كلام الرؤساء رئيس الكلام

بقلم صلاح عيسى - المصرى اليوم

أدهشتنى التصريحات التى أدلى بها أمس الأول المرشح المحتمل للرئاسة «حازم أبوإسماعيل» فى أعقاب إدلائه بصوته فى انتخابات مجلس الشعب، ووصف فيها ما سماه «تصريحات المجلس العسكرى» بأن الدستور سيتم إعداده فى شهر واحد بأنه «كلام مهين»، متسائلاً: هل المجلس العسكرى هو الذى سيشكل اللجنة التى ستضع الدستور، أم أنه اتفق معها سراً.. ولا هيه فتونة؟.. ثم أضاف أنه كرجل قانون يرى أن إعداد الدستور يجب أن يأخذ ما لا يقل عن ستة أشهر ليكون ناضجاً بالشكل الكافى!

مصدر الدهشة الأول هو أن اتجاهات تصويت الناخبين فى المرحلتين الأولى والثانية من انتخابات مجلس الشعب، قد رفعت منزلة سيدنا وتاج راسنا وبركتنا الشيخ «حازم أبوإسماعيل» من مجرد مرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، إلى مرشح محتمل «فوزه» بالرئاسة وهو ما يضفى على كلامه أهمية استثنائية، باعتبار أن كلام الرؤساء هو رئيس الكلام.

ويأتى مصدر الدهشة الثانى من أن تحديد مدة شهر واحد لوضع الدستور، هو أحد التداعيات التى أسفرت عنها جمعة ١٨ نوفمبر ٢٠١١ التى سميت «مليونية المطلب الواحد»، التى دعا إليها أمير المؤمنين، خليفة رسول رب العالمين، الشيخ «حازم أبوإسماعيل» ذات نفسه، لترفع شعار «لا للعسكر»، وتطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة للمدنيين قبل ٣٠ أبريل ٢٠١١، وما أعقبها من مواجهات دموية فى شارع محمد محمود، أسفرت عن الاجتماع الذى عقده الفريق «سامى عنان» - نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة - مع ممثلين لعدد من القوى والأحزاب السياسية، وعدد من المرشحين المحتملين للرئاسة.

فما الذى حدث يا ترى، وجعل الرجل يغير رأيه فى الإجراء الذى اتخذ بناء على مليونيته التى شد أنصاره إليها الرحال من كل أنحاء البلاد عبر الباصات والميكروباصات، ومعهم زادهم من التمر والماء واللبن، وأجولة من «الشاطر والمشطور وبينهما طازج» - وهو الاسم الذى أطلقه المجمع اللغوى على ما يعرف - والعياذ بالله - بالسندويتشات - وبدلاً من أن يشيد بالانتصار الكاسح الذى حققته «غزوة أبوإسماعين» عاد ليصفه بأنه «كلام مهين» وشغل فتونة.

ولأن الشىء لزوم الشىء، فقد كان منطقياً أن يرفع المجلس العسكرى الراية البيضاء أمام «غزوة أبوإسماعين»، وأن يدعو نائب رئيسه ممثلى عدد من الأحزاب والقيادات السياسية، للبحث فى الإجراءات العملية لتنفيذ إرادة المنتصر، وقدم هؤلاء برنامجاً زمنياً يقوم على تقصير المدد، وعلى اتخاذ خطوات نقل السلطة بشكل متواز وليس متوالياً، فيدعو القائم بعمل رئيس الجمهورية المنتخبين من نواب مجلسى الشعب والشورى للاجتماع فى أول أبريل ٢٠١٢، ويطلب إليهم اختيار الهيئة التى ستضع الدستور خلال عشرة أيام، على أن تنجز عملها فى خلال شهر واحد، ليطرح المشروع للاستفتاء العام فى منتصف مايو، وقبل انتهاء اللجنة من وضع الدستور، يفتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية لمدة أربعة أيام فقط، وتبدأ الحملة الرئاسية، لتنتهى بحلف اليمين فى ٣٠ يونيو ٢٠١٢.

ومعنى الكلام الأول الذى قاله مولانا أبوإسماعيل فى ١٨ نوفمبر الماضى، أثناء غزوة الصناديق، هو أن الشىء - الذى هو تسليم المدنيين السلطة فى ٣٠ يونيو القادم - لزوم الشىء الذى هو تسمية أعضاء لجنة المائة التى ستضع الدستور خلال عشرة أيام، وقيامها بوضعه خلال شهر واحد فقط. ومعنى الكلام الثانى - الذى قاله فضيلته أمس الأول - أن الشىء الذى هو إعداد الدستور بشكل ناضج، يتطلب ستة أشهر على الأقل، لزوم الشىء الذى هو بقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لكى يمارس سلطة رئيس الجمهورية، لفترة قد تصل - طبقاً للجدول الزمنى المطروح - إلى نهاية العام المقبل.

ولم أجد تفسيراً لهذا التناقض، إلا أن الشعارات التى طرحها «سيف الله المسلول»، قائد «غزوة أبوإسماعين»، فى مليونية ١٨ نوفمبر، لم تكن تضع مطلب وضع الدستور فى اعتبارها، وأن كل ما كانت تحارب من أجله، هو إجراء الانتخابات الرئاسية فى أعقاب الانتخابات البرلمانية مباشرة، ليكون لمن يفوز بالأغلبية فى البرلمان، ولمن يفوز فى انتخابات الرئاسة، الحرية المطلقة فى أن يضع الدستور على مزاجه، وفى الوقت الذى يحلو له.. أو لا يضعه على الإطلاق، خاصة أن الدستور كلمة مستوردة، وأصلها - كمان - فارسى ورافضى، وأنها بدعة وكل بدعة ضلالة.

ومعنى هذا الكلام هو أن يفوز ولى الله الشيخ «حازم أبوإسماعيل» برئاسة الجمهورية من دون أن يكون هناك دستور يحدد له السلطات التى يمارسها والجهات التى لها الحق فى الرقابة على ممارسته سلطاته، وأن تمارس أغلبية مجلس الشعب سلطتها فى التشريع على الأساس نفسه، من دون أن تستند إلى إحم ولا دستور.. وأن يكون دستور ١٩٧١ هو آخر ما تعرفه مصر من دساتير.. وانتخابات ٢٠١١ هى آخر ما تعرفه من انتخابات.

وربنا يستر.
منقووول