هناك من يأخذ الكلمة للمعرفة
وليس للحياة. وهناك من يتناولها بعقله لا بروحه، ليوسع بها مداركه لا
ليطهر بها قلبه.. وهذا الفارق بين العالم والعابد
فالعالم يقرأ
الكتاب
ويدرسه، ويشرحه ويفسره كما كان يفعل الكتبة والفريسيون وهم جلوس على كرسى
موسى (مت 23: 2). يعلمون ولا يعملون. أما العابد فيشبه داود النبي الذي كان
يقول " خبأت كلامك في قلبى، لكيلا أخطئ إليك " (مز 119: 11). هذا كان هدفه
من كلام الله[/b]