«القرعة» فى بورتو طرة و«أم الشعور» فى المقطم
بقلم صلاح عيسى - المصرى اليوم
ربما كان من السابق لأوانه الآن الجزم بالنتائج النهائية التى تسفر عنها انتخابات مجلس الشعب، التى جرت مرحلتها الأولى الأسبوع الماضى، ففضلاً عن أن نتائج هذه المرحلة لاتزال تنتظر جولة الإعادة على المقاعد الفردية، وتنتظر الحساب الدقيق لعدد المقاعد التى حصلت عليها كل قائمة حزبية، فإن التركيب النهائى لمجلس الشعب لن يتحدد إلا بعد إجراء الجولتين الثانية والثالثة من الانتخابات على ٣٣٠ مقعدا من مقاعد المجلس تشكل ثلثى عدد أعضائه.
ومع أن المؤشرات الأولية لنتائج المرحلة الأولى التى جرت على ١٦٨ مقعداً، تشكل ثلث عدد مقاعد مجلس الشعب، كشفت عن تقدم حزبين دينيين هما «الحرية والعدالة» - الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب «النور السلفى»، مع وجود مسافة ملحوظة، بينهما لحساب الأول، ومسافة ليست قليلة بينهما معاً، وبين أول حزب مدنى يتلوهما وهو «الكتلة المصرية»، إلا أنه من الصعب الجزم بأن الجولتين التاليتين من الانتخابات سوف تحتفظان بالمسافات بين كل الأطراف كما هى.. إذ من الوارد أن يدفع تقدم حزبين دينيين - بهذا الفارق الملحوظ بينهما وبين الأحزاب المدنية - الناخبين إلى محاولة تصحيح المعادلة.. بالاندفاع نحو التصويت للأحزاب المدنية، وفى مقدمتها «الكتلة المصرية» و«الوفد»، فتسفر النتائج النهائية عن تركيبة متوازنة، لأول مجلس نيابى بعد الثورة.
وقد يحدث العكس، فتدفع مؤشرات التقدم الذى حققته الأحزاب الدينية جموع الناخبين إلى الاندفاع فى شراع التصويت لهم فى المرحلتين الثانية والثالثة من باب المراهنة على الجواد الفائز، أو اليأس من مقاومة التيار الجارف، فيحصلون على «الأغلبية» وليس مجرد «الأكثرية».. وهناك فارق كبير بينهما - لتسفر النتائج النهائية للانتخابات عن تركيب مختل وغير متوازن، يقوم على نفس قاعدة «الأغلبية الكاسحة.. والأقلية الكسيحة»، التى قامت عليها المجالس النيابية خلال الأعوام الثلاثين الماضية، ونعود إلى «صيغة الحزب الواحد فى قالب تعددى»، التى انتهت بتأسيس وترسيخ دولة الاستبداد والفساد.. و«كأنك يا أبوزيد ما غزيت.. ويا ميدان التحرير ما ثرت».
وعلى عكس كثيرين فإن المؤشرات التى أسفرت عنها نتيجة المرحلة الأولى من الانتخابات لم تفاجئنى، ولن تدهشنى إذا أسفرت النتائج النهائية لمراحلها عن أغلبية كاسحة للأحزاب الدينية، بسبب عدم تنبه الناخبين فى المرحلتين الثانية والثالثة منها إلى أن مستقبل الوطن ووحدته وتقدمه واستقراره رهينة بأن تسفر هذه الانتخابات عن تركيب متوازن لمجلس الشعب، يؤسس لمشتركات وطنية تقوم استناداً إليها دولة مدنية عصرية.. إذ كان ذلك بعض ما قلته، ونبهت إليه، خلال الأعوام العشرين الماضية، وهو النتيجة المنطقية التى أسفر عنها أسلوب الحكم الذى شاع فى الوطن العربى، بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية، وأسس دولة الاستبداد الوطنى، لتكون دولة معصومة، لا يجوز لأحد من رعاياها أن ينقدها أو يختلف معها.. وإلا كان خائناً فكان طبيعياً أن تسفر هذه الدولة المعصومة عن معارضة معصومة مثلها، لا تجيز لأحد أن يعارضها أو ينقدها.. وإلا كان كافراً.
أما المؤكد - أولاً - فهو أن «الإخوان المسلمين» الذين حلف قادتهم على المصحف الشريف، بعد انتصار ثورة ٢٥ يناير، مباشرة بأنهم لن يخوضوا الانتخابات البرلمانية إلا على ٣٠٪ من مقاعد مجلس الشعب، قد حنثوا بيمينهم حين خاضوا الانتخابات على كل المقاعد، وهو ما يفرض عليهم أن يكّفروا عن ذلك بإطعام ثلاثين مسكيناً من أعضاء الأحزاب الصغيرة التى تحالفت معهم فى قوائم التحالف الديمقراطى، بواقع مقعد لكل مسكين منهم.
والمؤكد ثانياً هو أنهم أخطأوا خطأ سياسياً فاحشاً، حين غيروا تكتيكهم السياسى، فى أقل من ثمانية شهور بعد انتصار الثورة، فانتقلوا فى قفزة واحدة، من مرحلة «المشاركة» التى تفرض عليهم، أن يكونوا شركاء مع آخرين، إلى مرحلة «المغالبة» التى يسودون فيها الجميع، حتى إنهم بدأوا يطالبون - منذ الآن وقبل أن تعلن النتائج الرسمية للمرحلة الأولى - بحقهم فى تشكيل الحكومة.. فأثاروا بذلك الشكوك فى نواياهم لدى الجميع، خاصة لدى الرومانتيكيين من ثوار ٢٥ يناير الذين ملأوا الدنيا حديثاً عن أن الخطر الإخوانى كان مجرد «فزاعة» اصطنعها النظام السابق ليرسخ استبداده، وهى شكوك قد تؤثر فى موقف الناخبين منهم فى المرحلتين الثانية والثالثة.
أما المؤكد ثالثاً فهو أن القفز مرة واحدة من مرحلة المشاركة إلى مرحلة المغالبة، سيعيدنا إلى موازنة الأغلبية الكاسحة والمعارضة الكسيحة، وهى قاعدة ينطبق عليها المثل الشعبى: اللى خدته القرعة فى «بورتو طرة» تاخذه أم الشعور فى المقطم!
منقووول
بقلم صلاح عيسى - المصرى اليوم
ربما كان من السابق لأوانه الآن الجزم بالنتائج النهائية التى تسفر عنها انتخابات مجلس الشعب، التى جرت مرحلتها الأولى الأسبوع الماضى، ففضلاً عن أن نتائج هذه المرحلة لاتزال تنتظر جولة الإعادة على المقاعد الفردية، وتنتظر الحساب الدقيق لعدد المقاعد التى حصلت عليها كل قائمة حزبية، فإن التركيب النهائى لمجلس الشعب لن يتحدد إلا بعد إجراء الجولتين الثانية والثالثة من الانتخابات على ٣٣٠ مقعدا من مقاعد المجلس تشكل ثلثى عدد أعضائه.
ومع أن المؤشرات الأولية لنتائج المرحلة الأولى التى جرت على ١٦٨ مقعداً، تشكل ثلث عدد مقاعد مجلس الشعب، كشفت عن تقدم حزبين دينيين هما «الحرية والعدالة» - الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب «النور السلفى»، مع وجود مسافة ملحوظة، بينهما لحساب الأول، ومسافة ليست قليلة بينهما معاً، وبين أول حزب مدنى يتلوهما وهو «الكتلة المصرية»، إلا أنه من الصعب الجزم بأن الجولتين التاليتين من الانتخابات سوف تحتفظان بالمسافات بين كل الأطراف كما هى.. إذ من الوارد أن يدفع تقدم حزبين دينيين - بهذا الفارق الملحوظ بينهما وبين الأحزاب المدنية - الناخبين إلى محاولة تصحيح المعادلة.. بالاندفاع نحو التصويت للأحزاب المدنية، وفى مقدمتها «الكتلة المصرية» و«الوفد»، فتسفر النتائج النهائية عن تركيبة متوازنة، لأول مجلس نيابى بعد الثورة.
وقد يحدث العكس، فتدفع مؤشرات التقدم الذى حققته الأحزاب الدينية جموع الناخبين إلى الاندفاع فى شراع التصويت لهم فى المرحلتين الثانية والثالثة من باب المراهنة على الجواد الفائز، أو اليأس من مقاومة التيار الجارف، فيحصلون على «الأغلبية» وليس مجرد «الأكثرية».. وهناك فارق كبير بينهما - لتسفر النتائج النهائية للانتخابات عن تركيب مختل وغير متوازن، يقوم على نفس قاعدة «الأغلبية الكاسحة.. والأقلية الكسيحة»، التى قامت عليها المجالس النيابية خلال الأعوام الثلاثين الماضية، ونعود إلى «صيغة الحزب الواحد فى قالب تعددى»، التى انتهت بتأسيس وترسيخ دولة الاستبداد والفساد.. و«كأنك يا أبوزيد ما غزيت.. ويا ميدان التحرير ما ثرت».
وعلى عكس كثيرين فإن المؤشرات التى أسفرت عنها نتيجة المرحلة الأولى من الانتخابات لم تفاجئنى، ولن تدهشنى إذا أسفرت النتائج النهائية لمراحلها عن أغلبية كاسحة للأحزاب الدينية، بسبب عدم تنبه الناخبين فى المرحلتين الثانية والثالثة منها إلى أن مستقبل الوطن ووحدته وتقدمه واستقراره رهينة بأن تسفر هذه الانتخابات عن تركيب متوازن لمجلس الشعب، يؤسس لمشتركات وطنية تقوم استناداً إليها دولة مدنية عصرية.. إذ كان ذلك بعض ما قلته، ونبهت إليه، خلال الأعوام العشرين الماضية، وهو النتيجة المنطقية التى أسفر عنها أسلوب الحكم الذى شاع فى الوطن العربى، بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية، وأسس دولة الاستبداد الوطنى، لتكون دولة معصومة، لا يجوز لأحد من رعاياها أن ينقدها أو يختلف معها.. وإلا كان خائناً فكان طبيعياً أن تسفر هذه الدولة المعصومة عن معارضة معصومة مثلها، لا تجيز لأحد أن يعارضها أو ينقدها.. وإلا كان كافراً.
أما المؤكد - أولاً - فهو أن «الإخوان المسلمين» الذين حلف قادتهم على المصحف الشريف، بعد انتصار ثورة ٢٥ يناير، مباشرة بأنهم لن يخوضوا الانتخابات البرلمانية إلا على ٣٠٪ من مقاعد مجلس الشعب، قد حنثوا بيمينهم حين خاضوا الانتخابات على كل المقاعد، وهو ما يفرض عليهم أن يكّفروا عن ذلك بإطعام ثلاثين مسكيناً من أعضاء الأحزاب الصغيرة التى تحالفت معهم فى قوائم التحالف الديمقراطى، بواقع مقعد لكل مسكين منهم.
والمؤكد ثانياً هو أنهم أخطأوا خطأ سياسياً فاحشاً، حين غيروا تكتيكهم السياسى، فى أقل من ثمانية شهور بعد انتصار الثورة، فانتقلوا فى قفزة واحدة، من مرحلة «المشاركة» التى تفرض عليهم، أن يكونوا شركاء مع آخرين، إلى مرحلة «المغالبة» التى يسودون فيها الجميع، حتى إنهم بدأوا يطالبون - منذ الآن وقبل أن تعلن النتائج الرسمية للمرحلة الأولى - بحقهم فى تشكيل الحكومة.. فأثاروا بذلك الشكوك فى نواياهم لدى الجميع، خاصة لدى الرومانتيكيين من ثوار ٢٥ يناير الذين ملأوا الدنيا حديثاً عن أن الخطر الإخوانى كان مجرد «فزاعة» اصطنعها النظام السابق ليرسخ استبداده، وهى شكوك قد تؤثر فى موقف الناخبين منهم فى المرحلتين الثانية والثالثة.
أما المؤكد ثالثاً فهو أن القفز مرة واحدة من مرحلة المشاركة إلى مرحلة المغالبة، سيعيدنا إلى موازنة الأغلبية الكاسحة والمعارضة الكسيحة، وهى قاعدة ينطبق عليها المثل الشعبى: اللى خدته القرعة فى «بورتو طرة» تاخذه أم الشعور فى المقطم!
منقووول