سرّ يسوع تقديس الإنسان للاتحاد بالله
شهادة حية لإيمان مُسَلَّم من جيل إلى جيل
[ من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كو6: 17)
سر يسوع تقديس الإنسان أي تأهيل الطبيعة البشرية للحياة مع الله
كمجال حي لنتذوق عمل المسيح الخلاصي في حياتنا
الجزء السادس:/ التقديس والاتحاد بالله لا يُفرض على الإنسان
إنما هو قبـــــول حُرّ منـــــه
نقرأ في إنجيل يوحنا: [ كان في العالم وكون به العالم ولم يعرفه العالم، إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله. وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سُلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه... ] (يو1: 10 – 12)
فتقديس الإنسان للاتحاد بالله كابن في الابن الوحيد، لا يُفرض على الإنسان. وبالرغم من أنها نعمة من الله للإنسان، إنما نعمة الله دائماً تُقدر جداً حُرية الإنسان، لذلك فالتقديس والاتحاد بالله بالنعمة الإلهية يتطلب انفتاح كامل وواعي لقلب الإنسان، بل وكيانه كله يصير منفتحاً على نعمة الله التي تسكن فيه وتُقدس الروح والنفس والجسد معاً، فلابد من أن نعي هذه النعمة العُظمى ونقبل أن تعمل فينا فنقدم الإيمان ونصدق الله ونقبل عطيته لنا [وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سُلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه ].
[ اليوم أن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم ] (عبرانيين3: 7 و
النعمة يا إخوتي تقرع باب القلب ولن تدخل أبداً إن لم يسمع ويستجيب ويفتح الإنسان قلبه، فتدخل النعمة فيدخل فوراً في علاقة شركة قائمة على محبة قلبيه متبادلة بينه وبين الله حبيبه الخاص...
فلا يكفي أبداً أن نعرف النعمة ونسمع صوت قرعها على قلوبنا، ونفرح بحضورها معنا، بل لابدَّ من أن نفتح القلب لها باختيارنا وحريتنا وإرادتنا، لأننا نُريدها فعلاً وليس كلاماً!!! فإذ كان هناك على باب بيتنا ضيف نريده أن يكون معنا، أفلا نفتح له سريعاً لأننا نحبه ونُريده أن يدخل إلينا لنُقيم معه شركة، فكم تكون النعمة المُخلصة حينما تقرع باب القلب، كيف نتصرف معها ونعمل!!!
إن السرّ في علاقة الشركة والوحدة مع الله، هو كونها علاقة لا تحيا إلا في جو من الحرية بين الطرفين (الله وأنا)، فالله من جهة يُبادر بالدعوة، وهي مجانية مقدمة منه بالمحبة وبذل ابنه الوحيد على عود الصليب، والإنسان بدوره يُلبي الدعوة ويستجيب لنداء الله بموافقة الإيمان:
[ كما أن قدرته الإلهية قد وَهَبَتْ لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة اللذين بهما قد وَهَبَ لنا المواعيد العُظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة ] (2بط1: 3 – 4)
ويقول القديس مقاريوس الكبير: [ كذلك الله الذي يعتني بالإنسان ويتراءف عليه، فإن النفس التي تأتي باشتياق إليه، ينقاد هو إليها بالمحبة وبتحننه الطبيعي المختص به، ويتحد بنفسها، ويصير معها روحاً واحداً كقول الرسول. لأن النفس بالتصاقها بالرب وبمداومة العقل في نعمة الرب بلا انقطاع، يتراءف الرب عليها ويسكب محبته عليها ويُلازمها، وبذلك فإن النفس تصير هي والرب روحاً واحداً وامتزاجاً واحداً وعقلاً واحداً، وإن يكن جسدها على الأرض فأن عقلها يكون بكليته في أورشليم السمائية، يعلو إلى السماء... ويتحد بالرب اتحاداً شديداً ويخدمه هُناك.
وكذلك أيضاً هو، حينما يكون جالساً على كرسي العظمة في العُلا، فهو يكون معها بكليته، لأنه وضع صورتها فوق في المدينة السماوية مدينة القديسين، أي أورشليم، وأما صورته الخصوصية أي صورة نور لاهوته الفائق الوصف فإنه وضعها فيها، هو يتولاها في مدينة جسدها وهي تخدمه في مدينته السماوية، هي وريثته في السماء وهو وارثها على الأرض، فالرب يصير ميراثاً للنفس والنفس تصير ميراثاً للرب. ] (القديس مقاريوس عظة 46)
ويقول أيضاً: [ ومن حيث أن النفس تكون... كثيرة الاشتياق الحار إلى العريس السماوي بالنعمة الساكنة فيها، وتشتهي دوماً أن تدخل بالتمام إلى الشركة السرية معه، (الشركة) الفائقة الوصف بتقديس الروح. حينئذ يكشف نظرها فترى العريس السماوي بعين نقيه وجهاً لوجه في ذلك النور الروحاني الذي لا يوصف... ] (حياة الصلاة ص200: 287)
_____يتبـــــــــع_____