من الداخل، أمْ مِنَ الخارج؟
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
?? إذا اجتمعت أعضاء الإنسان يوماً، فلا شكّ أن القلب سيكون بينها رئيساً. ذلك لأن الإنسان تقوده مشاعره، والمشاعر كامنة داخل القلب.
ولكي تكون المشاعر سليمة، فإنَّ القلب يصطحب معه الضمير، بشرط أن تكون أحكام الضمير صالحة، وأحكامه توافق الحق، ولا يكون تحت تأثير خارجي.
?? ولذلك لابد من عمل تقييم مستمر لمستوى المشاعر واتجاهاتها، وتغيرها من حين إلى آخر! والتأكد من سلامة تصرُّف الإنسان في سلوكياته ...
وهكذا تدعو الحاجة إلى مراقبة حالة النَّفس من الداخل ومن الخارج. وكيف تسلُك النَّفس في عدّة موضوعات من التقوى والعفة والصداقة وألوان من العبادة.
وسنحاول أن نطرق الموقف من كل هذه الأمور وغيرها، بمقياس الخارج والداخل.
?? إنَّ اللَّه تهمه حالة القلب قبل كل شيء، وليس مُجرَّد المظاهر الخارجية. إلاَّ لو كانت تلك المظاهر الخارجية تعبيراً صادقاً عن حالة القلب من الداخل. بحيث يكون الأمران معاً عبارة عن صورة واحدة في تيار واحد.
?? من المُلاحظ أن بعض الوعاظ ورجال التربية يهتمُّون كل الاهتمام بالنقاوة الخارجية فقط ويُركَّزون عليها! فبالنسبة إلى الفتاة مثلاً، يهتمون بمظهرها: هل تتفق ملابسها وقواعد الحشمة؟ وهل هى تسرف في زينتها لكي تجذب بذلك غيرها! ويُركِّزون على هذه السلبيات. ولا يتطرَّقون إلى الباعث الداخلي، الذي يكمن في القلب، ويسبِّب عدم الحشمة!!
والمفروض أن يكون التركيز على الداخل، من جهة محبة الفضيلة ونقاء القلب. فإن صار القلب نقياً من الداخل، وتخلَّص من المشاعر التي تدفع الفتاة إلى التَّبرُّج في زينتها، حينئذ هى نفسها، من تلقاء ذاتها وبدون وعظ، ستتخلَّى عن كل تلك المظاهر الخاطئة.
?? كذلك الشاب الذي يطيل شعره لكي يتميَّز عن غيره، ويلبس ملابس لا تليق. ويضع سيجارة في فمه ليشبه الكبار. ويستخدم العُنف ليُثبت قوته! هذا لا يثنيه الوعظ أو الضغط الخارجي. إنما يحتاج أن يعرف ما معنى الرجولة؟ وما هى علامات قوة الشخصية؟ وكيف يمكنه أن يكسب محبة وتقدير الناس؟ بالإضافة إلى نقاء القلب من الداخل. فإن اقتنع بكل هذا، لابد سيترك أخطاءه بدون توبيخ أو قهر...
?? إن العُنف والضغط الخارجي والشدة في التوبيخ، ليست هى الأمور التي تُصلِح الآخرين. وغاية مَن تصل إليه هو الإجبار على مظهر خارجي يبدو سليماً، ويبقى القلب كما هو، بنفس رغباته واتجاهاته. يُضاف إلى ذلك روح التَّذمُّر والضيق!!
?? يحسُن أن يعرف الشباب وغيره، أن العُنف ليس دليلاً على القوة. بل هو الاعتراف بالعجز عن حل الأمور بطريقة هادئة! وبهذه المناسبة، أتذكَّر ما قاله أحد الشعراء:
ضِعاف الأُسد أكثرها زئيراً
وقد كبر البعير بغير لبٍ
...
...
وأصرمها اللواتى لا تزيرُ
ولم يستفد بالكبر البعيرُ
?? إن الذين يهتمون بالمظاهر الخارجية الزائفة، رُبَّما يشبهون قبوراً مزينة جداً من الخارج. بينما في الداخل أجساد قد تحلَّلت ويأكلها الدود! إن المظاهر الخارجية غير مقبولة عند اللَّه، ولا ينخدع بها جميع الناس.
ومع ذلك لا ننكر أنه بالإضافة إلى القلب النَّقي من الداخل، يحسُن أيضاً أن يكون الخارج أيضاً نقيَّاً: ويكون سلوك كل شخص حسنٌ جداً من الخارج، بحيث يكون ذلك نابعاً من القلب، وليس مُجرَّد تظاهر أو رياء لمُجرَّد نوال مديح الناس! بل الهدف هو إرضاء اللَّه، وأيضاً لكي لا يكون عثرة أمام الناس، بل قدوة صالحة تنفع الغير. ولا شكَّ أن الاهتمام بنقاء القلب من الداخل، ليس معناه ترك الخارج أيضاً. إنما علينا أن نضع أُسُس سليمة للتخلص من الأخطاء.
?? مثال ذلك: إنسان يكذب كثيراً. هل إصلاحه يأتي بعظات عن خطية الكذب وخطورتها ومضارها؟! وهل توبيخه على كذبه يجعله يبطل ذلك؟! أمْ الأفضل لإصلاحه أن نبحث عن الأسباب التي تدعوه إلى الكذب: هل هو يكذب لإخفاء خطية وقع فيها؟ أو يكذب للحصول على منفعة ما؟ أو القصد من الكذب هو التباهي، أو التخلُّص من الإحراج؟ أو أن الكذب قد صار عادة عنده، بحيث يكذب بلا سبب يضطره إلى ذلك؟ أمْ يكذب عن طريق الفكاهة، أو لإغاظة غيره أو التَّهكُّم عليه؟ أو لسبب آخر؟
إذن نبحث عن سبب الكذب ونُعالجه. ونقنع صاحبه بعدم جدواه. ونُقدِّم له حلولاً عملية أو بدائل لا خطأ فيها. مع الاقتناع بكسب ثقة الناس واحترامهم بأسلوب الصدق. وهكذا نُعالج الداخل، فيزول الخطأ الخارجي تلقائياً...
?? نصيحتي لك: أن تحترس من الأسباب التي تقودك إلى الخطأ الخارجي. وهذا الاحتراس يقودك إلى نقاء الداخل. ومن أجل أمانتك في الخارج، يُساعدك اللَّه على النقاء الداخلي.
?? نصيحة أخرى، وهو أن تسلك في الفضيلة بطريقة سليمة، تدرك عمقها الداخلي، وليس مجرد الممارسة الخارجية.
فالصوم مثلاً، لا تعتبره مُجرَّد فضيلة خاصة بالجسد في الامتناع عن الطعام، فهذا عمل خارجي لا علاقة له بالقلب. إنما تضيف إلى ذلك الامتناع عن بعض الخطايا التي تقع فيها. وهنا يجتمع الأمران معاً: عمل الجسد وعمل القلب والروح.
?? الصلاة أيضاً لا تعتبرها مجرد كلام أمام اللّه. كما قال عنها أحد القديسين: " أنا ما وقفت أمام اللَّه لكي أعدّ ألفاظاً! ". إنما ليدخل عمل القلب في صلاتك: من حيث أن تصبح الصلاة صلة مع اللَّه، بتركيز الفكر والقلب في كل كلمة تقولها وتعنيها. وأيضاً باشتراك القلب بخشوعه.
وليرشدك اللَّه في ممارسة كل فضيلة، بحيث لا تكتفي بمظهرها الخارجي، إنما تدخل إلى عُمقها. وليكن الرب معك.
منقووووول
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
?? إذا اجتمعت أعضاء الإنسان يوماً، فلا شكّ أن القلب سيكون بينها رئيساً. ذلك لأن الإنسان تقوده مشاعره، والمشاعر كامنة داخل القلب.
ولكي تكون المشاعر سليمة، فإنَّ القلب يصطحب معه الضمير، بشرط أن تكون أحكام الضمير صالحة، وأحكامه توافق الحق، ولا يكون تحت تأثير خارجي.
?? ولذلك لابد من عمل تقييم مستمر لمستوى المشاعر واتجاهاتها، وتغيرها من حين إلى آخر! والتأكد من سلامة تصرُّف الإنسان في سلوكياته ...
وهكذا تدعو الحاجة إلى مراقبة حالة النَّفس من الداخل ومن الخارج. وكيف تسلُك النَّفس في عدّة موضوعات من التقوى والعفة والصداقة وألوان من العبادة.
وسنحاول أن نطرق الموقف من كل هذه الأمور وغيرها، بمقياس الخارج والداخل.
?? إنَّ اللَّه تهمه حالة القلب قبل كل شيء، وليس مُجرَّد المظاهر الخارجية. إلاَّ لو كانت تلك المظاهر الخارجية تعبيراً صادقاً عن حالة القلب من الداخل. بحيث يكون الأمران معاً عبارة عن صورة واحدة في تيار واحد.
?? من المُلاحظ أن بعض الوعاظ ورجال التربية يهتمُّون كل الاهتمام بالنقاوة الخارجية فقط ويُركَّزون عليها! فبالنسبة إلى الفتاة مثلاً، يهتمون بمظهرها: هل تتفق ملابسها وقواعد الحشمة؟ وهل هى تسرف في زينتها لكي تجذب بذلك غيرها! ويُركِّزون على هذه السلبيات. ولا يتطرَّقون إلى الباعث الداخلي، الذي يكمن في القلب، ويسبِّب عدم الحشمة!!
والمفروض أن يكون التركيز على الداخل، من جهة محبة الفضيلة ونقاء القلب. فإن صار القلب نقياً من الداخل، وتخلَّص من المشاعر التي تدفع الفتاة إلى التَّبرُّج في زينتها، حينئذ هى نفسها، من تلقاء ذاتها وبدون وعظ، ستتخلَّى عن كل تلك المظاهر الخاطئة.
?? كذلك الشاب الذي يطيل شعره لكي يتميَّز عن غيره، ويلبس ملابس لا تليق. ويضع سيجارة في فمه ليشبه الكبار. ويستخدم العُنف ليُثبت قوته! هذا لا يثنيه الوعظ أو الضغط الخارجي. إنما يحتاج أن يعرف ما معنى الرجولة؟ وما هى علامات قوة الشخصية؟ وكيف يمكنه أن يكسب محبة وتقدير الناس؟ بالإضافة إلى نقاء القلب من الداخل. فإن اقتنع بكل هذا، لابد سيترك أخطاءه بدون توبيخ أو قهر...
?? إن العُنف والضغط الخارجي والشدة في التوبيخ، ليست هى الأمور التي تُصلِح الآخرين. وغاية مَن تصل إليه هو الإجبار على مظهر خارجي يبدو سليماً، ويبقى القلب كما هو، بنفس رغباته واتجاهاته. يُضاف إلى ذلك روح التَّذمُّر والضيق!!
?? يحسُن أن يعرف الشباب وغيره، أن العُنف ليس دليلاً على القوة. بل هو الاعتراف بالعجز عن حل الأمور بطريقة هادئة! وبهذه المناسبة، أتذكَّر ما قاله أحد الشعراء:
ضِعاف الأُسد أكثرها زئيراً
وقد كبر البعير بغير لبٍ
...
...
وأصرمها اللواتى لا تزيرُ
ولم يستفد بالكبر البعيرُ
?? إن الذين يهتمون بالمظاهر الخارجية الزائفة، رُبَّما يشبهون قبوراً مزينة جداً من الخارج. بينما في الداخل أجساد قد تحلَّلت ويأكلها الدود! إن المظاهر الخارجية غير مقبولة عند اللَّه، ولا ينخدع بها جميع الناس.
ومع ذلك لا ننكر أنه بالإضافة إلى القلب النَّقي من الداخل، يحسُن أيضاً أن يكون الخارج أيضاً نقيَّاً: ويكون سلوك كل شخص حسنٌ جداً من الخارج، بحيث يكون ذلك نابعاً من القلب، وليس مُجرَّد تظاهر أو رياء لمُجرَّد نوال مديح الناس! بل الهدف هو إرضاء اللَّه، وأيضاً لكي لا يكون عثرة أمام الناس، بل قدوة صالحة تنفع الغير. ولا شكَّ أن الاهتمام بنقاء القلب من الداخل، ليس معناه ترك الخارج أيضاً. إنما علينا أن نضع أُسُس سليمة للتخلص من الأخطاء.
?? مثال ذلك: إنسان يكذب كثيراً. هل إصلاحه يأتي بعظات عن خطية الكذب وخطورتها ومضارها؟! وهل توبيخه على كذبه يجعله يبطل ذلك؟! أمْ الأفضل لإصلاحه أن نبحث عن الأسباب التي تدعوه إلى الكذب: هل هو يكذب لإخفاء خطية وقع فيها؟ أو يكذب للحصول على منفعة ما؟ أو القصد من الكذب هو التباهي، أو التخلُّص من الإحراج؟ أو أن الكذب قد صار عادة عنده، بحيث يكذب بلا سبب يضطره إلى ذلك؟ أمْ يكذب عن طريق الفكاهة، أو لإغاظة غيره أو التَّهكُّم عليه؟ أو لسبب آخر؟
إذن نبحث عن سبب الكذب ونُعالجه. ونقنع صاحبه بعدم جدواه. ونُقدِّم له حلولاً عملية أو بدائل لا خطأ فيها. مع الاقتناع بكسب ثقة الناس واحترامهم بأسلوب الصدق. وهكذا نُعالج الداخل، فيزول الخطأ الخارجي تلقائياً...
?? نصيحتي لك: أن تحترس من الأسباب التي تقودك إلى الخطأ الخارجي. وهذا الاحتراس يقودك إلى نقاء الداخل. ومن أجل أمانتك في الخارج، يُساعدك اللَّه على النقاء الداخلي.
?? نصيحة أخرى، وهو أن تسلك في الفضيلة بطريقة سليمة، تدرك عمقها الداخلي، وليس مجرد الممارسة الخارجية.
فالصوم مثلاً، لا تعتبره مُجرَّد فضيلة خاصة بالجسد في الامتناع عن الطعام، فهذا عمل خارجي لا علاقة له بالقلب. إنما تضيف إلى ذلك الامتناع عن بعض الخطايا التي تقع فيها. وهنا يجتمع الأمران معاً: عمل الجسد وعمل القلب والروح.
?? الصلاة أيضاً لا تعتبرها مجرد كلام أمام اللّه. كما قال عنها أحد القديسين: " أنا ما وقفت أمام اللَّه لكي أعدّ ألفاظاً! ". إنما ليدخل عمل القلب في صلاتك: من حيث أن تصبح الصلاة صلة مع اللَّه، بتركيز الفكر والقلب في كل كلمة تقولها وتعنيها. وأيضاً باشتراك القلب بخشوعه.
وليرشدك اللَّه في ممارسة كل فضيلة، بحيث لا تكتفي بمظهرها الخارجي، إنما تدخل إلى عُمقها. وليكن الرب معك.
منقووووول