الأنبا شنوده رئيس المتوحدين .
بقلم المتنيح الأنبا غريغوريوس
وطنى 18/7/2011م
الأنبا شنودة رئيس المتوحدين عملاق من عمالقة الروحانية في القرن الخامس للميلاد, كان جبارا من جبابرة الروح, وكانت له روح إيليا وقوته, ولد بقرية شندويل بجرجا, ومن طفولته المبكرة ظهرت عبقريته الروحية, حتي وهو في السابعة من عمره, كان يذهب وراء والده في رعاية الغنم, كان يختبئ فيفتش عنه أبوه فيجده منزويا في مكان يصلي,
وفي السابعة من عمره رأي أبوه هذا الطفل الصغير حينما كان يصلي كانت أصابعه تضئ بالنور فأدرك أن هذا الطفل ليس عاديا, وإنما عبقريته الروحية ظهرت في هذا السن المبكر, علامة علي أن هذا في كبره سينمو أكثر فأكثر, حتي يصبح نورا وهاجا لكثيرين, وفعلا كبر الأنبا شنودة وأصبح شيئا كبيرا بالنسبة لأعداد عديدة من الناس, وسمي بأرشيمندريت, والمعني الحرفي لأرشيمندريت معناه رئيس دير من ثلاثة مئة راهب,لكن الأنبا شنودة صار ديره المعروف بالدير الأبيض بالقرب من سوهاج, وكان يضم عشرات الألوف من الرهبان, بعضهم سلكوا طريق الرهبنة الاشتراكية لكن بعضا آخر سلك طريق التوحد المطلق,
وصار هو رئيسا للمتوحدين, وكان أحيانا يترك ديره طلبا للوحدة, ويقيم علي الرهبان واحدا من أكبرهم وأقربهم إلي قلبه, وأكثر من يطمئن إليه في قيادة الرهبان, وكان هو يمضي في خلوة, في بعض الأحيان قد تطول هذه الخلوة إلي خمس سنوات, كان يعكف فيها علي الصلاة المستديمة الصلاة التي بلا انقطاع, ومن شدة عنفه في الصلاة وعمق صلواته الطويلة, أنه كان إذا أقبل أسبوع الآلام كان يقف للصلاة معلقا يديه في الهواء بمثال الصليب, وكان يستمر علي هذا الوضع طويلا ليعيش آلام الصليب,حتي قالوا عنه إنه كان يصلب نفسه علي هذا الوضع ساعات وأياما, ليعيش في عمق المشاعر وليحس بآلام الصليب وبآلام المسيح, كان طرازا من الرجال ومن الرهبان نادر المثال, ولقد أدرك خاله بيجال بالروح القدس مستقبل هذا الإنسان, فحينما حمله أبوه وهو طفل إلي خاله بيجال وكان من كبار الرهبان المتوحدين, أخذه إليه لينال بركته, فما كان من الراهب المتوحد بيجال خال هذا الولد الصغير شنودة, إلا أن حمل يد الصبي ووضعها علي رأسه, وكأنه يطلب بركة هذا الطفل لنفسه, وتنبأ قائلا أنه سيصير أبا لجمهور كثير من الرهبان, لكنه لم يصر أبا للرهبان وحدهم ولا للمتوحدين فحسب, ولكن للملايين من الأقباط في مصر كلها, ولمئات وألوف من الأجانب الذين وردوا إلي بلادنا خصيصا, لينالوا بركة هذا الإنسان بعد أن سمعوا شيئا عن قصة حياته, ومن بين ما يروي عن جموع الأجانب التي كانت تأتي إليه لتنال بركته, وليصلي من أجلهم, أن جاءه جماعة من بلاد إيطاليا, وكان في هذا الوقت قد طلب إلي تلميذه ويصا, أنه سيترك الدير إلي خلوة طويلة, وأمره قائلا لا تأتي إلي في مكاني بل اتركني هادئا ومهما يكن من أمر مهما حدث تصرف ولا تحاول أن تأتي إلي, قد أعطيتك أمرا فلا تخالف,
وكان الرجل شديدا وحازما وقويا فلم يملك تلميذه ويصا إلا أن صدع للأمر, وذهب الأنبا شنودة إلي خلوته إلي مغارته في مكان قصي عن الدير, وفي هذه الأثناء جاء ضيوف أجانب من إيطاليا, وطلبوا أن يقابلوا الأنبا شنودة لينالوا بركته, فأخبرهم تلميذه ويصا بأن معلمه ليس في الدير وأنه في خلوه, فألحوا في طلبه وقالوا لقد جئنا من بلادنا خصيصا ونرجو أن لا نرجع خائبين, فأعلمهم ويصا بوصية معلمه وأنه كان متشددا في الأمر وأنه لا يستطيع أبدا أن يخالف أمر معلمه, فألحوا بشدة وقالوا له لايمكن أن نغادر إلي بلادنا مالم نحظ برؤية الأنبا شنودة, لأننا قد أتينا خصيصا, ورجوه في إلحاح أن يذهب إليه فقال لا أستطيع, قالوا متي يعود؟ قال لا أعلم, فأخذوا يلحون جدا إلي أن ضاق الأنبا ويصا بالأمر جدا ولم يعلم ماذا يصنع وكان في حيرة من موقفين المعلم المتشدد والذي أمره بإلحاح مهما يحدث أن لا يأتي إليه في خلوته, وبين إلحاح هؤلاء القوم الأجانب الذين أتوا من مكان بعيد وطامعين في أن يروا الأنبا شنودة وأن يحظوا ببركته وبصلواته, وإصرارهم أن لا ينطلقوا مالم يروا الأنبا شنودة بالذات, وبقوا في الدير أياما كثيرة وبإلحاح متواصل وأخيرا اضطهر تلميذه ويصا أن يحاول أن يذهب إليه في قلايته بعيدا عن الدير,
وعندما وصل إلي المغارة أصبح مترددا وخائفا, خائفا أن ينال غضبه مادام أعطي له أمرا وأمرا مشددا, وفي أثناء تردده أخذ يدور حول المغارة وهو خائف, وفي أثناء الدوران حول المغارة رأي فتحة في المغارة ومن هذه الفتحة رأي معلمه ومعه كائنات روحانية من قديسين ومن ملائكة, أناس نورانيين, فبهت الأنبا ويصا من هذه الرؤيا ونسي نفسه في هذا المنظر الروحاني الجميل, وانسحب وراء هذه المناظر الروحانية إلي أن اختفي المنظر,وبعد ذلك في استحياء شديد قرع علي باب المغارة وهو يقول أغابي, وهي الكلمة التي اعتاد الرهبان أن يستخدموها حينما يريدون أن يدخلوا إلي قلاية راهب آخر, أغابي أي اصنع معي محبة, واسمع لي بالدخول,
وأخيرا سمح له الأنبا شنودة فدخل إلي القلاية, فابتدره قائلا لماذا جئت؟ ألم أقل لك لا تحضر, قال له يا معلمي يوجد ضيوف أجانب جاءوا من إيطاليا, وألحوا الحاحات طويلة, وأنا قلت لهم أنا لا أقدر أبدا أن أخالف كلام معلمي, وقد شدد علي بعدم المجئ, ولكن ألحوا إلحاحات طويلة, وبكوا أمامي بالدموع, وقالوا من غير المعقول أن نحضر من البلاد البعيدة ونرجع خائبين, وظلوا علي هذه الحال أياما طويلةحتي ضجرت من إلحاحهم, واضطررت أن آتي إليك, فقبل الأنبا شنودة أن ينزل مع ويصا إلي الدير ليلتقي بهؤلاء الضيوف الأجانب, وفي الطريق قال له ويصا اسمح يا معلمي وقل لي من الذين كانوا معك في المغارة, ففي مبدأ الأمر وبروح الاتضاع أراد أن يخبئ عن تلميذه ويصا أمر هذه المناظر الروحانية, ولكن لما علم أن تلميذه ويصا أمكنه أن يري من فتحه المغارة معلمه مع جمهور من الروحانيين ومن القديسين, فالأنبا شنودة شرح لتلميذه قائلا هذه رؤي يرسلها لنا الرب للتعزية وللتشدد وللتقوية, ولكن آمرك بأن هذا الذي رأيته لا تتحدث به إلي يوم مماتي, وفعلا كتم هذا التلميذ الأمين هذه المناظر إلي مابعده وفاة معلمه, كان هذا الرجل كما قلنا عملاقا من عمالقة الروحانية في صلواته, وفي أصوامه, وفي كل عباداته,
وكانت له روح إيليا وقوته في جبروته وغضبه علي المخالفات والتعديات التي يتعدي بها الخطاة علي وصايا الله, ولذلك كان يفتح الدير في بعض المناسبات للجمهور وكثير من الناس كانوا يقبلون إلي الدير خصوصا في مناسبات الأصوام والأعياد, وكان الأنبا شنودة بروحانيته يعظ ويعلم وكانت مواعظه مليئة بالروحانية وبالقوة, وبلغ من أثر مواعظه علي الأقباط في ذلك الوقت, أن أثر الأنبا شنودة كان حتي علي اللغة القبطية نفسها, التي كان الأقباط يتكلمونها, كان الأنبا شنودة من أخميم, وكانت اللهجة القبطية التي يتكلم بها هي اللهجة الإخميمية, وهي إحدي لهجات اللغة القبطية الخمس التي سيطرت علي هذا الإقليم, أقول بلغ من أثر الأنبا شنودة علي الجماهير أن اللهجة الإخميمية سادت مصر كلها خمسة قرون متوالية, من القرن الخامس إلي القرن العاشر للميلاد, سيطرت اللهجة الإخميمية علي مصر كلها وعلي الأدب القبطي, وعلي لغة التخاطب, وهذا يدل علي مدي الأثر الذي أحدثه الأنبا شنودة لا علي الرهبان وحدهم, وإنما علي كل أقباط مصر
وكان معروفا بحرارته وقوته, هناك في الدير الأبيض بالقرب من سوهاج, يوجد مكان اسمه المسخوطة والمسخوطة هذه امرأة ساقطة انتهزت فرصة إقبال عدد كبير من الشعب إلي الدير, ليستمع إلي المواعظ فاندست بين الناس كما يندس أمثالها في أعياد القديسين إلي اليوم, لتسقط في حبائلها أشخاصا لتمضي معهم وبهم إلي الجحيم, فعلم الأنبا شنودة بأمرها وواجهها بخطاياها, ولما رآها طرازا من الأشرار مصرا علي خطيئته متولعا بالشهوة, غضب عليها وسخطها, فامتصها الحجر وصارت صلبة كالحجر كامرأة لوط, وكل من يذهب إلي الدير يري هذا المكان ويري هذه المسخوطة, ويذكر لعنة الله وغضبه علي النجاسة وعلي النجسين,
كان الأنبا شنودة بروح إيليا وبقوته,كان من طراز الرهبان الأقوياء الأشداء الذي لا يتساهل, وكان نارا علي الأشرار والمفسدين وعلي الخطيئة, فإذا غضب فويل لمن يقع عليه هذا الغضب, حتي اليوم في الصعيد عندما يرون عقربا يقولون أرصدها يا أنبا شنودة وتقف العقرب في الحال, معروف هذا الرجل بصرامته, صرامة الراهب العنيف, الذي كان عنيفا علي نفسه, هذا الرجل العنيف أراد أن يصطحبه البابا كيرلس الأول في المجمع العظيم الذي انعقد في مدينة أفسس سنة 431 ميلادية ويسمي بالمجمع المسكوني الثالث الذي انعقد بسبب بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية, الذي أنكر أن تسمي العذراء بوالدة الإله, وكان هذا ينطوي في ذات الوقت علي سوء اعتقاده في لاهوت المسيح, ونادي بطبيعتين منفصلتين في المسيح, ولذلك تقرر أن يعقد مجمع في أفسس في كنيسة العذراء بمدينة أفسس, واجتمع مئتان من أساقفة العالم لدراسة هذا الخطر, الذي نادي به نسطور, وثبت الآباء العقيدة وأيدوا موقف البابا كيرلس ورسالته العقائدية المشهورة, التي حدد بها إيماننا في طبيعة المسيح, في أنها طبيعة الإله المتجسد, وأنه لايمكن أن يفصل بين لاهوت المسيح وبين ناسوته, وخطر هذا الفصل علي إيماننا بلاهوت المسيح وبالخلاص وبالعمل الكفاري الذي قام به المسيح, وبالتالي أثبت أيضا في استحقاق العذراء في أن تسمي بوالدة الإله, والدة الإله لا بمعني أنها أصل للاهوت حاشا, ولكن لأن الإله حل في أحشائها واتحد بالإنسانية التي كونها من لحمها ومن دمها, وخرج من أحشائها الإله المتجسد, فبهذا المعني صارت العذراء مستحقة بأن تسمي والدة الإله كما دعتها أليصابات حينما قالت من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي, ووضع البابا كيرلس مقدمة قانون الإيمان نعظمك يا أم النور الحقيقي, ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله, وأقر المجمع الرسالة العقائدية التي وضعها البابا كيرلس الأول, واعتبرها رسالة معبرة عن الإيمان المسيحي, وأنها الرسالة الأرثوذكسية الدقيقة, التي تعبر في أمانة وفي دقة عن عقيدتنا في الإلة المتجسد, وفي أن العذراء والدة الإله,
وناقشوا نسطور ولما وجدوه متمسكا بكفره حكم المجمع بإسقاطه من جميع درجاته الكهنوتية, وحكم الأمبراطور بناء علي قرار المجمع بنفيه إلي إخميم, نفي نسطور إلي إخميم والناس يتساءلون لماذا إخميم بالذات؟! لأنها المكان الوحيد الذي لا يستطيع نسطور أن يصنع فيه شيئا, لأنه في أي مكان آخر يمكن أن يبث فيه سموم أفكاره, إلا أخميم حيث الأنبا شنودة هذا العملاق الروحاني, بوجوده يصير نسطور الذي كان بطريركا للقسطنطينية كالقشة لا يساوي شيئا, ولا يستطيع أن يؤثر علي شعبنا, نفي إلي إخميم, وأصيب بعد ذلك بسرطان في لسانه ومات نسطور شر ميتة, ودفن في إخميم وبعد دفنه كان كل من يمر علي قبره يرمي عليه حجرا, وأهل المدينة كانوا يحملون إلي هذا القبر أوساخا وقاذورات, إلي أن أصبح علي قبره تل يسمي حتي الآن بتل نسطور, من يذهب إلي أخميم يسأل عن تل نسطور, وأما النساطرة أتباع نسطور فقد نفوا إلي خارج حدود الأمبراطورية الرومانية, فاستقروا في بلاد العرب وكانت لهم في بلاد العرب أديرة.
فبعض الناس قالوا للبابا كيرلس الأول, لماذا تأخذ الأنبا شنودة مجمع أفسس؟ هل الأنبا شنودة رجل يفهم في اللاهوتيات, لماذا تأخذه أو تصحبه معك إلي مجمع أفسس؟حيث الأساقفة والعلماء, الذين يتناظرون في الأمور اللاهوتية, ماذا يفهم هذا الراهب البسيط الذي لايعرف اليونانية التي كانوا يتكلمون بها في المجامع, لأنها اللغة العالمية في ذلك الوقت, الأنبا شنودة لم يكن يعرف إلا القبطية الإخميمية, وكان متشددا في كلامه باللغة القبطية, حتي أنه ما كان يسمح لنفسه أن يستخدم كلمة واحدة يونانية في داخل اللغة القبطية, فماذا يفهم الأنبا شنودة؟ فكان رد البابا كيرلس الأول أنا غير محتاج له في المناقشات اللاهوتية, ولكن أنا محتاج لبركته, محتاج لصلواته أن يسندني وأن يعينني بصلواته التي يرفعها إلي الله,وفعلا ذهب الأنبا شنودة ولم يشارك في المناقشات اللاهوتية, ولكنه بصلواته وطلباته وضراعته ساند البابا كيرلس مساندة عجيبة, وانتصر البابا كيرلس وانتصر الإيمان الأرثوذكسي,
ومما يرويه التاريخ أن البابا كيرلس وهو في طريق العودة, وكانت وقتها المراكب شراعية, لم تكن توجد بعد المراكب البخارية, وكانت المراكب نادرة نظرا لصعوبة السفر في البحار, فلما رجع البابا كيرلس ومعه عدد كبير من الأساقفة والكهنة, وآخرين ممن كانوا ذهبوا من تلقاء أنفسهم ليشهدوا المجمع المهم, فمع الزحام وبعد أن سارت المركب في طريقها إلي الإسكندرية, تذكر الأنبا كيرلس الأنبا شنودة, فأخذ يبحث عنه وسط الناس, وبينما هو يفتش عنه إذ بالأنبا شنودة الذي لم يجد مركبا ولا مكانا في المركب, خطفته سحابة من السماء وكلم البابا كيرلس قائلا, ها أنا يا أبي...وحدثت في هذه اللحظة مناجاة روحية بين بابا الإسكندرية وبين الأنبا شنودة وهو علي السحاب.
هذا هو الأنبا شنودة في روحانيته وفي تقواه, خدم الكنيسة وساندها بصلواته العميقة وشخصيته النارية, وغيرته المتقدة, كان من طراز إيليا ومن قوته هذا هو الأنبا شنودة الذي من تأثر الأقباط به, صارت لهجة إخميم هي اللهجة الرسمية لمصر كلها خمسة قرون متوالية من القرن الخامس إلي القرن العاشر للميلاد, أما معجزاته التي أجراها الله علي يديه, فهي عشرات ومئات من الأشفية ومن إخراج الشياطين وعشرات من الأمثلة عن غضبه إذا غضب وما يصيب الأشخاص عندما يقع عليهم غضب هذا الإنسان التقي القديس فكان يحل بهم غضب الله, نحن نحتفل في السابع من أبيب من كل عام بذكري نياحة هذا القديس, الذي صعدت روحه إلي خالقها وبارئها طاهرة نقية مقدسة صافية,عاش في السماء وهو علي الأرض فكان صديقا للقديسين, لذلك لم يكن غريبا عليهم حينما ذهب إلي هناك, كان له هناك سحابة من أصدقائه, ومن قديسين من أعلي طراز,
لم يكن هذا الإنسان كاهنا, فكان الأنبا شنودة كطراز الرهبان العظام الأوائل, الذين لم يقبلوا أن يساموا كهنة, حتي لا يخلط بين الرهبنة كطريق للعبادة وبين الكهنوت كطريق للخدمة, فكانوا عنيفين علي هذا الفصل الواضح بين الكهنوت وبين الرهبنة, فكان كالأنبا أنطونيوس وكالأنبا بولا وكالأنبا باخوميوس وكالأنبا بيشوي وغيرهم, من عمالقة الرهبنة الذين فرضوا فرضا علي تلاميذهم أن لا يقبلوا الكهنوت مدي الحياة, حتي يحفظوا للرهبنة صفاءها وهدفها الواضح, إنها لن تكن طريقا للخدمة الكهنوتية, وإنما كطريق الملائكة كطريق السماء, طريق العبادة البحتة حتي لا يندس فيها أناس مما يريدون أن يصلوا إلي الكهنوت عن طريقها, كان الأنبا شنودة من طراز هؤلاء الرهبان الأوائل الذين نسميهم بأباء الإسكيم, الذين حرصوا علي أن يحيوا كل حياتهم للعبادة وحدها, في طريق التصوف البحت حتي يكونوا هم وتلاميذهم نموذجا للنفس الراغبة في العبادة وحدها, كطريق ملائكي يؤهل صاحبه لهذه الخدمة, خدمة الملائكة, أو كما يسمون في المصطلح الكنسي الرهبان ملائكة أرضيون أو بشر سماويون, كان هذا هو الأنبا شنودة في سيرته المقدسة, وفي ذكراه نرسل إليه تحياتنا, نبعث إليه برجائنا أن يصلي من أجلنا, وأن يذكر الكنيسة المجاهدة في صراعها, لكي يعين المجاهدين ويبارك المناضلين المكافحين, أصحاب المبادئ والقيم الذين يصرون أن يكونوا دائما لمبادئهم مخلصين إلي النفس الأخير.