الصوتُ مقابل اللحم!
بقلم فاطمة ناعوت - المصرى اليوم
اليومَ، عزيزى المواطنُ المصرىُّ! اِعلمْ أنَّ مَن يشترى صوتَك بزجاجة زيت أو بمائة جنيه وكيلو لحم، سوف يحرص كلَّ الحرص، بعدما يدخل البرلمان، على أن تظلَّ فقيرًا مُعوزًا، لكى يكون بوسعه أن يشترى صوتك مرّةً بعد مرّة، فى الدورة القادمة والتى تتلوها.
بديهةٌ لا شكَّ فيها. طوال الوقت، منذ عقود، أسألُ نفسى: لماذا يتناحر الناسُ لكى ينالوا مقعدًا فى البرلمان؟!
لماذا يتهافت الناسُ على التعب ووجع القلب؟ أحبُّ أن أعيد الأمورَ إلى صورتها المجرّدة الأولى كى أستوعبها. أقشّرُ عنها التراكمات والخبرات التى قد تشوّه معناها الأولىَّ. فمثلا، رجلُ الأمن فى ذهنى، هو الشخص المسؤول عن أمنى وأمن كل مواطن آخر: حمايته من اللصوص والسفّاحين والإرهابيين والخارجين عن القانون. لذلك لا أفهم أبدًا أن يأتى يومٌ يخشى فيه المواطنُ فردَ الأمن! المفروض أن «يأمَن» حين يراه!
بالمنطق نفسه لا أفهمُ أن يدفعَ مُرشّحٌ برلمانىّ مالاً ضخمًا، بل يتعارك ويقاتل لكى يصل إلى مقعد، المفروض أنه سيقدّم من خلاله خدمات للمواطنين!
هل يُقاتل الإنسانُ من أجل أن ينالَ إنسانٌ آخر مغانمَ ومكاسب وحقوقًا؟ لو أرجعنا الأمور إلى أصولها وجرّدناها من المعرفة والخبرات، سوف نقول إن المواطنين هم الذين يجب أن يتعاركوا من أجل أن ينال هذا المرشّحُ الشريف، أو ذاك، مقعدًا فى البرلمان، لأنه سيجلب لهم المصالح، وسيكون صوتهم الجسور أمام الحكومة! لكن المعرفة والخبرات تعلّمنا شيئًا آخر. للأسف.
أن المرشحين يَعِدون الناخبين بالرغد والنعيم والغد المشرق، ثم لا يلبثون أن ينسوا وعودَهم بمجرد الاسترخاء على كرسى البرلمان! ينسون الفقراء فى فقرهم، والمرضى فى مرضهم، والمُجهّلين فى تجهيلهم الذى بفعل فاعل، وينسون المظلومين فى قبضة ظالميهم!
زمان، سألتُ أمى: «لماذا يتصارعون على مناصبَ المفروض أنها سوف تُشقيهم لأن مشاكل الفقر والمرض والأميّة فى مصر لا حصر لها؟ المرفوض أن «يتحايل» الناسُ على المرشّح لكى يقبل أن يقتصَّ من وقته وجهده وأعصابه حتى يحلَّ مشاكلَ الناس. صح؟»، ابتسمت أمى ولم تتكلم. أعرفُ تلك الابتسامة. ترمينى بها أمى كلما أرادت أن تقول: «إنتى مش فاهمة حاجة؛ الناس فى الحياة، غير الناس الذين تقرئينهم فى الكتب».
أحببتُ أن أؤكد فكرتى وأبين لأمى أننى «فاهمة كل حاجة عكس ما هى فاكرة»، فقلتُ لها: «المفروض أن يُشطَب كلُّ من ينفق مبالغَ طائلة فى الدعايا الانتخابية. لأن الأموال التى ينفقها دليلٌ أكيد على أنه ينتوى أن يجلس على الكرسى لكى يثرى ويستردَّ أضعافَ ما أنفق. فمتى وكيف يأتى بحقوق الفقراء؟!» هنا ابتسمت أمى الابتسامة الأخرى التى أحبّها. تلك التى تقول: «برافو. بدأتِ تفهمين الحياة».
لماذا يُنذروننا فى وسائل الإعلام بدماء فى «المعركة» الانتخابية؟ لماذا هى معركة من الأساس؟! ولماذا تُراقُ فيها دماء؟! عجبًا! المفروض أن «فردًا» شريفًا ما، «يتطوّع» من أجل «الجمع». يُضحّى بوقته وفكره وجهده من أجل صالح الناس واسترداد حقوقهم. فهل «يُقاتِل» شخصٌ لكى يشقى؟! لا يفعلُ هذا إلا نبىٌّ. فهل المرشّحون المقاتلون من أجل الكراسى أنبياء؟! ربما.
ولكن ما القول فيمَن يُنفقون المالَ هائلَه، لكى يحصدوا أصواتَ الناس بسيف الفقر والحاجة والعوَز؟! مَن يقفون بسيارات نقل ليُلقوا بأكياس اللحم للفقراءَ الجوعى، بعدما يجمعون صور بطاقاتهم الشخصية لكى تعيد استخدامَها منتقباتٌ يضعن قفازات لإخفاء الحبر الفوسفورىّ، كما أخبرنا د. خالد منتصر فى مقاله. يغتصبون أصوات الفقراء مقابل ما يقيم أود أطفالهم؟! من الحتمىّ، إذن، أن يعملوا على أن يظلَّ الفقيرُ فقيرًا كى يبيع صوتَه دائمًا. بكم كيلو لحمٍ تبيع صوتَك، أيها المصرىّ؟
منقوووول
بقلم فاطمة ناعوت - المصرى اليوم
اليومَ، عزيزى المواطنُ المصرىُّ! اِعلمْ أنَّ مَن يشترى صوتَك بزجاجة زيت أو بمائة جنيه وكيلو لحم، سوف يحرص كلَّ الحرص، بعدما يدخل البرلمان، على أن تظلَّ فقيرًا مُعوزًا، لكى يكون بوسعه أن يشترى صوتك مرّةً بعد مرّة، فى الدورة القادمة والتى تتلوها.
بديهةٌ لا شكَّ فيها. طوال الوقت، منذ عقود، أسألُ نفسى: لماذا يتناحر الناسُ لكى ينالوا مقعدًا فى البرلمان؟!
لماذا يتهافت الناسُ على التعب ووجع القلب؟ أحبُّ أن أعيد الأمورَ إلى صورتها المجرّدة الأولى كى أستوعبها. أقشّرُ عنها التراكمات والخبرات التى قد تشوّه معناها الأولىَّ. فمثلا، رجلُ الأمن فى ذهنى، هو الشخص المسؤول عن أمنى وأمن كل مواطن آخر: حمايته من اللصوص والسفّاحين والإرهابيين والخارجين عن القانون. لذلك لا أفهم أبدًا أن يأتى يومٌ يخشى فيه المواطنُ فردَ الأمن! المفروض أن «يأمَن» حين يراه!
بالمنطق نفسه لا أفهمُ أن يدفعَ مُرشّحٌ برلمانىّ مالاً ضخمًا، بل يتعارك ويقاتل لكى يصل إلى مقعد، المفروض أنه سيقدّم من خلاله خدمات للمواطنين!
هل يُقاتل الإنسانُ من أجل أن ينالَ إنسانٌ آخر مغانمَ ومكاسب وحقوقًا؟ لو أرجعنا الأمور إلى أصولها وجرّدناها من المعرفة والخبرات، سوف نقول إن المواطنين هم الذين يجب أن يتعاركوا من أجل أن ينال هذا المرشّحُ الشريف، أو ذاك، مقعدًا فى البرلمان، لأنه سيجلب لهم المصالح، وسيكون صوتهم الجسور أمام الحكومة! لكن المعرفة والخبرات تعلّمنا شيئًا آخر. للأسف.
أن المرشحين يَعِدون الناخبين بالرغد والنعيم والغد المشرق، ثم لا يلبثون أن ينسوا وعودَهم بمجرد الاسترخاء على كرسى البرلمان! ينسون الفقراء فى فقرهم، والمرضى فى مرضهم، والمُجهّلين فى تجهيلهم الذى بفعل فاعل، وينسون المظلومين فى قبضة ظالميهم!
زمان، سألتُ أمى: «لماذا يتصارعون على مناصبَ المفروض أنها سوف تُشقيهم لأن مشاكل الفقر والمرض والأميّة فى مصر لا حصر لها؟ المرفوض أن «يتحايل» الناسُ على المرشّح لكى يقبل أن يقتصَّ من وقته وجهده وأعصابه حتى يحلَّ مشاكلَ الناس. صح؟»، ابتسمت أمى ولم تتكلم. أعرفُ تلك الابتسامة. ترمينى بها أمى كلما أرادت أن تقول: «إنتى مش فاهمة حاجة؛ الناس فى الحياة، غير الناس الذين تقرئينهم فى الكتب».
أحببتُ أن أؤكد فكرتى وأبين لأمى أننى «فاهمة كل حاجة عكس ما هى فاكرة»، فقلتُ لها: «المفروض أن يُشطَب كلُّ من ينفق مبالغَ طائلة فى الدعايا الانتخابية. لأن الأموال التى ينفقها دليلٌ أكيد على أنه ينتوى أن يجلس على الكرسى لكى يثرى ويستردَّ أضعافَ ما أنفق. فمتى وكيف يأتى بحقوق الفقراء؟!» هنا ابتسمت أمى الابتسامة الأخرى التى أحبّها. تلك التى تقول: «برافو. بدأتِ تفهمين الحياة».
لماذا يُنذروننا فى وسائل الإعلام بدماء فى «المعركة» الانتخابية؟ لماذا هى معركة من الأساس؟! ولماذا تُراقُ فيها دماء؟! عجبًا! المفروض أن «فردًا» شريفًا ما، «يتطوّع» من أجل «الجمع». يُضحّى بوقته وفكره وجهده من أجل صالح الناس واسترداد حقوقهم. فهل «يُقاتِل» شخصٌ لكى يشقى؟! لا يفعلُ هذا إلا نبىٌّ. فهل المرشّحون المقاتلون من أجل الكراسى أنبياء؟! ربما.
ولكن ما القول فيمَن يُنفقون المالَ هائلَه، لكى يحصدوا أصواتَ الناس بسيف الفقر والحاجة والعوَز؟! مَن يقفون بسيارات نقل ليُلقوا بأكياس اللحم للفقراءَ الجوعى، بعدما يجمعون صور بطاقاتهم الشخصية لكى تعيد استخدامَها منتقباتٌ يضعن قفازات لإخفاء الحبر الفوسفورىّ، كما أخبرنا د. خالد منتصر فى مقاله. يغتصبون أصوات الفقراء مقابل ما يقيم أود أطفالهم؟! من الحتمىّ، إذن، أن يعملوا على أن يظلَّ الفقيرُ فقيرًا كى يبيع صوتَه دائمًا. بكم كيلو لحمٍ تبيع صوتَك، أيها المصرىّ؟
منقوووول