المتعرية والمتخفية !

بقلم نيوتن - المصرى اليوم

أخطر ما فى التطرف أن من يتطرف لا يرى نفسه متطرفاً.

تعرَّت (علياء) وسوَّقت بين الناس أنها (حق).

وتخفت (نسمة) وروج رجال من حولها أنها (حق).

الأولى تقول إنها ليبرالية حرة لا سقف لما تتحرر به.

والثانية تقول إنها متقية تصون حريتها بأن تضع عليها سقفاً فوق آخر!

الصورة فى الحالتين كانت البطل . هذه كشفت كل شىء، وتلك أخفت كل شىء.

(علياء) واجهت العدسة من غير ملبس.

(نسمة) لم تذهب إلى العدسة أصلاً.

المتعرية تقول إنها ثائرة من ميدان التحرير.

المتخفية قال السلفيون إنها منهم ومرشحتهم فى انتخابات مجلس الشعب.

للذين لم يتابعوا المأساة فى وجهيها:

(علياء) طالبة فى كلية الإعلام نشرت صورها بنفسها قبل أيام على الإنترنت عارية من غير أى شىء .. مطالبة بأقصى حرية لكل مصرية .

و(نسمة) هى المرشحة الأخيرة فى نهاية قائمة سلفية بمحافظة الدقهلية .. لم يشأ من رشحوها إلا أن يضعوا مكان صورتها وردة .

صورة (علياء) على مدونتها هى نداء على المجتمع: انتبهوا لى.

لصورة (نسمة) فى منشورات الانتخابات نداء آخر تقول صاحبته: أنا موجودة.

هذه تنادى بالصراخ وتلك تنادى بالصمت .. ولكن المجتمع لا يجيب، وإنما يتعجب ويسخر ويندد ولا يفهم مضمون النداء فى كل حالة.

فى الصورتين: مزيج السياسة والدين..

اصطدام علنى بمنظومة الأخلاق، تأكيد على أن جسد المرأة هو موضوع لم يجد حسماً بعد فى المجتمع. ويا له من عصر هذا الذى لم يزل مرتبكاً ولا يعرف كيف يحترم جسد الأنثى.. فلا يبتذله ولا يدفنه!

كلتاهما على غير حق: المتعرية والمتخفية . كلتاهما تتعاملان مع جسد المرأة على أنه (شىء)، على أنه رقم، على أنه يجب أن يكون حاضراً أثناء النقاش . كلتاهما توجهان إهانة أيديولوجية للجسد: تلك التى تظن أنها بلغت ذرى المجد بالتعرى .. والتى تعتقد أنها بلغت قمة التقوى بالتخفى .

تناقضان متطرفان تجسدا فى مصر خلال الأيام الأخيرة، عبرا عن (مصر المتخبطة) التى ضلت السبيل إلى أهم ما تملك: (وسطيتها).. ما بين المرأة المسجونة والمرأة المرهونة . كلتاهما أسيرتان، ليس لدى أى منهما أى قدرة على ممارسة الحرية، وإن ادعت المتعرية عكس ذلك. هذه أسيرة الفكرة المتطرفة وتلك حبيسة القناعة المتطرفة.

الصورة، المفضوحة أو الممسوحة، تمثل اهتراءً فى النسق الأخلاقى الذى يتفاعل به المجتمع. كيف ببلد سبق العالم إلى معايير التحضر وترسية الأخلاق أن يكون مطروحاً عليه حتى الآن: ما الصحيح فى السلوك؟ ما الذى يجب أن تكون عليه الأمور؟ أليس هذا أمراً بائساً ومحبطاً؟

ليست هناك مسافة بعيدة بين الاثنتين.

وإن كانت هذه قد بلغت منتهى الكشف وتلك وصلت منتهى الخسف. المسافة بينهما صفر.

هذه تصدم المجتمع بما خلعته عن جسدها، تؤلمه .. وتلك ترطمه بما أثقلت به جسمها، توجعه.

هذان نداءان يقولان: أنا هنا، المرأة هنا، وإن حضرت بالسفور وإن غابت بالخفور.

لا أؤيد هذه. ولا أساند تلك. نموذجان مرفوضان بالنسبة لى، ضد وسطية بلدى. وإن اعتبر فريق أن هذا من حق المتعرية وإن اعتبر فريق ثان أن ذاك ورع المتخفية. أنا أدعم كل ما هو وسطى، أرفض التطرف، الحل المعتدل هو السبيل الذى يلتقى عليه الناس..فطرة البشر. (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً).

لا مصر سوف تتعرى، ولا هى سوف تنتقب.

لكن الجدل الثائر يعنى أننا لم نحسم الأمور بعد فى داخلنا. إننا لم نستوعب تاريخنا، إننا لم نستلهم ثقافتنا، إن عقولنا مهتزة تعيش ضباباً.. تتخبط فى الطريق كما لو أنها تبدأ الحياة من أول السطر. مصر لم تولد بالأمس أو منذ أشهر.. لكن هذه الأجيال لم تتعلم، ظلمتها عصور أهانت التعليم وازدرت الثقافة وأهملت الفكر.. فلم تحصن الناس ضد الأنواء.

حضارتنا عريقة، لكننا ننساها، ليست متجذرة فينا، ننسى أن النساء ناضلن عقوداً، وقطعن أميالاً، وعبرن عصوراً. ولأننا ننسى فقد تقرر أن تفيقنا (علياء) و(نسمة).. كل على طريقتها. هذه بالتعرى، وتلك بالاختفاء.
منقوووووووووول