من تاريخنا l ثورة البشموريين الأقباط
يكشف لنا تاريخ الأمة القبطية عن تأصل خاصية الفداء في الشعب القبطي، بل ونجد أن صفحات تاريخ مصر مليئة بملاحم الفداء.. ولم تكن حياة الأقباط استسلاما وخضوعا، فنرى أن طغيان الولاة والحكام أيام الحكم العربي قد قوبل بثورات عنيفة وكانت من أشهر ثورات الأقباط ”ثورة البشموريين“.
كان أهل البشمور ”الأقباط“ يعيشون في المنطقة الرملية على ساحل الدلتا بين فرعى رشيد ودمياط،... حيث كانت تحيط بها المستنقعات والأحراش التي تعيق حركة جنود الفاتحين والذين لم تكن لهم الدراية بطبيعة المنطقة، مما ساعد أبطال البشموريين على إعطاء جنود الغزاة درسا سيخلده التاريخ.
حدث أنه لما زاد ظلم جباة الخراج (الضرائب) وولاتهم وضوعفت الجزية على الأقباط وشُدد الخناق حولهم، أن هب أهل البلاد جميعاً كرجل واحد ثائرين ثورة عارمة...ولا نبالغ إن قلنا إنها كانت أشبه بحرب نظامية استعملت فيها إستراتيجية المنطقة. وقد أسفرت هذه الثورة إلى هزيمة جيش الغزاة (العرب) هزيمة منكرة. وفرّ أمامهم الوالي يتبعه جُباة الضرائب، الأمر الذي جعل المأمون الخليفة العباسي في بغداد يُرسل أخاه المعتصم على رأس جيش قوامه أربعة آلاف جندي ليدعم جيوش الاحتلال في إخماد الثورة القبطية وعلى الرغم من وحشية الحملة وذبح الأطفال والشيوخ وانتهاك الحرمات، إلا أن ثورة الأقباط لم تخمد ولم تهدأ مما اضطر المأمون إلى إرسال جيش آخر من الأتراك بقيادة ” أفشين“ التركي بغرض التنكيل بالثوار فحاربوه وقتلوا من الجيش عددا وافرا، ثم جرد عليهم عسكر آخر فكسروه ... وتقول الدكتورة سيدة الكاشف: " وقد فشل أفشين" تماما في إخماد ثورة البشموريين مما اضطره أن يكتب إلى المأمون الخليفة العباسي في هذا الوقت " طالبا إمدادات للقضاء على الثورة التي اندلعت في كل مكان في محاولة للتخلص من نير الطغاة.
وهنا نذكر كذلك ما يقوله الدكتور جمال الغيطانى: ” إن الارتباط بالأرض نتاج طبيعي للوضع التاريخي والجغرافي والحضاري لمصر، فإذا ما أراد عدو أن يزحزح الإنسان المصري عن أرضه، فـإلى أيـن يـذهـب إذ لـيـس حـوله إلا الصحراء من كل جانب. وإذن فإما أن يموت شهيداً فوق أرضه أو يتجه إلى الصحراء.. وتمسُك القبطي بأرضه ووطنه حتى الموت. يشهد على ذلك العدد الهائل من الشهداء الأقباط الذين افتدوا مصر منذ القدم وحتى وقتنا.
وفي سنة 824 أضطر الخليفة المأمون أن يزحف من بغداد إلى مصر على رأس قـوة حـربية لإخـمـاد ثــورة الأقـبــــــاط التي فشل في إخمادها كل قواده الذين أرسلهم سابقاً. وكاد ثوار الأقباط أن يفتكوا بجيش المأمون لولا أن الخليفة العباسي التجأ إلى أخبث الطرق والغير شريفة للقضاء على الثائرين، وذلك أنه استدعى الأنبا ديـونيـسيـوس البطريرك الإنطاكي واستدعى معه الأنبا يوساب الأول بطريرك الأقباط وطلب منهما تحت التهديد أن يتعاونا معه في إخماد ثورة الأقباط، وقد أجابا بكل أسف طلب المأمون وحررا للثوار رسالة بها نصائح ومواعظ يحُثا فيها الثوار أن يلقوا بسلاحهم ويسلموا أنفسهم لولاة الأمير. وفي الوقت الذي كان الثوار في أمس الحاجة للمعونة المادية والمعـنـويـة حتى يتمكنوا من التخلص من الظلم والاستبداد الأجنبي إذ بالقادة الروحيين ينخدعوا فيدعوهم إلى الاستسلام.
ولا شك إن هذا الموقف من طرف القادة الروحيين كان له أثره البالغ على الأقباط أكثر من كل جحافل المأمون وطاغيته. ولكن على الرغم من كل هذا فقد رفض آباؤنا الأقباط في إباء وشمم هذه النصائح الاستسلامية وفضلوا أن يعطوا أرواحهم فداء لمصر وعقيدتهم وهنا تذكر” الخريدة النفيسة“ ذلك الحدث فتقول: ” واستعدوا لمقاومة من يقصد سلب استقلالهم وإذلالهم. وبعد حروب دموية بينهم وبين عساكر المأمون كان النصر دائما في جانب الثوار. وقاد الخليفة الجيش بأجمعه إلى حومة الوغى وأصلى نار الحرب.. ولم يدخر من قوته وسعا حتى أضعف الثوار“، كما تذكر د. سيدة إسماعيل الكاشف بسالة هؤلاء الثوار فتقول: ”ركز المأمون جميع قواته ضدهم وأعمل فيهم الجند السيف وأحرقوا مساكنهم وهدموا كنائسهم“. وتضيف الخريدة النفيسة ” دخل الجيش بلاد البشمور وحرق مدنها ودمر كنائسها وقتل صغارها وسبى نساءها وأجلى الخليفة رجالها إلى جزر الروم الخاضعة له وإلى بغداد. “ وأما تقي الدين المقريزى فيقول في اختصار: ” انتفض القبط فأوقع بهم "الأفشين" على حكم أمير المؤمنين عبد الله المأمون فحكم فيهم بقتل الرجال وبيع النساء والذرية، فبيعوا وسُبى أكثرهم، حينئذ ذلت القبط فى جميع أرض مصر..“ وعلى الرغم من كل ذلك فقد كانت الثورات القبطية تعبيرا صادقا عن الحركات القومية الوطنية، والتي تُمثل بعدا أساسيا في الشخصية القبطية، إذ كلما زاد التنكيل والاضطهاد كلما زادت الثورة. والحق أنه مهما قيل عن اضطهاد المسيحيين في عصر دقلديانوس والرومان فان التنكيل والسحق للشعب المصري كان أضعافا مضاعفة في العصر العربي، إذ كانت فترات حكمهم بمثابة محاولات متلاحقة وخطيرة لإبادة الشعب القبطي المُسالم الذي يحب وطنه ويقدسه...
نعم كانت محاولات لإبادة القبط وإحلالهم بشراذم العرب الهاربة من جدب وفقر بلادها الصحراوية البدائية إلى نيل مصر العظيم وحضارته العظيمة.
يكشف لنا تاريخ الأمة القبطية عن تأصل خاصية الفداء في الشعب القبطي، بل ونجد أن صفحات تاريخ مصر مليئة بملاحم الفداء.. ولم تكن حياة الأقباط استسلاما وخضوعا، فنرى أن طغيان الولاة والحكام أيام الحكم العربي قد قوبل بثورات عنيفة وكانت من أشهر ثورات الأقباط ”ثورة البشموريين“.
كان أهل البشمور ”الأقباط“ يعيشون في المنطقة الرملية على ساحل الدلتا بين فرعى رشيد ودمياط،... حيث كانت تحيط بها المستنقعات والأحراش التي تعيق حركة جنود الفاتحين والذين لم تكن لهم الدراية بطبيعة المنطقة، مما ساعد أبطال البشموريين على إعطاء جنود الغزاة درسا سيخلده التاريخ.
حدث أنه لما زاد ظلم جباة الخراج (الضرائب) وولاتهم وضوعفت الجزية على الأقباط وشُدد الخناق حولهم، أن هب أهل البلاد جميعاً كرجل واحد ثائرين ثورة عارمة...ولا نبالغ إن قلنا إنها كانت أشبه بحرب نظامية استعملت فيها إستراتيجية المنطقة. وقد أسفرت هذه الثورة إلى هزيمة جيش الغزاة (العرب) هزيمة منكرة. وفرّ أمامهم الوالي يتبعه جُباة الضرائب، الأمر الذي جعل المأمون الخليفة العباسي في بغداد يُرسل أخاه المعتصم على رأس جيش قوامه أربعة آلاف جندي ليدعم جيوش الاحتلال في إخماد الثورة القبطية وعلى الرغم من وحشية الحملة وذبح الأطفال والشيوخ وانتهاك الحرمات، إلا أن ثورة الأقباط لم تخمد ولم تهدأ مما اضطر المأمون إلى إرسال جيش آخر من الأتراك بقيادة ” أفشين“ التركي بغرض التنكيل بالثوار فحاربوه وقتلوا من الجيش عددا وافرا، ثم جرد عليهم عسكر آخر فكسروه ... وتقول الدكتورة سيدة الكاشف: " وقد فشل أفشين" تماما في إخماد ثورة البشموريين مما اضطره أن يكتب إلى المأمون الخليفة العباسي في هذا الوقت " طالبا إمدادات للقضاء على الثورة التي اندلعت في كل مكان في محاولة للتخلص من نير الطغاة.
وهنا نذكر كذلك ما يقوله الدكتور جمال الغيطانى: ” إن الارتباط بالأرض نتاج طبيعي للوضع التاريخي والجغرافي والحضاري لمصر، فإذا ما أراد عدو أن يزحزح الإنسان المصري عن أرضه، فـإلى أيـن يـذهـب إذ لـيـس حـوله إلا الصحراء من كل جانب. وإذن فإما أن يموت شهيداً فوق أرضه أو يتجه إلى الصحراء.. وتمسُك القبطي بأرضه ووطنه حتى الموت. يشهد على ذلك العدد الهائل من الشهداء الأقباط الذين افتدوا مصر منذ القدم وحتى وقتنا.
وفي سنة 824 أضطر الخليفة المأمون أن يزحف من بغداد إلى مصر على رأس قـوة حـربية لإخـمـاد ثــورة الأقـبــــــاط التي فشل في إخمادها كل قواده الذين أرسلهم سابقاً. وكاد ثوار الأقباط أن يفتكوا بجيش المأمون لولا أن الخليفة العباسي التجأ إلى أخبث الطرق والغير شريفة للقضاء على الثائرين، وذلك أنه استدعى الأنبا ديـونيـسيـوس البطريرك الإنطاكي واستدعى معه الأنبا يوساب الأول بطريرك الأقباط وطلب منهما تحت التهديد أن يتعاونا معه في إخماد ثورة الأقباط، وقد أجابا بكل أسف طلب المأمون وحررا للثوار رسالة بها نصائح ومواعظ يحُثا فيها الثوار أن يلقوا بسلاحهم ويسلموا أنفسهم لولاة الأمير. وفي الوقت الذي كان الثوار في أمس الحاجة للمعونة المادية والمعـنـويـة حتى يتمكنوا من التخلص من الظلم والاستبداد الأجنبي إذ بالقادة الروحيين ينخدعوا فيدعوهم إلى الاستسلام.
ولا شك إن هذا الموقف من طرف القادة الروحيين كان له أثره البالغ على الأقباط أكثر من كل جحافل المأمون وطاغيته. ولكن على الرغم من كل هذا فقد رفض آباؤنا الأقباط في إباء وشمم هذه النصائح الاستسلامية وفضلوا أن يعطوا أرواحهم فداء لمصر وعقيدتهم وهنا تذكر” الخريدة النفيسة“ ذلك الحدث فتقول: ” واستعدوا لمقاومة من يقصد سلب استقلالهم وإذلالهم. وبعد حروب دموية بينهم وبين عساكر المأمون كان النصر دائما في جانب الثوار. وقاد الخليفة الجيش بأجمعه إلى حومة الوغى وأصلى نار الحرب.. ولم يدخر من قوته وسعا حتى أضعف الثوار“، كما تذكر د. سيدة إسماعيل الكاشف بسالة هؤلاء الثوار فتقول: ”ركز المأمون جميع قواته ضدهم وأعمل فيهم الجند السيف وأحرقوا مساكنهم وهدموا كنائسهم“. وتضيف الخريدة النفيسة ” دخل الجيش بلاد البشمور وحرق مدنها ودمر كنائسها وقتل صغارها وسبى نساءها وأجلى الخليفة رجالها إلى جزر الروم الخاضعة له وإلى بغداد. “ وأما تقي الدين المقريزى فيقول في اختصار: ” انتفض القبط فأوقع بهم "الأفشين" على حكم أمير المؤمنين عبد الله المأمون فحكم فيهم بقتل الرجال وبيع النساء والذرية، فبيعوا وسُبى أكثرهم، حينئذ ذلت القبط فى جميع أرض مصر..“ وعلى الرغم من كل ذلك فقد كانت الثورات القبطية تعبيرا صادقا عن الحركات القومية الوطنية، والتي تُمثل بعدا أساسيا في الشخصية القبطية، إذ كلما زاد التنكيل والاضطهاد كلما زادت الثورة. والحق أنه مهما قيل عن اضطهاد المسيحيين في عصر دقلديانوس والرومان فان التنكيل والسحق للشعب المصري كان أضعافا مضاعفة في العصر العربي، إذ كانت فترات حكمهم بمثابة محاولات متلاحقة وخطيرة لإبادة الشعب القبطي المُسالم الذي يحب وطنه ويقدسه...
نعم كانت محاولات لإبادة القبط وإحلالهم بشراذم العرب الهاربة من جدب وفقر بلادها الصحراوية البدائية إلى نيل مصر العظيم وحضارته العظيمة.