سلام ونعمة://
رجاء الانسانية في اتحاد المخلوق بغير المخلوق في المسيح:
وعندما نؤكد ذلك فإنا لانريد أن تفقد الانسانية الرجاء وتبقى في ضعفها معرضة دائما لليأس، فهي تبشر بأنها لم تعد لها صلة وثيقة بالله، وبذلك تزول النعمة تماما. وكل من يسمع أن جسد الرب غير مخلوق، بينما هو يعلم أن كل انسان مخلوق وان الطبيعة الانسانية مصنوعة، الا يدرك من يقول هذا الادعاء بعدم خلق الناسوت أن الأسفار الالهية زائفة وأنه لم تعد له شركة مع المسيح؟ ()واذا كان غير المخلوق قد أخذ جسدا غير مخلوق، ألا تصير الخليقة الأولى بلا خلاص، لاسيما آدم الأول الذي ولدنا نحن منه حتى اليوم بالولادة الجسدانية، ألا يعد هذا هلاكا لنا؟.وكيف جعلنا المسيح شركاء فيه؟-وكيف استطاع الرسول أن يقول" المقدس والمقدسين من واحد" (عب2 : 11).
الانسانية ليست من جوهر الله:
5-ولكن علينا الانتباه من التهور في التفكير بأننا نصير مثل الكلمة من جوهر الله الآب فهذا خطأ المجدفين الأريوسيين الذين حاولوا أن يجعلوا الكلام الخاص بالناسوت على أنه خاص بلاهوت الكلمة، وهذا الخطأ ظاهر لأن الذي وصف بأنه أخذ" صورة عبد" أي صار من آدم الأول، قد أتحد بصورة العبد وهو الكائن منذ الأزل في" صورة الله"، ولايعني هذا أن صورة العبد صارت الها. فبشكل عام يستخدم تعبير" غير المخلوق" لما لم يتكون من العدم ولم ينشأ مطلقا فهل تعتقدون أنتم أن الجسد لم ينشأ، ولم يتكون مطلقا، وأنه كان مع الكلمة منذ الأزل؟. هل تحاولون استخدام عبارات دقيقة وذات مضمون سليم في غير مكانها لكي تتستروا تحت عبارة" غير المخلوق" فلا تعترفون بالتجسد؟ أليس غير المخلوق هو جوهر اللاهوت فقط؟. وإذا وصفتم غير المخلوق بانه متغير، والمتغير بانه غير مخلوق، أليس هذا هو الكفر بعينه؟ أدا الادعاء بأنه بواسطة الاتحاد صارت طبيعة الناسوت غير مخلوقة وصارت مساوية في الجوهر للاهوت، أي لها نفس الصفات، فهذا بدوره كفر، لأن الرب أختبر الألم وهو في الجسد وكشف عن لحمه وعظامه ونفسه الانسانية التي تألمت وعانت الأحزان والضيقات.
تجديد طبيعتنا بتدبير تجسده:
ولا يمكن لأحد أن يدعي بأن آلام الناسوت هي أمور عادية وطبيعية بالنسبة للاهوت ولكنها صارت تنسب للاهوت لأن الكلمة سر أن يولد ميلادا انسانيا، لكي يعيد خلق الإنسان من جديد في ذاته صائرا صورة ومثال التجديد لكي تشترك فيه صنعة يديه التي فسدت بالشر والفساد والموت .فأزال من على الأرض حكم الخطية، وعلى خشبة الصليب أزال اللعنة، وفي القبر أفتدى الفاسد، وفي الجحيم أباد الموت. وهكذا افتقد كل مكان وكل حالة، لكي يؤسس خلاص الإنسان كله، ويعلن بذلك صورة جديدة لطبيعتنا. فما هي الحاجة التي تدعو الله الكلمة بأن يولد من امرأة، وأن ينمو خالق كل الدهور في القامة وأن يحسب عمره بالسنوات، أو أن يختبر الصليب، والقبر، والجحيم؟. اننا نحن البشر الذين خضعنا لكل هذا، ولكنه أجتاز كل ذلك لأنه يطلب أن يخلصنا، فأعطانا الحياة، في صورته التي هي ممثلة لصورتنا، ودعانا للاشتراك في صورته الكاملة لكي نتشبه به ولكن كيف يمكن أن نشترك ونتشبه بالكامل اذا لم يكن الكامل كائنا قبل كل الدهور، أي الكمال الذي لايعرف الخطية والذي دعانا الرسول إلى الاشتراك فيه قائلا" اخلعوا الإنسان العتيق، وألبسوا الجديد المخلوق حسب الله في القداسة وبر الحق" (كو3 : 9-أف4 : 24).
جسد المسيح قابل للموت:
6-كيف أمكنكم أن تتصوروا أن الجسد غير مخلوق ؟. واذا تغيرت طبيعة مخلوقة وصارت غير مخلوقة، ألايعني هذا أنه يجب أن تصبح غير منظورة، بل تصبح أيضا عديمة الموت، ليس فقد بعد القيامة، بل تصبح غير قابلة للموت بالمرة؟ فاذا صح تصوركم فكيف يمكن أن نقول أن الرب مات مادام قد تغير ناسوته وصار غير مخلوق عندما ظهر على الارض؟ وكيف إذا تغير الناسوت وصار غير مخلوق أن يصبح منظورا، بل كيف أمكن لمسه، حسبما هومكتوب" الذي لمسته أيدينا من جهة الحياة" (1يو1 : 1).كيف تصرحون بأمور لم تكتب في الأسفار المقدسة؟ بل كيف تفكرون في أمور لايجوز أن نفكر فيها؟ انكم بهذا الشكل تساعدون الهراطقة على الحصول على براهين وأدلة تشبه التجاديف التي نشرها واحد منهم يدعي رتريوس Rhetrius ()الذي لايتجاسر أحد على أن يفكر في تجاديفه المخيفة.
امامكم طريقان لا ثالث لهما، اما أن تنكروا الأسفار المقدسة، واما أن تعترفوا بها، وبالتالي لا تفكروا في التفوه بما ليس في الأسفار الالهية، أي كلماتكم التي خداعها يقتل.
نعبد المسيح الواحد الاله المتجسد:
لقد انحدرتم إلى ما هو اسوأ بقولكم" نحن لانعبد غير المخلوق مع الخالق"، أيها الناس الذين بلا ادراك لماذا تقولون هذه العبارات، ولماذا تتصورون أن جسد ربنا رغم أنه مخلوق تقدم له عبادة على انفراد وانه يمكن أن تقدم هذه العبادة لأي مخلوق آخر؟ لقد اتحد الجسد بالكلمة غير المخلوق وصار معه واحدا، أليس إليه هو الواحد بعينه نقدم له الطلبات والصلوات؟ اننا بكل حق نعبده، لأن الكلمة تجسد وصار جسده هو جسد الله الكلمة، ولكننا لا نعبد الناسوت دون اللاهوت أو اللاهوت دون الناسوت، وهذا ظاهر من تصرفات الرب نفسه، لأن النساء أقتربن منه فقال لهن" لا تلمسيني لأنني لم أصعد إلى الآب" (يو20 :17)، معلنا بذلك أن صعوده أمر حتمي لأنه سيحمل جسده ويقدمه للآب، الا أنهن أقتربن وامسكن بقدمه وسجدن له"(مت20 : 17). وعندما أمسكن بقدميه فقد سجدن له كإله متجسد، دون فصل اللاهوت عن الناسوت. وفي موضع آخر قال الرب" جسوني وأنظروا لأن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو24 : 39). ومع أنه بالحقيقة روح لأن" الله روح" (يو4 : 24). الا انه عندما قال بان له لحما وعظاما أراهم لحمه وعظامه. وكيف قال" الروح ليس له لحم وعظام" وأضاف" كما ترون لي"؟ لم يقل أنه هو" لحم وعظام". وقد قال ذلك لكي يعلمنا أن طبيعة الروح لا تلمس بينما يلمس جسده، مثلما نلمس نحن أجسادنا، لأن جسده الذي أخذه من العذراء مثل أجسادنا، لم يخلقه بقوته الذاتية بدون العذراء، بل تكون في أحشاء العذراء وولد ولادة انسانية طبيعية، فقد أراد أن يكون له جسد طبيعي يتحد بلاهوته. وهكذا أيضا تم الموت، ومات الجسد موتا طبيعيا في الوقت الذي كان الكلمة فيه ويمسكه بارادته لكي يقدم جسده بسلطانه الذاتي (يو10 : 18).فتألم طبيعيا ومات طبيعيا عوضا عنا، ولكنه قام لأجلنا الهيا.وهكذا كل ما عمله منذ البشارة إلى الموت، انما كان يهدف إلى هدف واحد وهو أن يخلصنا ويعيدنا اليه.
جسد المسيح لم ينزل من السماء:
7-هذا هو التعليم الذي تقبله كنيسة الله الجامعة تعترف به، أما أنتم فكيف تخالفون هذا التعليم وتدعون بان الجسد نزل من السماء؟ ولماذا يسمح المسيح بأن يكون له جسد سمائي؟ وما هي غاية نزول جسد سمائي إلى الارض، هل لكي يجعل ذلك الجسد السمائي غير المنظور منظورا، والذي لا يمكن صلبه يجعله خاضعا لآلام الصلب والذي لا يمكن أن يتغير قابلا للتغير والموت؟ يا أيها الناس الذين بلا فهم، ما هي الفائدة الحقيقية لكل هذا!!!واذا نزل المسيح من السماء فكيف يفيد هذا آدم الأول؟ انه لن ينتفع بشيء، فاذا لم يأخذ المسيح" شبه جسد الخطية" لكي" يدين الخطية في الجسد "(رو8 : 3) لن نتجدد مطلقا. ولكنه أكمل تجديدنا الذي لا يمكن مقارنته بشيء ولا حتى بالطبيعة التي سقطت في آدم ()الأول من أجل ذلك عاش بجسد مثل جسدنا على الأرض، وأعلن أن جسده غير قابل للخطية ومع أن الجسد الذي أخذه آدم في حالة عدم الخطية في حالة خلقه الأول، وصار بالسقوط قابلا للخطية، فسقط في الفساد والموت. هذا الجسد أقامه إلى حالة وطبيعة عدم الخطية، لكي يعلن لنا أن الخالق ليس هو سبب الخطية ()، ويثبت الطبيعة الانسانية ويجعلها حسب النموذج الأصلي والأول ()الذي خلقت عليه. ولذلك تجسد وعاش في عدم الخطية. هراء اذن خيالات أولئك الذين ضلوا، وقالوا أن جسد ربنا نزل من السماء. بل بالحري أن ما سقط من الحالة السمائية إلى الحالة الأرضية، هذا بذاته رفعه المسيح من الأرض إلى السماء، وما أسقطه آدم في الفساد ودينونة الموت، رغم أنه أصلا بلا خطية وغير محكوم عليه بشيء، هذا أظهره المسيح بلا فساد، بل صار يخلص من الموت، وأعلن عن ذلك فأظهر سلطانه وهو على الأرض بأن يغفر الخطايا (مت9 : 6)، وأعلن عدم فساده بقيامته من القبر، وبافتقاده الجحيم الذي نزل إليه لكي يدوس الموت ويبيده، ويبشر الكل بالبشارة المفرحة بالقيامة، لأن الله" خلق الإنسان خالدا وخلقه على صورة أزليته، ولكن بوسطة حسد الشيطان، دخل الموت إلى العالم" (حكمة2 : 23،24). هذا الجسد الذي ملك عليه الموت للفساد، لم يحتقره، وانما قبله واتخذه لذاته دون أن يتغير لاهوته إلى الشكل والصورة الانسانية. أنه لم يحتقر الوجود الانساني ولم يهمله فأخذ خيالا انسانيا بدلا من الجسد الانساني، وانما هو بذاته الاله ولد كانسان، لكي يصبح الله والانسان واحدا، كاملا في كل شيء، فولد ميلادا حقيقيا وطبيعيا. وهذا هو السبب في القول أن الآب" أعطاه اسما فوق كل اسم" (في2 : 9)، لكي يملك على السموات، ولكي يكون له سلطان لكي يدين (يو5 : 27).
آدم الأول وآدم الثاني:
8-لقد صار الكلمة الذي صنع السموات والأرض" ابن الانسان" ليس بالتغير، وانما صار آدم الثاني، ولكي ندرك الحق الذي يحتويه هذا الاسم بالذات شرح الرسول أن آدم القديم أو الأول كان نفسانيا وبعد ذلك جاء آدم الثاني الروحاني (1كو15 : 46). وعندما اكد أن آدم الأول نفساني والثاني روحاني، لم يكن يقصد من ذلك وجود جسدين مختلفين، وانما جسد واحد للاثنين، ولكن الأول تحت سلطان وطبيعة الروح ولذلك دعى روحانيا، لأن كلمة الله هو روح(يو4 : 24). ويمكننا أن نفهم ذلك من تأمل ما قيل عنا نحن في هذه الكلمات" الانسان الروحاني يفحص كل شيء، أن الإنسان النفساني ()لا يأخذ شيئا من الروح" (1كو2 : 14).ورغم أن طبيعة جسد الإنسان النفساني والإنسان الروحاني هي طبيعة واحدة، الا أن الذي يشترك في الروح القدس يصبح الروحاني، أما الذي يكتفي بقوة النفس وحدها فيظل النفساني. ومادام التعليم الصحيح الحق عندنا، صار من اللازم أن نسأل لماذا لم يدع المسيح" انسانا" فقط، وهو اسم، يمكن للبعض أن يتخيل أنه شخص قادم الينا من السماء، وسكن بيننا، وانما دعى-وهذا حق-"ابن الانسان" لأنه صار ابن الإنسان بميلاده من العذراء، صار ابن آدم الأول، ولا يوجد غير آدم الأول عاش على الأرض، كما لا يوجد آدم آخر جاء من السماء. وكل من يولد من آدم هو ابن الإنسان ولم يحصل على جسد سمائي من السماء هذا ما تؤكده الآناجيل، لأن متى يسجل في سلسلة الأنساب أنه ابن ابراهيم وابن داود حسب الجسد، أما لوقا فهو حسبه في سلسة الأنساب كابن آدم وابن الله.
لنتمسك بتعليم الانجيل:
وما دمنا تلاميذ الانجيل فلا يجب أن نتكلم بما هو ضد الانجيل أو بالكذب ضد الله، وانما نحتفظ بما جاء في الأسفار الالهية ونتمسك بما فيها من حقائق. فلماذا تحاربونا نحن الذين لا نقبل أن نسمع شيئا أو نقول شيئا ضد ما جاء في الأسفار بل نتمسك بما قاله الرب" اذا ثبتم في كلمتي تصيرون حقا احرارا" (يو8 : 31،32)
الشرح السليم للتجسد:
9-كيف لنا أن نحسبكم مؤمنيين أو مسيحيين وأنتم لا تتمسكون بكلمات الأسفار ولا تؤمنون بما تعلنه من حقائق، بل تغامرون بالكلام عما هو فوق الادراك وتحددونه حسب أهوائكم. وان كان من السهل عليكم أن تحاربوا انسانا، فكيف يمكنكم أن تحاربوا الله" (أش7 : 13)، وإذا كان الذين لم يصدقوا الأنبياء قد أدينوا، فكم بالحري تكون دينونة الذين لا يصدقون الرب نفسه؟ كيف تتجاسرون على التفكير والنطق بأمور مختلفة وأفكار غريبة عن تلك التي أعلنها وسر بها الرب نفسه والتي بها أباد الخطية والموت؟ إذا اعترفنا به، اعترف هو بنا، وإذا انكرناه، فهو سينكرنا، إذا لم نكن أمناء فهو يبقى أمينا لن يقدر أن ينكر نفسه (2تي2 : 12-مع مت10 : 32) فما معنى تهوركم وتطرفكم الذي يجعلكم تقولوا ما ليس في الأسفار وتفكرون فيما هو ضد العقيدة؟ لماذا تحاولون أن تجعلوا الجسد من ذات جوهر اللاهوت؟ ألا تدركون ان هذا كفر مزدوج؟ فانكم بهذا تسقطون في هذا الاثم المزدوج وهو اما أن تنكروا التجسد أو تجدفوا على جوهر الله .وهكذا حسب كلماتكم التي تقولونها" نحن نعترف بأن الذي ولد من العذراء مريم هو مساوي الآب في الجوهر". لكن هذه العبارة التي تعتبرونها دليلا على صحة الايمان والاحترام سوف نشرحها لكي يظهر لكم انكم لا تفهمون معناها، بل صار معناها حماقة بالنسبة لاستعمالكم. ان جميع المؤمنيين يعترفون بأن الله الكلمة الذي ولد وعاش بالجسد بيننا، قد ولد كانسان من العذراء القديسة مريم وأنه مساو للآب في الجوهر، وأنه تجسد وصار من نسل ابراهيم وبذلك صار ابنا لابراهيم. فالكلمة الذي من الله والذي هو مساو للآب في الجوهر،صار ابنا لابراهيم حسب الجسد. وهذا ما يعترف به الأنبياء والرسل والانجيليون فالمسيح حسب سلسلة الأنساب وحسب الجسد هو من نسل داود. فكيف لا تخجلون من الادعاء بأن الجسد الذي سجل في سلسلة الأنساب من نسل داود يصبح مساويا لجوهر الكلمة؟ ألستم كما ذكرت تستعملون هذه العبارة بلا مضمون بل وبحماقة أيضا، لأنكم لا تعتبرون أن الذي يتساوى جوهره مع جوهر آخر له ذات الطبيعة والصفات والكمال. وهذا ما يجعلنا نعترف بأن الابن مساو للآب في الجوهر، أي انه كامل مثل الآب في كل شيء()، وكذلك الروح القدس، لأن الثالوث له جوهر واحد، فكيف يمكنكم أن تنسبوا صفات وكمال اللاهوت إلى الجسد مدعين أنه مساو للكلمة في الجوهر وبذلك يضاف إلى كمال الكلمة، كمال آخر هو الناسوت، وحسب خيالكم لا يعود الله ثالوثا بل يصبح رابوعا، وهذا ايمان آخر غير الايمان الذي نبشر به. وهل بعد هذا يمكن أن يضاف شيء آخر إلى هذا الكفر؟
10-تقولون أن الجسد صار مساو في الجوهر للكلمة. أخبروني كيف حدث ذلك؟ تقولون "لقد صار الجسد الكلمة بل صار أيضا روحا" ولكن إذا كان الجسد ليس بالطبيعة لاهوتا ولا هو من جوهراللاهوت، فكيف يمكن أن يتحول إلى لاهوت؟ وإذا قلتم انه تحول فبأي وجه تختلفون عن الأريوسيين الذي قالوا نفس الكلام عن الكلمة، ثم ألا تقول الأسفار عكس ذلك، لأنها تقول" الكلمة صار جسدا" وليس" الجسد صار الكلمة"، وتقول الأسفار ذلك لأن" صار" تخص الجسد، وفعلا" صار" الجسد خاصا بالكلمة، وليس خاصا بانسان، فالله تأنس، ولذلك قيل انه" صار جسدا" حتى لا يخطيء أحد في فهم حقيقة التجسد، ويغفل اسم" الجسد".فاذا كنتم غير مستعدين لقبول هذا الاتحاد الطبيعي بين الكلمة والجسد الذي صار جسدا خاصا به وفيه حل، وإذا كنتم لا تقبلون الاعتراف الصريح بأن الله تأنس، فلم يعد امامكم الا أمرين: اما أنكم لا تؤمنون بما تسمعون وهو ما نسبح الله عليه كسر فائق الادراك، وأما أنكم لا تريدون عطية الدهر الآتي لأن ناسوت الله الكلمة هو الذي قيل عنه في كلمات الرسول" الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في25 : 31)وهو يعني بذلك ابن الله الذي صار ابن الإنسان، وصار بذلك ديان الأحياء والأموات والملك والاله الحق.
أنتم تريدون حذف كلمة" جسد"، أو أي اشارة إلى كلمة" انسان"، وتمنعون استخدامها للمسيح. فكيف يمكن لكم أن تستمروا في قراءة الأسفار الالهية، خصوصا ما يكتبه متى"كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود، ابن ابراهيم" (مت1 : 11). وما كتبه يوحنا" في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله" (يو1 : 1). فكيف تفهمون هذه الكلمات الواضحة" الكلمة" و" ابن داود". هل هي كلمات منفصلة ليس لها علاقة بذات الشخص؟ لو أنكم تتعلمون من الأسفار الالهية لعرفتم أن الكلمة الله، صار ابن الإنسان، ولعرفتم أن المسيح واحد، وهو نفسه ()الله والإنسان .وهكذا البشارة قائمة على دعامتين،ألوهية الكلمة وتجسده، وهذا ما يشرح ويفسر لنا الآلام، وأيضا عدم تألم الكلمة .ونرى ذلك في كلام الرسول بولس" الانسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع" و "الكائن على الكل الها مباركا إلى الأبد"(1تي2 : 5،6-رو9 : 5)، وكتب إلى تيموثاوس يقول أيضا" أذكر يسوع المسيح الذي من نسل داود والذي قام من بين الأموات" ونفس الرسول يقول" ونبشر بموته إلى أن يجيء" (2تي2 : 8-1كو11 : 26).
11-ان تعبير" المساوي في الجوهر" هو تعبير قوي، ياليتكم لا تحاولون افساد قوته بحذف الاشارة إلى" الجسد" او" الانسان" وتمنعون استخدام هذه الكلمات الهامة في الكلام عن المسيح .فأنتم بذلك تقدمون على أمرين:اما أنكم تمنعون أن تبشرون بموته إلى أن يجيء، وبهذا تبطلون ما تبشر به الأسفار أو أنكم تبشرون بموت" المساوي" للآب والروح القدس في الجوهر دون أن تعترفوا بأن المسيح " تألم في الجسد" (1بط4 : 1) وبهذا تجعلون اللاهوت هو الذي تألم. واذا تألم لاهوت الكلمة ()فقد تألم معه الآب والروح، بل لقد مات الآب والروح القدس أيضا. وهذا يجعلكم أكثر كفرا من جميع الهراطقة. أما عن الموت فقد كان موت جسد ذاك" المساوي في الجوهر" وليس موت اللاهوت، كما أن الآب والروح القدس لم يتجسدا حسب التعليم الفاسد الذي يتمسك به أتباع فالنتينوس، وانما التعليم الصحيح هو أن" الكلمة صار جسدا".
المسيح اله انسان دون أن ينقسم إلى اثنين:
وأيضا عندما نعترف بأن المسيح هو اله وانسان، لا نقول هذا بقصد تقسيمه إلى اثنين حاشا لله، وانما العكس، نحن نؤكد بتمام ما تعلنه الأسفار، لأن آلامه وموته التي حدثت هي التي "نبشر بها إلى أن يجيء ". ونحن نعترف بأن موته وقيامته قد حدثا في جسد الكلمة، وفي نفس الوقت نؤمن بأن الكلمة نفسه غير متألم ولا متحول .وانما هو الذي تألم دون أن يتألم، لأنه غير المتغير وغير المتألم كإله، ولكن "تألم في الجسد"(1بط4 : 1)، وأراد أن يذوق الموت لأنه صار "وسيطا بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح الذي قدم ذاته فدية عن كثيرين" (1تي2 : ). وأيضا لأنه صار وسيطا بين الله والإنسان "والآن الوسيط لا يكون وسيطا لواحد، ولكن الله واحد()"(غل3 : 20).
12-ومما سبق يظهر لنا خطأ كل الذين يقولون أن الابن الذي تألم هو آخر غير الابن الذي لم يتألم، الا انه لا يجد ابن آخر غير الابن الواحد وهو بذاته الكلمة الذي عبر الآلام والموت. فهو غير المتغير وغير المتجسد، الكلمة بذاته، قبل أن يولد في الجسد الانساني أراد أن يكمل كل الأشياء وأراد أن يكون له ذبيحة يقدمها (عب1-4). فالذي قيل أنه صار أعظم من الملائكة، ليس الكلمة خلق الملائكة، لئلا يظن أحد أنه عندما خلق الملائكة كان أقل من الملائكة، وانما الذي "صار"هو"صورة الجسد" التي أخذها الكلمة وجعلها صورته عندما ولد ميلادا طبيعيا من العذراء .هذه الصورة هي التي رفعها إلى مرتبة أعظم من مرتبة الميلاد البشري الآدمي الذي يخص آدم الأول، لأنه أتى بهذه الصورة إلى علاقة فائقة ووثيقة، حتى اننا بسبب ذلك قيل عنا نحن "مواطنون مع كل القديسين وأعضاء في بيت الله "(أف2 : 19).
معنى الكلمة صار جسدا:
بذلك صار الجسد هو جسد الاله، ليس كمساوي له في الجوهر، لأنه ليس أزليا مع الكلمة، وانما "صار "معه بالطبيعة جسده دون أن ينفصل عن اللاهوت بسبب قوة الاتحاد، وظل جسدا من نسل داود وابراهيم وآدم اللذين تناسلنا منهم جميعا ولو كان الجسد مساويا لجوهر الكلمة وأزليا معه لصار من المحتم عليكم أن تتقدموا خطوة أخرى على طريق ضلالكم وتتفق مع منطقكم وهي :أن تصبح كل الخلائق مساوية في الجوهر لله خالق كل الأشياء. وازاء هذا كيف يمكنكم أن تظلوا مسيحيين، إذا سقطتم هذه السقطة الشنيعة وربطتم بسلاسل هذا الضلال؟
أن المساوي في الجوهر له في الحقيقة ذات صفات الجوهر أي أنه غير متغير وغير قابل للموت، وهنا لا يجوز الكلام عن الاتحاد، مادام الناسوت مساويا في الجوهر لأقنوم الكلمة، بل لا يبقى مجال للاتحاد الأقنومي، حيث لا يصح الكلام عن اتحاد اثنين متساويين في الجوهر لأن اتحادهما هو في الواقع وحدة طيبعية .واذا وصلتم إلى هذه النتيجة فأنتم تقولون بوجود أقنومين في الابن().وهكذا أخترعتم ماتخيلتم انه مقدس ونافع ولكنه قادكم إلى احتمالين:اما انكم ستضطرون إلى انكار الجسد المولود من العذراء والدة الاله، واما انكم ستجدفون على الله لأن وحدة جوهر الآب والابن والروح القدس تجعل أي كلام عن آلام الجسد المساوي للثالوث في الجوهر هو اعتراف بأن الثالوث تألم، وبذلك أضفتم رابعا إلى الثالوث فأي نقد يمكنكم أن توجهوه بعد ذلك إلى الهراطقة وما هو اللوم الذي يمكن أن توجهوه لنا نحن الذين نؤمن بالثالوث. هكذا رغم عنكم قادكم المنطق السقيم، وأصبحتم تؤمنون برابع مع الثالوث، عندما جعلتم الجسد مساويا للكلمة في الجوهر. وهكذا أيضا صار ايمانكم باطلا، لانكم صرتم تفكرون مثل الأريوسيين وسقطتم في ضلالهم ولم تفهموا معنى الكلمات "الكلمة صار جسدا ".والآن علينا أن نشرح ما هو معنى الكلمات "الكلمة صار جسدا "؟ انه لا يعني أن الكلمة ان لم يعد الكلمة، وانما يعني أن الكلمة هو دائما الكلمة حتى عندما أتخذ لذاته جسدا وفيه قبل الآلام والموت أي في الصورة البشرية، وبها ذهبت إلى ابعد الأماكن أي القبر والجحيم، وبذلك صار الكلمة الاله سببا لقيامة الأموت، وأعلن بذلك أن له لحما وعظاما ونفسا، باعلان جسده الذي لم ينفصل عنه والذي أخذه كما هو مكتوب "من نسل داود".فاذا لم تؤمنوا بذلك فأي فرق بينكم وبين مرقيان؟ ألم يقل مرقيان بأن جسد الكلمة ظهر ونزل من السماء في شكل انساني، وانه لم يكن جسدا حقيقا؟ وماذا قال ماني؟ ألم يقل أن الجسد لم يكن جسدا بشريا بل له صورة الهية وان ملامحه كانت فقط انسانية ولكنه لم يكن جسدا بشريا بل غريبا عن الطبيعة الانسانية تماما؟ لقد أخترع هؤلاء كل هذه التصورات، لأنهم يعتقدون أن مصدر الخطية هو الجسد وليس الانحراف الذي أصاب الارادة لقد أحدر هؤلاء إلى هذا الكفر فهل أنحدرتم أنتم أيضا إلى هذا الدرج الأسفل.
13-ان التقوى الحقيقية تمنع من المغامرة والخوض في هذه الاختراعات، بل هي بذاتها تجعل كل تقي يعترف استقامة(أرثوذكسية)بأن الكلمة الكائن قبل كل الدهور، والمساوي للآب في الجوهر، جاء في الأيام الأخيرة وتجسد من والدة الاله العذراء مريم، لكي يجدد ما خلق وصور في آدم الأول، أي الطبيعة التي فينا، والتي جعلها له بالاتحاد. وهكذا الاله الكائن قبل كل الدهور ظهر كانسان ودعى المسيح. هذا وحده يجعلنا نحن "أعضاء المسيح"وكما هو مكتوب"نحن من لحمه ومن عظامه"(أف5 : 30). فما معنى الاختراعات والخيالات السابقة؟ هل أنتم تستعملون الحكمة الانسانية محاولين الوصول إلى صياغات لأمور تقع خارج مجال قدرات الفكر الانساني؟ ما معنى كلامكم"بدلا من الإنسان الداخلي الذي ينتمي الينا، وجد في المسيح عقل سمائي "يا للفكر الدنس!!. وما أضعف هذه الكلمات الفارغة من المضمون والصادرة عن بشر لا يفهمون أساسات الايمان.
اسم "المسيح "يعني اللاهوت والناسوت معا:
فالحقيقة الأولى من هذه الأساسات هي أن نعرف أن نعبر عن المسيح بأكثر من أسلوب، اذ لا يجد أسلوب واحد فقط، بل أن اسم "المسيح"يعلن حقيقتين، اللاهوت والناسوت. وهكذا يدعى المسيح"انسانا"وهو ذاته يدعى الله، وأحيانا يسمى الاله المتأنس، ورغم كل هذه الكلمات المختلفة، هو المسيح الواحد. باطلة إذا هذه السفسطة التي تقودكم إلى شيء آخر غير المسيح. وحتى الذين دعوا"مسحاء"فان المعنى الكامل للاسم لا يخصهم وانما معناه الجزئي فقط، لأن هؤلاء لا يمكن أن نصفهم أو أن نعتقد أنهم مثل المسيح الحق، والمتهاورون فقط هم الذين يتجاسرون على أن يخضعوا المسيح للمنطق الانساني المحدود القائم على التحليل والدراسة. أن ما ذكرتموه وأخبرتمونا به لم يخبر به نبي ولا رسول ولا انجيلي من الانجيليين .هذه أمور يجب أن يخجل المرء من التفكير فيها، فهل صرتم تخجلون من التفكير فيها؟
لو كان المسيح آخر غير "العقل السمائي" الذي جاء وسكن فيه، و"العقل السمائي" كامل، فحسب كلامكم أنتم يصبح المسيح في اثنان كاملان، وبذلك تعتقدون بما تحاولون هدمه ().اما العقل السمائي فان الأنبياء نالوه، لأنهم تكلموا عن أمور سمائية وأمور مستقبلة كـأنها حاضرة امامهم.ولماذا تفترضون أنتم أن "الانسان الداخلي" غير موجود في المسيح؟ وماذا تقولون عن النفس الانسانية"؟أليست النفس هي حياة الجسد مثل الدم بالنسبة للحم؟ فهل ستقولون بالعكس، بأن النفس والجسد هما " الإنسان الخارجي "؟ وما دمنا نلمس اللحم والعظام، فهل سنلمس النفس أيضا مادامت قد صارت منظورة، وبالتالي يصبح من الممكن ذبحها وقتلها، مع أن ربنا قال :ان النفس لا يمكن
أن تقتل (مت10 : 28) فعليكم أن تعتقدوا بان النفس هي الإنسان الداخلي، حسبما نرى في الخلق الأول ومن تأمل الانحلال الذي حدث بعد السقوط. هذا نراه فقط ليس من تأمل موتنا نحن، وانما نراه أيضا في موت المسيح نفسه عندما وضع الجسد في القبر، وذهبت النفس إلى الجحيم. وما أعظم الفرق بين القبر والجحيم، فقد رقد الجسد المحسوس في القبر، أما هو فقد كان غير المحسوس في الجحيم.
عمل نفس المسيح الانسانية في الجحيم:
14-فكيف حسب الرب في عداد الموتى وهو في الجحيم؟ انه لم يذهب إلى الجحيم بجسده بل ذهب إلى الجحيم لكي يبشر النفوس التي كانت في سلاسل العبودية، وذهب وبشر بصورة انسانيته ()التي لم تخضع لسلطان الموت، بل غلبت الموت ودحرته، وهكذا كان حاضرا مع الموتى لكي يصور أساس القيامة ويحطم السلاسل التي كانت تربط النفوس الأسيرة في الجحيم. وهكذا أعلن أنه خالق الإنسان ومصوره، والذي حكم على الإنسان بالموت، جاء وبحضوره في الصورة الانسانية ()، وبارادته وحده حرر الإنسان من حكم الموت، لأن الموت لم يستطع ان يقوى على نفس المسيح الانسانية التي اتحدت باللوغوس، بل عجز الموت عن أن يستعبدها، ولا استطاع الفساد أن يذلها أو يأسرها .ومع أن الموت فصل النفس عن الجسد، الا أن الفساد لم يتجاسر على أن يقترب من أيهما لأن كل الذي حدث، انما كان تحت السيطرة الالهية وعنايتها .وأي فكر آخر ذلك هو ضلال
رجاء الانسانية في اتحاد المخلوق بغير المخلوق في المسيح:
وعندما نؤكد ذلك فإنا لانريد أن تفقد الانسانية الرجاء وتبقى في ضعفها معرضة دائما لليأس، فهي تبشر بأنها لم تعد لها صلة وثيقة بالله، وبذلك تزول النعمة تماما. وكل من يسمع أن جسد الرب غير مخلوق، بينما هو يعلم أن كل انسان مخلوق وان الطبيعة الانسانية مصنوعة، الا يدرك من يقول هذا الادعاء بعدم خلق الناسوت أن الأسفار الالهية زائفة وأنه لم تعد له شركة مع المسيح؟ ()واذا كان غير المخلوق قد أخذ جسدا غير مخلوق، ألا تصير الخليقة الأولى بلا خلاص، لاسيما آدم الأول الذي ولدنا نحن منه حتى اليوم بالولادة الجسدانية، ألا يعد هذا هلاكا لنا؟.وكيف جعلنا المسيح شركاء فيه؟-وكيف استطاع الرسول أن يقول" المقدس والمقدسين من واحد" (عب2 : 11).
الانسانية ليست من جوهر الله:
5-ولكن علينا الانتباه من التهور في التفكير بأننا نصير مثل الكلمة من جوهر الله الآب فهذا خطأ المجدفين الأريوسيين الذين حاولوا أن يجعلوا الكلام الخاص بالناسوت على أنه خاص بلاهوت الكلمة، وهذا الخطأ ظاهر لأن الذي وصف بأنه أخذ" صورة عبد" أي صار من آدم الأول، قد أتحد بصورة العبد وهو الكائن منذ الأزل في" صورة الله"، ولايعني هذا أن صورة العبد صارت الها. فبشكل عام يستخدم تعبير" غير المخلوق" لما لم يتكون من العدم ولم ينشأ مطلقا فهل تعتقدون أنتم أن الجسد لم ينشأ، ولم يتكون مطلقا، وأنه كان مع الكلمة منذ الأزل؟. هل تحاولون استخدام عبارات دقيقة وذات مضمون سليم في غير مكانها لكي تتستروا تحت عبارة" غير المخلوق" فلا تعترفون بالتجسد؟ أليس غير المخلوق هو جوهر اللاهوت فقط؟. وإذا وصفتم غير المخلوق بانه متغير، والمتغير بانه غير مخلوق، أليس هذا هو الكفر بعينه؟ أدا الادعاء بأنه بواسطة الاتحاد صارت طبيعة الناسوت غير مخلوقة وصارت مساوية في الجوهر للاهوت، أي لها نفس الصفات، فهذا بدوره كفر، لأن الرب أختبر الألم وهو في الجسد وكشف عن لحمه وعظامه ونفسه الانسانية التي تألمت وعانت الأحزان والضيقات.
تجديد طبيعتنا بتدبير تجسده:
ولا يمكن لأحد أن يدعي بأن آلام الناسوت هي أمور عادية وطبيعية بالنسبة للاهوت ولكنها صارت تنسب للاهوت لأن الكلمة سر أن يولد ميلادا انسانيا، لكي يعيد خلق الإنسان من جديد في ذاته صائرا صورة ومثال التجديد لكي تشترك فيه صنعة يديه التي فسدت بالشر والفساد والموت .فأزال من على الأرض حكم الخطية، وعلى خشبة الصليب أزال اللعنة، وفي القبر أفتدى الفاسد، وفي الجحيم أباد الموت. وهكذا افتقد كل مكان وكل حالة، لكي يؤسس خلاص الإنسان كله، ويعلن بذلك صورة جديدة لطبيعتنا. فما هي الحاجة التي تدعو الله الكلمة بأن يولد من امرأة، وأن ينمو خالق كل الدهور في القامة وأن يحسب عمره بالسنوات، أو أن يختبر الصليب، والقبر، والجحيم؟. اننا نحن البشر الذين خضعنا لكل هذا، ولكنه أجتاز كل ذلك لأنه يطلب أن يخلصنا، فأعطانا الحياة، في صورته التي هي ممثلة لصورتنا، ودعانا للاشتراك في صورته الكاملة لكي نتشبه به ولكن كيف يمكن أن نشترك ونتشبه بالكامل اذا لم يكن الكامل كائنا قبل كل الدهور، أي الكمال الذي لايعرف الخطية والذي دعانا الرسول إلى الاشتراك فيه قائلا" اخلعوا الإنسان العتيق، وألبسوا الجديد المخلوق حسب الله في القداسة وبر الحق" (كو3 : 9-أف4 : 24).
جسد المسيح قابل للموت:
6-كيف أمكنكم أن تتصوروا أن الجسد غير مخلوق ؟. واذا تغيرت طبيعة مخلوقة وصارت غير مخلوقة، ألايعني هذا أنه يجب أن تصبح غير منظورة، بل تصبح أيضا عديمة الموت، ليس فقد بعد القيامة، بل تصبح غير قابلة للموت بالمرة؟ فاذا صح تصوركم فكيف يمكن أن نقول أن الرب مات مادام قد تغير ناسوته وصار غير مخلوق عندما ظهر على الارض؟ وكيف إذا تغير الناسوت وصار غير مخلوق أن يصبح منظورا، بل كيف أمكن لمسه، حسبما هومكتوب" الذي لمسته أيدينا من جهة الحياة" (1يو1 : 1).كيف تصرحون بأمور لم تكتب في الأسفار المقدسة؟ بل كيف تفكرون في أمور لايجوز أن نفكر فيها؟ انكم بهذا الشكل تساعدون الهراطقة على الحصول على براهين وأدلة تشبه التجاديف التي نشرها واحد منهم يدعي رتريوس Rhetrius ()الذي لايتجاسر أحد على أن يفكر في تجاديفه المخيفة.
امامكم طريقان لا ثالث لهما، اما أن تنكروا الأسفار المقدسة، واما أن تعترفوا بها، وبالتالي لا تفكروا في التفوه بما ليس في الأسفار الالهية، أي كلماتكم التي خداعها يقتل.
نعبد المسيح الواحد الاله المتجسد:
لقد انحدرتم إلى ما هو اسوأ بقولكم" نحن لانعبد غير المخلوق مع الخالق"، أيها الناس الذين بلا ادراك لماذا تقولون هذه العبارات، ولماذا تتصورون أن جسد ربنا رغم أنه مخلوق تقدم له عبادة على انفراد وانه يمكن أن تقدم هذه العبادة لأي مخلوق آخر؟ لقد اتحد الجسد بالكلمة غير المخلوق وصار معه واحدا، أليس إليه هو الواحد بعينه نقدم له الطلبات والصلوات؟ اننا بكل حق نعبده، لأن الكلمة تجسد وصار جسده هو جسد الله الكلمة، ولكننا لا نعبد الناسوت دون اللاهوت أو اللاهوت دون الناسوت، وهذا ظاهر من تصرفات الرب نفسه، لأن النساء أقتربن منه فقال لهن" لا تلمسيني لأنني لم أصعد إلى الآب" (يو20 :17)، معلنا بذلك أن صعوده أمر حتمي لأنه سيحمل جسده ويقدمه للآب، الا أنهن أقتربن وامسكن بقدمه وسجدن له"(مت20 : 17). وعندما أمسكن بقدميه فقد سجدن له كإله متجسد، دون فصل اللاهوت عن الناسوت. وفي موضع آخر قال الرب" جسوني وأنظروا لأن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو24 : 39). ومع أنه بالحقيقة روح لأن" الله روح" (يو4 : 24). الا انه عندما قال بان له لحما وعظاما أراهم لحمه وعظامه. وكيف قال" الروح ليس له لحم وعظام" وأضاف" كما ترون لي"؟ لم يقل أنه هو" لحم وعظام". وقد قال ذلك لكي يعلمنا أن طبيعة الروح لا تلمس بينما يلمس جسده، مثلما نلمس نحن أجسادنا، لأن جسده الذي أخذه من العذراء مثل أجسادنا، لم يخلقه بقوته الذاتية بدون العذراء، بل تكون في أحشاء العذراء وولد ولادة انسانية طبيعية، فقد أراد أن يكون له جسد طبيعي يتحد بلاهوته. وهكذا أيضا تم الموت، ومات الجسد موتا طبيعيا في الوقت الذي كان الكلمة فيه ويمسكه بارادته لكي يقدم جسده بسلطانه الذاتي (يو10 : 18).فتألم طبيعيا ومات طبيعيا عوضا عنا، ولكنه قام لأجلنا الهيا.وهكذا كل ما عمله منذ البشارة إلى الموت، انما كان يهدف إلى هدف واحد وهو أن يخلصنا ويعيدنا اليه.
جسد المسيح لم ينزل من السماء:
7-هذا هو التعليم الذي تقبله كنيسة الله الجامعة تعترف به، أما أنتم فكيف تخالفون هذا التعليم وتدعون بان الجسد نزل من السماء؟ ولماذا يسمح المسيح بأن يكون له جسد سمائي؟ وما هي غاية نزول جسد سمائي إلى الارض، هل لكي يجعل ذلك الجسد السمائي غير المنظور منظورا، والذي لا يمكن صلبه يجعله خاضعا لآلام الصلب والذي لا يمكن أن يتغير قابلا للتغير والموت؟ يا أيها الناس الذين بلا فهم، ما هي الفائدة الحقيقية لكل هذا!!!واذا نزل المسيح من السماء فكيف يفيد هذا آدم الأول؟ انه لن ينتفع بشيء، فاذا لم يأخذ المسيح" شبه جسد الخطية" لكي" يدين الخطية في الجسد "(رو8 : 3) لن نتجدد مطلقا. ولكنه أكمل تجديدنا الذي لا يمكن مقارنته بشيء ولا حتى بالطبيعة التي سقطت في آدم ()الأول من أجل ذلك عاش بجسد مثل جسدنا على الأرض، وأعلن أن جسده غير قابل للخطية ومع أن الجسد الذي أخذه آدم في حالة عدم الخطية في حالة خلقه الأول، وصار بالسقوط قابلا للخطية، فسقط في الفساد والموت. هذا الجسد أقامه إلى حالة وطبيعة عدم الخطية، لكي يعلن لنا أن الخالق ليس هو سبب الخطية ()، ويثبت الطبيعة الانسانية ويجعلها حسب النموذج الأصلي والأول ()الذي خلقت عليه. ولذلك تجسد وعاش في عدم الخطية. هراء اذن خيالات أولئك الذين ضلوا، وقالوا أن جسد ربنا نزل من السماء. بل بالحري أن ما سقط من الحالة السمائية إلى الحالة الأرضية، هذا بذاته رفعه المسيح من الأرض إلى السماء، وما أسقطه آدم في الفساد ودينونة الموت، رغم أنه أصلا بلا خطية وغير محكوم عليه بشيء، هذا أظهره المسيح بلا فساد، بل صار يخلص من الموت، وأعلن عن ذلك فأظهر سلطانه وهو على الأرض بأن يغفر الخطايا (مت9 : 6)، وأعلن عدم فساده بقيامته من القبر، وبافتقاده الجحيم الذي نزل إليه لكي يدوس الموت ويبيده، ويبشر الكل بالبشارة المفرحة بالقيامة، لأن الله" خلق الإنسان خالدا وخلقه على صورة أزليته، ولكن بوسطة حسد الشيطان، دخل الموت إلى العالم" (حكمة2 : 23،24). هذا الجسد الذي ملك عليه الموت للفساد، لم يحتقره، وانما قبله واتخذه لذاته دون أن يتغير لاهوته إلى الشكل والصورة الانسانية. أنه لم يحتقر الوجود الانساني ولم يهمله فأخذ خيالا انسانيا بدلا من الجسد الانساني، وانما هو بذاته الاله ولد كانسان، لكي يصبح الله والانسان واحدا، كاملا في كل شيء، فولد ميلادا حقيقيا وطبيعيا. وهذا هو السبب في القول أن الآب" أعطاه اسما فوق كل اسم" (في2 : 9)، لكي يملك على السموات، ولكي يكون له سلطان لكي يدين (يو5 : 27).
آدم الأول وآدم الثاني:
8-لقد صار الكلمة الذي صنع السموات والأرض" ابن الانسان" ليس بالتغير، وانما صار آدم الثاني، ولكي ندرك الحق الذي يحتويه هذا الاسم بالذات شرح الرسول أن آدم القديم أو الأول كان نفسانيا وبعد ذلك جاء آدم الثاني الروحاني (1كو15 : 46). وعندما اكد أن آدم الأول نفساني والثاني روحاني، لم يكن يقصد من ذلك وجود جسدين مختلفين، وانما جسد واحد للاثنين، ولكن الأول تحت سلطان وطبيعة الروح ولذلك دعى روحانيا، لأن كلمة الله هو روح(يو4 : 24). ويمكننا أن نفهم ذلك من تأمل ما قيل عنا نحن في هذه الكلمات" الانسان الروحاني يفحص كل شيء، أن الإنسان النفساني ()لا يأخذ شيئا من الروح" (1كو2 : 14).ورغم أن طبيعة جسد الإنسان النفساني والإنسان الروحاني هي طبيعة واحدة، الا أن الذي يشترك في الروح القدس يصبح الروحاني، أما الذي يكتفي بقوة النفس وحدها فيظل النفساني. ومادام التعليم الصحيح الحق عندنا، صار من اللازم أن نسأل لماذا لم يدع المسيح" انسانا" فقط، وهو اسم، يمكن للبعض أن يتخيل أنه شخص قادم الينا من السماء، وسكن بيننا، وانما دعى-وهذا حق-"ابن الانسان" لأنه صار ابن الإنسان بميلاده من العذراء، صار ابن آدم الأول، ولا يوجد غير آدم الأول عاش على الأرض، كما لا يوجد آدم آخر جاء من السماء. وكل من يولد من آدم هو ابن الإنسان ولم يحصل على جسد سمائي من السماء هذا ما تؤكده الآناجيل، لأن متى يسجل في سلسلة الأنساب أنه ابن ابراهيم وابن داود حسب الجسد، أما لوقا فهو حسبه في سلسة الأنساب كابن آدم وابن الله.
لنتمسك بتعليم الانجيل:
وما دمنا تلاميذ الانجيل فلا يجب أن نتكلم بما هو ضد الانجيل أو بالكذب ضد الله، وانما نحتفظ بما جاء في الأسفار الالهية ونتمسك بما فيها من حقائق. فلماذا تحاربونا نحن الذين لا نقبل أن نسمع شيئا أو نقول شيئا ضد ما جاء في الأسفار بل نتمسك بما قاله الرب" اذا ثبتم في كلمتي تصيرون حقا احرارا" (يو8 : 31،32)
الشرح السليم للتجسد:
9-كيف لنا أن نحسبكم مؤمنيين أو مسيحيين وأنتم لا تتمسكون بكلمات الأسفار ولا تؤمنون بما تعلنه من حقائق، بل تغامرون بالكلام عما هو فوق الادراك وتحددونه حسب أهوائكم. وان كان من السهل عليكم أن تحاربوا انسانا، فكيف يمكنكم أن تحاربوا الله" (أش7 : 13)، وإذا كان الذين لم يصدقوا الأنبياء قد أدينوا، فكم بالحري تكون دينونة الذين لا يصدقون الرب نفسه؟ كيف تتجاسرون على التفكير والنطق بأمور مختلفة وأفكار غريبة عن تلك التي أعلنها وسر بها الرب نفسه والتي بها أباد الخطية والموت؟ إذا اعترفنا به، اعترف هو بنا، وإذا انكرناه، فهو سينكرنا، إذا لم نكن أمناء فهو يبقى أمينا لن يقدر أن ينكر نفسه (2تي2 : 12-مع مت10 : 32) فما معنى تهوركم وتطرفكم الذي يجعلكم تقولوا ما ليس في الأسفار وتفكرون فيما هو ضد العقيدة؟ لماذا تحاولون أن تجعلوا الجسد من ذات جوهر اللاهوت؟ ألا تدركون ان هذا كفر مزدوج؟ فانكم بهذا تسقطون في هذا الاثم المزدوج وهو اما أن تنكروا التجسد أو تجدفوا على جوهر الله .وهكذا حسب كلماتكم التي تقولونها" نحن نعترف بأن الذي ولد من العذراء مريم هو مساوي الآب في الجوهر". لكن هذه العبارة التي تعتبرونها دليلا على صحة الايمان والاحترام سوف نشرحها لكي يظهر لكم انكم لا تفهمون معناها، بل صار معناها حماقة بالنسبة لاستعمالكم. ان جميع المؤمنيين يعترفون بأن الله الكلمة الذي ولد وعاش بالجسد بيننا، قد ولد كانسان من العذراء القديسة مريم وأنه مساو للآب في الجوهر، وأنه تجسد وصار من نسل ابراهيم وبذلك صار ابنا لابراهيم. فالكلمة الذي من الله والذي هو مساو للآب في الجوهر،صار ابنا لابراهيم حسب الجسد. وهذا ما يعترف به الأنبياء والرسل والانجيليون فالمسيح حسب سلسلة الأنساب وحسب الجسد هو من نسل داود. فكيف لا تخجلون من الادعاء بأن الجسد الذي سجل في سلسلة الأنساب من نسل داود يصبح مساويا لجوهر الكلمة؟ ألستم كما ذكرت تستعملون هذه العبارة بلا مضمون بل وبحماقة أيضا، لأنكم لا تعتبرون أن الذي يتساوى جوهره مع جوهر آخر له ذات الطبيعة والصفات والكمال. وهذا ما يجعلنا نعترف بأن الابن مساو للآب في الجوهر، أي انه كامل مثل الآب في كل شيء()، وكذلك الروح القدس، لأن الثالوث له جوهر واحد، فكيف يمكنكم أن تنسبوا صفات وكمال اللاهوت إلى الجسد مدعين أنه مساو للكلمة في الجوهر وبذلك يضاف إلى كمال الكلمة، كمال آخر هو الناسوت، وحسب خيالكم لا يعود الله ثالوثا بل يصبح رابوعا، وهذا ايمان آخر غير الايمان الذي نبشر به. وهل بعد هذا يمكن أن يضاف شيء آخر إلى هذا الكفر؟
10-تقولون أن الجسد صار مساو في الجوهر للكلمة. أخبروني كيف حدث ذلك؟ تقولون "لقد صار الجسد الكلمة بل صار أيضا روحا" ولكن إذا كان الجسد ليس بالطبيعة لاهوتا ولا هو من جوهراللاهوت، فكيف يمكن أن يتحول إلى لاهوت؟ وإذا قلتم انه تحول فبأي وجه تختلفون عن الأريوسيين الذي قالوا نفس الكلام عن الكلمة، ثم ألا تقول الأسفار عكس ذلك، لأنها تقول" الكلمة صار جسدا" وليس" الجسد صار الكلمة"، وتقول الأسفار ذلك لأن" صار" تخص الجسد، وفعلا" صار" الجسد خاصا بالكلمة، وليس خاصا بانسان، فالله تأنس، ولذلك قيل انه" صار جسدا" حتى لا يخطيء أحد في فهم حقيقة التجسد، ويغفل اسم" الجسد".فاذا كنتم غير مستعدين لقبول هذا الاتحاد الطبيعي بين الكلمة والجسد الذي صار جسدا خاصا به وفيه حل، وإذا كنتم لا تقبلون الاعتراف الصريح بأن الله تأنس، فلم يعد امامكم الا أمرين: اما أنكم لا تؤمنون بما تسمعون وهو ما نسبح الله عليه كسر فائق الادراك، وأما أنكم لا تريدون عطية الدهر الآتي لأن ناسوت الله الكلمة هو الذي قيل عنه في كلمات الرسول" الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في25 : 31)وهو يعني بذلك ابن الله الذي صار ابن الإنسان، وصار بذلك ديان الأحياء والأموات والملك والاله الحق.
أنتم تريدون حذف كلمة" جسد"، أو أي اشارة إلى كلمة" انسان"، وتمنعون استخدامها للمسيح. فكيف يمكن لكم أن تستمروا في قراءة الأسفار الالهية، خصوصا ما يكتبه متى"كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود، ابن ابراهيم" (مت1 : 11). وما كتبه يوحنا" في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله" (يو1 : 1). فكيف تفهمون هذه الكلمات الواضحة" الكلمة" و" ابن داود". هل هي كلمات منفصلة ليس لها علاقة بذات الشخص؟ لو أنكم تتعلمون من الأسفار الالهية لعرفتم أن الكلمة الله، صار ابن الإنسان، ولعرفتم أن المسيح واحد، وهو نفسه ()الله والإنسان .وهكذا البشارة قائمة على دعامتين،ألوهية الكلمة وتجسده، وهذا ما يشرح ويفسر لنا الآلام، وأيضا عدم تألم الكلمة .ونرى ذلك في كلام الرسول بولس" الانسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع" و "الكائن على الكل الها مباركا إلى الأبد"(1تي2 : 5،6-رو9 : 5)، وكتب إلى تيموثاوس يقول أيضا" أذكر يسوع المسيح الذي من نسل داود والذي قام من بين الأموات" ونفس الرسول يقول" ونبشر بموته إلى أن يجيء" (2تي2 : 8-1كو11 : 26).
11-ان تعبير" المساوي في الجوهر" هو تعبير قوي، ياليتكم لا تحاولون افساد قوته بحذف الاشارة إلى" الجسد" او" الانسان" وتمنعون استخدام هذه الكلمات الهامة في الكلام عن المسيح .فأنتم بذلك تقدمون على أمرين:اما أنكم تمنعون أن تبشرون بموته إلى أن يجيء، وبهذا تبطلون ما تبشر به الأسفار أو أنكم تبشرون بموت" المساوي" للآب والروح القدس في الجوهر دون أن تعترفوا بأن المسيح " تألم في الجسد" (1بط4 : 1) وبهذا تجعلون اللاهوت هو الذي تألم. واذا تألم لاهوت الكلمة ()فقد تألم معه الآب والروح، بل لقد مات الآب والروح القدس أيضا. وهذا يجعلكم أكثر كفرا من جميع الهراطقة. أما عن الموت فقد كان موت جسد ذاك" المساوي في الجوهر" وليس موت اللاهوت، كما أن الآب والروح القدس لم يتجسدا حسب التعليم الفاسد الذي يتمسك به أتباع فالنتينوس، وانما التعليم الصحيح هو أن" الكلمة صار جسدا".
المسيح اله انسان دون أن ينقسم إلى اثنين:
وأيضا عندما نعترف بأن المسيح هو اله وانسان، لا نقول هذا بقصد تقسيمه إلى اثنين حاشا لله، وانما العكس، نحن نؤكد بتمام ما تعلنه الأسفار، لأن آلامه وموته التي حدثت هي التي "نبشر بها إلى أن يجيء ". ونحن نعترف بأن موته وقيامته قد حدثا في جسد الكلمة، وفي نفس الوقت نؤمن بأن الكلمة نفسه غير متألم ولا متحول .وانما هو الذي تألم دون أن يتألم، لأنه غير المتغير وغير المتألم كإله، ولكن "تألم في الجسد"(1بط4 : 1)، وأراد أن يذوق الموت لأنه صار "وسيطا بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح الذي قدم ذاته فدية عن كثيرين" (1تي2 : ). وأيضا لأنه صار وسيطا بين الله والإنسان "والآن الوسيط لا يكون وسيطا لواحد، ولكن الله واحد()"(غل3 : 20).
12-ومما سبق يظهر لنا خطأ كل الذين يقولون أن الابن الذي تألم هو آخر غير الابن الذي لم يتألم، الا انه لا يجد ابن آخر غير الابن الواحد وهو بذاته الكلمة الذي عبر الآلام والموت. فهو غير المتغير وغير المتجسد، الكلمة بذاته، قبل أن يولد في الجسد الانساني أراد أن يكمل كل الأشياء وأراد أن يكون له ذبيحة يقدمها (عب1-4). فالذي قيل أنه صار أعظم من الملائكة، ليس الكلمة خلق الملائكة، لئلا يظن أحد أنه عندما خلق الملائكة كان أقل من الملائكة، وانما الذي "صار"هو"صورة الجسد" التي أخذها الكلمة وجعلها صورته عندما ولد ميلادا طبيعيا من العذراء .هذه الصورة هي التي رفعها إلى مرتبة أعظم من مرتبة الميلاد البشري الآدمي الذي يخص آدم الأول، لأنه أتى بهذه الصورة إلى علاقة فائقة ووثيقة، حتى اننا بسبب ذلك قيل عنا نحن "مواطنون مع كل القديسين وأعضاء في بيت الله "(أف2 : 19).
معنى الكلمة صار جسدا:
بذلك صار الجسد هو جسد الاله، ليس كمساوي له في الجوهر، لأنه ليس أزليا مع الكلمة، وانما "صار "معه بالطبيعة جسده دون أن ينفصل عن اللاهوت بسبب قوة الاتحاد، وظل جسدا من نسل داود وابراهيم وآدم اللذين تناسلنا منهم جميعا ولو كان الجسد مساويا لجوهر الكلمة وأزليا معه لصار من المحتم عليكم أن تتقدموا خطوة أخرى على طريق ضلالكم وتتفق مع منطقكم وهي :أن تصبح كل الخلائق مساوية في الجوهر لله خالق كل الأشياء. وازاء هذا كيف يمكنكم أن تظلوا مسيحيين، إذا سقطتم هذه السقطة الشنيعة وربطتم بسلاسل هذا الضلال؟
أن المساوي في الجوهر له في الحقيقة ذات صفات الجوهر أي أنه غير متغير وغير قابل للموت، وهنا لا يجوز الكلام عن الاتحاد، مادام الناسوت مساويا في الجوهر لأقنوم الكلمة، بل لا يبقى مجال للاتحاد الأقنومي، حيث لا يصح الكلام عن اتحاد اثنين متساويين في الجوهر لأن اتحادهما هو في الواقع وحدة طيبعية .واذا وصلتم إلى هذه النتيجة فأنتم تقولون بوجود أقنومين في الابن().وهكذا أخترعتم ماتخيلتم انه مقدس ونافع ولكنه قادكم إلى احتمالين:اما انكم ستضطرون إلى انكار الجسد المولود من العذراء والدة الاله، واما انكم ستجدفون على الله لأن وحدة جوهر الآب والابن والروح القدس تجعل أي كلام عن آلام الجسد المساوي للثالوث في الجوهر هو اعتراف بأن الثالوث تألم، وبذلك أضفتم رابعا إلى الثالوث فأي نقد يمكنكم أن توجهوه بعد ذلك إلى الهراطقة وما هو اللوم الذي يمكن أن توجهوه لنا نحن الذين نؤمن بالثالوث. هكذا رغم عنكم قادكم المنطق السقيم، وأصبحتم تؤمنون برابع مع الثالوث، عندما جعلتم الجسد مساويا للكلمة في الجوهر. وهكذا أيضا صار ايمانكم باطلا، لانكم صرتم تفكرون مثل الأريوسيين وسقطتم في ضلالهم ولم تفهموا معنى الكلمات "الكلمة صار جسدا ".والآن علينا أن نشرح ما هو معنى الكلمات "الكلمة صار جسدا "؟ انه لا يعني أن الكلمة ان لم يعد الكلمة، وانما يعني أن الكلمة هو دائما الكلمة حتى عندما أتخذ لذاته جسدا وفيه قبل الآلام والموت أي في الصورة البشرية، وبها ذهبت إلى ابعد الأماكن أي القبر والجحيم، وبذلك صار الكلمة الاله سببا لقيامة الأموت، وأعلن بذلك أن له لحما وعظاما ونفسا، باعلان جسده الذي لم ينفصل عنه والذي أخذه كما هو مكتوب "من نسل داود".فاذا لم تؤمنوا بذلك فأي فرق بينكم وبين مرقيان؟ ألم يقل مرقيان بأن جسد الكلمة ظهر ونزل من السماء في شكل انساني، وانه لم يكن جسدا حقيقا؟ وماذا قال ماني؟ ألم يقل أن الجسد لم يكن جسدا بشريا بل له صورة الهية وان ملامحه كانت فقط انسانية ولكنه لم يكن جسدا بشريا بل غريبا عن الطبيعة الانسانية تماما؟ لقد أخترع هؤلاء كل هذه التصورات، لأنهم يعتقدون أن مصدر الخطية هو الجسد وليس الانحراف الذي أصاب الارادة لقد أحدر هؤلاء إلى هذا الكفر فهل أنحدرتم أنتم أيضا إلى هذا الدرج الأسفل.
13-ان التقوى الحقيقية تمنع من المغامرة والخوض في هذه الاختراعات، بل هي بذاتها تجعل كل تقي يعترف استقامة(أرثوذكسية)بأن الكلمة الكائن قبل كل الدهور، والمساوي للآب في الجوهر، جاء في الأيام الأخيرة وتجسد من والدة الاله العذراء مريم، لكي يجدد ما خلق وصور في آدم الأول، أي الطبيعة التي فينا، والتي جعلها له بالاتحاد. وهكذا الاله الكائن قبل كل الدهور ظهر كانسان ودعى المسيح. هذا وحده يجعلنا نحن "أعضاء المسيح"وكما هو مكتوب"نحن من لحمه ومن عظامه"(أف5 : 30). فما معنى الاختراعات والخيالات السابقة؟ هل أنتم تستعملون الحكمة الانسانية محاولين الوصول إلى صياغات لأمور تقع خارج مجال قدرات الفكر الانساني؟ ما معنى كلامكم"بدلا من الإنسان الداخلي الذي ينتمي الينا، وجد في المسيح عقل سمائي "يا للفكر الدنس!!. وما أضعف هذه الكلمات الفارغة من المضمون والصادرة عن بشر لا يفهمون أساسات الايمان.
اسم "المسيح "يعني اللاهوت والناسوت معا:
فالحقيقة الأولى من هذه الأساسات هي أن نعرف أن نعبر عن المسيح بأكثر من أسلوب، اذ لا يجد أسلوب واحد فقط، بل أن اسم "المسيح"يعلن حقيقتين، اللاهوت والناسوت. وهكذا يدعى المسيح"انسانا"وهو ذاته يدعى الله، وأحيانا يسمى الاله المتأنس، ورغم كل هذه الكلمات المختلفة، هو المسيح الواحد. باطلة إذا هذه السفسطة التي تقودكم إلى شيء آخر غير المسيح. وحتى الذين دعوا"مسحاء"فان المعنى الكامل للاسم لا يخصهم وانما معناه الجزئي فقط، لأن هؤلاء لا يمكن أن نصفهم أو أن نعتقد أنهم مثل المسيح الحق، والمتهاورون فقط هم الذين يتجاسرون على أن يخضعوا المسيح للمنطق الانساني المحدود القائم على التحليل والدراسة. أن ما ذكرتموه وأخبرتمونا به لم يخبر به نبي ولا رسول ولا انجيلي من الانجيليين .هذه أمور يجب أن يخجل المرء من التفكير فيها، فهل صرتم تخجلون من التفكير فيها؟
لو كان المسيح آخر غير "العقل السمائي" الذي جاء وسكن فيه، و"العقل السمائي" كامل، فحسب كلامكم أنتم يصبح المسيح في اثنان كاملان، وبذلك تعتقدون بما تحاولون هدمه ().اما العقل السمائي فان الأنبياء نالوه، لأنهم تكلموا عن أمور سمائية وأمور مستقبلة كـأنها حاضرة امامهم.ولماذا تفترضون أنتم أن "الانسان الداخلي" غير موجود في المسيح؟ وماذا تقولون عن النفس الانسانية"؟أليست النفس هي حياة الجسد مثل الدم بالنسبة للحم؟ فهل ستقولون بالعكس، بأن النفس والجسد هما " الإنسان الخارجي "؟ وما دمنا نلمس اللحم والعظام، فهل سنلمس النفس أيضا مادامت قد صارت منظورة، وبالتالي يصبح من الممكن ذبحها وقتلها، مع أن ربنا قال :ان النفس لا يمكن
أن تقتل (مت10 : 28) فعليكم أن تعتقدوا بان النفس هي الإنسان الداخلي، حسبما نرى في الخلق الأول ومن تأمل الانحلال الذي حدث بعد السقوط. هذا نراه فقط ليس من تأمل موتنا نحن، وانما نراه أيضا في موت المسيح نفسه عندما وضع الجسد في القبر، وذهبت النفس إلى الجحيم. وما أعظم الفرق بين القبر والجحيم، فقد رقد الجسد المحسوس في القبر، أما هو فقد كان غير المحسوس في الجحيم.
عمل نفس المسيح الانسانية في الجحيم:
14-فكيف حسب الرب في عداد الموتى وهو في الجحيم؟ انه لم يذهب إلى الجحيم بجسده بل ذهب إلى الجحيم لكي يبشر النفوس التي كانت في سلاسل العبودية، وذهب وبشر بصورة انسانيته ()التي لم تخضع لسلطان الموت، بل غلبت الموت ودحرته، وهكذا كان حاضرا مع الموتى لكي يصور أساس القيامة ويحطم السلاسل التي كانت تربط النفوس الأسيرة في الجحيم. وهكذا أعلن أنه خالق الإنسان ومصوره، والذي حكم على الإنسان بالموت، جاء وبحضوره في الصورة الانسانية ()، وبارادته وحده حرر الإنسان من حكم الموت، لأن الموت لم يستطع ان يقوى على نفس المسيح الانسانية التي اتحدت باللوغوس، بل عجز الموت عن أن يستعبدها، ولا استطاع الفساد أن يذلها أو يأسرها .ومع أن الموت فصل النفس عن الجسد، الا أن الفساد لم يتجاسر على أن يقترب من أيهما لأن كل الذي حدث، انما كان تحت السيطرة الالهية وعنايتها .وأي فكر آخر ذلك هو ضلال
Click this bar to view the full image. |