عطية السلام
من أجمل عطايا الله، وهو ثمرة من ثمار الروح القدس (محبة . فرح . سلام..)، أي أنه عمل للروح القدس في الداخل، والسيد المسيح عندما قال سلامًا أترك لكم سلامي اعطيكم، كان الأول تحية الوداع والسلام الذي حققه بمجيئة، والآخر النصيب الشخصي لهم والرصيد الذي سيتركه لهم.. وقد يبدو أن هناك تناقضا بين هذا وبين قول المسيح أيضا ما جئت لألقي سلاماً على الأرض بل سيفاً.. ولكن السيد المسيح قصد ما سيحدثه التبشير باسمه من خلافات ونزاعات،
مقابل ما يحققه الايمان به من سلام وفرح قلب. ولأهمية السلام جعلته الكنيسة لحنًا تتغني به، كما تبدأ به الليتورجيات جميعها، وكل أوشية، وعندما يصرخ الشعب. والكنيسة بدورها - والمؤسسة علي الانجيل- التقطت ذلك من السيد المسيح نفسه الذي بادر تلاميذه أكثر من مرة قائلاً سلام لكم.. السلام لكم.. ويضيف القديس بولس إلي السلام (شالوم بالعبري) النعمة (وهي التحية اليونانية) كما يختم رسائله (السلام بيدي..) تختم الكنيسة صلواتها (امضوا بسلام..) كعطية ترافقهم حتي عودتهم من جديد إليها. كما نبدأ نحن لقائاتنا العادية ونختتمها بالسلام أيضا، وفي العهد القديم كانت التحية: " حييت وأنت سالم وبيتك سالم وكل بيتك سالم اصم 6:25). ولا شك أننا نتحدث الآن عن السلام في عالم مضطرب، ما بين الحروب والمنازعات والجريمة والمقاتلة والتلويح غير الاخلاقي بالسلاح النووي.. وما يصدم الاذن والعين كل يوم من تفجيرات ودمار وإبادة.. وأخبار مؤلمة. فكيف يتحقق السلام؟ إن السلام سيتحقق من خلال وجوده في قلوب الأفراد أنفسهم، فالمضطرب يثير اضطرابًا. وأرى أن ثلاثة
أمور التأمل بها يحفظ لنا سلامنا:
1- الخلاص الذي نلناه. 2- الثقة في مواعيد الله. 3- التحرر من الخطية.
1
- الخلاص الثمين: أول أمر يهبنا السلام هو أن المشكلة الرئيسية التي تتعلق بمصيرنا قد ُحلّت، أي قضية السقوط والعداوة (العداوة القديمة هدمتها – القداس الغريغوري) فإن كل نجاح وكافة الأموال وعظم الوظائف وبلوغ الشهرة، لا نفع لها ما لم يكن المستقبل السمائي قد ُوهب لنا، " فإن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس (1كو 15 : 19) ولكن رجاؤنا ليس هنا.. فنحن نحيا هنا لكن كما في سفينة وسط الماء، ولكن ثقتنا وراحتنا في أن "هلب" السفينة قد ُثبّت في اليابسة.. حيث دخل المسيح إلي الأقداس كسابق لأجلنا (عب 6: 20) وجلس في يمين العظمة وأعد لنا مكاناً وسوف يأتي ليأخذنا إليه.. وحيث يكون هو نكون نحن أيضا... إن هذا يشبه طالباً يعرف أنه نجح بالفعل، والكل حوله قلقون، هو مطمئن.. يعرف أن يستريح وينام ملء جفونه، يري الآخرين قلقين فيرثي لحزنهم.. ويسمع عن أخبار سيئة وانتحار فيتعجب.. ويذكرنا في ذلك بالقديس بولس الذي قال "قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان وأخيرًا قد وضع لي إكليل البر (2تيمو 4: 7 ، هذا يشرح لنا كيف كان القديس بطرس نائماً في السجن، وهو يعرف أنه سيقتل في الغد لدرجة أن الملاك أضطر أن يلكزه لكي يوقظه ليخرجه من السجن... (أعمال 12: 6- 19) فالذي له هذا الايمان لا يقلق ولا يشك ولا يفقد سلامه، يقول القديس بطرس "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات لميراث لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لأجلكم" (ابط 4،3:1)
2- الثقة في مواعيد الله: ومن هنا يطلب السيد المسيح من أولاده (القطيع الصغير) ألا يخاف لأن الله قد سر أن يعطيهم الملكوت.. (لوقا 12: 32) إذا فأية ضيقة هنا.. وأية مشكلة.. وأي مرض وأي خسارة يمكن الاستخفاف بها إذا ما قيست بالملكوت... ويمتليء الكتاب المقدس كله بتلك الوعود: لا تخف.. لا تخافوا.. لا تضطرب قلوبكم . آمنوا بي .. لذلك يقول المرتل " أيضا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي". علينا التمسك بمواعيد الله.. كل كلمة وكل وصية وكل وعد يحمل قوة قائله والقدرة علي الحياة به وإلاّ لما قيل ... وقد قيل عن ظل الموت أنه ظل (مثل ظل الاسد لا يفترس وظل السيف لا يقتل، ومادام هناك ظل فهناك نور مختفٍ يجب أن نتعلق به.. وقد عبر السيد المسيح من فبلنا ظل الموت وقام حيًا... وقال الرب ليشوع "لا تخف كما كنت مع موسي أكون معك.. لا أهملك ولا أتركك تشدد وتشجع" (يشوع 6،5:1). ألم الله ينقذ شعبه من عبودية فرعون.. ألم يدخل بهم إلي أرض الموعد.. هزم ملوكا لأجلهم جعل الجبال العالية تصير سهلاً أمامهم .. إن الرب ترك لنا رصيدا من السلام نسحب منه، لا ينضب ولا ينتهي.
3- التحرّر من الخطية: اتفقنا من قبل أن اهتزاز التدبير الروحي ُيخل بتوازن الإنسان كله ويجعله عصبياً، حتي أن الانسان بعد السقوط يفقد توازنه مثل قايين الذي جري لا يلوي علي شئ... هارباً هائماً علي وجهة يجري بلا مطارد... والانسان الرازح تحت الخطية يظهر ذلك في ملامح وجهه... حيث تكون ملامحه غير مريحة. والخطية عندما تسكن في القلب تنزع منه السلام، وبدلاً من أن تسكن نعمة المسيح بغني في القلب، يسكن القلق والخوف، لذلك يقول الكتاب "لا سلام قال الرب للاشرار" (إشعياء 48 : 22) ليس كعقوبة وانما كنتيجة لسكني الخطية فيهم، فالشرير خائف ومضطرب، خائف من العقاب.. يتوقع الانتقام بين لحظة واخري... لعلكم تتذكرون أفلام تجار المخدرات واللصوص ومهربي الآثار، والمجرمين بشكل عام ... كيف يكون المجرم خائف علي بيته علي أولاده .. علي حياته يتوقع في كل شارع حفرة وفي كل مكان فخ وفي كل موقف مأزق.. أما البار، فحتي وان تعرض لضيقة من أي نوع فإنه يعتبرها بركة من الله وتنقية وتزكية، بل ويقبل التأديب بفرح. وأما الشرير فحتي وإن تظاهر بالسلام والراحة فهو يكذب "يقولون سلام سلام ولا سلام" (ارميا 14:6 و 11: في المقابل قال السيد المسيح للمرأة الخاطئة: "ايمانك قد خلصك امضي بسلام" لقد غفرت لها خطاياها فاعيد لها سلامها
المفقود !! ومثلها كذلك نازفة الدم " ثقي يا إبنة إيمانك قد شفاك إذهبي بسلام" (لوقا 7: 50 و8: 48).
لنيافة الانبا مكاريوس اسقف المنيا