اسئلة حول الثالوث القدوس والاجابة لنيافة الأنبا موسى
أسئلة حول الثالوث
نيافة الأنبا موسى
1- هل تؤمن المسيحية بإله واحد ؟
نعم تؤمن المسيحية بوحدانية الله، وليس إله غيره، وهى فى ذلك ترفض مبدأ الشرك (كالوثنيين القائلين بتعدد الآلهة). ونصوص الكتاب المقدس بعهديه تؤيد ذلك بوفرة منها:
العهد القديم :
- "إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (تث 4:6).
- يقول الرب: "أَنَا أَنَا هُوَ وَليْسَ إِلهٌ مَعِى" (تث 39:32).
- ويقول أيضاً: "أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرِى" (إش 6:44).
العهد الجديد :
- "لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ" (مت 17:19، مر 18:10).
- "لأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ" (رو 30:3). - "لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ" (1كو 6:.
- "اللهَ وَاحِدٌ الَّذِى يَعْمَلُ الْكُلَّ فِى الْكُلِّ" (1كو 6:12).
ونحن نؤكد على هذه الحقيقة فى كل مرة نرسم ذواتنا بعلامة الصليب.. إذ نختم ونقول:
"... إله الواحد آمين".
ولقد أستخدم الآباء عبارة "إله واحد" ليقضوا على خطأ تعدد الآلهة، وبالتالى ضرورة التمسك والتأكيد بأن الله واحد، منفرداً بالطبيعة وبالحق وهكذا... أعلنوا إيمانهم بإله واحد.
لاحظ أن خطية تعدد الآلهة لا تقع فيها الشياطين لأنه مكتوب: "أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!" (يع 19:2). ولكن الشياطين تُقدم للبشر خطية تعدد الآلهة.
2- إذا كان الأمر كذلك فلماذا نقول أن هناك ثلاثة أقانيم ؟
نحن نعبد إلهاً واحداً "فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِى السَّمَاءِ هُمْ ثَلَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلثَةُ هُمْ وَاحِدٌ" (1يو 7:5).
ومن هنا عندنا: الله (الآب = الأصل فى الثالوث)، وعقل الله (الابن المولود منه)، وروح الله (الروح القدس المنبثق منه). والثلاثة هم واحد، جوهر إلهى واحد، فإن كان الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله، فهو أيضاً خُلق على صورة: ذات إنسانية، وعقل انسانى، وروح انسانية. والثلاثة واحد، انسان واحد.
3- وماذا تعنى كلمة "أقنوم" ؟
أقنوم (HYPOSTASIS) ومعناها: هيبو = تحت، وستاسس = قائم
فيكون المعنى الحرفى هو: "القائم تحت". أى ما يقوم تحت كأساس. بمعنى آخر، الأقنوم: ركيزة بدونها لا يقوم الجوهر الإلهى. فمثلاً:
أ- ركيزة الوجود : فليس من المعقول أن يكون الله بدون هذه الركيزة فإنه واجب الوجود.
ب- ركيزة العقل : فليس من المعقول أن يكون الله بدون هذه الركيزة.. فهو العقل اللانهائى والحكمة اللانهائية.
ج- ركيزة الحياة : فليس من المعقول أن يكون الله بدون هذه الركيزة أنه الحىّ ومعطى الحياة.
إذن يتضح مما سبق أن الأقانيم الثلاثة: متمايزة فى العمل، ولكنها غير منفصلة. لأنها فى الجوهر الإلهى الواحد.
4- ما معنى عبارة الجوهر الإلهى ؟
كلمة "جوهر" (oussia = essence) وتعنى الطبيعة التى يتميز بها هذا الكائن، فالجوهر الإلهى هو طبيعة اللاهوت (الله) بكل ما فيها. وإلهنا واحد فى الجوهر، بمعنى أنه متفرد فى نوعه لا شبيه له. متعالٍ فوق كل الكائنات لأنه خالقها ومُحييها وحافظها. واعتقادنا بثلاثة أقانيم لا يعنى ثلاثة جواهر، بل جوهر واحد.
5- لماذا تبدو حقيقة الثلاثة أقانيم عسيرة الفهم أمام البعض ؟
الصعوبة ليست فى "موضوع" الأقانيم وإنما فى "تسمية" الأقانيم. فنحن نسمى الذات الإلهية = الآب. بمعنى "الأصل أو المصدر" وهى بالطبع ليست أبوة جسدية تناسلية، بل روحية متساوية... كما نقول عن مصر أنها أمنا. ? كذلك نسمى الحكمة الإلهية = الابن. بمعنى "العقل" وهى بالطبع بنوة روحية لا تناسلية.
أو كما نقول:
- عقل "فلان" حل المسألة = فلان حل المسألة.
- إذن عقل فلان = فلان نفسه. - وعقل الله = الله نفسه.
? أيضاً نُسمى الحياة الإلهية = الروح القدس. بمعنى "الحياة" حيث أن الروح هو نسمة الحياة، وحين تخرج الروح من إنسان ينتهى الإنسان.
إذن... هذه التسميات هى مجرد ألفاظ لغوية تشرح لنا أن الجوهر الإلهى الواحد فيه ثلاثة أقانيم.
6- ما معنى أن الأقانيم الثلاثة فى جوهر إلهى واحد ؟
معنى ذلك أن الأقانيم الثلاثة تعبر عن الذات الإلهية كما يلى:
- الآب : موجود بذاته، ناطق بالابن، حىّ بروحه.
- الابن : موجود بالآب، ناطق بذاته، حىّ بروحه.
- الروح القدس : موجود بالآب، ناطق بالابن، حىّ بذاته.
إن الله الواحد موجود بذاته (الآب) ناطق بكلمته (الابن) حىّ بروحه (الروح القدس).
بصورة أخرى نقول:
- أن "الآب" هو "الأصل".
- و "الابن" هو "المولود منه ولادة الكلمة من الانسان".
- و "الروح القدس" هو "المنبثق منه، انبثاق الحرارة من النار".
7- وهل يشهد الكتاب المقدس لعقيدة التثليث ؟
بالطبع.. لأن التثليث تعليم سماوى أعلنه الله نفسه لنا فى كتابه المقدس. وقد أشار إليه أولاً فى العهد القديم، ثم تحدث عنه صراحة فى العهد الجديد... وهذه أمثلة: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (مت 19:28).
فالآب والابن والروح القدس ثلاثة أقانيم فى الله الواحد، ولذلك لم يقل "بأسماء" لكن قال "بإسم" نظراً لأن الله واحد.
والقديس يوحنا الحبيب يقول: "فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِى السَّمَاءِ هُمْ ثَلثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلثَةُ هُمْ وَاحِدٌ" (1يو 7:5).
وفى حادثة العماد نرى الله الواحد وقد ظهر بأقانيمه الثلاثة: فصوت الآب من السماء، والابن المتجسد غاطس فى نهر الأردن، والروح القدس على هيئة جسمية مثل حمامة مستقراً على رأس الكلمة المتجسد (مت 13:3-17).
8- وهل الأقانيم الإلهية أجزاء تتكون منها ذات الله؟
الأقانيم الإلهية - الآب والابن والروح القدس - ليست أقساماً أو أجزاءاً فى الذات الإلهية - حاشا لله - لأن الذات الإلهية واحدة لا تنقسم ولا تتجزأ. فالآب ليس جزء من الله، وإنما الله ذاته هو الأب، وهى كلمة شرقية تفيد "الأصل"، "الله هو أصل الوجود" ولذا ندعوه "الآب" (ممدودة).
ولما كان الله هو "العقل الأعظم"، وهو الخالق للوجود، والعقل الأعظم قد تجسد فى المسيح. فالمسيح إذن هو الكلمة، أو هو نطق الله العاقل، أو عقل الله الناطق. إنه ابن الله بمعنى أنه "التجلى الأعظم لله" أى الله ظهر فى المسيح.
والروح القدس ليس جزءاً من الله - حاشا - وإنما الله هو الروح الأعظم، وهو القدوس أى منشئ الحياة وباعثها ومُبدئها.
الأقانيم الإلهية إذن هى طبيعة الله التى تقوم عليها الذات الإلهية ومن دونها لا يكون للذات الإلهية وجود أو كيان.
فالله لا يمكن أن يكون موجوداً بدون ذاته (الآب) وعاقلاً بدون عقله (الابن) ولا حياً
بدون روحه (الروح القدس). الله لا يتجزأ وصفاته لا تتجزأ. فالله عادل ورحيم مثلاً،
ومن الصعب أن تتحدث عن عدل الله وحده، أو رحمة الله وحدها. إنما أقول أن الله عادل فى رحمته، ورحيم فى عدله.
9- ألا يوجد تعارض أو تناقض بين القول بالوحدانية والقول بالتثليث ؟
كان من الممكن أن يكون هناك تناقضاً لو قلنا بثلاثة آلهة، لكنها ثلاثة أقانيم فى الإله الواحد.
فالوحدانية من جهة، وأما التثليث من جهة أخرى الله واحد لأن اللاهوت واحد والجوهر الإلهى واحد.
إنه تثليث أقانيم وليس تثليث جواهر. ونحن عندما نرسم الصليب نذكر الأقانيم الثلاثة: الآب والابن والروح القدس. لكننا نختم بترديد عبارة "الإله الواحد" كتعبير عن الوحدانية.
فالتثليث المسيحى يمتاز بأنه تثليث وتوحيد يتلخص فى عبارة أن الثلاثة هم فى واحد. وهذا لا يمكن أن يتوفر فى أى نوع من التثليث ولا نقصد أن الثلاثة أقنوم واحد، أى أن الآب هو الابن هو الروح القدس، وإلا زال التثليث فى الأقانيم. ولكن نقصد أن الآب والابن والروح القدس واحد فى اللاهوت، فى الطبيعة، فى الجوهر. مثل النار التى هى: اللّهب والنور والحرارة. لا نستطيع أن نقول أن اللّهب هو النور وأن النور هو الحرارة, ولكن الثلاثة واحد, والنار بلهيبها وبنورها وحرارتها شئ واحد.
10- وهل صحيح أن فكرة الثالوث المسيحى مستمدة من الثالوث المصرى القديم ؟
ليس هناك أدنى علاقة, لأن الثالوث المصرى القديم يتحدث عن ثلاثة آلهة: إله أب اسمه "أوزوريس" تزوج من إلهة أم اسمها "إيزيس" وأنجبا إله ابن اسمه "حورس". كما كان هناك أبناء آخرون وكان بينهم حروب وخصومات.
إذن ليس هو ثالوث بل عائلة. وهذا كله تم بولادة جسدانية نتيجة زواج وتناسل.
إن المسيحية تحارب هذا الثالوث الوثنى لأنه يختلف عن الثالوث المسيحى, لأن فيه أُنوثة وولادة جسدانية وزواج, والابن أقل من الوالد فى العمر وتالى له، ومرت فترة لم يكن موجوداً فيها, كما أن ولادة الابن فيها انفصال عن الوالدين وهذا كله غير موجود فى الثالوث المسيحى.
أمَا الثالوث المسيحى والذى نقول فيه: "إله واحد مثلث الأقانيم" فهو بعيد كل البعد عن الجسد والزواج والولادة والتناسل.
11- وهل إيمانى بعقيدة الثالوث يعنى أننى أُشرك بالله ؟
بالطبع لا. لأن إيمانى بالثالوث القدوس يعنى إيمانى بالإله الواحد. وجدير بالذكر أن هناك فرقاً شاسعاً بين المُشركين من ناحية، وبين المسيحيين من ناحية أخرى. كما نقرأ عن ذلك فى كتب التاريخ العام للأديان.
12- هل من الضرورة أن يكون إيمانى بالله الواحد مثلث الأقانيم ؟
ليس عند المسيحيين تعليم إلا له علاقة بحياة البشر، بمعنى أن حياتى تكون مختلفة كُليةً إذا كان هناك ثالوث أو لم يكن.
ثم يجب ألاَ يغيب عنا أنه إذا تحدثنا عن الله فإن الكلمات يكون لها معانٍ غير المعانى المألوفة لدينا. فالله لا يوجد شئ مثله, وليس هناك مَنْ يماثله.
فمثلاً إذا قلنا أن هذا الإنسان "جميل" فليس بهذا المعنى نقول أن الله جميل... وهكذا لا يمكننا بمعنى من المعانى أن نتكلم عن الله مثلما نتكلم عن الإنسان, إذ أن اللغة البشرية قاصرة عن أن تتحدث عن الله.
والخلاصة أن القضية ليست إحصاء ولكن تبقى المشكلة أن عقل الإنسان "حسابى". أى أنه لكى يفهم فهماً صحيحاً يجب أن يعدَ، ومع ذلك فالله (بحسب الجوهر) = 1x1x1= 1 (أى واحد فى الجوهر)، وبحسب الأقانيم 1+1+1 = 3 (ثلاثة أقانيم فى هذا الجوهر الواحد).
إنه لكى نفهم بقلوبنا قبل عقولنا، يجب أن نعى أن المسيحية تصف الله بأنه محبة "الله محبة" بمعنى أن هناك عملية حُب داخل الله، أنه غير منغلق على نفسه لأنه فاتح نفسه بالحديث نحو البشر الذين يحبهم، هذا الحديث حديث حُب... فالآب محب والابن محبوب والروح القدس روح الحب أو لغة الحب المتبادلة. الآب يحب الابن المحبوب بروح الحب... وهكذا تكتمل دورة المحبة التى بها نقول عن الله أنه "محبة".
أسئلة حول الثالوث
نيافة الأنبا موسى
1- هل تؤمن المسيحية بإله واحد ؟
نعم تؤمن المسيحية بوحدانية الله، وليس إله غيره، وهى فى ذلك ترفض مبدأ الشرك (كالوثنيين القائلين بتعدد الآلهة). ونصوص الكتاب المقدس بعهديه تؤيد ذلك بوفرة منها:
العهد القديم :
- "إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (تث 4:6).
- يقول الرب: "أَنَا أَنَا هُوَ وَليْسَ إِلهٌ مَعِى" (تث 39:32).
- ويقول أيضاً: "أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرِى" (إش 6:44).
العهد الجديد :
- "لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ" (مت 17:19، مر 18:10).
- "لأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ" (رو 30:3). - "لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ" (1كو 6:.
- "اللهَ وَاحِدٌ الَّذِى يَعْمَلُ الْكُلَّ فِى الْكُلِّ" (1كو 6:12).
ونحن نؤكد على هذه الحقيقة فى كل مرة نرسم ذواتنا بعلامة الصليب.. إذ نختم ونقول:
"... إله الواحد آمين".
ولقد أستخدم الآباء عبارة "إله واحد" ليقضوا على خطأ تعدد الآلهة، وبالتالى ضرورة التمسك والتأكيد بأن الله واحد، منفرداً بالطبيعة وبالحق وهكذا... أعلنوا إيمانهم بإله واحد.
لاحظ أن خطية تعدد الآلهة لا تقع فيها الشياطين لأنه مكتوب: "أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!" (يع 19:2). ولكن الشياطين تُقدم للبشر خطية تعدد الآلهة.
2- إذا كان الأمر كذلك فلماذا نقول أن هناك ثلاثة أقانيم ؟
نحن نعبد إلهاً واحداً "فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِى السَّمَاءِ هُمْ ثَلَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلثَةُ هُمْ وَاحِدٌ" (1يو 7:5).
ومن هنا عندنا: الله (الآب = الأصل فى الثالوث)، وعقل الله (الابن المولود منه)، وروح الله (الروح القدس المنبثق منه). والثلاثة هم واحد، جوهر إلهى واحد، فإن كان الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله، فهو أيضاً خُلق على صورة: ذات إنسانية، وعقل انسانى، وروح انسانية. والثلاثة واحد، انسان واحد.
3- وماذا تعنى كلمة "أقنوم" ؟
أقنوم (HYPOSTASIS) ومعناها: هيبو = تحت، وستاسس = قائم
فيكون المعنى الحرفى هو: "القائم تحت". أى ما يقوم تحت كأساس. بمعنى آخر، الأقنوم: ركيزة بدونها لا يقوم الجوهر الإلهى. فمثلاً:
أ- ركيزة الوجود : فليس من المعقول أن يكون الله بدون هذه الركيزة فإنه واجب الوجود.
ب- ركيزة العقل : فليس من المعقول أن يكون الله بدون هذه الركيزة.. فهو العقل اللانهائى والحكمة اللانهائية.
ج- ركيزة الحياة : فليس من المعقول أن يكون الله بدون هذه الركيزة أنه الحىّ ومعطى الحياة.
إذن يتضح مما سبق أن الأقانيم الثلاثة: متمايزة فى العمل، ولكنها غير منفصلة. لأنها فى الجوهر الإلهى الواحد.
4- ما معنى عبارة الجوهر الإلهى ؟
كلمة "جوهر" (oussia = essence) وتعنى الطبيعة التى يتميز بها هذا الكائن، فالجوهر الإلهى هو طبيعة اللاهوت (الله) بكل ما فيها. وإلهنا واحد فى الجوهر، بمعنى أنه متفرد فى نوعه لا شبيه له. متعالٍ فوق كل الكائنات لأنه خالقها ومُحييها وحافظها. واعتقادنا بثلاثة أقانيم لا يعنى ثلاثة جواهر، بل جوهر واحد.
5- لماذا تبدو حقيقة الثلاثة أقانيم عسيرة الفهم أمام البعض ؟
الصعوبة ليست فى "موضوع" الأقانيم وإنما فى "تسمية" الأقانيم. فنحن نسمى الذات الإلهية = الآب. بمعنى "الأصل أو المصدر" وهى بالطبع ليست أبوة جسدية تناسلية، بل روحية متساوية... كما نقول عن مصر أنها أمنا. ? كذلك نسمى الحكمة الإلهية = الابن. بمعنى "العقل" وهى بالطبع بنوة روحية لا تناسلية.
أو كما نقول:
- عقل "فلان" حل المسألة = فلان حل المسألة.
- إذن عقل فلان = فلان نفسه. - وعقل الله = الله نفسه.
? أيضاً نُسمى الحياة الإلهية = الروح القدس. بمعنى "الحياة" حيث أن الروح هو نسمة الحياة، وحين تخرج الروح من إنسان ينتهى الإنسان.
إذن... هذه التسميات هى مجرد ألفاظ لغوية تشرح لنا أن الجوهر الإلهى الواحد فيه ثلاثة أقانيم.
6- ما معنى أن الأقانيم الثلاثة فى جوهر إلهى واحد ؟
معنى ذلك أن الأقانيم الثلاثة تعبر عن الذات الإلهية كما يلى:
- الآب : موجود بذاته، ناطق بالابن، حىّ بروحه.
- الابن : موجود بالآب، ناطق بذاته، حىّ بروحه.
- الروح القدس : موجود بالآب، ناطق بالابن، حىّ بذاته.
إن الله الواحد موجود بذاته (الآب) ناطق بكلمته (الابن) حىّ بروحه (الروح القدس).
بصورة أخرى نقول:
- أن "الآب" هو "الأصل".
- و "الابن" هو "المولود منه ولادة الكلمة من الانسان".
- و "الروح القدس" هو "المنبثق منه، انبثاق الحرارة من النار".
7- وهل يشهد الكتاب المقدس لعقيدة التثليث ؟
بالطبع.. لأن التثليث تعليم سماوى أعلنه الله نفسه لنا فى كتابه المقدس. وقد أشار إليه أولاً فى العهد القديم، ثم تحدث عنه صراحة فى العهد الجديد... وهذه أمثلة: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (مت 19:28).
فالآب والابن والروح القدس ثلاثة أقانيم فى الله الواحد، ولذلك لم يقل "بأسماء" لكن قال "بإسم" نظراً لأن الله واحد.
والقديس يوحنا الحبيب يقول: "فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِى السَّمَاءِ هُمْ ثَلثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلثَةُ هُمْ وَاحِدٌ" (1يو 7:5).
وفى حادثة العماد نرى الله الواحد وقد ظهر بأقانيمه الثلاثة: فصوت الآب من السماء، والابن المتجسد غاطس فى نهر الأردن، والروح القدس على هيئة جسمية مثل حمامة مستقراً على رأس الكلمة المتجسد (مت 13:3-17).
8- وهل الأقانيم الإلهية أجزاء تتكون منها ذات الله؟
الأقانيم الإلهية - الآب والابن والروح القدس - ليست أقساماً أو أجزاءاً فى الذات الإلهية - حاشا لله - لأن الذات الإلهية واحدة لا تنقسم ولا تتجزأ. فالآب ليس جزء من الله، وإنما الله ذاته هو الأب، وهى كلمة شرقية تفيد "الأصل"، "الله هو أصل الوجود" ولذا ندعوه "الآب" (ممدودة).
ولما كان الله هو "العقل الأعظم"، وهو الخالق للوجود، والعقل الأعظم قد تجسد فى المسيح. فالمسيح إذن هو الكلمة، أو هو نطق الله العاقل، أو عقل الله الناطق. إنه ابن الله بمعنى أنه "التجلى الأعظم لله" أى الله ظهر فى المسيح.
والروح القدس ليس جزءاً من الله - حاشا - وإنما الله هو الروح الأعظم، وهو القدوس أى منشئ الحياة وباعثها ومُبدئها.
الأقانيم الإلهية إذن هى طبيعة الله التى تقوم عليها الذات الإلهية ومن دونها لا يكون للذات الإلهية وجود أو كيان.
فالله لا يمكن أن يكون موجوداً بدون ذاته (الآب) وعاقلاً بدون عقله (الابن) ولا حياً
بدون روحه (الروح القدس). الله لا يتجزأ وصفاته لا تتجزأ. فالله عادل ورحيم مثلاً،
ومن الصعب أن تتحدث عن عدل الله وحده، أو رحمة الله وحدها. إنما أقول أن الله عادل فى رحمته، ورحيم فى عدله.
9- ألا يوجد تعارض أو تناقض بين القول بالوحدانية والقول بالتثليث ؟
كان من الممكن أن يكون هناك تناقضاً لو قلنا بثلاثة آلهة، لكنها ثلاثة أقانيم فى الإله الواحد.
فالوحدانية من جهة، وأما التثليث من جهة أخرى الله واحد لأن اللاهوت واحد والجوهر الإلهى واحد.
إنه تثليث أقانيم وليس تثليث جواهر. ونحن عندما نرسم الصليب نذكر الأقانيم الثلاثة: الآب والابن والروح القدس. لكننا نختم بترديد عبارة "الإله الواحد" كتعبير عن الوحدانية.
فالتثليث المسيحى يمتاز بأنه تثليث وتوحيد يتلخص فى عبارة أن الثلاثة هم فى واحد. وهذا لا يمكن أن يتوفر فى أى نوع من التثليث ولا نقصد أن الثلاثة أقنوم واحد، أى أن الآب هو الابن هو الروح القدس، وإلا زال التثليث فى الأقانيم. ولكن نقصد أن الآب والابن والروح القدس واحد فى اللاهوت، فى الطبيعة، فى الجوهر. مثل النار التى هى: اللّهب والنور والحرارة. لا نستطيع أن نقول أن اللّهب هو النور وأن النور هو الحرارة, ولكن الثلاثة واحد, والنار بلهيبها وبنورها وحرارتها شئ واحد.
10- وهل صحيح أن فكرة الثالوث المسيحى مستمدة من الثالوث المصرى القديم ؟
ليس هناك أدنى علاقة, لأن الثالوث المصرى القديم يتحدث عن ثلاثة آلهة: إله أب اسمه "أوزوريس" تزوج من إلهة أم اسمها "إيزيس" وأنجبا إله ابن اسمه "حورس". كما كان هناك أبناء آخرون وكان بينهم حروب وخصومات.
إذن ليس هو ثالوث بل عائلة. وهذا كله تم بولادة جسدانية نتيجة زواج وتناسل.
إن المسيحية تحارب هذا الثالوث الوثنى لأنه يختلف عن الثالوث المسيحى, لأن فيه أُنوثة وولادة جسدانية وزواج, والابن أقل من الوالد فى العمر وتالى له، ومرت فترة لم يكن موجوداً فيها, كما أن ولادة الابن فيها انفصال عن الوالدين وهذا كله غير موجود فى الثالوث المسيحى.
أمَا الثالوث المسيحى والذى نقول فيه: "إله واحد مثلث الأقانيم" فهو بعيد كل البعد عن الجسد والزواج والولادة والتناسل.
11- وهل إيمانى بعقيدة الثالوث يعنى أننى أُشرك بالله ؟
بالطبع لا. لأن إيمانى بالثالوث القدوس يعنى إيمانى بالإله الواحد. وجدير بالذكر أن هناك فرقاً شاسعاً بين المُشركين من ناحية، وبين المسيحيين من ناحية أخرى. كما نقرأ عن ذلك فى كتب التاريخ العام للأديان.
12- هل من الضرورة أن يكون إيمانى بالله الواحد مثلث الأقانيم ؟
ليس عند المسيحيين تعليم إلا له علاقة بحياة البشر، بمعنى أن حياتى تكون مختلفة كُليةً إذا كان هناك ثالوث أو لم يكن.
ثم يجب ألاَ يغيب عنا أنه إذا تحدثنا عن الله فإن الكلمات يكون لها معانٍ غير المعانى المألوفة لدينا. فالله لا يوجد شئ مثله, وليس هناك مَنْ يماثله.
فمثلاً إذا قلنا أن هذا الإنسان "جميل" فليس بهذا المعنى نقول أن الله جميل... وهكذا لا يمكننا بمعنى من المعانى أن نتكلم عن الله مثلما نتكلم عن الإنسان, إذ أن اللغة البشرية قاصرة عن أن تتحدث عن الله.
والخلاصة أن القضية ليست إحصاء ولكن تبقى المشكلة أن عقل الإنسان "حسابى". أى أنه لكى يفهم فهماً صحيحاً يجب أن يعدَ، ومع ذلك فالله (بحسب الجوهر) = 1x1x1= 1 (أى واحد فى الجوهر)، وبحسب الأقانيم 1+1+1 = 3 (ثلاثة أقانيم فى هذا الجوهر الواحد).
إنه لكى نفهم بقلوبنا قبل عقولنا، يجب أن نعى أن المسيحية تصف الله بأنه محبة "الله محبة" بمعنى أن هناك عملية حُب داخل الله، أنه غير منغلق على نفسه لأنه فاتح نفسه بالحديث نحو البشر الذين يحبهم، هذا الحديث حديث حُب... فالآب محب والابن محبوب والروح القدس روح الحب أو لغة الحب المتبادلة. الآب يحب الابن المحبوب بروح الحب... وهكذا تكتمل دورة المحبة التى بها نقول عن الله أنه "محبة".