<H3 class=offscreen align=center>Message body
<p>
بولس الرسول
إننا نعرف عن هذا الرسول وعن نشاطه الكرازي،أكثر مما نعرف عن أي رسول أخر وذلك بفضل ما دونه عنه القديس لوقا في سفر الأعمال وبفضل رسائله التي كتبها...
ولد في طرسوس عاصمة ولاية كيليكية جنوبي شرق أسيا الصغرى ومن أبوين يهوديين من سبط بنيامين كانت ولادته عقب مولد المسيح بسنوات قليلة فقد ولد حوالي سنة 5أو6...
سمي بالاسم العبراني شاول علي اسم أحد ملوك إسرائيل كان أيضا من سبط بنيامين.كما دعي أيضا بولس وهو اسم روماني فقد كانت أسرته تتمتع بحقوق المواطنة الرومانية –وإن كنا لا نعرف كيف ولماذا... ذكرت عدة أسباب لتسميته بولس، لكننا نستبعد أن هذا الاسم أطلق عليه بعد إيمان الوالي سرجيوس بولس في قبرص...
كانت هناك عادة منتشرة أن يحمل الشخص اسمين،أحدهما عبراني والأخر يوناني أو روماني،والأمثلة علي ذلك كثيرة في العهد الجديد..كان أبوه فريسيا ً فنشأ متحمساً لشريعة آبائه...تلقي تعليمه الديني في أورشليم في مدرسة غمالائيل (الأول )وهو أعظم معلمي اليهود في زمانه.ويبدو أن بولس أتي إلي أورشليم حدثاً وهكذا نستنتج من قوله "ربيت مؤدبا عند رجلي غمالائيل "(أع 22:3).................
كان لبولس إلمام كبير بالثقافة اليونانية واللغة اليونانية بفضل البيئة الهيلينية التي نشأ وترعرع فيها في طرسوس وكان يجيد اليونانية إجادة تامة،ويظهر ذلك من أسلوبه في حديثه ورسائله ووقوفه علي بعض آداب الديانة الوثنية وأقوال فلاسفتها وشعرائها واستشهاده بها.كما كان يجيد العبرية الفصحى بالإضافة إلي الآرامية وهي العبرية الدرجة حتي أنه أثار دهشة سامعيه في الهيكل (أع 2:22) وهكذا جمع بولس في شخصه
اليهودية والهيلينية والرومانية، بما أهله أن يصبح رسول للعالم أجمع... وإلي جانب هذه الثقافة تعلم صناعة الخيام –حسب تقليد معلمي اليهود – حتي ما تكون عونا له في مواجهة الحياة ومصاعبها،إذا تطلب الأمر.
نلتقي ببولس أول ما نلتقي في كتاب العهد الجديد – في حادث رجم استفانوس،إذ كان يحرس ثياب الراجمين،وبعد هذا الحادث،يبرز بولس كأكثر مضطهدي الكنيسة حركة ونشاطاً فما أن إنتهي من أعماله التخريبية الانتقامية في أورشليم،حتي قصد دمشق مزوداً بسلطان من رؤساء الكهنة لكي ينزل الاضطهاد بالمؤمنين هناك.
إهتداؤه للمسيحية:
أما إهتداؤه للمسيحية فكان عند مشارق دمشق،حينما أعلن له الرب يسوع ذاته وأرشده إلي ما ينبغي أن يفعله. بعد هذه الرؤيا،كان هو مفتوح العينين لا يبصر. فاقتادوه إلي داخل دمشق وظل صائما ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب....وفي نفس الوقت أعلن الرب إلي حنانيا أسقف دمشق في رؤيا خبر شارل وأمره أن يذهب إليه وعين له مكانه...
ذهب حنانيا ووضع عليه يديه فامتلأ من الروح القدس ووقع من عينيه شئ كأنه قشور فأبصر في الحال وقام وامتلأ من الروح القدس حتي تحول من مضطهد إلي مجاهد،ومن يهودي متعصب لبني جنسه إلي رسول عملاق يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرة الحق يقبلون " وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله "(أع 20:9)
بعد ذلك أمضي بولس ثلاث سنوات في العربية،وهي الصحراء المقابلة لدمشق شرقاً (غل 17:1، 18) انطلق إلي العربية – ليس في مهمة تبشيرية كما يعتقد يوحنا ذهبي الفم – بل كان غرضه الأساسي في هذه الخلوة هو التأمل والصلاة ودراسة أسفار العهد القديم بروح جديدة علي ضوء بركات العهد الجديد.
ولا شك أن هذه السنوات الثلاثة هي مقابل السنوات الثلاث التي أمضاها التلاميذ في الإعداد والتلمذة للرب يسوع.....وهناك في الخلوة أمكنه أن يدرس التناقض العجيب بين الحرف الذي يقتل والروح الذي يحي....وبين خدمة الموت وخدمة الروح (2كو 6:3-9)
وقد قبل الكثير من هذه الحقائق بواسطة الإعلانات الإلهية...."وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به ليس بحسب إنساني،لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته بل بإعلان يسوع المسيح "(غل 11:10، 12)
بعد ثلاث سنوات من إيمانه –أي من سنة 40 تقريباً إلي استشهاده في سنة 67أو 68 – قام بولس بثلاث رحلات تبشيرية كبيرة إلي جانب بعض رحلات صغيرة أخري وزار أورشليم خلالها خمس مرات،وأمضي أكثر من أربع سنوات أسيراً في قيصرية روما....
ونلاحظ أن القديس بولس اتخذ إنطاكية عاصمة سوريا آنذاك قاعدة لرحلاته التبشرية وأصبحت كنيستها الكنيسة الأم لكنائس الأمم،
ينطلق منها التبشير ويعود إليها.وفي نفس الوقت احتفظ بصلاته بكنيسة أورشليم التي كانت بمثابة الكنيسة الأم لكنائس الختان......
ويمكن دراسة هذه الفترة علي النحو التالي :
1- الفترة من سنة 40 إلي سنة 44م:
بعد أن عاد بولس من خلوته في العربية،بدأ خدمته العامة...بدأها بغيرة زائدة في دمشق،مبشراً بالرب يسوع،في نفس المكان الذي اقتبل فيه الإيمان ودعي للعمل...
أثار نشاطه وخدمته حفيظة اليهود،حتي أنهم استعدوا عليه والي دمشق العربي الحارث الذي شدد في حراسة أبواب المدينة بقصد القبض عليه.
لكن الإخوة المؤمنين دبروا أمر هربه بأن دلوه من طاقة في سل بواسطة الحبال (أع 23:9-25، 2كو11:32، 33)
بعد ثلاث سنوات صعد إلي أورشليم ليتعرف ببطرس ومكث معه خمسة عشر يوماً.
وقد التقي في هذه المرة بيعقوب أخي الرب (غل 19:1)...وقد قدمه بر نابا إلي التلاميذ الذين كانوا في بادي الأمر خائفين منه.
لكن لما سمعوا بالطريقة التي أمن بها،كانوا يمجدون الله لأن الذي كان يضطهدهم قبلاً صار يبشر بالإيمان الذي كان قبلاً يتلفه (أع 26:9، 27؛ غل 18:1-24 )...
وفي هذه الزيارة الأولي إلي أورشليم أعلنت له رؤيا من الرب يسوع في الهيكل،وقال له :إسرع واخرج عاجلاً من أورشليم لأنهم لا يقبلون شهادتك عني...اذهب فإني سأرسلك إلي الأمم بعيداً "(أع 17:22)... وقد دبر اليهود مؤامرة لقتله.....
لكن الأخوة أرسلوه غلي قيصرية ومنها إلي طر سوس.وظل فيها حتي جاءه برنابا وطلب منه الاشتراك معه في الخدمة في إنطاكية،فذهب معه وظل يخدم فيها لمدة سنة كاملة (أع 25:11، 26)
لكنه بسبب المجاعة التي كانت وشيكة الوقوع – والتي تنبأ عنها النبي أغابيوس –ذهب سنة 44- خلال السنة التي أمضاها بأنطاكيا –إلي أورشليم ومعه برنابا،حاملا ًتقدمة المسيحين في إنطاكية لمساعدة إخوتهم اليهود...وقد تمت هذه الزيارة في الظروف التي قتل فيها يعقوب الكبير ابن زبدي،وسجن بطرس...
ونلاحظ أن جزءا ً كبيراً من السنوات الأربع الخاصة بهذه الفترة صرفت في أعمال تبشيرية في طرسوس
2- الرحلة التبشرية الأولي (سنة 45-سنة 50):
بدأ بولس رحلته التبشيرية الكبرى الأولي مصحوباً ببرنابا ومرقس بإعلان الروح القدس بلسان الأنبياء في كنيسة أنطا كية (أع 1:13،2)...
انحدر بولس وبرنابا ومرقس إلي سلوكية ميناء أنطا كية علي البحر المتوسط،وأقلعوا منها بحراُ إلي قبرص...اجتاز جزيرة قبرص،وانتقلوا منها إلي أسيا الصغرى.
لكن مرقس فارقهما في برجة بمفيلية ورجع إلي أورشليم لأسباب لا نعلمها....
ولعل أهم الأحداث في هذه الرحلة الأولي هي إيمان والي قبرص الروماني سرجيوس بولس،وتوبيخ ومعاقبة عليم الساحر اليهودي، والنجاح الذي صادفه التبشير بالإنجيل في أنطا كية بيسيدية، ومقاومة اليهود وشفاء الرجل المقعد من بطن أمه في لسترة ومحاولة الناس عبادتهم والذبح لهما هناك.
ثم التحول المفاجئ لهذه المشاعر إلي كراهية لهما كأعداء للآلهة بسبب تحريض اليهود،وما ترتب علي ذلك من رجم بولس في لسترة وهربه هو وبرنابا من الموت وعودتهما المظفرة إلي أنطا كية (أع14،13)..
وتنتهي هذه الفترة بالمجمع الرسولي الأول الذي عقد في أورشليم سنة 50.
3- الرحلة التبشرية الثانية (سنة 51- سنة 54 ):
بعد الانتهاء من مجمع أورشليم بدأ بولس رحلة ثانية كبيرة سنة 51كانت تهدف إلي تبشير اليونانيين،وأخذ معه سيلا..وبعد أن زار بولس الكنائس التي أسسها قبلا،انطلق يرافقه سيلا تيموثاوس الشاب الذي كان قد أمن حديثاً.اجتازوا أقاليم فريجية وغلاطية،ومنعهم الروح القدس من أن يتكلموا بالكلمة في أسيا
انحدر إلي تراوس،وهناك ظهرت فلبولس رؤيا في الليل – رجل مكدوني قائم يطلب إليه ويقول :"اعبر إلي مكدونية وأعنا" فكان هذا إعلان من الله بالإطلاق إلي بلاد اليونان لتبشيرها (أع 9:16، 10)
كرز بالإنجيل أولاً بنجاح كبير في فيلبي حيث أمنت ليديا بائعة الأرجوان وحافظ السجن....وفيها سجن بولس وسيلا.وبمعجزة انفتحت أبواب السجن وخرجا منه (أع 16)...
بعد ذلك قصدا إلي تسالونيكي،وهناك قاومه اليهود واضطهدوه لكنه وراءه كنيسة مزدهرة...وفي البرية اظهر اليهود غيرة عظيمة،إذ قبلوا الكلمة بكل نشاط (أع 17)...
ثم ذهب بولس وسيلا إلي أثينا مركز الأدب القديم والفلسفة.وهناك التقي بولس ببعض الفلاسفة الأببيقويين والرواقيين. هناك في الأريوس الواقع علي تل مارس – كشف لهم بكل حكمة عن الإله المجهول، الذي كانوا يتقونه وهم يجهلونه وأقموا له مذبحاً (أع 17)...وإن كان بولس ينجح نجاحا ملموساً
في أثينا مهد الفلسفة لأنهم استهزأوا به،لكن دعوته للإيمان أثمرت في نفر قليل منهم ديوناسيوس الأريوباغي – الذي صار أسقفا ً علي أثينا فيما بعد – وامرأة تدعي دامرس (أع 34:17) ....
لكن سرعان ما ازدهرت المسيحية في تلك البلاد فيما بعد بفضل البذار التي بذرها هذا الكارز العظيم...
مضي بولس في كورنثوس سنة ونصف،استطاع خلالها – في ظروف قاسية جداً من الإنحلال الخلفي – أن يؤسس فيها كنيسة بقوة كلمة الله، وأنقذ إليها بعد ذلك رسالتين من أكثر رسائلة أهيمة.
وفي ربيع سنة 54 عاد بولس إلي أنطا كية ماراً بأفسس وقيصرية وأورشليم...وفي خلال هذه الفترة كتب رسالته إلي التسالونيكيين.
4- الرحلة التبشيرية الثالثة (سنة 54-58):
في أواخر سنة 54 قصد بولس أفسس وكانت أنذاك المدينة الأولي في أسيا حيث معبد الآلهة ديانا (أرطاميس ) ومكث بها ثلاث سنوات،جاعلاً منها قاعدة عمله الكرازي ( أع 20:31)...بعد ذلك زار للمرة الثانية الكنائس
التي أسسها في مكدونية أخائية،وأمضي ثلاثة أشهر في كورنثوس ومجاوراتها.... وقد كتب في هذه الفترة رسائله العقيدية إلي كنائس غلاطية ورومية.
5- فترة أسره في قيصرية،وأسرة الأول في روما (سنة 58-63)
وتشمل هذه الفترة مدة أسر بولس مرتين بما فيها فترة الشتاء التي تخللت الاثنين،والتي سافر فيها من قيصرية إلي روما...
في ربيع سنة 58سافر بولس للمرة الخامسة والأخيرة إلي أورشليم ماراً بفيلي وتراوس وميلتتس (حيث التقي فيها بكهنة أفسس ( أع 20 ) وصور وقيصرية،حاملاً معه إلي فقراء اليهودية – معونة مؤمني بلاد اليونان.... ولكن بعض اليهود المتعصبين الذين يمقتونه دبروا ثورة ضده في مناسبة عيد الخمسين، واتهموه بتدنيس الهيكل بإدخال يونانيين إليه وجروه خارج الهيكل حتي لا يدنسوه بدهم...وكانوا سيقتلونه لا محالة،لولا تدخل الضابط الروماني ليسياس، الذي كان علي مقربة من المكان...وشغف له في هذا الموقف حقوق المواطنة الرومانية التي كان يتمتع بها، فأنقذه هذا الضابط من ثورة الدهماء، وأوقفه في اليوم التالي أمام السنهدوين. وبعد جلسة غير مجدية،وبعد اكتشاف مؤامرة للفتك به،
أرسله ليساس تحت حراسة قوية إلي فيلكس الوالي الروماني في قيصرية ومعه شهادة تثبت براءته (أع 26-21).
بقي بولس أسيراً في قيصرية لمدة سنتين كاملتين (58-60) –في انتظار محاكمته...
وأما فستوس الوالي الروماني الذي خلف فيلكس سنة 60 طلب بولس كمواطن روماني أن ترفع دعواه إلي قيصر،فرافق الوالي علي ذلك.
وهكذا عمل بولس علي إتمام إرادة الله المعلنة له بأن يبشر روما عاصمة العالم القديم بمخلص العالم كله (أع 11:23)....
وبعد أن دلل علي براءته أكثر من مرة وشهد للمسيح أمام فستوس والملك هيرودس أغريباس الثاني وكل وجوه قيصرية،أرسل في خريف سنة 60 مخفوراً إلي روما.
كانت رحلة قاسية،تحطمت فيها السفينة التي كان يستقلها بفعل العواصف،وأمضي الشتاء في جزيرة مالطة. وفي مارس سنة 61وصل بولس إلي روما...وصلها أسيراً...أسير يسوع المسيح. لكنه كان في حرية وقوة أكثر من الإمبراطور الجالس علي عرشه...
كانت السنة السابعة لتملك نيرون الطاغية....
في روما أمضي بولس علي الأقل سنتين حتي ربيع سنة 63 في حياة سهلة،منتظراً الفصل في قضيته.
لقد أقام تلك الفترة في مسكن خاص استأجره.ولعل ذلك راجع إلي أن تقرير الوالي الروماني فستوس كان في صالحه. وباء عليه فقد منح الأسير بولس حرية أكثر من بقية السري....فحددت أقامته،لكن كانت له الحرية أن يستقبل من يشاء، غير أنه كان له حارس يلازمه وهو موثق بسلاسل....
وفي خلال تلك الفترة بشر بولس جميع الذين كانوا يدخلون إليه بكل مجاهرة بلا مانع (أع 30:28، 31 ).....
ابتدأ باليهود لكن تعصبهم أعمالهم فلم يقبلوا بشارته.اتصل به المسيحيون الذين كانوا في روما وضواحيها.وقد كان لكلامه تأثير حتي في الجنود الذين يتناولون حراسته (في 12:1، 13)
وعلي الرغم من قيوده فقد وصل نشاطه إلي موظفي البلاط الإمبراطوري،فكسب بعضهم وأدخلهم غلي حظيرة الإيمان
وحمل تحياتهم غلي الإخوة الذين في فيلبي (في 22:4)....هكذا تمم بولس –علي الرغم من قيوده –عمله الرسولي نحو الرب والكنيسة، مثبتاً عملياً أن كلمة الله لا تفيد أبداً...وفي هذه الفترة كتب رسالته إلي كولوسي وفيلمون وفيلبي.
6- الأسر الثاني في روما:
يتوقف القديس لوقا كاتب سفر الأعمال في سرده لجهود بولس الرسول التبشيرية عند ربيع سنة 63ولا يمدنا بمعلومات أخري عن حياته بعد ذلك التاريخ....
لكن ليس معني هذا أن رسالة بولس انتهت عند هذا الحد الذي ختمه لوقا بقوله :"كارزاً بملكوت الله ومعلماً بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع "(أع 31:28)....ولم يذكر لوقا شيئاً عن استشهاد بولس أو نهاية حياته....
هناك تساؤلات كثيرة،أثير حولها جدل كبير،لم يصل المؤخرون وكبار مفسري الكتاب المقدس إلي رأي موحد إزاءها، وهي تختص بحياة بولس وجهوده في الفترة من ربيع سنة 63 إلي وقت استشهاده في سنة 67أو 68.
المرجح أن بولس أطلق سراحة لفترة قصيرة أعيد بعدها إلي السجن في روما....
وفي هذه المرة ظل مسجونا ً تحت حراسة مشددة وبصورة أعنف من الأولي (2تي 4: 16، 17).... ورسالة القديس بولس إلي تلميذه تيطس هي احدي الأدلة علي إطلاق سراح بولس بعد أسره الأول.يقول له : "من أجل هذا تركتك في كريت لكي تكمل ترتيب الأمور الناقصة..." (تي5:1) لم يذهب بولس في رحلاته التبشيرية الثلاث إلي كريت.لكن السفينة رست عليها وهو في طريقه إلي روما أسيراً (أع 7:27، .
وفي تلك المرة لم يكن معه تيطس...فلابد وأنه بعد إطلاقه ذهب لتبشيرها وكان معه تيطس. لقد كانت ظروف بولس في أسره الأول في صالحه،مما يؤيد فكرة إطلاق سراحه.كما أن الرسائل التي كتبها في مدة الأسر تعكس نفسيته وتظهرها بظهر الرجاء والفرح.
وفي الفترة القصيرة التي أطلق فيها سراحه بعد الأسر الأول كتب الرسالة إلي العبرانيين من مكان ما بإيطاليا،كان يستعد منه للسفر للشرق...
ويعود بولس لظهور أسيراً للمرة الثانية في روما في أواخر سنة 66...في الفترة ما بين الأسرين ذهب إلي كريت،وعهد إلي تلميذه تيطس العناية بشئون كنيستها، كنيستها،وذهب إلي أفسس وغادرها إلي مكدونية حيث كتب رسالته الأولي إلي تلميذه تيموثاوس من إحدى مدنها.... وربما عرج علي كورنثوس وميليتس وأمضي شتاء سنة 65،سنة 66 في مدينة نيكوبوليس بإقليم إبيروس حيث كتب رسالته إلي تيطس يستدعيه (تي123:3). ويبدو أنه عرج علي تراوس حيث أوع قسماً من أمتعته (2تي13:4)...وفي رأي أخر أنه قبض عليه في تراوس ورحل منها أسيراً إلي روما ليؤسر أسره الثاني.ويستدلون علي ذلك من أنه لم يتمكن من أخذ متاعه ورقوقه التي لا يستغني عنها.وهناك إحتمال أنه ذهب إلي أسبانيا....
في هذا الأسر الثاني والأخير كتب بولس أخر رسائله وهي الثانية إلي تيموثاوس،وفيها يقول له :
"فإني أنا الآن أسكب سكيباً،ووقت انحلالي قد حضر قد جاهدت الجهاد الحسن...وأخيراً وضع لي إكليل البر "(2تي 6:4-
ومهما يكن من أمر،فإن هذه الفترة الأخيرة من حياة ذلك الرسول المجتهد يكتنفها الغموض ويجمع المؤرخون القدامى علي أن بولس قضي شهيداً بقطع رقبته بحد السيف في عهد نيرون الطاغية في مدينة روما،ورما في سنة 67أو 68م
هذا العرض التاريخي المقتضب أقل من أن يصور لنا أن هذا الرسول العملاق علي حقيقته...إن من يريد أن يقف عليه أن يدرس حياة هذا المجاهد القديس من واقع كتاباته،التي تبرز قوة شخصيته وجمال فضيلته وعمق إيمانه وفرط إتضاعه وأصالة نسكه ووقور غيرته وكنوز محبته...
كم من الأكاليل وضعت لذاك الذي تلعب أكثر من جميع الرسل ودعا الناس أن يمتلؤا إلي كل ملء الله وكان كل همه أن يحضر كل إنسان كاملاً في المسيح يسوع وأخيراً قدم حياته ثمناً لحبه لإلهه ومخلصه...