الشباب والحاجات النفسية
ولاً: ما هى الحاجات النفسية ؟
هى إحتياجات مغروسة فينا، وقد ولدنا بها جميعاً. وهى تختلف عن أى إحتياجات أخرى فى أعماقنا. ولهذا يجدر بنا أن نتعرف على كل إحتياجاتنا، لنعرف موقع الحاجات النفسية داخل كياننا الإنسانى. فالإنسان فيه خمسة أنواع من الإحتياجات وهى:
1- الحاجات البيولوجية :
كالحاجة إلى الطعام والشراب، والتى بدونها لا يستمر النوع الإنسانى. هو بحاجة أيضاً إلى السكن الآمن، والدخل الذى يكفى للغذاء والدواء… هذه كلها تدعى الـ Basic Needs، أى الحاجات الأساسية التى بدونها لا تقوم الحياة. ولذلك دعيت أيضاً The Biological Needs، الحاجات البيولوجية، حيث كلمة “Bio” معناها “الحياة”.
2- الحاجات النفسية :
وهذه تشبع النفس أكثر من الجسد، وإن كانت لا تنفصل عن الحاجات البيولوجية، لأن الإنسان كله وحدة واحدة، يتأثر كل مكون فيها بالمكونات الأخرى. أنها إحتياجات النفس من حب إلى نجاح، وتقدير، وخصوصية، وإنتماء، وتفرد، ومرجعية… وبدونها لا تستريح نفس الإنسان… وهذه سندرسها بشىء من التفصيل.
3- الحاجات العقلية :
وهذه مرتبطة بالذهن البشرى، وحاجته إلى المعرفة والفهم، والحكمة والدراسة والتحليل، والثقافة والتفكير، وغير ذلك من ممارسات العقل البشرى، الذى يختلف به الإنسان عن الحيوان، فالعقل وزنة من الله، يجب أن يستثمرها الإنسان لمجد الله، ومنفعته الخاصة، ومنفعة أسرته وكنيسته ووطنه…
4- الحاجات الروحية :
وهى كامنة فى أعماق الطبيعة البشرية، صوتها هادئ، ولكنها غاية فى الأهمية والخطورة، فهى صوت الروح التى أودعها الله فى أجسادنا، والتى بها نتصل بالألوهة، ونصبو إلى الخلود، وندخل عالم الإيمانيات.. وهى الأساس فى خلاصنا إذ بها تتجه نحو الله والخلاص والملكوت..
5- الحاجات الإجتماعية :
فالإنسان مخلوق إجتماعى لا يحيا بدون “الآخر”… سواء الآخر العائلى (فى محيط الأسرة) أو الآخر الكنسى (فى محيط الكنيسة) أو الآخر الإجتماعى (فى محيط المجتمع) أو الآخر البشرى (فى محيط الإنسانية جمعاء)… من هنا نجد أن موقع الحاجات النفسية، هو فى داخل النفس، وهى الطبقة الثانية فى إحتياجاتنا الإنسانية، فبعد أن نعطى الجسد إحتياجاته الأساسية اللازمة لحياتنا، نسمع صوت النفس وإحتياجاتها إلى الأمن والحب والنجاح، ثم نغوص إلى الحاجات العقلية والروحية… وإذ تتكون شخصياتنا فى السيد المسيح بصورة جيدة، ندخل إلى علاقات طيبة مع كل من كان حولنا…
ثانياً: أمثلة للحاجات النفسية:
هناك أمثلة كثيرة للحاجات النفسية نذكر منها:
1- الحاجة إلى الحب :
فالإنسان مخلوق عاطفى، وفيه وجدان دافئ، يحتاج أن يحب، وأن يكون محبوباً. من هنا يجتهد الإنسان، فى أن يقدم حبه للآخرين، وأن يجد منهم ما يحتاج من عاطفة دافئة ومحبة صادقة. ويستحيل أن تستريح نفس الإنسان، إن كان كارها ومكروهاً.. فهذه حياة لا تطاق، سواء روحياً أو نفسياً أو إجتماعياً أو حتى بدنياً.. فالحب دائماً يبنى، والكراهية دائماً تهدم.
إن سعادة اللقاء بالأحباء لا يدانيها شئ آخر، وبخاصة حينما تكون محبتنا روحانية (أغابى)، وليست إنسانية قاصرة (فيلى)، وبالقطع ليست شهوانية جسدانية (ايروس). الإنسان المسيحى ينال من الرب طاقة حب جبارة ومقدسة، فيحب الآخرين “من قلب طاهر بشدة” (1بط 22:1)، ويكون شعاره “بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً” (غل 13:5).
2- الحاجة إلى الأمن :
إذ يحتاج الإنسان إلى الإحساس بأنه آمن نفسياً وجسدياً… سواء من جهة مستقبله فى العمل، أو الدراسة أو الزواج… أو فى السكن والمنطقة المجاورة. فالإحساس بالأمن هام، لكى يحصل الإنسان على الراحة النفسية المطلوبة… والحياة المعاصرة، بما فيها من خصخصة غير آمنة، بسبب سهولة الاستغناء عن الموظفين، وهذا له ثمنه النفسى… وكذلك السكن غير الآمن، أو الوجود وسط صراعات وحروب ونزاعات… ولاشك أن الأمن الحقيقى هو من الله، الذى يقول لنا: “آمنوا بالرب إلهكم فتأمنوا” (2أى 20:20)، فهو الذى يحرسنا من كل شر، ويسند حياتنا فى كل موقف، ويعطينا السلام النفسى من جهة المستقبل، واثقين أن “يسوع المسيح هو هو، أمسا واليوم وإلى الأبد” (عب 8:13).
3- الحاجة إلى التقدير :
فالإنسان لا يستريح لو عومل بدون اهتمام، أو اكتراث ممن حوله… ويسعده أن يكون موضع تقدير من الآخرين… ليس لكى تتضخم ذاته، ولكن لكى يحس أن الله جعل منه عضواً نافعاً، وغصناً مثمراً، له دوره فى خدمة الجماعة. ولاشك أن تشبيه الكنيسة بالجسد، يوضح لنا أن كلاً منا هو عضو فعّال، له وظيفته فى خدمة الجسد، وليس مجرد زائدة يمكن الاستغناء عنها. والإنسان الحىّ فى الله، لاشك أن الرب سيعطيه وزنات على قدر طاقته، يتاجر بها فى خدمة الآخرين، فيصير موضع تقدير منهم، ويحس أنه عضو فعال ومتفاعل، يفيد ويستفيد…
4- الحاجة إلى النجاح :
فالفشل مرّ، والله “لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح” (2تى 7:1)، والإنسان الفاشل نفسه متعبة وحزينة، أما الناجح فعنده فرح داخلى بسبب عمل الله معه. ولا يظن أحد أنه يمكن أن ينجح بدون الله، إذ مكتوب “إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبنى” (نح 20:2)… فلقد “كان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً” (تك 2:39). النجاح عطية إلهية، ولكنه مرهون بجهد الإنسان، فالله والإنسان يعملان معاً.
5- الحاجة إلى الإنتماء :
إذ لا يستطيع الإنسان أن يحيا وحيداً، لا يحس بالإنتماء إلى جماعة ما. ومن هنا تكون هناك دوائر للإنتماء فى حياة الإنسان مثل: الإنتماء الأسرى إذ يشعر الإنسان بالروابط العائلية، ويعتز بالمحبة المنزلية.. ثم الإنتماء الكنسى إذ يشعر بإرتباطه بالكنيسة الأم، ويعتز بها، فكنيستنا هى كنيسة اللاهوت والرهبنة والشهداء والكرازة، وكان – ولا يزال – لها دورها فى خدمة المسيحية العالمية. ويأتى بعد ذلك الانتماء الوطنى الدائرة الأوسع، فيشعر الانسان ويفخر بإنتمائه إلى مصر، صاحبة الحضارة العريقة، حضارة التوحيد والحكمة والفلسفة والفلك والهندسة والطب.. يأتى بعد ذلك الإنتماء الإنسانى إذ يحس أنه عضو فى الجماعة البشرية، يتألم مع المظلومين والمسحوقين واللاجئين والمشردين، ومن تقع لهم كوارث مثل الزلازل والسيول والفيضانات والحروب… وهكذا يعيش الإنسان أبعاداً ثرية، ولا يحيا حبيساً فى قوقعة الذات الخانقة.
6- الحاجة إلى التفرد:
أى أن يحس الإنسان بجوهره الخصوصى، وعطايا الله له، والوزنات التى تفرد بها، لكى يتاجر ويربح، لمنفعته الخاصة، ولمنفعة أسرته وكنيسته ووطنه… فكل إنسان هو عضو، وكل عضو يتفرد بوظيفة خاصة، وقليلاً ما يتكرر العضو فى الجسد الإنسانى، كالرئتين والكليتين.. ولكن هناك مخ واحد، وقلب واحد، وكبد واحد، وبنكرياس واحد… وكل عضو له عمله ووظيفته وخصوصيته، التى لا يشاركه فيها عضو آخر. وينبغى على القادة (سواء فى مجال الأسرة أو الكنيسة أو الوطن) إتاحة المناخ والفرصة ليعبر كل شخص عما فيه من مواهب وعطايا ووزنات، يخدم بها الآخرين. فالإبداع والإبتكار يستحيلان فى المجتمع الشمولى، الذى يحبط الفرد، ويجعله مجرد ترس فى ماكينة ضخمة، كما كانت تفعل الشيوعية… إذ كانت لا تقبل الإبداع الفردى، وهكذا انهارت… لأن الكل هو مجموع الأفراد والأجزاء، فإذا ما خبا نور الجزء، انطفأ الكل!!
7- الحاجة إلى المرجعية :
لأن التفرد هام، ولكن له خطورته، إذا ما تجاهل حاجته إلى المرجعية. بمعنى أن الإنسان الحكيم، حتى ولو كان موهوباً ومبدعاً، إلا أنه فى حاجة إلى مرجع، يرجع إليه فى أعماله ونشاطاته، وإلا إنحرف وانحسر****!! وربما أضاع الآخرين وراءه!! وهنا نتذكر الهراطقة والمبتدعين، الذين كانت لهم مواهبهم الفذة وقدراتهم الشخصية والفكرية، ولكن لأنهم تكبروا ووثقوا فى أنفسهم، خلواً من المرجعية الجماعية، سقطوا وكان سقوطهم عظيما. ولنا فى الرسول بولس المثال الذى يجب أن نحتذى به، حيث أنه – وهو الرسول الجبار والكارز العملاق، ذهب إلى أعمدة الرسل، بوحى من الله، لكى “يعرض عليهم إنجيله” قائلاً: “لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً” (غل 2:2). هل كان بولس يشك فى تعليمه وإنجيله؟ قطعا لا!! لكنه جاء بإعلان، لكى يأخذ يمين الشركة من الآباء الرسل، ويراجع ما يقول على ما يقولون. وإذ اطمأن الجميع “أعطوه وبرنابا يمين الشركة” (غل 9:2)، وذلك حين علموا بالنعمة المعطاة له… وطلبوا منه أن يذكر الفقراء، وهذا ما كان يفعله فعلاً (غل 10:2).
أنموذج رائع، ليتنا نتمسك به، حتى لا ننحرف أو ننقسم إلى شيع ومذاهب، فلو كان الكل يتمسك بالمرجعية، لما انقسمت كنيسة المسيح بهذا الشكل المؤسف.
ثالثاً: الطريق إلى السلام النفسى:
لاشك – إذن – أن الطريق إلى السلام النفسى يحتاج إلى المقومات التالية :
1- الإيمان والثقة فى الله
العامل فى أولاده، يساعدهم فى النجاح فى نشاطاتهم وخدماتهم “الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (فى 13:2)، ويعطيهم الإحساس بالأمن الكامل “أن كان الله معنا، فمن علينا” (رو 31:.
2- انسكاب محبة الله فى القلب
كما علمنا الرسول بولس قائلاً: “أن محبة الله انسكبت فى قلوبنا، بالروح القدس المعطى لنا” (رو 5:5)… وهكذا ننال من فيض محبة الله، نفس نوعية الحب الإلهى السخى الروحانى الثابت، الذى يحب الناس بالرغم من ضعفاتهم، يحب بسخاء ونقاوة!!
3- العمل الصالح
الذى يعطى الإنسان إمكانية عطاء الحب، واستقبال الحب أيضاً، “فالإيمان بدون أعمال ميت” (يع 20:2).. “فلنعمل الخير للجميع..” (غل 10:6).
4- المتاجرة فى الوزنات الذى ربح بأمانة، وزاد من عدد الوزنات التى لديه، فكافأه الله، وامتدحه.
5- الاتضاع الصادق
الذى يجعلنى أرجع إلى الأب الروحى، وإلى الجماعة الكنسية، وإلى مسئول الخدمة، فلا أسلك فى ذاتية مريضة، ولكن فى مرجعية بناءة…
6- الإنتماء السليم
إلى أسرتى وكنيستى ووطنى، وهو أمر مستحيل إذا كنت أرغب فى الأخذ، وأعانى من الأنانية المفرطة، ولكنه أمر ممكن حينما أقتنى روح البذل والعطاء، التى منحنا إياها السيد المسيح، وامتدحها قائلاً: “مغبوط هو العطاء، أكثر من الأخذ” (أع 37:20).
7- سكنى الله فى القلب
فالرب يسوع يشبع الحياة من الداخل، ويكون كنزنا اللانهائى، وسلامنا الأكيد، وثقتنا فى غفران الماضى، وتطهير الحاضر، وضمان المستقبل… وهو الذى وعدنا قائلاً: “فى العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم” (يو 33:16)، “كلمتكم بهذا ليكون لكم فىّ سلام” (يو 33:16)… إن حاجاتنا النفسية لـن تشبـع إلا فــى السيـــد المسيــح، نصيبنــا النهائـى، فى الزمن وفى الأبدية معاً
ولاً: ما هى الحاجات النفسية ؟
هى إحتياجات مغروسة فينا، وقد ولدنا بها جميعاً. وهى تختلف عن أى إحتياجات أخرى فى أعماقنا. ولهذا يجدر بنا أن نتعرف على كل إحتياجاتنا، لنعرف موقع الحاجات النفسية داخل كياننا الإنسانى. فالإنسان فيه خمسة أنواع من الإحتياجات وهى:
1- الحاجات البيولوجية :
كالحاجة إلى الطعام والشراب، والتى بدونها لا يستمر النوع الإنسانى. هو بحاجة أيضاً إلى السكن الآمن، والدخل الذى يكفى للغذاء والدواء… هذه كلها تدعى الـ Basic Needs، أى الحاجات الأساسية التى بدونها لا تقوم الحياة. ولذلك دعيت أيضاً The Biological Needs، الحاجات البيولوجية، حيث كلمة “Bio” معناها “الحياة”.
2- الحاجات النفسية :
وهذه تشبع النفس أكثر من الجسد، وإن كانت لا تنفصل عن الحاجات البيولوجية، لأن الإنسان كله وحدة واحدة، يتأثر كل مكون فيها بالمكونات الأخرى. أنها إحتياجات النفس من حب إلى نجاح، وتقدير، وخصوصية، وإنتماء، وتفرد، ومرجعية… وبدونها لا تستريح نفس الإنسان… وهذه سندرسها بشىء من التفصيل.
3- الحاجات العقلية :
وهذه مرتبطة بالذهن البشرى، وحاجته إلى المعرفة والفهم، والحكمة والدراسة والتحليل، والثقافة والتفكير، وغير ذلك من ممارسات العقل البشرى، الذى يختلف به الإنسان عن الحيوان، فالعقل وزنة من الله، يجب أن يستثمرها الإنسان لمجد الله، ومنفعته الخاصة، ومنفعة أسرته وكنيسته ووطنه…
4- الحاجات الروحية :
وهى كامنة فى أعماق الطبيعة البشرية، صوتها هادئ، ولكنها غاية فى الأهمية والخطورة، فهى صوت الروح التى أودعها الله فى أجسادنا، والتى بها نتصل بالألوهة، ونصبو إلى الخلود، وندخل عالم الإيمانيات.. وهى الأساس فى خلاصنا إذ بها تتجه نحو الله والخلاص والملكوت..
5- الحاجات الإجتماعية :
فالإنسان مخلوق إجتماعى لا يحيا بدون “الآخر”… سواء الآخر العائلى (فى محيط الأسرة) أو الآخر الكنسى (فى محيط الكنيسة) أو الآخر الإجتماعى (فى محيط المجتمع) أو الآخر البشرى (فى محيط الإنسانية جمعاء)… من هنا نجد أن موقع الحاجات النفسية، هو فى داخل النفس، وهى الطبقة الثانية فى إحتياجاتنا الإنسانية، فبعد أن نعطى الجسد إحتياجاته الأساسية اللازمة لحياتنا، نسمع صوت النفس وإحتياجاتها إلى الأمن والحب والنجاح، ثم نغوص إلى الحاجات العقلية والروحية… وإذ تتكون شخصياتنا فى السيد المسيح بصورة جيدة، ندخل إلى علاقات طيبة مع كل من كان حولنا…
ثانياً: أمثلة للحاجات النفسية:
هناك أمثلة كثيرة للحاجات النفسية نذكر منها:
1- الحاجة إلى الحب :
فالإنسان مخلوق عاطفى، وفيه وجدان دافئ، يحتاج أن يحب، وأن يكون محبوباً. من هنا يجتهد الإنسان، فى أن يقدم حبه للآخرين، وأن يجد منهم ما يحتاج من عاطفة دافئة ومحبة صادقة. ويستحيل أن تستريح نفس الإنسان، إن كان كارها ومكروهاً.. فهذه حياة لا تطاق، سواء روحياً أو نفسياً أو إجتماعياً أو حتى بدنياً.. فالحب دائماً يبنى، والكراهية دائماً تهدم.
إن سعادة اللقاء بالأحباء لا يدانيها شئ آخر، وبخاصة حينما تكون محبتنا روحانية (أغابى)، وليست إنسانية قاصرة (فيلى)، وبالقطع ليست شهوانية جسدانية (ايروس). الإنسان المسيحى ينال من الرب طاقة حب جبارة ومقدسة، فيحب الآخرين “من قلب طاهر بشدة” (1بط 22:1)، ويكون شعاره “بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً” (غل 13:5).
2- الحاجة إلى الأمن :
إذ يحتاج الإنسان إلى الإحساس بأنه آمن نفسياً وجسدياً… سواء من جهة مستقبله فى العمل، أو الدراسة أو الزواج… أو فى السكن والمنطقة المجاورة. فالإحساس بالأمن هام، لكى يحصل الإنسان على الراحة النفسية المطلوبة… والحياة المعاصرة، بما فيها من خصخصة غير آمنة، بسبب سهولة الاستغناء عن الموظفين، وهذا له ثمنه النفسى… وكذلك السكن غير الآمن، أو الوجود وسط صراعات وحروب ونزاعات… ولاشك أن الأمن الحقيقى هو من الله، الذى يقول لنا: “آمنوا بالرب إلهكم فتأمنوا” (2أى 20:20)، فهو الذى يحرسنا من كل شر، ويسند حياتنا فى كل موقف، ويعطينا السلام النفسى من جهة المستقبل، واثقين أن “يسوع المسيح هو هو، أمسا واليوم وإلى الأبد” (عب 8:13).
3- الحاجة إلى التقدير :
فالإنسان لا يستريح لو عومل بدون اهتمام، أو اكتراث ممن حوله… ويسعده أن يكون موضع تقدير من الآخرين… ليس لكى تتضخم ذاته، ولكن لكى يحس أن الله جعل منه عضواً نافعاً، وغصناً مثمراً، له دوره فى خدمة الجماعة. ولاشك أن تشبيه الكنيسة بالجسد، يوضح لنا أن كلاً منا هو عضو فعّال، له وظيفته فى خدمة الجسد، وليس مجرد زائدة يمكن الاستغناء عنها. والإنسان الحىّ فى الله، لاشك أن الرب سيعطيه وزنات على قدر طاقته، يتاجر بها فى خدمة الآخرين، فيصير موضع تقدير منهم، ويحس أنه عضو فعال ومتفاعل، يفيد ويستفيد…
4- الحاجة إلى النجاح :
فالفشل مرّ، والله “لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح” (2تى 7:1)، والإنسان الفاشل نفسه متعبة وحزينة، أما الناجح فعنده فرح داخلى بسبب عمل الله معه. ولا يظن أحد أنه يمكن أن ينجح بدون الله، إذ مكتوب “إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبنى” (نح 20:2)… فلقد “كان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً” (تك 2:39). النجاح عطية إلهية، ولكنه مرهون بجهد الإنسان، فالله والإنسان يعملان معاً.
5- الحاجة إلى الإنتماء :
إذ لا يستطيع الإنسان أن يحيا وحيداً، لا يحس بالإنتماء إلى جماعة ما. ومن هنا تكون هناك دوائر للإنتماء فى حياة الإنسان مثل: الإنتماء الأسرى إذ يشعر الإنسان بالروابط العائلية، ويعتز بالمحبة المنزلية.. ثم الإنتماء الكنسى إذ يشعر بإرتباطه بالكنيسة الأم، ويعتز بها، فكنيستنا هى كنيسة اللاهوت والرهبنة والشهداء والكرازة، وكان – ولا يزال – لها دورها فى خدمة المسيحية العالمية. ويأتى بعد ذلك الانتماء الوطنى الدائرة الأوسع، فيشعر الانسان ويفخر بإنتمائه إلى مصر، صاحبة الحضارة العريقة، حضارة التوحيد والحكمة والفلسفة والفلك والهندسة والطب.. يأتى بعد ذلك الإنتماء الإنسانى إذ يحس أنه عضو فى الجماعة البشرية، يتألم مع المظلومين والمسحوقين واللاجئين والمشردين، ومن تقع لهم كوارث مثل الزلازل والسيول والفيضانات والحروب… وهكذا يعيش الإنسان أبعاداً ثرية، ولا يحيا حبيساً فى قوقعة الذات الخانقة.
6- الحاجة إلى التفرد:
أى أن يحس الإنسان بجوهره الخصوصى، وعطايا الله له، والوزنات التى تفرد بها، لكى يتاجر ويربح، لمنفعته الخاصة، ولمنفعة أسرته وكنيسته ووطنه… فكل إنسان هو عضو، وكل عضو يتفرد بوظيفة خاصة، وقليلاً ما يتكرر العضو فى الجسد الإنسانى، كالرئتين والكليتين.. ولكن هناك مخ واحد، وقلب واحد، وكبد واحد، وبنكرياس واحد… وكل عضو له عمله ووظيفته وخصوصيته، التى لا يشاركه فيها عضو آخر. وينبغى على القادة (سواء فى مجال الأسرة أو الكنيسة أو الوطن) إتاحة المناخ والفرصة ليعبر كل شخص عما فيه من مواهب وعطايا ووزنات، يخدم بها الآخرين. فالإبداع والإبتكار يستحيلان فى المجتمع الشمولى، الذى يحبط الفرد، ويجعله مجرد ترس فى ماكينة ضخمة، كما كانت تفعل الشيوعية… إذ كانت لا تقبل الإبداع الفردى، وهكذا انهارت… لأن الكل هو مجموع الأفراد والأجزاء، فإذا ما خبا نور الجزء، انطفأ الكل!!
7- الحاجة إلى المرجعية :
لأن التفرد هام، ولكن له خطورته، إذا ما تجاهل حاجته إلى المرجعية. بمعنى أن الإنسان الحكيم، حتى ولو كان موهوباً ومبدعاً، إلا أنه فى حاجة إلى مرجع، يرجع إليه فى أعماله ونشاطاته، وإلا إنحرف وانحسر****!! وربما أضاع الآخرين وراءه!! وهنا نتذكر الهراطقة والمبتدعين، الذين كانت لهم مواهبهم الفذة وقدراتهم الشخصية والفكرية، ولكن لأنهم تكبروا ووثقوا فى أنفسهم، خلواً من المرجعية الجماعية، سقطوا وكان سقوطهم عظيما. ولنا فى الرسول بولس المثال الذى يجب أن نحتذى به، حيث أنه – وهو الرسول الجبار والكارز العملاق، ذهب إلى أعمدة الرسل، بوحى من الله، لكى “يعرض عليهم إنجيله” قائلاً: “لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً” (غل 2:2). هل كان بولس يشك فى تعليمه وإنجيله؟ قطعا لا!! لكنه جاء بإعلان، لكى يأخذ يمين الشركة من الآباء الرسل، ويراجع ما يقول على ما يقولون. وإذ اطمأن الجميع “أعطوه وبرنابا يمين الشركة” (غل 9:2)، وذلك حين علموا بالنعمة المعطاة له… وطلبوا منه أن يذكر الفقراء، وهذا ما كان يفعله فعلاً (غل 10:2).
أنموذج رائع، ليتنا نتمسك به، حتى لا ننحرف أو ننقسم إلى شيع ومذاهب، فلو كان الكل يتمسك بالمرجعية، لما انقسمت كنيسة المسيح بهذا الشكل المؤسف.
ثالثاً: الطريق إلى السلام النفسى:
لاشك – إذن – أن الطريق إلى السلام النفسى يحتاج إلى المقومات التالية :
1- الإيمان والثقة فى الله
العامل فى أولاده، يساعدهم فى النجاح فى نشاطاتهم وخدماتهم “الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (فى 13:2)، ويعطيهم الإحساس بالأمن الكامل “أن كان الله معنا، فمن علينا” (رو 31:.
2- انسكاب محبة الله فى القلب
كما علمنا الرسول بولس قائلاً: “أن محبة الله انسكبت فى قلوبنا، بالروح القدس المعطى لنا” (رو 5:5)… وهكذا ننال من فيض محبة الله، نفس نوعية الحب الإلهى السخى الروحانى الثابت، الذى يحب الناس بالرغم من ضعفاتهم، يحب بسخاء ونقاوة!!
3- العمل الصالح
الذى يعطى الإنسان إمكانية عطاء الحب، واستقبال الحب أيضاً، “فالإيمان بدون أعمال ميت” (يع 20:2).. “فلنعمل الخير للجميع..” (غل 10:6).
4- المتاجرة فى الوزنات الذى ربح بأمانة، وزاد من عدد الوزنات التى لديه، فكافأه الله، وامتدحه.
5- الاتضاع الصادق
الذى يجعلنى أرجع إلى الأب الروحى، وإلى الجماعة الكنسية، وإلى مسئول الخدمة، فلا أسلك فى ذاتية مريضة، ولكن فى مرجعية بناءة…
6- الإنتماء السليم
إلى أسرتى وكنيستى ووطنى، وهو أمر مستحيل إذا كنت أرغب فى الأخذ، وأعانى من الأنانية المفرطة، ولكنه أمر ممكن حينما أقتنى روح البذل والعطاء، التى منحنا إياها السيد المسيح، وامتدحها قائلاً: “مغبوط هو العطاء، أكثر من الأخذ” (أع 37:20).
7- سكنى الله فى القلب
فالرب يسوع يشبع الحياة من الداخل، ويكون كنزنا اللانهائى، وسلامنا الأكيد، وثقتنا فى غفران الماضى، وتطهير الحاضر، وضمان المستقبل… وهو الذى وعدنا قائلاً: “فى العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم” (يو 33:16)، “كلمتكم بهذا ليكون لكم فىّ سلام” (يو 33:16)… إن حاجاتنا النفسية لـن تشبـع إلا فــى السيـــد المسيــح، نصيبنــا النهائـى، فى الزمن وفى الأبدية معاً