محمد فوزى طه يكتب: كبر البحر بحبك
الأحد، 26 يونيو 2011 - 00:07
تتحرك سفينته بهدوء وانسيابية على سطح ماء المحيط الهادئ فى جوف ليل امتلأت فيه السحب لتشكل ملامح لبشر وشجر وجان وحيوانات خرافية وأماكن وقصور ومنازل آيلة للسقوط!.. يرنو ببصره للأمام ناحية أضواء بعيدة لسفن عابرة وميناء قد اقترب فيخفق قلبه بفرح الوصول بعد طول إبحار فالرحلة جاوزت العشرة أيام وهو من طاقم سفينة البضائع والتى تحط الرحال من ميناء إلى آخر.. كان حلمه البحر فترجم عشقه إلى واقع وهاهو يجوب البحور والمحيطات ولا يلمس الأرض إلا أياما معدودة ليبحر ثانية.. تأمل صفحة الماء الهادئ وهو يبتسم، فالبحر فى سكونه قصيدة عشق.. وفى صخبه ونزوقه معركة حربية بأمكانه أن يشطر السفينة إلى نصفين وكأنه وحش كاسر لم يكن منذ وقت رقيقا رفيقا هادئا!.. وصلت سفينته إلى الميناء لترسو فى مكانها المخصص فأخذ حقيبته الصغيرة وأخبر الربان عن عزمه المكوث بالمدينة يومين فأذن له ولغيره، لكنه لم يذهب مع زملائه يريد أن يتجول بنفسه مع نفسه.. وقد كان.. استقل سيارة وذهب إلى الفندق الذى يتردد عليه دائما فى هذا البلد.. كان النهار قد بدأ ينسحب أمام جيوش الليل المقتحمة فاستراح قليلا ثم غادر ليتناول طعامه بمطعم قريب.. أثناء مغادرته المكان اصطدم عفوا بفتاة كانت قد دلفت إلى الداخل خطوات.. اعتذر لها وهو فى شدة الخجل فتعجبت من احمرار وجنتيه وتلعثمه وهو يعتذر فابتسمت ابتسامة حلوة مقللة من الحدث العابر، مما جعله يتشجع ويجرى عملية مسح شامل لقوامها الممشوق وعينيها السوداوين وملامح وجهها الجميل المريح وبدلا من أن يخرج كما كان يود لو تراجع ليجلس على طاولة مقابلة لها.. كانت وحيدة مثله، لكنها ليست غريبة فكل ما فيها يدل على أنها من ذلك البلد الذى توقفت فيه سفينته.. شعرها أسود طويل تركته حرا فلم تأسره برابط.. كانت تتناول الطعام فى عجالة وكأنها تود الخلاص من هذا الواجب.. وعندما حولت بصرها يسارا وجدته مستغرقا فيها والغريب أنه لم يتشاغل بشىء، ولم يهرب من نظراتها المندهشة فابتسمت له ابتسامة داعية، فما كان منه إلا وقد جلس على طاولتها وتكلما بتلقائية وكأنهما كانا على ميعاد.. هى من ذلك البلد كما توقع.. بسيطة بساطة أميرة تعى حسبها ونسبها عند الناس فلا أهمية لتعلن بنفسها من هى.. غادرا المكان تركت سيارتها الفخمة ليتجولا على الأقدام.. سألها: ما الذى بينى وبينك لنقترب بهذه السرعة؟ أجابت وهى تضحك ضحكتها الجميلة: لأنى كنت أبحث عنك.. عن رجل فيه حياء.. تحمر وجنتاه أمام الأنثى.. يتلعثم فى الكلمات كطفل.. حتى إذا تبدد كل ذلك وجدت فيه الفارس!.. سألها: تعشقين الطفل أم الرجل؟ أجابت: أعشق الطفل وأتمنى الرجل.. سألته: ألك فى كل ميناء امرأة تنتظرك؟ ضحك مجيبا: بل فى كل ميناء امرأة لم تكتمل لكن اليوم وجدت الأنثى الكاملة.. صمتا فتكلمت العيون.. أخذ يدها ضاغطا عليهما برفق حتى وصلا إلى سيارتها ثانية.. دعته للصعود بجوارها لتقله إلى حيث الفندق.. اعتذر فهو يريد أن يسير تلك المسافة البسيطة على قدميه كى يتأكد أنه على الأرض، وأنه لا يحلم فأجبته قائله وعلى وجهها السعادة: إن ما حدث حقيقة، وللتأكيد سأمر عليك فى الغد بالفندق، وودعته بحنان دافق ملأ كيانه بنشوة غير مسبوقة، لا تترجم إلى أن غابت عن عينيه.. فشعر أن قلبه قد غادر هو الآخر مكانه ومضى معها! وما أن وصل إلى الفندق إلا وقد وجد صديقه يترقبه وقد فرغ صبره، مخبرا إياه فى لهفة أن السفينة ستغادر بعد ساعات لتعديل فجائى من قبل الشركة المالكة، ولابد من الرحيل.. لا فرار.. لا جدوى.. هو أمر لا يمكن رفضه.. ومضى ذاهلاً وهو يحمل حقيبته الصغيرة.. وقبل أن يغادر كتب خطاباً سريعاً لها أعطاه لمسئول الاستقبال كتب فيه: هكذا أمضى دون مقدره على المكوث، ولو يوم واحد أراكى فيه وأشد على يدك قبل الرحيل.. لكنى سأمضى لأتى إليكِ حرا تاركا البحر حتى لا يمنعنى عنك ثانية.. ولنبحر معا