ملعون أبوالديمقراطية..!!

بقلم سليمان الحكيم - المصرى اليوم

عمت مظاهرة الفرح وطغت مشاعر الارتياح لدينا جميعا لهذه الحشود المكدسة أمام صناديق الانتخاب، معتبرين ذلك مظهراً حضارياً يبديه الشعب المصرى فى سابقة غير مألوفة، دون أن نبحث فيما يخبئه لنا هذا« المشهد الحضارى»، من تداعيات لا تمت إلى الحضارة بشىء!

لم يسأل أحدنا نفسه: هل من الحضارة ومظاهرها، مثلاً، أن نمنع تولى الأقباط الوظائف العامة، بدعوى أنه لن ترضى عنا اليهود ولا ال***** حتى نتبع ملتهم، وأن من يتولاهم منا فإنه منهم، كما قال ويؤمن فريق كبير من السلفيين والإخوان، أم نقربهم منا ونتقرب منهم، باعتبارهم الأقرب إلينا مودة من اليهود؟!

وهل من قبيل الحضارة ومظاهرها أن نحظر على المرأة قيادة السيارة، وأن نفرض عليها الحجاب أو النقاب ونمنع مخالطتها الرجال فى أماكن العمل والتعليم والمواصلات العامة؟!

وهل من قبيل الحضارة ومظاهرها أن نعيد النظر فى قوانين المعاملات المصرفية، وأن نحظر نظام الفائدة فى البنوك، باعتبارها نوعاً من الربا؟ وهل من قبيل الحضارة ومظاهرها أن نفرض على الأفواج السياحية القادمة إلى بلادنا نوعاً من السلوك يتناسب مع تقاليد بلادنا الإسلامية، ومن يعجبه ذلك منهم فليأت مرحبا، ومن لا يعجبه فليذهب إلى الجحيم؟!

وهل من قبيل الحضارة ومظاهرها أن نفرض قيوداً على الغناء والتمثيل وكل وسائل التعبير الفنى، باعتبارنا دولة إسلامية؟! وهل من قبيل الحضارة ومظاهرها أن نمنع بيع اللاعبين أو شراءهم بين الأندية الرياضية باعتبار أن ذلك نوع من تجارة الرقيق «النخاسة»؟!

هل نسيتم حوادث السرقة التى كانت تجرى وفقاً لنظرية «الاستحلال» أو تكسير أجهزة التليفزيون لأنها «صندوق الشيطان»، والمطالبة بإغلاق دور السينما والمسارح، لأنها تسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء؟!

لقد نسينا كل ذلك -أو تجاهلناه فى غمرة فرحتنا بالحشد الجماهيرى وبالمظهر «الحضارى» أمام صناديق الاقتراع، دون أن نفكر فيما سيتبع هذا المشهد من تداعيات محتملة - وربما أكيدة- تزعزع دعائم الديمقراطية باسم الديمقراطية، وتقضى على الحرية باسم الحرية، وتقوض أركان المجتمع وتهدد نسيجه الوطنى بالشقاق والتفسخ!!

لقد فاز التيار الإسلامى أو أصبح على وشك الفوز بأغلبية ساحقة تسمح له بسن القوانين والتشريعات لضبط إيقاع المجتمع وفقاً للنغمة الإسلامية، التى ظلوا يروجون لها عبر سنوات طويلة مضت، مؤمنين بوجوب الدولة الإسلامية وصولاً إلى المجتمع الإسلامى الكامل، «فالصبغة الإسلامية» للمجتمع والدولة هى هدفهم من الوصول إلى الحكم، دون النظر إلى التعددية أو التنوع الذى ينبغى أن يكون عليه أى مجتمع سليم البنية، صحيح التكوين، باعتبار أن الأغلبية التى حصلوا عليها فى الصناديق كانت تفويضاً لهم من هذه الأغلبية التى تتسم فى معظمها بالجهل والأمية، دون وعى بحقيقة هذا المشروع أو تداعياته فى الواقع.

الآن وقد أصبح هؤلاء أمام الحقيقة وجهاً لوجه، فإما أن يراعوا ما عليه المجتمع المصرى من تعددية وتنوع حفظت عليه كيانه طوال القرون الماضية، فلا يقدموا على خطوة تهدده بالانشقاق والتشرذم، وإما أن يقوموا بتطبيق مشروعهم الذى يرونه إسلامياً وبتفاصيله التى أعلنوها فى تصريحات ودراسات ومقالات وبرامج سابقة، ليعلموا حينها أن الأصوات التى منحتهم التفويض عنها لم تكن تقصد ذلك، فإذا عادوا ليذكروها بأن هذه هى الديمقراطية، سمعوا هذه الأغلبية بذاتها تقول لهم: «ملعون أبوالديمقراطية»!

منقوووول