المصرىُّ مستحيلٌ أن يقبل رئيسًا له أحدَ أولئك الذين يُغيّرون كلامهم تبعًا للمواقف والمصالح. المصرىُّ، طوال تاريخه منذ آلاف السنين، يعتبر الحاكمَ رمزًا ونموذجًا. فإن خُدش هذا الرمزُ، تصدّع خيطُ المحبة الرابط بين المصرى وبين حاكمه. هنا، بجريدة «اليوم السابع» بتاريخ 10 / 5 / 2011، كتبتُ مقالاً عنوانه: «دكتور العوّا، شكرًا على استنارتك»، أحيى قوله، فى برنامج «آخر كلام» مع يسرى فودة، بالحرف: «إن أحدًا لم يقل أبدًا إن بالكنائس أسلحةً! ما هذا السخف؟» ورغم أن أحدًا غيره، هو د. سليم العوا، لم يقل هذا التصريح الخطير، ورغم أن أحدًا غيره لم يتسبب لمصر فى كل النيران التى أعقبت هذا التصريح الخطير غير المسؤول، ورغم أن أحدًا غيره لم يقل بالحرف لمنى الشاذلى فى العاشرة مساءً: «إن السلاحَ الذى يأتى به القبطىُّ لكى يخزنه فى الكنيسة لا معنى له إلا أنه استعدادٌ لاستعماله ضد المسلمين!»، وهو عينُ ما قاله لقناة الجزيرة قبل عام، وهو أيضًا عين ما لن يسامحَ فيه اللهُ القائلُ فى كتابه العزيز: «فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة». فأما القومُ فهم شعب مصر، وأما ذاك الذى لم يتبيّن فهو د. العوا، الراغبُ فى عرش مصر. وأما بقية الآية الكريمة: «فتُصبحوا على ما فعلتم نادمين»، فهل غدا د. العوا من النادمين؟ وهل حان الحينُ ليعتذر عما أصابنا منه بجهالة؟ ورغم أن مصر لن تغفر كل هذا الخراب الذى أعقب تصريحه فإننى فرحتُ لمجرد نفيه ما سبق وصرّح به، وإن ظل مدينًا باعتذارين واضحين دون توريات أو بديع أو لعب بالكلمات، اعتذارين أولهما لمصر، وثانيهما لأبنائها المسيحيين الذين قيل فى حقهم قول زورٍ، دون سند أو برهان. بل إن براهينَ وأسانيدَ وحُججًا كثيرة تقول العكس. فلو أن بالكنائس فقط «كيس بُـمب» لدافعوا به عن أنفسهم ضدَّ كل الهجمات التى قام بها البلطجيةُ فى الكشح ونجع حمادى والقديسيْـن وصول وعشرات الكوارث الأخرى!
وبعدما شكرته انهال اللومُ علىّ من شباب مصرى ذكى يفهم لعبة السياسة، التى لا أفهمها أنا. قالوا إن العوا تراجع عن تصريحاته المدمرة، ويُظهر الآن احترامه للأقباط وحقوقهم فقط لأنه ينوى الترشّح للرئاسة. ولم أصدقهم. وقلتُ إن ثمة احتمالين لا ثالث لهما، لكلٍّ نصيبُ 50 %. لو كان صادقًا فهو مستحقٌّ للتحية، وإن غير ذلك فلا يحقُّ لنا التفتيشُ فى النوايا، وما علينا إلا التصديق، إلى أن يتبين العكس، ذاك الذى سرعان ما تبيّن!
وتتوالى التناقضات. على قناة BBC العربية، صرّح العوا، قبل أن يتقدم للرئاسة، بأنه «طبعًا سيرشِّح عمرو موسى»! فهل «طبعًا» هذه دفعته للترشح؟! وأثناء الثورة فى ميدان التحرير بعد تنحى مبارك مباشرة، قال: «الذى سيحدث بعد انتصارنا فى مطلبنا الرئيسى، هو شرعيةٌ ثورية جديدة مستمدة من 25 يناير، لن نحتاج للدستور القائم. نحن مع الشرعية الثورية التى تلغى ما سبق، وتشكّل لجنة تأسيسية، تضع دستورًا جديدًا فى أسرع وقت ممكن. وهو أمر فى غاية السهولة أن يوضع دستورٌ فى عشرة أيام «!»، ثم يعود ويُحرّض الناس فى التليفزيون على حتمية الموافقة «!» على التعديلات الدستورية، فيقول بالنص: «(يجب) أن يكون تصويتنا بالموافقة على هذا الاستفتاء». هل تتفق كلمة (يجب) مع استفتاء شعبى «حرّ» فى ظل الشرعية الثورية التى ناديتَ بها فى الميدان يا د. سليم؟! ثم يؤكد قوله: «يجب أن نُصوِّت، ويجب أن نصوِّت بـ«نعم»» ثم نقرأ فى اليوم السابع بتاريخ 23 مايو عنوانًا يقول: «وصول المغربى وغبور للجنايات، والعوا وأبو شُقّة للدفاع عنهما»! فهل يدافع رئيسُنا المقبل عن هؤلاء؟!
ثم يأتى تصريح الأنبا بيشوى يقول إنهم فى حال مهاجمة الكنائس سيصلون إلى حد الاستشهاد، ويعلّق العوا: «والاستشهادُ لا يكون إلا فى حرب، إذن الكنيسةُ وبعض رجالها يُعدّون لحرب ضد المسلمين». ويطيب لى هنا أن أوضّح للدكتور ما غاب عنه فى الاختلاف البيّـن بين معنى الاستشهاد فى عقيدتنا، الإسلام، ومعناه المُناقض فى عقيدة المسيحيين، وإن كنتُ أربأ بالفقيه الكبير ألاَّ يكون قد قرأ ليعرف الفروق، كما قرأتُها أنا لأتعلّم!
الاستشهادُ المسيحى يعنى قبولهم الآلام بفرح، لأنها برهانٌ عملىّ للشراكة التى تربطهم بالسيد المسيح الذى قَبِل الآلامَ لأجلهم ليهبهم الحياة الأبدية. وتطبيقٌ لمقولة الإنجيل: «إن لم تقع حبةُ الحِنطة فى الأرض وتمُت، تبقَ وحدها. ولكن إن هى ماتت تأتِ بثمر كثير»، أى أنهم، المسيحيين، يفرحون بالألم والموت لأنه يُقرِّبهم من آلام المسيح واستشهاده على الصليب، حسب معتقدهم. لا يسعون للمهاجمة والاقتتال، ولكن إذا جاءهم الموتُ، كما فى عصر الاضطهاد، يرحبون به ولا يفرّون منه. وهو، كما ترى، مناقضٌ لمفهوم الاستشهاد لدينا فى الإسلام وفق معنى الجهاد، استشهادُهم سلبىٌّ مُستقبِلٌ مفعولٌ به، واستشهادنا إيجابىٌّ مُقبِلٌ فاعل ومبادِر. ولله الأمرُ من قبل ومن بعد، يا دكتور سليم العوا، يا مرشحنا المحتمَل للرئاسة! ولكِ اللهُ يا مصرُ!
وبعدما شكرته انهال اللومُ علىّ من شباب مصرى ذكى يفهم لعبة السياسة، التى لا أفهمها أنا. قالوا إن العوا تراجع عن تصريحاته المدمرة، ويُظهر الآن احترامه للأقباط وحقوقهم فقط لأنه ينوى الترشّح للرئاسة. ولم أصدقهم. وقلتُ إن ثمة احتمالين لا ثالث لهما، لكلٍّ نصيبُ 50 %. لو كان صادقًا فهو مستحقٌّ للتحية، وإن غير ذلك فلا يحقُّ لنا التفتيشُ فى النوايا، وما علينا إلا التصديق، إلى أن يتبين العكس، ذاك الذى سرعان ما تبيّن!
وتتوالى التناقضات. على قناة BBC العربية، صرّح العوا، قبل أن يتقدم للرئاسة، بأنه «طبعًا سيرشِّح عمرو موسى»! فهل «طبعًا» هذه دفعته للترشح؟! وأثناء الثورة فى ميدان التحرير بعد تنحى مبارك مباشرة، قال: «الذى سيحدث بعد انتصارنا فى مطلبنا الرئيسى، هو شرعيةٌ ثورية جديدة مستمدة من 25 يناير، لن نحتاج للدستور القائم. نحن مع الشرعية الثورية التى تلغى ما سبق، وتشكّل لجنة تأسيسية، تضع دستورًا جديدًا فى أسرع وقت ممكن. وهو أمر فى غاية السهولة أن يوضع دستورٌ فى عشرة أيام «!»، ثم يعود ويُحرّض الناس فى التليفزيون على حتمية الموافقة «!» على التعديلات الدستورية، فيقول بالنص: «(يجب) أن يكون تصويتنا بالموافقة على هذا الاستفتاء». هل تتفق كلمة (يجب) مع استفتاء شعبى «حرّ» فى ظل الشرعية الثورية التى ناديتَ بها فى الميدان يا د. سليم؟! ثم يؤكد قوله: «يجب أن نُصوِّت، ويجب أن نصوِّت بـ«نعم»» ثم نقرأ فى اليوم السابع بتاريخ 23 مايو عنوانًا يقول: «وصول المغربى وغبور للجنايات، والعوا وأبو شُقّة للدفاع عنهما»! فهل يدافع رئيسُنا المقبل عن هؤلاء؟!
ثم يأتى تصريح الأنبا بيشوى يقول إنهم فى حال مهاجمة الكنائس سيصلون إلى حد الاستشهاد، ويعلّق العوا: «والاستشهادُ لا يكون إلا فى حرب، إذن الكنيسةُ وبعض رجالها يُعدّون لحرب ضد المسلمين». ويطيب لى هنا أن أوضّح للدكتور ما غاب عنه فى الاختلاف البيّـن بين معنى الاستشهاد فى عقيدتنا، الإسلام، ومعناه المُناقض فى عقيدة المسيحيين، وإن كنتُ أربأ بالفقيه الكبير ألاَّ يكون قد قرأ ليعرف الفروق، كما قرأتُها أنا لأتعلّم!
الاستشهادُ المسيحى يعنى قبولهم الآلام بفرح، لأنها برهانٌ عملىّ للشراكة التى تربطهم بالسيد المسيح الذى قَبِل الآلامَ لأجلهم ليهبهم الحياة الأبدية. وتطبيقٌ لمقولة الإنجيل: «إن لم تقع حبةُ الحِنطة فى الأرض وتمُت، تبقَ وحدها. ولكن إن هى ماتت تأتِ بثمر كثير»، أى أنهم، المسيحيين، يفرحون بالألم والموت لأنه يُقرِّبهم من آلام المسيح واستشهاده على الصليب، حسب معتقدهم. لا يسعون للمهاجمة والاقتتال، ولكن إذا جاءهم الموتُ، كما فى عصر الاضطهاد، يرحبون به ولا يفرّون منه. وهو، كما ترى، مناقضٌ لمفهوم الاستشهاد لدينا فى الإسلام وفق معنى الجهاد، استشهادُهم سلبىٌّ مُستقبِلٌ مفعولٌ به، واستشهادنا إيجابىٌّ مُقبِلٌ فاعل ومبادِر. ولله الأمرُ من قبل ومن بعد، يا دكتور سليم العوا، يا مرشحنا المحتمَل للرئاسة! ولكِ اللهُ يا مصرُ!