سلام ونعمة://
هناك حالات كثيرة تجوز فيها الإدانه ولا تكون خطية ، نذكر منها :
تجوز الإدانه حينما تصدر من مسئول أو صاحب سلطان
هناك أشخاص أقامهم الله بسلطان علي غيرهم . من حقهم أن يدينوا من هم تحت سلطانهم ، ولا تنطبق عليهم الآيه التي تقول " لاتدينوا لكي لا تدانوا "..
وهؤلاء ليس من حقهم فقط أن يدينوا ، بل من واجبهم ...بحيث أنهم يخطئون أن لم يدينوا من هم تحت سلطانهم .
من أمثلة هؤلاء : الأب والأم . وقد ائتمن الله الآباء والأمهات علي تربية أولادهم . ومن حقهم أن يوبخوا أبناءهم علي أخطائهم . وأن يقولوا للإبن " إن تصرفك هذا خاطئ ، وينبغي أن تتركه ". وإن لم يتركه قد يأخذ منهم عقوبة .
لاشك إنها إدانه ، ولكنها ليست خطية إدانة .
لأنها صادرة من شخص صرح له الله أن يدين ، بل أمره بذلك ، كجزء من تربية لإبنه . بل إن الأب الذي يقصر في تربية إبنه ، ويهمل في تنشئته وتوجيهه ، ولا يدينه ويوبخه علي أخطائه ، هذا الأب يعاقبه الله ...
ومثال ذلك العقوبة التي أوقعها الله علي عالي الكاهن .
كان أولاده يخطئون ... وسمع عالي الكاهن بذلك ، وأدانهم ، ولكن ليس بحزم ! قال لهم : " لماذا تعلمون مثل هذه الأمور ؟ لأني أسمع بأموركم الخبيثة من جميع هذا الشعب . لا يابني ، لأنه ليس حسناً الخبر الذي اسمع .." "ولم يسمعوا لصوت أبيهم " (1صم 2: 22-25) . وغضب الرب لأن عالي الكاهن تراخي في إدانة أولاده ، فقال " هوذا أنا فاعل أمراً في أسرائيل ، كل من سمع به تطز أذناه . في ذلك اليوم أقيم علي عالي كل ما تكلمت به علي بيته ... وقد أخبرته بأني اقضي علي بيته إلي الأبد ، من أجل الشر الذي يعلم أن بنيه قد أوجبوا اللعنه علي أنفسهم ، ولم يردعهم "( 1صم3 :11-14)
إذن الإدانه هنا واجب ملزم ، من يقصر فيه يعرض نفسه للعقوبة .
ليس فقط أن يدين الأب أولاده أن أخطاوا . بل أكثر من هذا أن " يردعهم ". أي أن يمنعهم - بسلطان – من ارتكاب الخطأ ، ومن الأستمرار فيه ... وما أكثر الوصايا التي أعطاها الله للآباء والأمهات لتأديب أولادهم . ومعها وصايا أخري للأبناء أن يطيعوا آباءهم في الرب ، لأن هذا حق (أف 6: 1) .
وما نقوله عن الأب الجسدي ، نقوله أيضاً عن الأب الروحي ، وعن الراعي عموماً ...
ومن هنا أعطي الله للآباء الكهنة ، وللرعاه ، وللأنبياء ، واجباً هو انذار الخطاة وإدانتهم . فقال " يا ابن آدم ، قد جعلتك رقيباً ... فاسمع الكلمه من فمي ، وانذرهم من قبلي . إذا قلت للشرير موتاً تموت ، وما أنذرته أنت ، ولا تكلمت إنذاراً للشرير من طريقة الرديئة لإحيائه ، فهذا الشرير يموت بإثمه ، أما دمه فمن يدك اطلبه "( حز 3: 17 ، 18) .
إذن إنذار الخطاة وتوبيخهم وردعهم وإدانتهم وإدانة طريقهم للشرير ، ليست مجرد حق للآباء والرعاه ، بل كل ذلك واجب عليهم ، يدانون إن لم يقوموا به . ولكنهم يخلصون من الدينونه ، إن هم أدانوا هؤلاء الخطاة ، وانذروهم من جهه نتيجه شر أفعالهم . وهكذا يكمل الرب وصيته فيقول " وإن أنت أنذرت الشرير ، ولم يرجع عن شره ولا عن طريقه الرديئة ، فإنه يموت بإثمه . أما أنت فقد نجيت نفسك "( حز 3: 19) .
ونفس الكلام نقوله عن المدرس مع تلاميذه ، ورئيس العمال مع مرؤوسيه وأيضاً عن القاضي بالنسبه إلي المتهمين .
كل هؤلاء لهم الحق أن يدينوا من هم تحت سلطانهم ، في نطاق اختصاصاتهم لا يتعدونها ، وفي حدود الواجب المناط بهم ، وفي مجال عملهم ومسئوليتهم . وفي الالتزام بالحق والعدل فإن قال المدرس لتلميذه إنه مهمل في أداء واجباته الدراسية ، وإن قال رئيس العمل لأحد عماله إنه غير أمين في عمله . وإن قال القاضي إن هذا المتهم مذنب ، ولا يكون أحد من هؤلاء قد خالف وصية " لا تدينوا لكي لا تدانوا " .
وأن سمع قول الرسول " من أنت يا من تدين غيرك "( يع 4: 12 ) ، يجيب " أنا المسئول عنه وعن عمله ".
إنه يدين ، وبسلطان . وفي عمله إدانه ، ولكنها ليست خطية إدانه . لأن الإدانه هنا من حقه ، بل هي من واجبه . وإن قصر واحد من كل هذه الفئات في أدانة من هم تحت سلطانه ، يرتبك العمل ، ويفسد المجتمع ، وتسود اللامبالاة .
لذلك إن اجتمع كونسولتو أطباء لفحص مريض ، وتشاوروا
في تشخيص مرضه . فقال أحدهم إنه يشكو من كذا ، وقال أخر إنه مريض بكذا وقال ثالث إنه مصاب بكذا ... فهنا القصد التوصل إلي شفاء المريض ، وليس القصد هو إساءه سمعته أو التشنيع به ... ولعل مما يشبه هذا تماماً ما ورد في نسكيات باسيليوس ):
سئل القديس باسيليوس الكبير عن الأدانه ، فاقل : إذا كان المقامون علي الأخوة يبحثون حالة أخ في المجمع ، وتعرضوا لأخطائه وماذا يعمل لأجل تقويمه ، ولأجل سلامه المجمع من نتائج هذه الأخطاء ،فلا تكون هذه خطية إدانه ... بشرط أن يفحصوا أخطاءه " في خوف الله ".
وهذا الحق في الإدانه ، أعطاه الرب للكنيسة :
فكما أعطاها سلطاناً أن تحل ، أعطاها أيضاً سلطاناً أن تربط ( متي 18: 18) . وأعطاها أن تفصل في الخصومات . ومن لم يسمع لها فيما تحكم به ، يكون كالوثني والعشار ( متي 18: 17) . فإن قالت الكنيسة لشخص إنه مخطئ ، لا تكون قد وقعت في خطية إدانه ، بل تكون قد أدانته بحق وبسلطان . يوحنا المعمدان أدان الخطاه ووبخهم ( مت 3: 7) . وبولس وبخ كثيرين منهم " الغلاطيون الأغبياء "( غل 3: 1) . وأمر تلميذه تيموثاوس الأسقف ان يوبخ وينتهر ويعظ (2تي 4: 2) . وقال له أيضاً " الذين يخطئون ، وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف "( 1 تي 5: 20 ) . بولس الرسول أدان خاطئ كورنثوس ( 1كو 5: 5 ) ، ووبخ أهل كورنثوس علي أنهم لم يعزلوا الخبيث من بينهم ( 1 كو 5 :13 ) . وبطرس الرسول أدان حنانيا وسفيرا وحكم عليهما ، بعد أن وصفهما بالكذب ، وبالاتفاق علي تجربة روح الرب (أع 5: 3-9) .
ولعلك تقول " انا لست رسولاً ولا نبياً "... لك حق . إذن اعمل في حدود السلطان الذي وهب لك من الله ، إن كنت صاحب سلطان .
اعمل في حدود مسئوليتك ، مهما كانت ضيقة ... علي أن يكون ذلك بأسلوب روحي ، كما سنشرح فيما سيأتي ...
أحياناً تكون الإدانه شيئاً طبيعياً ، مجرد تمييز للخطأ أو الشر
فأنت مثلاً إن سمعت إنساناً يشتم ، لا تستطيع أن تمنع نفسك من أدراك أن هذه شتيمه . وبالمثل إن رأيت رجلاً في ثورة غضب وقد فقد أعصابة ، وهكذا إن رأيت إمرأه في ملابس متبرجة غير لائقة . وبالمثل إذا سمعت إنساناً يحلف بأقسام مغلظة ، او سمعت إنساناً يغني أغاني عالمية ، أو يقول فكاهات ردئية جداً من الناحية الأخلاقية ، هل استطيع أن أمنع نفسي من إدانه ما أسمعه ؟! هناك إذن إدانه تلقائية بحكم الضمير ...ينبغي أن نفهم الروحيات بطريقة سليمة بعيده عن الوسوسة
فعدم الإدانه ليس معناه أن أفقد الحكم الطبيعي علي الأمور . فقد وهب الله للإنسان ضميراً يميز به بين الخير والشر . وليس من صالح الإنسان أن يفقد التمييز
إنه نور طبيعي يستطيع به أن يحكم علي أعماله ، كما يحكم به علي أعمال غيره مع فارق سنذكره فيما بعد .. وإن فقد الإنسان هذا التمييز سوف تختل أمامه القيم والمبادئ ، ولا يدري ما يجب أن يكون ، وما لا يجب .. وهكذا قال السيد الرب مرتين في العظة علي الجبل :
" من ثمارهم تعرفونهم "( متي 7: 16، 20 ) .
وشرح ذلك فقال " هل يجتنون من الشوك عنباً ، أو من الحسك تيناً ؟! هكذا كل شجرة جيده تصنع ثماراً جيده تصنع ثماراً جيده . واما الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية . لا تقدر شجره جيده أن تصنع أثماراً ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيده إذن من ثمارهم تعرفونهم "( متي 7: 16-20 ) . فهل إذا رأينا الشوك فعرفنا أنه شوك ، وأن رأينا الثمر الردئ فعرفنا أنه ثمر ردئ ، أنكون آنئذ واقعين في إدانه الاخرين ؟! كلا بلا شك ...
يقول القديس أوغسطينوس في تفسير هذه الآية ( متي 7:7) .
هناك شجرة تعطي ثماراً ردية ، وشجرة تعطي ثماراً جيده . ولا يمكن أبداً لإنسان أن يخدع نفسه ، ويقول عن الردئ إنه جيد ، ولا عن الجيد إنه ردئ فمما لاشك فيه أن بعض الأمور واضحة جداً ، لا نستطيع أن نخدع انفسنا فيها ...ولعله من أجل هذا التمييز قال القديس بولس الرسول :
خطايا بعض الناس واضحه تتقدم إلي القضاء (1تي 5: 24 )
هذه الخطاياة الواضحة لا ذنب لك إن أدركتها : من الطبيعي أنك سوف تشعر أن هناك خطأ يتقدم إلي القضاء . وفي نطاق هذا المستوي لا تكون قد أخطأت . إنما توجد ملاحظة لابد أن نقدرها وهي :
هناك فرق بين إدانه العمل وغدانه الشخص : فإن رأيت شخصاً سكراناً يتطوح في الطريق ، لا تستطيع أن تمنع نفسك من أن هذا خطأ . العمل خطأ ، او الحادث أمامك خطأ . ولكن الشخص نفسه لا تستطيع أن تدينه ، إلا إذا عرفت ظروفه .. ربما هناك من خدعة واسكره . ربما شرب عن طريق الخطأ . وربما العكس . من يدري ؟؟!
إذن التمييز شئ والحكم علي الشخص شئ آخر .
كوني أسمع الشتيمة فأعرف أنها شتيمه هذا تمييز .أما ان أسمعها ، فأقيم في ذهني محكمة لصاحبها ، وأقول إنه كذا و كذا ، ويستحق ... ويستحق .... فهنا يصبح الأمر إدانة ، لأنه انتقل من تمييز العمل و الحكم التلقائي للضمير إلي الحكم علي الشخص نفسه . وإذا اخذت قصه هذا الإنسان موضوعاً لحكاياتي وأحاديثي ع الناس . لا أقول حينئذ إنه مجرد تمييز طبيعي ، او حكم تلقائي من الضمير . بل هنا اكون قد تطورت من إدانه الشخص إلي التشهير به . ولا شك أن كلاً منهما خطيئة
ومن جهة الخطايا الواضحة ،توجد أمور تبدو واضحه ، وهي علي عكس ذلك ...
فإن رأيت شخصاً في الصوم يشرب كوباً من اللبن ، وقلت : هذا الإنسان محب للأكل وكاسر للصوم ولا شك أن هذه خطية واضحه تقدمه إلي القضاء !! ( 1 تي 5 : 4 ) ... فربما تكون مخطئاً في حكمك . وقد يكون هذا الشخص مريضاً بقرحة في المعدة أو مرض آخر ، ويحتاج إلي اللبن كدواء . وقد وافق علي أوامر الأطباء متغضباً من اجل صحته ... ولا يمكن أن يحكم عليه بأنه محب للطعام وكاسر للصوم
وقد علق القديس علي موضوع الكل هذا فقال :
أن كل أنواع الطعام البشري يمكن أن تؤخذ بنيه صالحة .. وبدون شهوة تمييز . وتذكر في ذلك قول القديس بولس الرسول
لا يزدر من يأكل بمن لا يأكل . ولايدن من لا يأكل من يأكل ، لأن الله قبله "( رو 14 : 3 ) .
ويكمل القديس بولس الرسول كلامه فيقول " من أنت الذي تدين عبد غيرك ؟! هو لمولاه يثبت أو يسقط . ولكنه سيثبت ، لأن الله قادر أن يثبته "( رو 14 : 4 ).أمثال هذه الأمور ليس من حق إنسان أن يحكم فيها . وهي ليست من الخطايا الواضحه التي تتقدم إلي القضاء . الخطايا الواضحة هي مثل الزني و الشرقة والاعتداء وأنواع النجاسات .
أما الأمور التي تتوقف علي النية والقصد ، فليس من حقنا أن نحكم عليها . الله وحده هو العارف بالنيات .
الله وحده هو فاحص القلوب ، وهو الذي يعرف القصد و الدافع . ويستطيع أن يحكم أن كان هذا العمل صالحاً أم طالحاً ، مما لا تتوفر لنا معرفته .
نقطة أخري نضيفها إلي عنصر التمييز وهي :
وصايا وآيات تحمل الإدانة :
فهناك وصيه في الكتاب تقول لك " لا تستصحب غضوباً ، ومع رجل ساخط لا تجئ "( أم 22 : 24 ) . فكيف يمكن ان تنفذ الوصية وتبعد عن صحبة الغضوبين ، إلا لم أدركت أن هذا الإنسان بالذات هو رجل غضوب ؟! فهل هذه إدانه ؟ كلا ، بل هي لون من التمييز ، تماماً كما تميز حفره حتي لا تقع فيها . ومثله قول الكتاب " المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة " ( 1 كو 15 : 23 ) . فكيف تبعد عن هذه المعاشرات ، إلا لو عرفت تماماً إنها ردية ؟ فهل هذه المعرفة إدانه ؟ كلا ، طبعاً ... وبنفس المنطق نتكلم عن الوصية التي يحملها المزمور الأول " طوبي للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار ، وفي طريق الخطاة لم يقف ، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس "
كيف يبعد عن هؤلاء الأشرار والخطاة والمستهزئين ، أن لم يعرف انهم كذلك ؟ فهل هذه المعرفه خطية إدانه ؟ كلا ، بلا شك . مادام الأمر قد اقتصر علي المعرفة و البعد . وحتي لو تدرج الأمر إلي نصح أصدقائك ومعارفك وأقربائك وتلاميذك في البعد عن هؤلاء لا تكون أيضاًً قد أخطأت .
هناك حالات كثيرة تجوز فيها الإدانه ولا تكون خطية ، نذكر منها :
تجوز الإدانه حينما تصدر من مسئول أو صاحب سلطان
هناك أشخاص أقامهم الله بسلطان علي غيرهم . من حقهم أن يدينوا من هم تحت سلطانهم ، ولا تنطبق عليهم الآيه التي تقول " لاتدينوا لكي لا تدانوا "..
وهؤلاء ليس من حقهم فقط أن يدينوا ، بل من واجبهم ...بحيث أنهم يخطئون أن لم يدينوا من هم تحت سلطانهم .
من أمثلة هؤلاء : الأب والأم . وقد ائتمن الله الآباء والأمهات علي تربية أولادهم . ومن حقهم أن يوبخوا أبناءهم علي أخطائهم . وأن يقولوا للإبن " إن تصرفك هذا خاطئ ، وينبغي أن تتركه ". وإن لم يتركه قد يأخذ منهم عقوبة .
لاشك إنها إدانه ، ولكنها ليست خطية إدانة .
لأنها صادرة من شخص صرح له الله أن يدين ، بل أمره بذلك ، كجزء من تربية لإبنه . بل إن الأب الذي يقصر في تربية إبنه ، ويهمل في تنشئته وتوجيهه ، ولا يدينه ويوبخه علي أخطائه ، هذا الأب يعاقبه الله ...
ومثال ذلك العقوبة التي أوقعها الله علي عالي الكاهن .
كان أولاده يخطئون ... وسمع عالي الكاهن بذلك ، وأدانهم ، ولكن ليس بحزم ! قال لهم : " لماذا تعلمون مثل هذه الأمور ؟ لأني أسمع بأموركم الخبيثة من جميع هذا الشعب . لا يابني ، لأنه ليس حسناً الخبر الذي اسمع .." "ولم يسمعوا لصوت أبيهم " (1صم 2: 22-25) . وغضب الرب لأن عالي الكاهن تراخي في إدانة أولاده ، فقال " هوذا أنا فاعل أمراً في أسرائيل ، كل من سمع به تطز أذناه . في ذلك اليوم أقيم علي عالي كل ما تكلمت به علي بيته ... وقد أخبرته بأني اقضي علي بيته إلي الأبد ، من أجل الشر الذي يعلم أن بنيه قد أوجبوا اللعنه علي أنفسهم ، ولم يردعهم "( 1صم3 :11-14)
إذن الإدانه هنا واجب ملزم ، من يقصر فيه يعرض نفسه للعقوبة .
ليس فقط أن يدين الأب أولاده أن أخطاوا . بل أكثر من هذا أن " يردعهم ". أي أن يمنعهم - بسلطان – من ارتكاب الخطأ ، ومن الأستمرار فيه ... وما أكثر الوصايا التي أعطاها الله للآباء والأمهات لتأديب أولادهم . ومعها وصايا أخري للأبناء أن يطيعوا آباءهم في الرب ، لأن هذا حق (أف 6: 1) .
وما نقوله عن الأب الجسدي ، نقوله أيضاً عن الأب الروحي ، وعن الراعي عموماً ...
ومن هنا أعطي الله للآباء الكهنة ، وللرعاه ، وللأنبياء ، واجباً هو انذار الخطاة وإدانتهم . فقال " يا ابن آدم ، قد جعلتك رقيباً ... فاسمع الكلمه من فمي ، وانذرهم من قبلي . إذا قلت للشرير موتاً تموت ، وما أنذرته أنت ، ولا تكلمت إنذاراً للشرير من طريقة الرديئة لإحيائه ، فهذا الشرير يموت بإثمه ، أما دمه فمن يدك اطلبه "( حز 3: 17 ، 18) .
إذن إنذار الخطاة وتوبيخهم وردعهم وإدانتهم وإدانة طريقهم للشرير ، ليست مجرد حق للآباء والرعاه ، بل كل ذلك واجب عليهم ، يدانون إن لم يقوموا به . ولكنهم يخلصون من الدينونه ، إن هم أدانوا هؤلاء الخطاة ، وانذروهم من جهه نتيجه شر أفعالهم . وهكذا يكمل الرب وصيته فيقول " وإن أنت أنذرت الشرير ، ولم يرجع عن شره ولا عن طريقه الرديئة ، فإنه يموت بإثمه . أما أنت فقد نجيت نفسك "( حز 3: 19) .
ونفس الكلام نقوله عن المدرس مع تلاميذه ، ورئيس العمال مع مرؤوسيه وأيضاً عن القاضي بالنسبه إلي المتهمين .
كل هؤلاء لهم الحق أن يدينوا من هم تحت سلطانهم ، في نطاق اختصاصاتهم لا يتعدونها ، وفي حدود الواجب المناط بهم ، وفي مجال عملهم ومسئوليتهم . وفي الالتزام بالحق والعدل فإن قال المدرس لتلميذه إنه مهمل في أداء واجباته الدراسية ، وإن قال رئيس العمل لأحد عماله إنه غير أمين في عمله . وإن قال القاضي إن هذا المتهم مذنب ، ولا يكون أحد من هؤلاء قد خالف وصية " لا تدينوا لكي لا تدانوا " .
وأن سمع قول الرسول " من أنت يا من تدين غيرك "( يع 4: 12 ) ، يجيب " أنا المسئول عنه وعن عمله ".
إنه يدين ، وبسلطان . وفي عمله إدانه ، ولكنها ليست خطية إدانه . لأن الإدانه هنا من حقه ، بل هي من واجبه . وإن قصر واحد من كل هذه الفئات في أدانة من هم تحت سلطانه ، يرتبك العمل ، ويفسد المجتمع ، وتسود اللامبالاة .
لذلك إن اجتمع كونسولتو أطباء لفحص مريض ، وتشاوروا
في تشخيص مرضه . فقال أحدهم إنه يشكو من كذا ، وقال أخر إنه مريض بكذا وقال ثالث إنه مصاب بكذا ... فهنا القصد التوصل إلي شفاء المريض ، وليس القصد هو إساءه سمعته أو التشنيع به ... ولعل مما يشبه هذا تماماً ما ورد في نسكيات باسيليوس ):
سئل القديس باسيليوس الكبير عن الأدانه ، فاقل : إذا كان المقامون علي الأخوة يبحثون حالة أخ في المجمع ، وتعرضوا لأخطائه وماذا يعمل لأجل تقويمه ، ولأجل سلامه المجمع من نتائج هذه الأخطاء ،فلا تكون هذه خطية إدانه ... بشرط أن يفحصوا أخطاءه " في خوف الله ".
وهذا الحق في الإدانه ، أعطاه الرب للكنيسة :
فكما أعطاها سلطاناً أن تحل ، أعطاها أيضاً سلطاناً أن تربط ( متي 18: 18) . وأعطاها أن تفصل في الخصومات . ومن لم يسمع لها فيما تحكم به ، يكون كالوثني والعشار ( متي 18: 17) . فإن قالت الكنيسة لشخص إنه مخطئ ، لا تكون قد وقعت في خطية إدانه ، بل تكون قد أدانته بحق وبسلطان . يوحنا المعمدان أدان الخطاه ووبخهم ( مت 3: 7) . وبولس وبخ كثيرين منهم " الغلاطيون الأغبياء "( غل 3: 1) . وأمر تلميذه تيموثاوس الأسقف ان يوبخ وينتهر ويعظ (2تي 4: 2) . وقال له أيضاً " الذين يخطئون ، وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف "( 1 تي 5: 20 ) . بولس الرسول أدان خاطئ كورنثوس ( 1كو 5: 5 ) ، ووبخ أهل كورنثوس علي أنهم لم يعزلوا الخبيث من بينهم ( 1 كو 5 :13 ) . وبطرس الرسول أدان حنانيا وسفيرا وحكم عليهما ، بعد أن وصفهما بالكذب ، وبالاتفاق علي تجربة روح الرب (أع 5: 3-9) .
ولعلك تقول " انا لست رسولاً ولا نبياً "... لك حق . إذن اعمل في حدود السلطان الذي وهب لك من الله ، إن كنت صاحب سلطان .
اعمل في حدود مسئوليتك ، مهما كانت ضيقة ... علي أن يكون ذلك بأسلوب روحي ، كما سنشرح فيما سيأتي ...
أحياناً تكون الإدانه شيئاً طبيعياً ، مجرد تمييز للخطأ أو الشر
فأنت مثلاً إن سمعت إنساناً يشتم ، لا تستطيع أن تمنع نفسك من أدراك أن هذه شتيمه . وبالمثل إن رأيت رجلاً في ثورة غضب وقد فقد أعصابة ، وهكذا إن رأيت إمرأه في ملابس متبرجة غير لائقة . وبالمثل إذا سمعت إنساناً يحلف بأقسام مغلظة ، او سمعت إنساناً يغني أغاني عالمية ، أو يقول فكاهات ردئية جداً من الناحية الأخلاقية ، هل استطيع أن أمنع نفسي من إدانه ما أسمعه ؟! هناك إذن إدانه تلقائية بحكم الضمير ...ينبغي أن نفهم الروحيات بطريقة سليمة بعيده عن الوسوسة
فعدم الإدانه ليس معناه أن أفقد الحكم الطبيعي علي الأمور . فقد وهب الله للإنسان ضميراً يميز به بين الخير والشر . وليس من صالح الإنسان أن يفقد التمييز
إنه نور طبيعي يستطيع به أن يحكم علي أعماله ، كما يحكم به علي أعمال غيره مع فارق سنذكره فيما بعد .. وإن فقد الإنسان هذا التمييز سوف تختل أمامه القيم والمبادئ ، ولا يدري ما يجب أن يكون ، وما لا يجب .. وهكذا قال السيد الرب مرتين في العظة علي الجبل :
" من ثمارهم تعرفونهم "( متي 7: 16، 20 ) .
وشرح ذلك فقال " هل يجتنون من الشوك عنباً ، أو من الحسك تيناً ؟! هكذا كل شجرة جيده تصنع ثماراً جيده تصنع ثماراً جيده . واما الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية . لا تقدر شجره جيده أن تصنع أثماراً ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيده إذن من ثمارهم تعرفونهم "( متي 7: 16-20 ) . فهل إذا رأينا الشوك فعرفنا أنه شوك ، وأن رأينا الثمر الردئ فعرفنا أنه ثمر ردئ ، أنكون آنئذ واقعين في إدانه الاخرين ؟! كلا بلا شك ...
يقول القديس أوغسطينوس في تفسير هذه الآية ( متي 7:7) .
هناك شجرة تعطي ثماراً ردية ، وشجرة تعطي ثماراً جيده . ولا يمكن أبداً لإنسان أن يخدع نفسه ، ويقول عن الردئ إنه جيد ، ولا عن الجيد إنه ردئ فمما لاشك فيه أن بعض الأمور واضحة جداً ، لا نستطيع أن نخدع انفسنا فيها ...ولعله من أجل هذا التمييز قال القديس بولس الرسول :
خطايا بعض الناس واضحه تتقدم إلي القضاء (1تي 5: 24 )
هذه الخطاياة الواضحة لا ذنب لك إن أدركتها : من الطبيعي أنك سوف تشعر أن هناك خطأ يتقدم إلي القضاء . وفي نطاق هذا المستوي لا تكون قد أخطأت . إنما توجد ملاحظة لابد أن نقدرها وهي :
هناك فرق بين إدانه العمل وغدانه الشخص : فإن رأيت شخصاً سكراناً يتطوح في الطريق ، لا تستطيع أن تمنع نفسك من أن هذا خطأ . العمل خطأ ، او الحادث أمامك خطأ . ولكن الشخص نفسه لا تستطيع أن تدينه ، إلا إذا عرفت ظروفه .. ربما هناك من خدعة واسكره . ربما شرب عن طريق الخطأ . وربما العكس . من يدري ؟؟!
إذن التمييز شئ والحكم علي الشخص شئ آخر .
كوني أسمع الشتيمة فأعرف أنها شتيمه هذا تمييز .أما ان أسمعها ، فأقيم في ذهني محكمة لصاحبها ، وأقول إنه كذا و كذا ، ويستحق ... ويستحق .... فهنا يصبح الأمر إدانة ، لأنه انتقل من تمييز العمل و الحكم التلقائي للضمير إلي الحكم علي الشخص نفسه . وإذا اخذت قصه هذا الإنسان موضوعاً لحكاياتي وأحاديثي ع الناس . لا أقول حينئذ إنه مجرد تمييز طبيعي ، او حكم تلقائي من الضمير . بل هنا اكون قد تطورت من إدانه الشخص إلي التشهير به . ولا شك أن كلاً منهما خطيئة
ومن جهة الخطايا الواضحة ،توجد أمور تبدو واضحه ، وهي علي عكس ذلك ...
فإن رأيت شخصاً في الصوم يشرب كوباً من اللبن ، وقلت : هذا الإنسان محب للأكل وكاسر للصوم ولا شك أن هذه خطية واضحه تقدمه إلي القضاء !! ( 1 تي 5 : 4 ) ... فربما تكون مخطئاً في حكمك . وقد يكون هذا الشخص مريضاً بقرحة في المعدة أو مرض آخر ، ويحتاج إلي اللبن كدواء . وقد وافق علي أوامر الأطباء متغضباً من اجل صحته ... ولا يمكن أن يحكم عليه بأنه محب للطعام وكاسر للصوم
وقد علق القديس علي موضوع الكل هذا فقال :
أن كل أنواع الطعام البشري يمكن أن تؤخذ بنيه صالحة .. وبدون شهوة تمييز . وتذكر في ذلك قول القديس بولس الرسول
لا يزدر من يأكل بمن لا يأكل . ولايدن من لا يأكل من يأكل ، لأن الله قبله "( رو 14 : 3 ) .
ويكمل القديس بولس الرسول كلامه فيقول " من أنت الذي تدين عبد غيرك ؟! هو لمولاه يثبت أو يسقط . ولكنه سيثبت ، لأن الله قادر أن يثبته "( رو 14 : 4 ).أمثال هذه الأمور ليس من حق إنسان أن يحكم فيها . وهي ليست من الخطايا الواضحه التي تتقدم إلي القضاء . الخطايا الواضحة هي مثل الزني و الشرقة والاعتداء وأنواع النجاسات .
أما الأمور التي تتوقف علي النية والقصد ، فليس من حقنا أن نحكم عليها . الله وحده هو العارف بالنيات .
الله وحده هو فاحص القلوب ، وهو الذي يعرف القصد و الدافع . ويستطيع أن يحكم أن كان هذا العمل صالحاً أم طالحاً ، مما لا تتوفر لنا معرفته .
نقطة أخري نضيفها إلي عنصر التمييز وهي :
وصايا وآيات تحمل الإدانة :
فهناك وصيه في الكتاب تقول لك " لا تستصحب غضوباً ، ومع رجل ساخط لا تجئ "( أم 22 : 24 ) . فكيف يمكن ان تنفذ الوصية وتبعد عن صحبة الغضوبين ، إلا لم أدركت أن هذا الإنسان بالذات هو رجل غضوب ؟! فهل هذه إدانه ؟ كلا ، بل هي لون من التمييز ، تماماً كما تميز حفره حتي لا تقع فيها . ومثله قول الكتاب " المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة " ( 1 كو 15 : 23 ) . فكيف تبعد عن هذه المعاشرات ، إلا لو عرفت تماماً إنها ردية ؟ فهل هذه المعرفة إدانه ؟ كلا ، طبعاً ... وبنفس المنطق نتكلم عن الوصية التي يحملها المزمور الأول " طوبي للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار ، وفي طريق الخطاة لم يقف ، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس "
كيف يبعد عن هؤلاء الأشرار والخطاة والمستهزئين ، أن لم يعرف انهم كذلك ؟ فهل هذه المعرفه خطية إدانه ؟ كلا ، بلا شك . مادام الأمر قد اقتصر علي المعرفة و البعد . وحتي لو تدرج الأمر إلي نصح أصدقائك ومعارفك وأقربائك وتلاميذك في البعد عن هؤلاء لا تكون أيضاًً قد أخطأت .