لماذا لا يغفر الله لنا بدون الصليب؟
بقلم نيافة الانبا بيشوى مطران دمياط و البرارى
البعض يقولون لماذا لا يغفر الله الخطية بناءً على طلب الإنسان بدون آلام الصليب ومعاناته. ونحن نجيبهم: أن الله إذا غفر بدون قصاص كامل للخطية يكون كمن يتساوى عنده الخير والشر. وإذا كان الغفران هو علامة لرحمته فأين قداسته الكاملة كرافض للشر إن لم تأخذ الخطية قصاصاً عادلاً؟
...
نحن نفهم أن الله يقول أنا أغفر لكم. لكنى أغفر لمن يدرك قيمة الغفران أن ثمنه غالى جداً؛ ولمن يقبل نعمة الشفاء من الخطية بفعل التجديد والتطهير الذى يعمله الروح القدس.
ما الفائدة أن مريضاً يطلب من الطبيب أن يسامحه على مرضه دون أن يطلب منه الشفاء؟!! الأجدر بالمريض أن يطلب من الطبيب أن يشفيه بكل الأدوية الضرورية. وهكذا لا يكفى طلب المغفرة من الله بدون وجود سبب للمغفرة، بل يلزم طلب المغفرة على حساب دم المسيح وطلب الشفاء وقبول تعاطى الدواء الذى يمنحه الطبيب السماوى وهو تجديد الطبيعة بالمعمودية وممارسة الأسرار المقدسة. والكتاب يقول عن شفاء مرض لذة الخطية التى دفع ثمنها السيد المسيح "الذى بجلدته شفيتم" (1بط2: 24).
وقيل أيضاً أنه "مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش53: 5،6).
الإنسان يشعر أن ثمن خلاصه مدفوع، وأن السيد المسيح اشتراه بدمه. فلم يعد ملكاً لنفسه. وأنه قد دُفن مع المسيح وصُلب معه فى المعمودية. فحينما تأتى الخطية وتقول له خذ نصيبك من المتعة، يقول لها أين هو نصيبى من لذة الخطية؟! هل الميت له نصيب فى ذلك؟!! لهذا يقول القديس بولس الرسول "احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو6: 11). فالإنسان يرى أن خطيته قد دُفع ثمنها لكى ينال الغفران.
يأتيه الشيطان ويقول له إرتكب الخطية مرة أخرى. فيجيبه: كيف ذلك؟!! هذه الخطية ثمنها غالى.. الغفران مدفوع الثمن بالكامل. لأن "أجرة الخطية هى موت" (رو6: 23).
فالموت الذى أستحقه أنا، المسيح مخلصى دفع ثمنه بالكامل. الإنسان يخجل من نفسه كلما ينظر إلى الصليب ويشعر بالخزى، يحتقر نفسه.. يكره نفسه.. يكره النفس التى تطالب بالخطية وبلذتها.. يبكت نفسه ويقول فى مقابل هذه اللذة الرخيصة العابرة قد جُلد المسيح الذى أحبنى بالسياط وسمر بالمسامير. إذاً فكل لذة محرَّمة يقبلها الإنسان قد دفع ثمنها السيد المسيح بالجلدات الحارقة فى جسده المبارك تلك التى احتملها فى صبر عجيب وهو برئ.
فإذا تجاهلنا العدل الإلهى.. فما الداعى للصليب أصلاً؟.. ما لزومه؟ هل الصليب مجرد تمثلية لكى يظهر لنا السيد المسيح محبته فقط؟!! ثم ما معنى كلمة "الفداء"؟ حينما يقول "ليبذل (المسيح) نفسه فدية عن كثيرين" (مت20: 28) أو "الذى بذل نفسه فدية" (1تى2: 6). هل أصبحت كلمة الفداء كلمة ليس لها معنى؟
والعجيب أن البعض يرفضون أن يقدم الفادى نفسه فى موضع الخاطئ. أى يضع نفسه فى مكان الخاطئ بينما الكتاب واضح إذ يقول أشعياء النبى"والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش53: 6) وقال يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم" (يو1: 29). ويقول أيضاً أشعياء النبى "جعل نفسه ذبيحة إثم" (أش53: 10). وفى رسالته الأولى يقول معلمنا بطرس الرسول "عالمين أنكم أفتديتم لا بأشياء تفنى… بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب" (1بط1: 18-19) ويقول معلمنا بولس الرسول إن "المسيح إفتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا" (غل3: 13). ويقول "قد أشتريتم بثمن فمجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله" (1كو6: 20). ويقول "إذ محا الصك الذى علينا فى الفرائض الذى كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب" (كو2: 14).
ماذا يعنى تمزيق صك الدين الذى كان علينا؟ إلا إيفاء الدين تماماً بالصليب. فلماذا نحسب الدين إهانة للمخلص المحبوب؟
بولس الرسول يقول فى جسارة "لأنه جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه".
القديس مار أفرام السريانى يقول [السبح للغنى الذى دفع عنا ما لم يقترضه وكتب على نفسه صكاً وصار مديناً] (الترنيمة الثانية عن الميلاد).
القديس أمبروسيوس يقول [ بالجسد علّق على الصليب ولأجل هذا صار لعنة. ذاك الذى حمل لعنتنا] (شرح الإيمان المسيحى – الكتاب الثانى- الفصل 11).
والقديس أثناسيوس يقول [ ولأن كلمة الله هو فوق الكل فقد لاق به بطبيعة الحال أن يوفى الدين بموته وذلك بتقديم هيكله وآنيته البشرية لأجل حياة الجميع. ] (تجسد الكلمة فصل 9 الفقرة 2).
مسألة إهانة كرامة الله:
الذين يرفضون عقيدة الكفارة يقولون: "إن شر
الإنسان لا يمكن أن يجرح كرامة الله، ولا يهينه. إذ كيف
للإنسان أن يمس كرامة الله، حتى لو فعل الإنسان كل ما فى وسعه من شر!!؟" ونحن نجيب عليهم بأن خطية الإنسان لن تمس كرامة الله طالما يعلن الله غضبه ضد الخطية. أما إذا لم يعلن غضبه كقدوس ففى هذه الحالة –وهذا مستحيل- تكون كرامته قد أهينت إذ لم تعلن قداسته المطلقة كرافض للشر. ولهذا فنحن نرى العدل والرحمة يتلاقيان بالصليب وبهذا أعلنت قداسة الله العادل ومحبته فى آنٍ واحد.
وقد أوضح القديس أثناسيوس أن العدل الإلهى قد استوفى بآلام وموت الصليب فقال [ لهذا كان أمام كلمة الله مرة أخرى أن يأتى بالفاسد إلى عدم فساد، وفى نفس الوقت أن يوفى مطلب الآب العادل المطالب به الجميع وحيث أنه هو كلمة الآب ويفوق الكل، فكان هو وحده الذى يليق بطبيعته أن يجدد خلقة كل شئ وأن يتحمل الآلام عوضاً عن الجميع وأن يكون نائباً عن الجميع لدى الآب ] (تجسد الكلمة فصل 7 فقرة 5).
الموت النيابى:
ينادى البعض فى زماننا الحاضر بأن السيد المسيح لم يمت عنا بل مات لأجلنا. بمعنى أنه لم يمت على الصليب بدلاً عنا بل مات بنا وبهذا نكون قد متنا معه!!!
ويقولون إنه من الخطأ القول بأنه تألم عنا أو صلب عنا أو مات عنا... وهكذا وقد نسى هؤلاء أن الكنيسة كلها تردد فى قانون الإيمان فى جميع صلواتها الليتورجية عن السيد المسيح أنه [نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطى] فمن الواضح أننا نعترف بأنه صلب عنا...
وأن السيد المسيح نفسه قال إن "إبن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين". (مت20: 28).
وما معنى الفدية إن لم تكن عوضاً عمن إفتداهم؟!!
لو كنا قد متنا مع المسيح يوم صلبه فى يوم الفداء، فما هو لزوم الفداء؟ إننا فى هذه الحالة نكون قد دفعنا ثمن الخلاص بأنفسنا فى يوم الصليب.
نحن صلبنا مع السيد المسيح ودفنا معه يوم قبولنا لسر العماد المقدس كقول معلمنا بولس "أم تجهلون أننا كل من إعتمد ليسوع المسيح إعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة" (رو6: 3،4).
إن الروح القدس بعمل فائق للطبيعة وفوق الزمان والمكان يعمل فى سر العماد ويأخذ من إستحقاقات موت المسيح ويعطينا.. يمنحنا الغفران بإستحقاقات دم صليبه ويمنحنا الطبيعة الجديدة التى تليق بحياة البنوة لله ويجعلنا أعضاء فى "جسده الذى هو الكنيسة" (كو1: 24). النعمة الإلهية لا حدود لها أما نحن فمحدودين.
نحن لم نكن موجودين قبل أن نوجد لكى نشارك المسيح تقديم نفسه فدية عن حياة العالم. وكيف نكون موجودين من ألفى عام؟ هل نأخذ حالة عدم المحدودية لكياننا البشرى المحدود بالزمان والمكان؟!!
نحن كنا فى صُلب آدم حينما أخطأ فى الفردوس لأننا من نسله بحسب طبيعتنا البشرية. ولكننا لسنا من نسل السيد المسيح بحسب طبيعتنا البشرية، لأن السيد المسيح لم ينجب نسلاً جسدياً مثل آدم، بل الروح القدس يجدد هذه الطبيعة فى المعمودية ويمنحنا التبنى بالولادة الجديدة من الماء والروح لأن "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح" (يو3: 6). نحن نصير أولاداً لله فى المعمودية وننتقل من الانتساب إلى آدم إلى الانتساب إلى السيد المسيح طالما نكون ثابتين فيه ونحيا فى حياة القداسة والبر وبهذا نصير أعضاءً فى جسده أى الكنيسة التى هو رأسها.
إن السيد المسيح قد إشترك فى طبيعتنا بلا خطية لكى يصير قادراً أن يموت نيابة عن جميع الذين إفتداهم حينما حمل خطاياهم مسمراً إياها بالصليب.
عن هذا قال القديس أثناسيوس الرسولى فى كتاب تجسد الكلمة الفصل الثامن [وهكذا إذ أخذ من أجسادنا جسداً مماثلاً لطبيعتنا، وإذ كان الجميع تحت قصاص فساد الموت، فقد بذل جسده للموت عوضاً عن الجميع، وقدمه للآب. كل هذا فعله شفقة منه علينا، وذلك: أولاً لكى يَبطل الناموس الذى كان يقضى بهلاك البشر، إذ مات الكل فيه، لأن سلطانه قد أكمل فى جسد الرب ولا يعود ينشب أظفاره فى البشر الذين ناب عنهم. ثانياً: لكى يعيد البشر إلى عدم الفساد بعد أن عادوا إلى الفساد، ويحييهم من الموت بجسده وبنعمة القيامة، وينقذهم من الموت كإنقاذ القش من النار] .
وأيضاً فى الفصل التاسع [وإذ رأى الكلمة أن فساد البشرية لا يمكن أن يبطل إلا بالموت كشرط لازم، وأنه مستحيل أن يتحمل الكلمة الموت لأنه غير مائت ولأنه إبن الآب، لهذا أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت حتى بإتحاده بالكلمة، الذى هو فوق الكل، يكون جديراً أن يموت نيابة عن الكل، وحتى يبقى فى عدم فساد بسبب الكلمة الذى أتى ليحل فيه وحتى يتحرر الجميع من الفساد، فيما بعد، بنعمة القيامة من الأموات. وإذ قدم للموت ذلك الجسد، الذى أخذه لنفسه، كمحرقة وذبيحة خالية من كل شائبة فقد رفع حكم الموت فوراً عن جميع من ناب عنهم، إذ قدم عوضاً عنهم جسداً مماثلاً لأجسادهم ].
إن السيد المسيح قد ناب عن البشر الخطاة وصُلب بدلاً عنهم وأوفى الدين الذى علينا. لم يكن معه أحد على الصليب يوم صُلب لأنه هو المخلص الوحيد الذى ليس بأحد غيره الخلاص وهو الوحيد الذى بلا خطية والوحيد الذى يستطيع أن يحمل خطايا العالم كله ويكون فدية مقبولة أمام الآب السماوى لسبب بره الكامل وذبيحته الفائقة فى قيمتها فى نظر الله الآب لأنها ذبيحة الإبن الوحيد "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16).
إن كان هناك أحد قد صلب مع المسيح فى يوم الفداء على الجلجثة فلماذا دار الحوار التالى بين إشعياء النبى والسيد المسيح بروح النبوة؟: "من ذا الآتى من أدوم بثياب حمر من بصرة هذا البهى بملابسه المتعظم بكثرة قوته؟ أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص. ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة؟ قد دست المعصرة وحدى ومن الشعوب لم يكن معى أحد. فدستهم بغضبى ووطئتهم بغيظى فرش عصيرهم على ثيابى فلطخت كل ملابسى" (أش63: 1-3).
أليس هذا هو المخلّص المسيح الذى رآه يوحنا فى رؤياه راكباً فرس أبيض "وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى إسمه كلمة الله... وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله... رب الأرباب" (رؤ19: 13-16)؟
لو كان أحد قد شارك المسيح فى يوم صلبه فلماذا قال "من الشعوب لم يكن معى أحد"؟!!! ولماذا قال لتلاميذه "تأتى ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونى وحدى. وأنا لست وحدى لأن الآب معى؟!!" (يو16: 32) لو كان هناك من رعيته من صلب معه فلماذا قال لمن أرادوا أن يقبضوا عليه "إن كنتم تطلبوننى فدعوا هؤلاء يذهبون" (يو18: . ولماذا قال "أنا أضع نفسى عن الخراف" (يو10: 15). ولماذا تنبأ قيافا وقال "أنتم لستم تعرفون شيئاً ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها. ولم يقل هذا من نفسه" (يو11: 49-51). كيف يتجاسر أحد أن يقول أنه قد شارك المسيح فى صلبه يوم الجلجثة وفى تقديم ذبيحة الفداء بينما النبى أشعياء يقول "كلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش53: 6).
حتى اللص اليمين الذى صُلب إلى جوار السيد المسيح ومات على الصليب لا يستطيع أن يقول أن المسيح لم يمت بدلاً عنه. لأن موت اللص اليمين عل الصليب كان عقوبة أرضية على جرائمه التى إرتكبها فى حياته على الأرض. ولم يكن هذا ليعفيه من القصاص الأبدى على الإطلاق.. لولا أن المسيح مات بدلاً عنه على الصليب لما أمكن أن ينجو من الموت والهلاك الأبدى. وبواسطة ذبيحة الصليب الكفارية أمكن أن يفتح له باب الفردوس بناءً على توبته وبناءً على طلبته. اللص اليسار هو أيضاً مات ولكنه وهلك لأنه لم ينتفع من موت المسيح عوضاً عنه على الصليب.
لا وجه للمقارنة على الإطلاق بين صليب المسيح وصليب اللص، لأنه على صليب المسيح كانت الذبيحة الوحيدة المقبولة أمام الله الآب، والتى تفى بكل ديون الخطاة، وتوفى العدل الإلهى تمام الإيفاء.
لذلك وردت النصوص التالية عن ذبيحة المسيح على فم أشعياء النبى:
"أما الرب فسُرّ بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم" (أش53: 10).
"عبدى البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها" (أش53: 11).
"هو حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين" (أش53: 12).
والسؤال الخطير الآن هو ما يلى:
إذا كنا قد صلبنا مع المسيح فى يوم الصليب بحيث لم
يصلب عنا بل صُلب بنا كما يقول البعض فهل نصلب معه مرة ثانية فى المعمودية أم لا؟!!
وهل يجوز أن يتكرر الصليب بالنسبة له، أو بالنسبة لنا؟!!
وما فائدة أسرار الكنيسة والمعمودية؟ وما فائدة عمل الروح القدس فى الكنيسة؟!!
نحن ننال شركة الموت مع المسيح فى المعمودية، ولهذا قال القديس بولس الرسول فى حديثه عن المعمودية: "إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته" (رو6: 5).
ونحن فى قوله "صرنا متحدين معه" يدل على أن هذا شئ قد حدث فى وقت العماد ولم يكن حادثاً من قبل. وإلا فما معنى الصيرورة هنا (من كلمة صرنا).
إننا نحذّر من هذا التعليم الغريب والخطير الذى يهدم عقيدة الفداء فينبغى أن نثبت على تعليم الآباء القديسين القدامى وتعليم قداسة البابا شنودة الثالث أطال الرب حياته الذى أكد مراراً ضرورة التمسك بالتعليم الآبائى الصحيح "كى لا نكون فيما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال" (أف4: 14).
وقد قام قداسة البابا شنودة الثالث بإلقاء العديد من المحاضرات فى الكلية الإكليريكية ونشر العديد من المقالات فى مجلة الكرازة لمواجهة ما أسماه قداسته "بدعه معاصرة".
ونحن فيما نقتفى آثار خطوات قداسته فى هذا المجال إنما نرغب فى تأكيد إلتفاف الجميع حول القيادة الحكيمة لقداسة البابا لكنيستنا المجيدة فى حفظ الإيمان الأرثوذكسى المسلَّم مرة للقديسين.
بقلم نيافة الانبا بيشوى مطران دمياط و البرارى
البعض يقولون لماذا لا يغفر الله الخطية بناءً على طلب الإنسان بدون آلام الصليب ومعاناته. ونحن نجيبهم: أن الله إذا غفر بدون قصاص كامل للخطية يكون كمن يتساوى عنده الخير والشر. وإذا كان الغفران هو علامة لرحمته فأين قداسته الكاملة كرافض للشر إن لم تأخذ الخطية قصاصاً عادلاً؟
...
نحن نفهم أن الله يقول أنا أغفر لكم. لكنى أغفر لمن يدرك قيمة الغفران أن ثمنه غالى جداً؛ ولمن يقبل نعمة الشفاء من الخطية بفعل التجديد والتطهير الذى يعمله الروح القدس.
ما الفائدة أن مريضاً يطلب من الطبيب أن يسامحه على مرضه دون أن يطلب منه الشفاء؟!! الأجدر بالمريض أن يطلب من الطبيب أن يشفيه بكل الأدوية الضرورية. وهكذا لا يكفى طلب المغفرة من الله بدون وجود سبب للمغفرة، بل يلزم طلب المغفرة على حساب دم المسيح وطلب الشفاء وقبول تعاطى الدواء الذى يمنحه الطبيب السماوى وهو تجديد الطبيعة بالمعمودية وممارسة الأسرار المقدسة. والكتاب يقول عن شفاء مرض لذة الخطية التى دفع ثمنها السيد المسيح "الذى بجلدته شفيتم" (1بط2: 24).
وقيل أيضاً أنه "مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش53: 5،6).
الإنسان يشعر أن ثمن خلاصه مدفوع، وأن السيد المسيح اشتراه بدمه. فلم يعد ملكاً لنفسه. وأنه قد دُفن مع المسيح وصُلب معه فى المعمودية. فحينما تأتى الخطية وتقول له خذ نصيبك من المتعة، يقول لها أين هو نصيبى من لذة الخطية؟! هل الميت له نصيب فى ذلك؟!! لهذا يقول القديس بولس الرسول "احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو6: 11). فالإنسان يرى أن خطيته قد دُفع ثمنها لكى ينال الغفران.
يأتيه الشيطان ويقول له إرتكب الخطية مرة أخرى. فيجيبه: كيف ذلك؟!! هذه الخطية ثمنها غالى.. الغفران مدفوع الثمن بالكامل. لأن "أجرة الخطية هى موت" (رو6: 23).
فالموت الذى أستحقه أنا، المسيح مخلصى دفع ثمنه بالكامل. الإنسان يخجل من نفسه كلما ينظر إلى الصليب ويشعر بالخزى، يحتقر نفسه.. يكره نفسه.. يكره النفس التى تطالب بالخطية وبلذتها.. يبكت نفسه ويقول فى مقابل هذه اللذة الرخيصة العابرة قد جُلد المسيح الذى أحبنى بالسياط وسمر بالمسامير. إذاً فكل لذة محرَّمة يقبلها الإنسان قد دفع ثمنها السيد المسيح بالجلدات الحارقة فى جسده المبارك تلك التى احتملها فى صبر عجيب وهو برئ.
فإذا تجاهلنا العدل الإلهى.. فما الداعى للصليب أصلاً؟.. ما لزومه؟ هل الصليب مجرد تمثلية لكى يظهر لنا السيد المسيح محبته فقط؟!! ثم ما معنى كلمة "الفداء"؟ حينما يقول "ليبذل (المسيح) نفسه فدية عن كثيرين" (مت20: 28) أو "الذى بذل نفسه فدية" (1تى2: 6). هل أصبحت كلمة الفداء كلمة ليس لها معنى؟
والعجيب أن البعض يرفضون أن يقدم الفادى نفسه فى موضع الخاطئ. أى يضع نفسه فى مكان الخاطئ بينما الكتاب واضح إذ يقول أشعياء النبى"والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش53: 6) وقال يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم" (يو1: 29). ويقول أيضاً أشعياء النبى "جعل نفسه ذبيحة إثم" (أش53: 10). وفى رسالته الأولى يقول معلمنا بطرس الرسول "عالمين أنكم أفتديتم لا بأشياء تفنى… بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب" (1بط1: 18-19) ويقول معلمنا بولس الرسول إن "المسيح إفتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا" (غل3: 13). ويقول "قد أشتريتم بثمن فمجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله" (1كو6: 20). ويقول "إذ محا الصك الذى علينا فى الفرائض الذى كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب" (كو2: 14).
ماذا يعنى تمزيق صك الدين الذى كان علينا؟ إلا إيفاء الدين تماماً بالصليب. فلماذا نحسب الدين إهانة للمخلص المحبوب؟
بولس الرسول يقول فى جسارة "لأنه جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه".
القديس مار أفرام السريانى يقول [السبح للغنى الذى دفع عنا ما لم يقترضه وكتب على نفسه صكاً وصار مديناً] (الترنيمة الثانية عن الميلاد).
القديس أمبروسيوس يقول [ بالجسد علّق على الصليب ولأجل هذا صار لعنة. ذاك الذى حمل لعنتنا] (شرح الإيمان المسيحى – الكتاب الثانى- الفصل 11).
والقديس أثناسيوس يقول [ ولأن كلمة الله هو فوق الكل فقد لاق به بطبيعة الحال أن يوفى الدين بموته وذلك بتقديم هيكله وآنيته البشرية لأجل حياة الجميع. ] (تجسد الكلمة فصل 9 الفقرة 2).
مسألة إهانة كرامة الله:
الذين يرفضون عقيدة الكفارة يقولون: "إن شر
الإنسان لا يمكن أن يجرح كرامة الله، ولا يهينه. إذ كيف
للإنسان أن يمس كرامة الله، حتى لو فعل الإنسان كل ما فى وسعه من شر!!؟" ونحن نجيب عليهم بأن خطية الإنسان لن تمس كرامة الله طالما يعلن الله غضبه ضد الخطية. أما إذا لم يعلن غضبه كقدوس ففى هذه الحالة –وهذا مستحيل- تكون كرامته قد أهينت إذ لم تعلن قداسته المطلقة كرافض للشر. ولهذا فنحن نرى العدل والرحمة يتلاقيان بالصليب وبهذا أعلنت قداسة الله العادل ومحبته فى آنٍ واحد.
وقد أوضح القديس أثناسيوس أن العدل الإلهى قد استوفى بآلام وموت الصليب فقال [ لهذا كان أمام كلمة الله مرة أخرى أن يأتى بالفاسد إلى عدم فساد، وفى نفس الوقت أن يوفى مطلب الآب العادل المطالب به الجميع وحيث أنه هو كلمة الآب ويفوق الكل، فكان هو وحده الذى يليق بطبيعته أن يجدد خلقة كل شئ وأن يتحمل الآلام عوضاً عن الجميع وأن يكون نائباً عن الجميع لدى الآب ] (تجسد الكلمة فصل 7 فقرة 5).
الموت النيابى:
ينادى البعض فى زماننا الحاضر بأن السيد المسيح لم يمت عنا بل مات لأجلنا. بمعنى أنه لم يمت على الصليب بدلاً عنا بل مات بنا وبهذا نكون قد متنا معه!!!
ويقولون إنه من الخطأ القول بأنه تألم عنا أو صلب عنا أو مات عنا... وهكذا وقد نسى هؤلاء أن الكنيسة كلها تردد فى قانون الإيمان فى جميع صلواتها الليتورجية عن السيد المسيح أنه [نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطى] فمن الواضح أننا نعترف بأنه صلب عنا...
وأن السيد المسيح نفسه قال إن "إبن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين". (مت20: 28).
وما معنى الفدية إن لم تكن عوضاً عمن إفتداهم؟!!
لو كنا قد متنا مع المسيح يوم صلبه فى يوم الفداء، فما هو لزوم الفداء؟ إننا فى هذه الحالة نكون قد دفعنا ثمن الخلاص بأنفسنا فى يوم الصليب.
نحن صلبنا مع السيد المسيح ودفنا معه يوم قبولنا لسر العماد المقدس كقول معلمنا بولس "أم تجهلون أننا كل من إعتمد ليسوع المسيح إعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة" (رو6: 3،4).
إن الروح القدس بعمل فائق للطبيعة وفوق الزمان والمكان يعمل فى سر العماد ويأخذ من إستحقاقات موت المسيح ويعطينا.. يمنحنا الغفران بإستحقاقات دم صليبه ويمنحنا الطبيعة الجديدة التى تليق بحياة البنوة لله ويجعلنا أعضاء فى "جسده الذى هو الكنيسة" (كو1: 24). النعمة الإلهية لا حدود لها أما نحن فمحدودين.
نحن لم نكن موجودين قبل أن نوجد لكى نشارك المسيح تقديم نفسه فدية عن حياة العالم. وكيف نكون موجودين من ألفى عام؟ هل نأخذ حالة عدم المحدودية لكياننا البشرى المحدود بالزمان والمكان؟!!
نحن كنا فى صُلب آدم حينما أخطأ فى الفردوس لأننا من نسله بحسب طبيعتنا البشرية. ولكننا لسنا من نسل السيد المسيح بحسب طبيعتنا البشرية، لأن السيد المسيح لم ينجب نسلاً جسدياً مثل آدم، بل الروح القدس يجدد هذه الطبيعة فى المعمودية ويمنحنا التبنى بالولادة الجديدة من الماء والروح لأن "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح" (يو3: 6). نحن نصير أولاداً لله فى المعمودية وننتقل من الانتساب إلى آدم إلى الانتساب إلى السيد المسيح طالما نكون ثابتين فيه ونحيا فى حياة القداسة والبر وبهذا نصير أعضاءً فى جسده أى الكنيسة التى هو رأسها.
إن السيد المسيح قد إشترك فى طبيعتنا بلا خطية لكى يصير قادراً أن يموت نيابة عن جميع الذين إفتداهم حينما حمل خطاياهم مسمراً إياها بالصليب.
عن هذا قال القديس أثناسيوس الرسولى فى كتاب تجسد الكلمة الفصل الثامن [وهكذا إذ أخذ من أجسادنا جسداً مماثلاً لطبيعتنا، وإذ كان الجميع تحت قصاص فساد الموت، فقد بذل جسده للموت عوضاً عن الجميع، وقدمه للآب. كل هذا فعله شفقة منه علينا، وذلك: أولاً لكى يَبطل الناموس الذى كان يقضى بهلاك البشر، إذ مات الكل فيه، لأن سلطانه قد أكمل فى جسد الرب ولا يعود ينشب أظفاره فى البشر الذين ناب عنهم. ثانياً: لكى يعيد البشر إلى عدم الفساد بعد أن عادوا إلى الفساد، ويحييهم من الموت بجسده وبنعمة القيامة، وينقذهم من الموت كإنقاذ القش من النار] .
وأيضاً فى الفصل التاسع [وإذ رأى الكلمة أن فساد البشرية لا يمكن أن يبطل إلا بالموت كشرط لازم، وأنه مستحيل أن يتحمل الكلمة الموت لأنه غير مائت ولأنه إبن الآب، لهذا أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت حتى بإتحاده بالكلمة، الذى هو فوق الكل، يكون جديراً أن يموت نيابة عن الكل، وحتى يبقى فى عدم فساد بسبب الكلمة الذى أتى ليحل فيه وحتى يتحرر الجميع من الفساد، فيما بعد، بنعمة القيامة من الأموات. وإذ قدم للموت ذلك الجسد، الذى أخذه لنفسه، كمحرقة وذبيحة خالية من كل شائبة فقد رفع حكم الموت فوراً عن جميع من ناب عنهم، إذ قدم عوضاً عنهم جسداً مماثلاً لأجسادهم ].
إن السيد المسيح قد ناب عن البشر الخطاة وصُلب بدلاً عنهم وأوفى الدين الذى علينا. لم يكن معه أحد على الصليب يوم صُلب لأنه هو المخلص الوحيد الذى ليس بأحد غيره الخلاص وهو الوحيد الذى بلا خطية والوحيد الذى يستطيع أن يحمل خطايا العالم كله ويكون فدية مقبولة أمام الآب السماوى لسبب بره الكامل وذبيحته الفائقة فى قيمتها فى نظر الله الآب لأنها ذبيحة الإبن الوحيد "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16).
إن كان هناك أحد قد صلب مع المسيح فى يوم الفداء على الجلجثة فلماذا دار الحوار التالى بين إشعياء النبى والسيد المسيح بروح النبوة؟: "من ذا الآتى من أدوم بثياب حمر من بصرة هذا البهى بملابسه المتعظم بكثرة قوته؟ أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص. ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة؟ قد دست المعصرة وحدى ومن الشعوب لم يكن معى أحد. فدستهم بغضبى ووطئتهم بغيظى فرش عصيرهم على ثيابى فلطخت كل ملابسى" (أش63: 1-3).
أليس هذا هو المخلّص المسيح الذى رآه يوحنا فى رؤياه راكباً فرس أبيض "وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى إسمه كلمة الله... وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله... رب الأرباب" (رؤ19: 13-16)؟
لو كان أحد قد شارك المسيح فى يوم صلبه فلماذا قال "من الشعوب لم يكن معى أحد"؟!!! ولماذا قال لتلاميذه "تأتى ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونى وحدى. وأنا لست وحدى لأن الآب معى؟!!" (يو16: 32) لو كان هناك من رعيته من صلب معه فلماذا قال لمن أرادوا أن يقبضوا عليه "إن كنتم تطلبوننى فدعوا هؤلاء يذهبون" (يو18: . ولماذا قال "أنا أضع نفسى عن الخراف" (يو10: 15). ولماذا تنبأ قيافا وقال "أنتم لستم تعرفون شيئاً ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها. ولم يقل هذا من نفسه" (يو11: 49-51). كيف يتجاسر أحد أن يقول أنه قد شارك المسيح فى صلبه يوم الجلجثة وفى تقديم ذبيحة الفداء بينما النبى أشعياء يقول "كلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش53: 6).
حتى اللص اليمين الذى صُلب إلى جوار السيد المسيح ومات على الصليب لا يستطيع أن يقول أن المسيح لم يمت بدلاً عنه. لأن موت اللص اليمين عل الصليب كان عقوبة أرضية على جرائمه التى إرتكبها فى حياته على الأرض. ولم يكن هذا ليعفيه من القصاص الأبدى على الإطلاق.. لولا أن المسيح مات بدلاً عنه على الصليب لما أمكن أن ينجو من الموت والهلاك الأبدى. وبواسطة ذبيحة الصليب الكفارية أمكن أن يفتح له باب الفردوس بناءً على توبته وبناءً على طلبته. اللص اليسار هو أيضاً مات ولكنه وهلك لأنه لم ينتفع من موت المسيح عوضاً عنه على الصليب.
لا وجه للمقارنة على الإطلاق بين صليب المسيح وصليب اللص، لأنه على صليب المسيح كانت الذبيحة الوحيدة المقبولة أمام الله الآب، والتى تفى بكل ديون الخطاة، وتوفى العدل الإلهى تمام الإيفاء.
لذلك وردت النصوص التالية عن ذبيحة المسيح على فم أشعياء النبى:
"أما الرب فسُرّ بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم" (أش53: 10).
"عبدى البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها" (أش53: 11).
"هو حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين" (أش53: 12).
والسؤال الخطير الآن هو ما يلى:
إذا كنا قد صلبنا مع المسيح فى يوم الصليب بحيث لم
يصلب عنا بل صُلب بنا كما يقول البعض فهل نصلب معه مرة ثانية فى المعمودية أم لا؟!!
وهل يجوز أن يتكرر الصليب بالنسبة له، أو بالنسبة لنا؟!!
وما فائدة أسرار الكنيسة والمعمودية؟ وما فائدة عمل الروح القدس فى الكنيسة؟!!
نحن ننال شركة الموت مع المسيح فى المعمودية، ولهذا قال القديس بولس الرسول فى حديثه عن المعمودية: "إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته" (رو6: 5).
ونحن فى قوله "صرنا متحدين معه" يدل على أن هذا شئ قد حدث فى وقت العماد ولم يكن حادثاً من قبل. وإلا فما معنى الصيرورة هنا (من كلمة صرنا).
إننا نحذّر من هذا التعليم الغريب والخطير الذى يهدم عقيدة الفداء فينبغى أن نثبت على تعليم الآباء القديسين القدامى وتعليم قداسة البابا شنودة الثالث أطال الرب حياته الذى أكد مراراً ضرورة التمسك بالتعليم الآبائى الصحيح "كى لا نكون فيما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال" (أف4: 14).
وقد قام قداسة البابا شنودة الثالث بإلقاء العديد من المحاضرات فى الكلية الإكليريكية ونشر العديد من المقالات فى مجلة الكرازة لمواجهة ما أسماه قداسته "بدعه معاصرة".
ونحن فيما نقتفى آثار خطوات قداسته فى هذا المجال إنما نرغب فى تأكيد إلتفاف الجميع حول القيادة الحكيمة لقداسة البابا لكنيستنا المجيدة فى حفظ الإيمان الأرثوذكسى المسلَّم مرة للقديسين.