[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


في تعاملنا مع الأخ المهتدي يجب أن نذكر أن انتقال الإنسان من دين إلى آخر، انقلاب جذري، ليس في مفاهيم الدين وحسب، بل أيضاً في الحياة الاجتماعية والعوائد, ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار الصعوبات القاسية التي يواجهها للاحتفاظ بوضعه الجديد، في مجتمع جديد.
الصعوبة الأولى
مواجهة الأحكام: التي سنَّها الشرع الإسلامي على المرتد، فهي تشكل خطراً على حياة المرتد عن الإسلام، لأنه بحسب النصوص الواردة فيها، يجب قتله شرعاً, فقد جاء في سورة البقرة 2:217 : ·وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ا لدُّنْيَا وَا لْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ ا لنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
ويخبرنا المؤرخون، أن هذا الحكم نفذ بالأسود العنسي، حين ارتد عن الإسلام، وكان زعيم قومه, فقد كتب محمد إلى معاذ بن جبل، وهو أحد قادة المسلمين، فأرسل جماعة من المسلمين فقتلوه وهو في بيته.
ويخبرنا الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره ·جامع البيان أنه حين ارتدت بعض من قبائل العرب عن الإسلام، أرسل إليهم الخليفة أبو بكر جيشاً بقيادة خالد بن الوليد، فسبى وقتل وحرق كل من ارتد عن الإسلام, ومن هنا أطلق عليه لقب ·سيف الإسلام ,
وجاء في صحيح البخاري عن عكرمة أن محمداً قال: ·من بدَّل دينه فاقتلوه , كما أنه بحسب الاجتهاد الشرعي يحرم من الإرث، ويحق لامرأته أن تطلقه وتتزوج بآخر، ويمنع من الإشراف على تربية أولاده، ولا يرث ولا يُورِّث، ولا يحميه قانون, وعلى أي حال، فأقل ما يصاب به الأخ المهتدي، هو الطرد من مجتمعه، وفراق أعزاء على قلبه.
الصعوبة الثانية
التخلُّص من رواسب الماضي: من المعروف أن الأخ المهتدي كان ينفر من عقيدة الثالوث، التي شجبها القرآن بالآية 73 من سورة المائدة، حيث يقول: “لَقَدْ كَفَرَ ا لَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ا للَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ا لَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “.
ولا بد أن والديه رسَّخا في ذهنه الدرس الديني الأول الذي يتلقنه كل مسلم منذ حداثته، وهو الدرس الوارد في سورة الإخلاص، والذي نصه: ·قُلْ هُوَ ا للَّهُ أَحَدٌ ا للّ هُ ا لصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ )سورة الإخلاص 112:1-4(, هذا الإقرار الإيماني، عاش في خاطره زمناً طويلاً قبل أن يواجه الفكر المسيحي، الذي يقدم له الله في ثلاثة أقانيم.
ويواجه الأخ المهتدي صعوبة أشد في قبول عقيدة التجسد، التي جاءت في شهادة يوحنا: ·وَا لْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ا لْآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً (الإنجيل بحسب يوحنا 1:14) وشهادة بولس القائلة: ·عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ا لتَّقْوَى: اللّهُ ظَهَرَ فِي ا لْجَسَدِ (1 يتموثاوس 3:16).
وقد يمضي عليه وقت طويل، قبل أن يدرك معنى قول داود في المزمور 110:1 :·قَالَ ا لرَّبُّ لِرَبِّي: ·ا جْلِسْ عَنْ يَمِينِي , ولا ريب أنه تساءل كثيراً حين قرأ إعلان يسوع ليوحنا في جزيرة بطمس: ·لَا تَخَفْ، أَنَا هُوَ ا لْأَوَّلُ وَا لْآخِرُ، وَا لْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ ا لْآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ ا لْهَاوِيَةِ وَا لْمَوْتِ( رؤيا 1:17، 18). وسؤاله هو : كيف يمكن التوفيق بين الإعلان ·كنت ميتاً ، وبين الإعلان ·لي مفاتيح الهاوية والموت؟!
في اختباري الشخصي، لم أجد صعوبة في قبول تعليم الإنجيل بأن ·الله محبة ، وأن هذه المحبة تجسدت فعلاً في شخص الرب يسوع وعبر عنها بأعمال الرأفة, ولكني بقيت ردحاً من الزمن أستنكر موت هذا الإله على الصليب كأي مجرم منحط, وكنت كلما أحاول تخطي هذه المشكلة يمرُّ في خاطري قول الفيلسوف العربي أبي العلاء المعري:
عجبت لقول النصارى إلهٌ يُضام ويُقتل ظلماً ولا ينتصر!
ولم أتخلص من هذه المشكلة المعقدة إلا حين وجدت مفتاح اللغز في الإنجيل بحسب يوحنا 3:16 القائل: ·لِأَنَّهُ ه كَذَا أَحَبَّ ا للّ هُ ا لْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ا بْنَهُ ا لْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ا لْحَيَاةُ ا لْأَبَدِيَّةُ , هذه الآية المجيدة، أقنعت وجداني، بأن الله ما كان في وسعه أن يبرهن عملياً أنه رحيم، بدون الفداء على الصليب.
الصعوبة الثالثة
التصلُّب في التعليم عن بعض الفرق المسيحية: قد تتضاعف صعوبات الأخ المهتدي حين يحاول مرشده الروحي الجديد أن يجعل منه ناسكاً منذ أول وهلة، كما يفعل أولئك الذين يريدون أن يكونوا مسيحيين أكثر من بولس نفسه، إذ يذهبون في ما يسمونه بالتدقيق إلى حد الطلب من الأخ الحديث الإيمان مطاوعات ليست من الذي دعانا, طردت كنيسة أخاً مهتدياً من عضويتها لأنه شوهد يلعب النرد (طاولة الزهر).
وقد اتصل بي أخ تلفونياً، دون معرفة سابقة، وإنما قرأ بعضاً من كتبي، وطلب إليّ المجيء إلى بيته لحل مشكلة وقع فيها, ولما جئت أخبرني بأن الكنيسة التي تتلمذ فيها ترفض ضمه إلى عضويتها لأنه شوهد مرة يستحم في أحد المسابح على البحر, وقد تثبطت عزيمته لأنه سمع القسيس يقول في الوعظ إن الرب ديكتاتور بالنسبة لموقفه من الخطية, هذا ليس تدقيقاً في الحياة الروحية، بل هو تضييق الخناق, الأمر الذي يجعل المسيحية جافة، ويعيق الكثيرين من المحبذين عن اعتناقها, وأنا شخصياً تعرضت مرة للانتقاد من قبل أخ متصلب، لأنني أقرأ الجرائد, وحجته أن قراءة الجرائد تلهيني عن قراءة الكتاب المقدس.
الصعوبة الرابعة
نبذ الأعمال كوسيلة للخلاص: فالأخ المهتدي يشبه إلى حد بعيد أولئك اليهود الذين انضموا إلى كنيسة الرسل، فمع أنهم قبلوا المسيح إلا أنهم لم يشاءوا التنازل عن بعض الممارسات البارزة في ناموس موسى، والتي يرتاح إليها الإنسان الطبيعي, وكان لا بد من رجل ملهم كبولس للوقوف في وجه التعاليم الناموسية وإجلائها عن كنيسة المسيح ليحيا المؤمنون، لا بعتق الحرف بل بحرية الروح,
في الواقع أن الإسلام واليهودية يلتقيان في كثير من الممارسات والعقائد، وخصوصاً تلك التي تمجد الجسد، كالختان والخلاص بالأعمال، حتى قيل إن المسلم يهودي تُرجم إلى العربية.
فرق قديمة جديدة
إذا تأملت جيداً في الفرق الإسلامية، ترى:
1 – الفريسيون: المدققون في الشريعة، وهم ممثَّلون في أيامنا بالأزهريين المتمسكين بالحديث والتقليد، الذين شعارهم النظر إلى الدين من خلال ما قاله الأئمة الأربعة: الشافعي، ابن حنفي، مالك، وحنبل.
2 – الناموسيون: الذين شعارهم التمسك بحرفية النص, وهم ممثلون في أيامنا بحزب التحرير الإسلامي، المنتشر في بعض الأقطار العربية, ويماثلهم الوهابيون في العربية السعودية.
3 – الصدوقيون: وهم العقليون الذين شعارهم الاجتهاد, فهم يجتهدون على النصوص لجعلها تماشي روح العصر, وقد حمل لواء هذه الفئة في القديم جماعة المعتزلة, وفي أيامنا يوجد من يشبههم بين أساتذة الفقه, ولهم محاولات في الزعم بأن النظريات العلمية الحديثة لها جذور في القرآن.
4 – الأسينيون: وهم ممثَّلون بالصوفيين الذين شعارهم الزهد، ومن مبادئهم أن الأُنس بالله خير ما يقتنيه الإنسان.
ولكن كل هذه الأميال والنزعات الدينية يمكن لأي إنسان أن يقوم بشعائرها إذا صمَّم على ذلك، بينما الدعوة المسيحية التي تبدأ بنكران الذات، وتنتهي بصلب الجسد مع الشهوات، تبدو للأخ المهتدي صعبة التطبيق, ولا بد له من وقت طويل لإدراكها عملياً. كان في الماضي في غنى عن انشغال باله في ما يسمى بالموت عن الخطية، وخلع الإنسان العتيق، وتغيير شكله بتجديد ذهنه (رومية 12:1-3) لأن تعاليم الإسلام السهلة تعفيه من السير في هذه الطريق الوعرة، فهي تعاليم ·سمحاء، تجمع الدين والدنيا ولا تطلب منه ما طلبه المسيح من أتباعه: أن يبغض نفسه في هذا العالم من أجل الرب، ليحفظها إلى حياة أبدية (الإنجيل بحسب يوحنا 12:25). الواقع أن الباب المؤدي إلى الفردوس كما رسمه الإسلام واسع جداً، حتى أنه ليتسع لدخول الإنسان مع أشواقه للتمتع بما وعد به القرآن للمتقين، من أنهار اللبن والخمر والعسل، والهناء مع مجموعة من حور العين، والسعادة بصحبة الوِلْدان المخلَّدين الذين يطوفون بأكواب الشراب الطهور، وغير ذلك من الأطايب، التي يتحسسها الإنسان الطبيعي الجسدي وينجذب إليها أكثر مما ينجذب إلى الفردوس الذي رسمته المسيحية، والذي قال المسيح إن طريقه كرب، وبابه ضيق، وهو خال من كل ما يمتع الجسد.
طرق الخلاص في الإسلام
في ما يلي بعض الوسائط التي بحسب الإسلام تتيح للإنسان الخلاص، وبالتالي دخول الفردوس:
1 – القرآن: قال أبو ذر لمحمد: يا رسول الله إني أخاف أن أتعلم القرآن ولا أعمل به, فقال له: لا تخف يا أبا ذر، فإن الله لا يعذب قلباً سكنه القرآن.
وعن أنس بن مالك، أنه قال: حدثني رسول الله: “من سمع القرآن يدفع عنه بلاء الدنيا، ومن قرأه يدفع عنه بلاء الآخرة”
وعن ابن مسعود، قال حدثني رسول الله: من قرأ القرآن حتى استظهره، أدخله الله الجنة وشفَّعه في عَشَرة من أهله، وجبت عليهم النار,
2 – الأعمال الحسنة: تلعب الأعمال الحسنة دوراً رئيسياً في الإسلام للحصول على الغفران، وبالتالي تُنيل الإنسان فردوس الله, قد جاء في القرآن: ·وَا لَّذِينَ صَبَرُوا ا بْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا ا لصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِا لْحَسَنَةِ ا لسَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى ا لدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ )سورة الرعد 13:22-23(, وفي حديث عن محمد أنه قال لمعاذ بن جبل: إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها,
3 – النطق بالشهادتين: في حديث عن أبي ذر أنه سأل محمداً: يا رسول الله كيف يخلص المسلم؟ فقال له: يخلص بالقول: ·أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله ,
4 – الصلاة: في حديث عن أبي بكر أنه قال: سمعت رسول الله يقول: ما من عبد يذنب، فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، فيستغفر الله، إلا غفر له,
5 – الصوم: جاء في سورة الأحزاب 33:35: ·وَا لصَّائِمِينَ وَا لصَّائِمَاتِ أَعَدَّ ا للَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ,
6 – الحج: جاء في سورة البقرة 2:158: ·إِنَّ ا لصَّفَا وَا لْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ ا للَّهِ فمَنْ حَجَّ ا لْبَيْتَ أَوِ ا عْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ ,
هذا، والاعتقاد الشائع بين المسلمين أن الله في يوم الدين العظيم سيضع أمامه ميزاناً لوزن حسنات وسيئات الناس، وأنه على نتيجة الوزن يتقرر مصير كل واحد, وهذا الاعتقاد مبني على قول القرآن: ·ا لْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ا لْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ا لْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ ا لَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ )سورة الأعراف 7:8-9(,
والمسلم يمارس هذه الوسائل مطمئناً إلى سلامة وضعه الروحي، متكلاً على النصوص التي تؤكد له أنه اعتنق الدين الصحيح,,, هكذا يقرأ في سورة آل عمران 3:19: ·إِنَّ ا لدِّينَ عِنْدَ ا للَّهِ ا لْإِسْلَامُ ,
ومما يعزز تشبث المسلم بما لديه، هو التحذير الصارم الذي جاء في القرآن والقائل: ·وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ ا لْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ا لْآخِرَةِ مِنَ ا لْخَاسِرِينَ كَيْفَ يَهْدِي ا للَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ ا لرَّسُولَ حَقٌ وَجَاءَهُمُ ا لْبَيِّنَاتُ وَا للَّهُ لَا يَهْدِي ا لْقَوْمَ ا لظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ا للَّهِ وَا لْمَلَائِكَةِ وَا لنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ا لْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ )سورة آل عمران 3: 85-88(,
وقال أيضاً: ·وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ ا لْيَهُودُ وَلَا ا لنَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ا للَّهِ هُوَ ا لْهُدَى وَلَئِنِ ا تَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ ا لَّذِي جَاءَكَ مِنَ ا لْعِلْمِ مَالَكَ مِنَ ا للَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ )سورة البقرة 2:120(,
فأقل ما في هذه التحذيرات أنها تجرد من يقبلها من حرية الاستقصاء واختيار الأفضل, فما أبعدها عن المبدأ الذي نادت به المسيحية بفم بولس: ·ا مْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِا لْحَسَنِ )1تسالونيكي 5:21(,
وكذلك يؤكد القرآن للمسلم أن آباء الإيمان كانوا جميعاً مسلمين، إذ يقول عن إبراهيم: ·مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ا لْمُشْرِكِينَ )سورة آل عمران 3:67(, وفي سورة البقرة 2:132 يقول: إن إبراهيم أوصى بنيه ويعقوب بأن الله اختار لهم الإسلام ديناً, وقال في البقرة 2:133 إن يعقوب وبنيه كانوا مسلمين, وقال في سورة يونس 10:72 إن نوحاً كان مسلماً,
وإلى هذه التأكيدات القرآنية، تُضاف تأكيدات من نصوص الحديث التي رواها الأئمة، منها:
عن ابن أنس: قال رسول الله: إن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وإن أفضل عبادة هي عبادة القرآن,
وعن ابن مالك: قال رسول الله: إن حملة القرآن هم المخصوصون برحمة الله، المعلمون كلام الله، والمقربون إلى الله, من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله,
وعن علي: قال رسول الله: القرآن هو القول الحق, من ابتغى الهدى في غيره، فقد أضلّه الله,
وأحاديث أخرى عديدة، تعد الإنسان بالثواب إذا ما استمسك بالإسلام، أو بسوء المصير إذا ما تحوَّل عنه، مما يجعله يُحجم عن استبدال تعاليم الإسلام السمحاء بالتعاليم المسيحية التي تشدد على وجوب القداسة، وتجزم بأنه بدونها لن يرى أحد الله,
ممارسات إسلامية
تساعد على اجتياز أزمة الضمير
ولعله من المفيد أن أذكر بعض الممارسات في الإسلام، التي تقدم للخاطي مساعدات لاجتياز أزمة الضمير, مثلاً الكفارة عن القَسَم الكاذب، تُنال بطريق سهلة جداً, فقد جاء في القرآن: ·لَا يُؤَاخِذُكُمُ ا للَّهُ بِا للَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ ا لْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُم )سورة المائدة 5:89(,
ويماثل هذا، الكفارة عن ملامسة امرأة, فقد روى الترمذي عن يزيد بن رومان أنه قال: أتتني امرأة تبتاع تمراً، فأهويتُ إليها فقبَّلتُها, ثم ذهبت إلى محمد، وأخبرته بما كان, فأطرق ملياً ثم قال: ·وَأَقِمِ ا لصَّلاَةَ طَرَفَيِ ا لنَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ ا للَّيْلِ إِنَّ ا لْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ا لسَّيِّئَاتِ )سورة هود 11:114(,
يعلمنا الرسول بولس، أن المسيحية الصحيحة تقوم على ثلاثة أركان:·ا لْإِيمَانُ وَا لرَّجَاءُ وَا لْمَحَبَّةُ، ه ذِهِ ا لثَّلَاثَةُ وَل كِنَّ أَعْظَمَهُنَّ ا لْمَحَبَّةُ )1كورنثوس 13:13( فهل لهذه الأركان صدى في الإسلام؟ نعم وإنما ليس لها أبعادها التي في المسيحية,
فالإيمان بالنسبة للمسلم هو قبول ما جاء في القرآن والحديث من تعاليم وتوجيهات، والتي مع سهولة تطبيقها لم يتركها الإسلام من دون سند في حالات ضعف المؤمن، فقد جاء في القرآن: ·لَا يُكَلِّفُ ا للَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ )سورة البقرة 2:286(, أما الإيمان بالنسبة للمسيحي ·فَهُوَ ا لثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَا لْإِيقَانُ بِأُمُورٍ لَا تُرَى )عبرانيين 11:1( وقد أشار الكتاب المقدس إلى اتجاهات الإيمان وأبعاده بأمثلة عن هابيل وأخنوخ ونوح وإبراهيم وإسحق ويوسف وموسى وغيرهم، ممن لاقوا صعوبات شديدة بسبب إيمانهم وطاعتهم )الرسالة إلى العبرانيين(,
والرجاء بالنسبة للمسلم، يقوم على حديث نبوي يقول إن الله لا يعذّب إنساناً قال: ·أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله , أما الرجاء بالنسبة للمسيحي فيقوم على مسيح صُلب ومات ودُفن وقام, وعلى المسيحي الذي وضع رجاءه عليه، أن يعرفه في قوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً به بموته )فيلبي 3:10(,
والمحبة في الإسلام، تقوم على المبدأ القائل: ·نوالي من يوالينا ونعادي من يعادينا , أما المحبة بالنسبة للمسيحي فهي تنبع من فكر الفداء، وفقاً لقول المسيح: ·أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ ا لَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ ا لَّذِي فِي ا لسَّمَاوَاتِ )الإنجيل بحسب متى 5:44-45(, فنحن إذاً أمام قواعد إسلامية سمحاء متساهلة يستطيع المرء أن يقيم حدودها، وقواعد مسيحية تستلزم إقامة حدودها، نكران الذات وصلب النفس, فهنا الصعوبة الكبرى في انصهار الأخ المهتدي في بوتقة الصليب، ليصبح مسيحياً حقاً,
الصعوبة الخامسة
الفخاخ الطائفية: غالباً يقضي الأخ المهتدي الفترة الأولى من حياته الجديدة في جو من الاطمئنان والدعة، لأن الخطوة التي أقدم عليها تُقابَل دائماً بالترحيب والتشجيع من جميع الأوساط المسيحية, وسرعان ما يتقدم كثيرون من الغيارى للتعرُّف عليه، ولدعوته إلى اجتماعات كنسية، ليعطي شهادته أمام المؤمنين, وأحياناً تقام مآدب على شرفه, وقد تكون هذه الاهتمامات مفيدة وعاملة على تشجيع الأخ، لولا محاولة البعض استمالته إلىفرقتهم، وعلى حساب الإقلال من فضل الفرقة التي انضم إليها، وفي هذا ضرر كبير للمسيحيين جميعاً، لأن الأخ كان إلى هنا يعتقد أنه انضم إلى جماعة تحصرهم محبة المسيح، وإذا به للأسف يكتشف أن المسيحيين منقسمون إلى فرق شتى، تباعد بينها شكليات عقائدية,
أنا شخصياً في بداية عهدي لم أكن أعلم أن الخلافات العقائدية تذهب بالمسيحيين إلى حد طعن فريق بفريق، فقد جمعتني الصدفة برجل دين كبير،عرفت منه هذه الحقيقة المؤسفة، فقد قال لي ذلك الرجل ذو السلطة: ·يا فتى، أَمّا وقد أقدمت على خطة جريئة كهذه، أفما كان أفضل لك أن تنضم إلى الفريق المسيحي الحقيقي؟ ثم طفق يشيد بمبادئ الطائفة التي يرأسها، ويقبِّح الطائفة التي انضممت إليها, ولما توقف عن الكلام، قلت له بكل بساطة: ·لقد وجدت في الطائفة التي انضممت إليها مسيحاً مخلّصاً, فإن كان في الكنيسة التي ترأسها مسيح أفضل، فأنا على استعداد لأن أعيد النظر وأعدل موقفي ,
وقد دار في خاطري آنئذ قول الرسول: ·بِا لْمَحَبَّةِ ا خْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. لِأَنَّ كُلَّ ا لنَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ: ·تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ . فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، فَا نْظُرُوا لِئَلَّا تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً )غلاطية 5:13-15(,
حتى بين الإنجيليين أنفسهم يوجد ما يشكل صعوبة للأخ المهتدي، وذلك في العقائد الخاصة التي تتشبث بها بعض الفرق، وتركز عليها أكثر مما يجب، كالمعموديات، ويوم الرب، والتكلم بألسنة، وغسل الأرجل، وغير ذلك من العقائد التي لها شكل الاجتهادات, فهذه العقائد الخاصة تحول دون الأخ وإقامة شركة مع إخوة ليسوا من الكنيسة التي انضم إليها, فليت المنادين بهذه العقائد يتذكرون معي أن الأهم في الموضوع هو أن يُؤتى بالمتتلمذ إلى المسيح قبل إدخاله في إطار كنيسة معينة,
الصعوبة السادسة
الأحوال الشخصية: منذ خمس سنين وضع الرب في طريقي فتاة في الثلاثين من عمرها أعلنت عن رغبتها في الانضمام إلى خراف المسيح، فاتفقتُ مع أحد رعاة الكنائس أن يضمها إلى عضوية الكنيسة التي يرعاها حين تتجدد, وبعد سلسلة من الجلسات معها حول الإنجيل أعلنت الفتاة إيمانها، واعترفت بخطاياها السالفة، وسلمت حياتها للرب, فأرسلتُها بكتاب توصية إلى الراعي الذي اتفقت معه لتعميدها وضمها إلى جماعة المسيح, فقبلتها عمدة الكنسية مبدئياً, ولكن حين بدأ الراعي خطوته الأولى ُصدم بقوانين بلدها التي تمنع المواطنين المسلمين من تغيير مذهبهم,
في بعض الأحيان تتجاوز الكنائس هذه القوانين التي لا تتفق مع شرعة حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة، فتعمد المتتلمذين إنفاذاً لأمر المسيح: ·فَا ذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ا لْأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِا سْمِ ا لْآبِ وَا لِا بْنِ وَا لرُّوحِ ا لْقُدُسِ )الإنجيل بحسب متى 28:19(, ولكن المشكلة تحدث عندما يعزم المهتدون على الزواج، فإن معظم الرعاة يحجمون عن إجراء مراسيم الزواج بسبب الخوف من المسؤولية, وإذا تسلح راع بالشجاعة وأجرى العقد )لغير اللبنانيين( فإن وقائع الزواج تسجل في المحكمة الشرعية الإسلامية، وإذا أنجبوا أولاداً فهؤلاء يسجلون في سجلات الدولة كمسلمين,
الصعوبة السابعة
مسألة الثقة: من المعلوم أن الأخ المهتدي أتى من مجتمع يختلف تماماً عن المجتمع المسيحي، ليس فقط في المعتقد، بل أيضاً في نظام الحياة, إنه يشبه الحجر الكريم الخام، الذي قَبِل أن يوضع في عقد نظيم، يجب أن يصقل ليصير درة لامعة, وعملية الصقل هذه تحتاج إلى سهر عليه لبنيانه في الفضائل المسيحية, وبعد الصقل يجب أن يعامل الأخ بالمحبة التي تصدّق كل شيء عن صحة إيمانه، وترجو كل شيء من جهة ثمار إيمانه، وتحتمل كل شيء من جهة ضعفاته )1 كورنثوس 13:7(,
ولكن للأسف، فكثيراً ما يعاني الأخ من نظرة التحفظ التي يرمقه بها الإخوة, وقد يأخذ هذا التحفظ شكل عدم الثقة، فيسبب له المرارة ويعيق تقدمه,
أنا شخصياً عشت هذه التجربة المريرة، وقد احتملتها بمحبة الله وصبر المسيح,
الصعوبة الثامنة
الزواج: هذه صعوبة عاناها كثيرون من الإخوة المهتدين، فحين يفتش أخ عن زوجة لا يجد بين المسيحيات من ترضى أن تقترن به, لكأنه في نظرهن أقل شأنا من مولود مسيحي! وقد يلحق هذا المشكل أبناءه، كما حدث معي يوم تقدم شاب لخطبة ابنتي, وكنت يومئذ أشغل مركز شيخ في كنيسة ما, فقالت زوجة زميلي الشيخ لزوجها: كيف فاتك أن تطلب يد هذه الفتاة الحلوة لابننا؟ فأجابها بكل بساطة: لم أفعل لأن أباها مسلم، فكيف تريدين؟!
الصعوبة التاسعة
المشكلة المادية: لقد أمضيت عدة سنوات أعمل كأمين سر لرابطة المؤمنين الذين يهتمون بالإخوة المهتدين, وفي أثناء عملي في هذا الحقل رأيت أن غالبية المهتدين الذين اهتمت بهم الرابطة كانوا يواجهون صعوبات في كسب معيشتهم، لأن معظمهم وفدوا من الأقطار المجاورة, وكانت مشكلتهم الأولى إيجاد وسيلة لكسب المعيشة، ولكن بسبب ضيق مجالات العمل في لبنان كنا نساعدهم مادياً ولكن على نطاق ضيق، بسبب ضعف إمكاناتنا المالية, لأن الكنائس للأسف، لم تتجاوب مع توسلاتي، للاهتمام بهذا النوع من الإخوة,
هذه هي صعوبات الإخوة المهتدين, وهي جديرة باهتمام العاملين في حقل الإنجيل, وكم أتمنى أن يدرسوها بروح متفهم، لكي لا يعثر أحد هؤلاء، الذين في بحثهم عن الحقيقة واعتناقها يعانون الكثير من الضيق!
منقوووووول المرشد