مقدّمة
كل محبّيْن يتمنيان أن لا ينتهي حبهما، أن يدوم إلى الأبد... ولكن أيدوم الحب يا ترى ؟ هل يمكن أن يبقى حيّاً ؟
إليكم ما أجابه البعض شعراً:
صـدقوني صـدقوني زمنُ الحـبِ مـديد
فهو مثل الشمـسِ باقٍ كلـما طال يـزيد
ينقـضي عـامٌ فعـام وهو راسٍ لا يـحيد
هل هؤلاء حالمون أو تائهون، أو مخادعون؟ أيدوم الحب في الحياة حقاً ؟
نحن نقول لكم نعم. والسر في ذلك هو المحافظة على حيوية الحب. إن الحب الحي يصنع العجائب وأولى هذه العجائب هي ديمومته.
أولاً - مفاعيل الحب الحيّ
1- الحب الحي ينظِّم أحوال شخصيتكما:
فهو يوقظ فيكما كل القوى الجسمية، العاطفية، العقلية. يجمعها ويضبطها. إنه يركّز كل شيء؛ إنه كالمغناطيس الذي يجمع ويكتّل وينظّم برادة الحديد بشكل جميل. فيه يشترك الجسم بقوته، والنفس بعواطفها ومشاعرها، والعقل بمبادئه وأفكاره.
2- الحب الحي يبني وَحْدَةَ الزوجين:
رجل وامرأة شخصيتان مختلفتان، يكونان أحياناً من أرومتيْن مختلفتيْن، وتربيتين متباينتين، يأتي الحب فيؤلّف منهما شركة خالصة وحيدة من نوعها (يؤلف منهما زوجيْن)؛ إنه يحول (الأنا) إلى (نحن)!
الحب الحقيقي توغّل إثنين في دروب تمكّنهما من استسلام كلٍ منهما إلى الآخر وبأعمق ما في ذاتيْهما.
الحب الحقيقي هو بذل الذات، وبذل الجهد لجعل الآخر فينا حاضراً كحضورنا.
بناء وحدة الزوجين عملية دائمة ومستمرة، عملية يومية. (إن حياتي الحقيقية هي أن أكون معك، وأن أجعل خطواتي محاذية لخطواتك).
3- الحب الحي يضعكما معاً في خدمة الحياة:
فهو يساعدكما على إيصال الحياة إلى الغير، إنه مصدر حياة بعكس الحب العقيم الذي لا يخلق شيئاً، ومصيره الملل فالشيخوخة فالموت. إنه لا يدوم. أمّا الحب الحقيقي الحي فهو:
أ- يوقظ الحياة في كل منكما: (هل تذكران اليوم الذي قال فيه الواحد للآخر "أنا أحبك". هل تذكران مشاعركما وحالكما في تلك اللحظة؟). إنه يفجر طاقاتكما، لقد غدوتما أغنى، وأنشط، وأجمل، وأقوى.
ب- يخلق الحياة في داركما: (إنجاب الأطفال)، وهذا ينمي حبكما ويوّسّعه، ويفتحه على العالم فلا يبقى سجين الوحدة. لا يبقى حبّاً فردياً مغلقاً على إثنين.
ج- ينشر الحياة إلى أبعد بكثير من داركما: إنّ حبّكما لبعضكما، ولأولادكما سيقودكما إلى حب الآخرين، إلى حب شامل، إلى قمة الحب.
إنّ حُبَّ الزوجين المغلق على ذاته، حب أناني، حب ناقص، يحمل في تضاعيفه بذور الموت، على عكس الحب المنفتح فهو حب رسولي (انظروا إلى حبة الحنطة فهي إنْ لم تمت تبقَ وحدها، وإنْ ماتت أعطت ثمراً كثيراً...)
الحب الحي يوسّع قلبكما، ويدفعكما إلى بذل الذات على غرار يسوع...
4- الحب الحي يدفعكما في طريق الخالق:
عندما تتحابان حبّاً صحيحاً تعملان عندها عمل الله، يغدو حباً خلاّقاً. إنّ حبنا البشري هو امتداد لحبه تعالى، فإذا كان حبنا يخلق فذلك لأن الله الخالق هو إله محبة.
إنّ دعوتكما إلى الزواج هي أن يحب أحدكما الآخر كما أحبكما الله وكما تحبانه أنتما.
إن حب الزوجين المسيحيين أكثر حيوية من أي حب زوجي آخر، لأنه نابع من الله الأزلي، ومصبّه في الأزلية.
- قراءة (... في ذات أمسيّة من أمسيات الربيع سار متحابان يتنزهان في غاب وأعينُهما تشعّ إشعاع حب غض مُستجِدّ، فأرادا أن يحفُرا في جذع شجرة صورة عن تحالفهما على الأمانة، فرسما فيه قلباً جميلاً ذا خطوط دقيقة تمثيلاً لحبهما.
وبعد عشرين عاماً عاد الزوجان إلى ذلك المكان فإذا بالرسم المحفور باق يذكرهما بسالف حبهما: القلب ظاهر غير أن لحاء الجميّزة المحيطة به تآكلت أطرافه، فزالت روعةُ الرسم ولكن الحفرلم يكن سطحياً فبلغ لُباب الشجرة، فهو الآن قلب حي. هكذا يكون الحب البشري إذا ما طبعه الخطيبان في شجرة الحياة التي هي المسيح. لا شك أن الزمان يهشِّم أطراف هذا الحب الدقيقة الصنع السطحية فتبدو خشنة صلبة، أما الحب نفسه فيزداد عمقاً، يتصل بقلب المسيح فتنمو فيه الحياة أكثر فأكثر إذ يستمدها من حياة الشجرة عينها، ولن يخطر على بال أحد أن يستبدله بحب سطحي).
ثانياً - احتياجات الحب الحي
الحب حياة. ماذا يُشترَط عملُهُ لكي يبقى حبكما حياً؟
1- الحب يحتاج إلى نمو مستمر:
لا ينحل الحب إلاّ إذا توقف عن النمو.
ويتجلى هذا النمو على ثلاثة أشكال: التعمّق، الامتداد، والتجدد.
أ- التعمّق: يجب ألاّ يبقى حبكما سطحياً، على مستوى القُبُلات والمغازلات؛ فالحب ليس مجرد انفعالات، ليس بكليته جسدياً، بل هو أكثر من ذلك، ليس مرتبطاً بلون شعر أو ببهاء طلعة أو بقوة بدنية أو بجاذب جنسي وحسب.
سيأتي يوم تذبل فيه كل هذه الأشياء واحدة بعد أخرى، فماذا يبقى بعدها؟
أين نجد مدرسة لجمال الحب وتعميقه؟ نجدها في الحوار بين الخطيبين، وغداً بين الزوجين؛ نجدها في المكالمة. بالتبادل الشريف المخلص تتعلمان أن لاتلبثا على سطحية المسائل التي تشغل أفكاركما، بل أن تغوصا في الأعماق فيكتشف كل منكما ما في الآخر من عميق الصفات كما يكتشف معايبه، وتُحسم خلافاتكما بحسن التراضي فيتعمّق ارتباطكما وحبكما.
ب- الامتداد:
مدّدا حبكما، لا تخافا من توسيع مجاله، لا تكونا اليوم خطيبين، وغداً زوجين أنانيين يخافا الأولاد، والأهل، والزوار، والأصدقاء، ومَن بحاجة إلى خدمة.
إذا أردتما أن ينمو حبكما ويبقى حيّاً فلا تخافا أن تعرّضاه للشمس والرياح. افتحا منافذ قلبيكما وأبوابهما، استقبلا بالترحَاب الله، رحِّبا بالأولاد، وبالشغل، وبالجيران، وبالفقراء.
ج- التجدّد: جددا حبكما.
الحب لا يُعطى كاملاً، إنما يجب أن نصنعه ونكمّله كل يوم وعلى الدوام.
طوال حياتكما يلزم أن تتعلّما كيف يكون كل منكما حاضراً في الآخر، كيف تبذلان حياتكما راضيْين، كيف تبرهنان على حبكما بتضحيات جديدة.
إنّ سر الزواج يمنحكما ثروات من الحياة لا تُقدّر، ولكن هذه الثروات تقتضي فلاحتها، ويجب إيقاظها بالصلاة، وبالعطاء، وبالحنان.
لينظر كل منكما إلى الآخر كل يوم بقلب جديد وبعينين جديدتين نظرة خلاّقة.
يجب أن يستمرّ حبكما طوال الحياة: تتحابّان أكثر قليلاً، وأحسن قليلاً، وأعمق قليلاً من يوم إلى آخر.
2- الحب يحتاج إلى شيء من العذاب (الألم)!
- هل يمكن أن نمنع تطرّق العذاب إلى حياتنا؟
- فكما يتغذّى الحب بالهواء النقي والأجواء الرحبة، فإنه يتغذى بالعذاب (الحب يفرحنا، والحب يبكينا) فهو يستوجب الموت عن أنانيتنا من أجل حب أكثر أصالة.
- الحب يتطهّر في قلب الوقائع اليومية.
- يتجلّى هذا العذاب:
أ- بصورة إنزعاج في قبول الواحد للآخر
- الحب هو قبول شخص آخر في صميم القلب (أحب قريبي كنفسي) إن أقرب قريب إليّ هو زوجي الذي يعيش معي. فهو مصدر ألم لي، ولكنه في الوقت ذاته هو مصدر فرح وغنى لي شرط أن أنظر إلى هذا الألم نظرة إيمانية.
- الحب يعني قبول الآخر كما هو ليس قبوله فقط، بل مساعدته على الائتلاف مع احترام مكانته وحدوده.
- هناك تنافر مؤلم علينا أن نتغلب عليه بتعديل مزاجنا، وهذا يتطلب تضحية تؤلمنا.
- الحب لا يعني تخلّي المحب عن ذاتيته، وعن سعادته بل عن الأنانية التي تتجلى في كيفية احتفاظه بذاتيته وطلبه السعادة.
ب- بصورة التخلي عن أنانيته:
- لا يكون الحب صحيحاً إلاّ يوم يكون لدى المُحب القدرة على إسعاد المحبوب قبل إسعاد نفسه
- إن في التنازل عن الأنانية عناء، ولكن هذا العناء شرط لازم للحب الحي.
ج- بصورة التغلّب على تجارب الحياة
كالمرض، البطالة، الغيرة، ارتكاب زلة، طيش...
- هذه التجارب وغيرها كثير تورِّث الألم، ولكنها يمكن أن تكون سَنَداً لحبكما تنمّيه وتُنقيّه شرط قبولها بقلب متواضع (الحب ينتعش وسط الآلام)
- يتم التغلّب على هذه التجارب بإشراك المسيح فيها وبمشاركة أحدكما للآخر.
خاتمة
- الحب قضية الحياة الكبرى، فلولاه لما كان العالم، إنه حياة الله، وحياة الإنسان في وحدة.
- فلكي يحيا عليه أن ينمو وأن يقبل التجربة، أن ينمو بعمق، بتمدد، بتجدد وأن يتحمل الألم في قبول الواحد للآخر على علاّته.
- إنه امتداد لحب الله مصدر الحب، منه يستمد النور والحياة.
- الحقيقة العظمى هي: أن الحب الذي يأتينا من الله هو الذي نكتسب منه كل القوى التي بها نبادله، ونبادل الآخرين حباً بحب.
- فعلِّمنا يا رب أن نتعارف تعارفاً حقيقياً ليكون عرفاننا لك أفضل، ساعدْنا على أن تكون اليوم خطيبين، وغداً زوجين مسيحيين حقيقيين بصلاح سيرتنا، ونبل عواطفنا وجزيل برنا. هيّئ لنا في آلامنا وأفراحنا حباً يشبه حبك لكنيستك فنكون له يومياً في زواجنا شهوداً...
كل محبّيْن يتمنيان أن لا ينتهي حبهما، أن يدوم إلى الأبد... ولكن أيدوم الحب يا ترى ؟ هل يمكن أن يبقى حيّاً ؟
إليكم ما أجابه البعض شعراً:
صـدقوني صـدقوني زمنُ الحـبِ مـديد
فهو مثل الشمـسِ باقٍ كلـما طال يـزيد
ينقـضي عـامٌ فعـام وهو راسٍ لا يـحيد
هل هؤلاء حالمون أو تائهون، أو مخادعون؟ أيدوم الحب في الحياة حقاً ؟
نحن نقول لكم نعم. والسر في ذلك هو المحافظة على حيوية الحب. إن الحب الحي يصنع العجائب وأولى هذه العجائب هي ديمومته.
أولاً - مفاعيل الحب الحيّ
1- الحب الحي ينظِّم أحوال شخصيتكما:
فهو يوقظ فيكما كل القوى الجسمية، العاطفية، العقلية. يجمعها ويضبطها. إنه يركّز كل شيء؛ إنه كالمغناطيس الذي يجمع ويكتّل وينظّم برادة الحديد بشكل جميل. فيه يشترك الجسم بقوته، والنفس بعواطفها ومشاعرها، والعقل بمبادئه وأفكاره.
2- الحب الحي يبني وَحْدَةَ الزوجين:
رجل وامرأة شخصيتان مختلفتان، يكونان أحياناً من أرومتيْن مختلفتيْن، وتربيتين متباينتين، يأتي الحب فيؤلّف منهما شركة خالصة وحيدة من نوعها (يؤلف منهما زوجيْن)؛ إنه يحول (الأنا) إلى (نحن)!
الحب الحقيقي توغّل إثنين في دروب تمكّنهما من استسلام كلٍ منهما إلى الآخر وبأعمق ما في ذاتيْهما.
الحب الحقيقي هو بذل الذات، وبذل الجهد لجعل الآخر فينا حاضراً كحضورنا.
بناء وحدة الزوجين عملية دائمة ومستمرة، عملية يومية. (إن حياتي الحقيقية هي أن أكون معك، وأن أجعل خطواتي محاذية لخطواتك).
3- الحب الحي يضعكما معاً في خدمة الحياة:
فهو يساعدكما على إيصال الحياة إلى الغير، إنه مصدر حياة بعكس الحب العقيم الذي لا يخلق شيئاً، ومصيره الملل فالشيخوخة فالموت. إنه لا يدوم. أمّا الحب الحقيقي الحي فهو:
أ- يوقظ الحياة في كل منكما: (هل تذكران اليوم الذي قال فيه الواحد للآخر "أنا أحبك". هل تذكران مشاعركما وحالكما في تلك اللحظة؟). إنه يفجر طاقاتكما، لقد غدوتما أغنى، وأنشط، وأجمل، وأقوى.
ب- يخلق الحياة في داركما: (إنجاب الأطفال)، وهذا ينمي حبكما ويوّسّعه، ويفتحه على العالم فلا يبقى سجين الوحدة. لا يبقى حبّاً فردياً مغلقاً على إثنين.
ج- ينشر الحياة إلى أبعد بكثير من داركما: إنّ حبّكما لبعضكما، ولأولادكما سيقودكما إلى حب الآخرين، إلى حب شامل، إلى قمة الحب.
إنّ حُبَّ الزوجين المغلق على ذاته، حب أناني، حب ناقص، يحمل في تضاعيفه بذور الموت، على عكس الحب المنفتح فهو حب رسولي (انظروا إلى حبة الحنطة فهي إنْ لم تمت تبقَ وحدها، وإنْ ماتت أعطت ثمراً كثيراً...)
الحب الحي يوسّع قلبكما، ويدفعكما إلى بذل الذات على غرار يسوع...
4- الحب الحي يدفعكما في طريق الخالق:
عندما تتحابان حبّاً صحيحاً تعملان عندها عمل الله، يغدو حباً خلاّقاً. إنّ حبنا البشري هو امتداد لحبه تعالى، فإذا كان حبنا يخلق فذلك لأن الله الخالق هو إله محبة.
إنّ دعوتكما إلى الزواج هي أن يحب أحدكما الآخر كما أحبكما الله وكما تحبانه أنتما.
إن حب الزوجين المسيحيين أكثر حيوية من أي حب زوجي آخر، لأنه نابع من الله الأزلي، ومصبّه في الأزلية.
- قراءة (... في ذات أمسيّة من أمسيات الربيع سار متحابان يتنزهان في غاب وأعينُهما تشعّ إشعاع حب غض مُستجِدّ، فأرادا أن يحفُرا في جذع شجرة صورة عن تحالفهما على الأمانة، فرسما فيه قلباً جميلاً ذا خطوط دقيقة تمثيلاً لحبهما.
وبعد عشرين عاماً عاد الزوجان إلى ذلك المكان فإذا بالرسم المحفور باق يذكرهما بسالف حبهما: القلب ظاهر غير أن لحاء الجميّزة المحيطة به تآكلت أطرافه، فزالت روعةُ الرسم ولكن الحفرلم يكن سطحياً فبلغ لُباب الشجرة، فهو الآن قلب حي. هكذا يكون الحب البشري إذا ما طبعه الخطيبان في شجرة الحياة التي هي المسيح. لا شك أن الزمان يهشِّم أطراف هذا الحب الدقيقة الصنع السطحية فتبدو خشنة صلبة، أما الحب نفسه فيزداد عمقاً، يتصل بقلب المسيح فتنمو فيه الحياة أكثر فأكثر إذ يستمدها من حياة الشجرة عينها، ولن يخطر على بال أحد أن يستبدله بحب سطحي).
ثانياً - احتياجات الحب الحي
الحب حياة. ماذا يُشترَط عملُهُ لكي يبقى حبكما حياً؟
1- الحب يحتاج إلى نمو مستمر:
لا ينحل الحب إلاّ إذا توقف عن النمو.
ويتجلى هذا النمو على ثلاثة أشكال: التعمّق، الامتداد، والتجدد.
أ- التعمّق: يجب ألاّ يبقى حبكما سطحياً، على مستوى القُبُلات والمغازلات؛ فالحب ليس مجرد انفعالات، ليس بكليته جسدياً، بل هو أكثر من ذلك، ليس مرتبطاً بلون شعر أو ببهاء طلعة أو بقوة بدنية أو بجاذب جنسي وحسب.
سيأتي يوم تذبل فيه كل هذه الأشياء واحدة بعد أخرى، فماذا يبقى بعدها؟
أين نجد مدرسة لجمال الحب وتعميقه؟ نجدها في الحوار بين الخطيبين، وغداً بين الزوجين؛ نجدها في المكالمة. بالتبادل الشريف المخلص تتعلمان أن لاتلبثا على سطحية المسائل التي تشغل أفكاركما، بل أن تغوصا في الأعماق فيكتشف كل منكما ما في الآخر من عميق الصفات كما يكتشف معايبه، وتُحسم خلافاتكما بحسن التراضي فيتعمّق ارتباطكما وحبكما.
ب- الامتداد:
مدّدا حبكما، لا تخافا من توسيع مجاله، لا تكونا اليوم خطيبين، وغداً زوجين أنانيين يخافا الأولاد، والأهل، والزوار، والأصدقاء، ومَن بحاجة إلى خدمة.
إذا أردتما أن ينمو حبكما ويبقى حيّاً فلا تخافا أن تعرّضاه للشمس والرياح. افتحا منافذ قلبيكما وأبوابهما، استقبلا بالترحَاب الله، رحِّبا بالأولاد، وبالشغل، وبالجيران، وبالفقراء.
ج- التجدّد: جددا حبكما.
الحب لا يُعطى كاملاً، إنما يجب أن نصنعه ونكمّله كل يوم وعلى الدوام.
طوال حياتكما يلزم أن تتعلّما كيف يكون كل منكما حاضراً في الآخر، كيف تبذلان حياتكما راضيْين، كيف تبرهنان على حبكما بتضحيات جديدة.
إنّ سر الزواج يمنحكما ثروات من الحياة لا تُقدّر، ولكن هذه الثروات تقتضي فلاحتها، ويجب إيقاظها بالصلاة، وبالعطاء، وبالحنان.
لينظر كل منكما إلى الآخر كل يوم بقلب جديد وبعينين جديدتين نظرة خلاّقة.
يجب أن يستمرّ حبكما طوال الحياة: تتحابّان أكثر قليلاً، وأحسن قليلاً، وأعمق قليلاً من يوم إلى آخر.
2- الحب يحتاج إلى شيء من العذاب (الألم)!
- هل يمكن أن نمنع تطرّق العذاب إلى حياتنا؟
- فكما يتغذّى الحب بالهواء النقي والأجواء الرحبة، فإنه يتغذى بالعذاب (الحب يفرحنا، والحب يبكينا) فهو يستوجب الموت عن أنانيتنا من أجل حب أكثر أصالة.
- الحب يتطهّر في قلب الوقائع اليومية.
- يتجلّى هذا العذاب:
أ- بصورة إنزعاج في قبول الواحد للآخر
- الحب هو قبول شخص آخر في صميم القلب (أحب قريبي كنفسي) إن أقرب قريب إليّ هو زوجي الذي يعيش معي. فهو مصدر ألم لي، ولكنه في الوقت ذاته هو مصدر فرح وغنى لي شرط أن أنظر إلى هذا الألم نظرة إيمانية.
- الحب يعني قبول الآخر كما هو ليس قبوله فقط، بل مساعدته على الائتلاف مع احترام مكانته وحدوده.
- هناك تنافر مؤلم علينا أن نتغلب عليه بتعديل مزاجنا، وهذا يتطلب تضحية تؤلمنا.
- الحب لا يعني تخلّي المحب عن ذاتيته، وعن سعادته بل عن الأنانية التي تتجلى في كيفية احتفاظه بذاتيته وطلبه السعادة.
ب- بصورة التخلي عن أنانيته:
- لا يكون الحب صحيحاً إلاّ يوم يكون لدى المُحب القدرة على إسعاد المحبوب قبل إسعاد نفسه
- إن في التنازل عن الأنانية عناء، ولكن هذا العناء شرط لازم للحب الحي.
ج- بصورة التغلّب على تجارب الحياة
كالمرض، البطالة، الغيرة، ارتكاب زلة، طيش...
- هذه التجارب وغيرها كثير تورِّث الألم، ولكنها يمكن أن تكون سَنَداً لحبكما تنمّيه وتُنقيّه شرط قبولها بقلب متواضع (الحب ينتعش وسط الآلام)
- يتم التغلّب على هذه التجارب بإشراك المسيح فيها وبمشاركة أحدكما للآخر.
خاتمة
- الحب قضية الحياة الكبرى، فلولاه لما كان العالم، إنه حياة الله، وحياة الإنسان في وحدة.
- فلكي يحيا عليه أن ينمو وأن يقبل التجربة، أن ينمو بعمق، بتمدد، بتجدد وأن يتحمل الألم في قبول الواحد للآخر على علاّته.
- إنه امتداد لحب الله مصدر الحب، منه يستمد النور والحياة.
- الحقيقة العظمى هي: أن الحب الذي يأتينا من الله هو الذي نكتسب منه كل القوى التي بها نبادله، ونبادل الآخرين حباً بحب.
- فعلِّمنا يا رب أن نتعارف تعارفاً حقيقياً ليكون عرفاننا لك أفضل، ساعدْنا على أن تكون اليوم خطيبين، وغداً زوجين مسيحيين حقيقيين بصلاح سيرتنا، ونبل عواطفنا وجزيل برنا. هيّئ لنا في آلامنا وأفراحنا حباً يشبه حبك لكنيستك فنكون له يومياً في زواجنا شهوداً...