مريض «تليف الكبد» انتخب من حكم عليه بـ«الإعدام»!
بقلم خالد منتصر - المصرى اليوم
كلما حدثت مواجهة بين القوى الليبرالية والعلمانية وبين تيار الإسلام السياسى بفصيليه «الإخوان» و«السلفيين»، يحتدم الحوار العاصف حتى يستقر على شاطئ الحديث عن الخمر والمايوهات والشذوذ ... إلخ
وهذه دوماً هى أوتار الجيتار الفائز الذى يدغدغ المشاعر ويكسب الجولة بتزييف المعانى وتزوير المصطلحات وإقحام الكبت الجنسى وسيطرته على النقاش والجدل، وحتى نجعل الكلام واقعياً بلا دجل أو دغدغة مشاعر سنذكر لكم مجالاً هو من أهم مجالات النشاط الإنسانى، وهو مجال الطب والصحة، ونرى الفرق بين تفكير التيار الليبرالى العلمانى وتفكير تيار الإسلام السياسى فى قضية مثل زرع الأعضاء، وسنرى كيف أن التيار الذى يتم تكفيره هو الذى يحافظ على مقاصد الشريعة وروح الدين، وأن تيار الإسلام السياسى متمسك بظاهر النصوص وحرفيتها فقط دون النفاذ إلى المقصد والغاية من هذه النصوص، وهذا هو جوهر الخلاف.
«الإخوان» رفضوا قانون زرع الأعضاء، وكان على رأسهم الدكتور أكرم الشاعر الفائز عن «الإخوان» فى بورسعيد، وهو طبيب ويعرف جيداً أن جميع مراجع الطب قد حددت ما هو معنى الموت وما هى علاماته التى تحدد بدقة وبدرجة لا يرقى إليها الشك موت الشخص إكلينيكياً! وتحدد هذه المراجع الفرق بين الغيبوبة والموت الإكلينيكى، ويعرف دكتور أكرم وزملاؤه من أطباء «الإخوان» أنه لو دخل امتحاناً شفوياً وقال للممتحن إن الموت هو انخساف الصدغين وتدلى الشفتين وشخوص البصر... إلى آخر ما هو مكتوب فى كتب الفقه فسيرسب ويسقط بالثلاثة، ويأخذ صفراً مربعاً فى الامتحان!!
الفكر الليبرالى القائم على المنهج العلمى فى التفكير رأيه فى هذه القضية الطبية أن المرجع العلمى المعتمد هو الفيصل، أما الفكر السلفى وتيار الإسلام السياسى فيقولان إن كتاب الفقه هو المعتمد، دون النظر إلى ملابسات زمان هذه الكتب، ودون النظر إلى كم التغيير الذى حدث، المهم لديهم هو الاحتفاظ بحرفية ما قاله الفقيه، ولا ينفع اتهام الطرف الليبرالى أو العلمانى الأول بأنه كافر، لأنه يتبنى هذا الرأى، ووصف الثانى بأنه مؤمن لمجرد أنه نقل ما هو فى كتاب الفقه فوتوكوبى ونقل مسطرة!! بالعكس، الأول يحافظ على مقاصد الشريعة وغايات الدين من إنقاذ حياة مريض وزرع قرنية لأعمى أو كبد لمريض تليف كبد أو قلب لمريض على شفا الموت!! أما الثانى، فهو مهتم فقط بحرفية النص.
مريض تليف الكبد الغلبان الذى ذهب إلى الانتخابات ووقف فى الطابور وصوت لصالح «الإخوان» و«السلفيين» من رافضى زرع الأعضاء، هو فى الحقيقة يصوت لمن سيشطبون قانون زرع الأعضاء ويجعلونه يتسول زرع الكبد فى الصين وبلاد بوذا وكونفوشيوس!! مريض تلف القرنية الأعمى الذى سيبصر ويرى النور بعد زرع القرنية والمتحمس لانتخاب تيار الإسلام السياسى، لأن الناس قالوا له دول بتوع ربنا والليبراليين كفرة ـ هذا المريض يوقع على وثيقة عماه وكف بصره إلى الأبد، لأنه لا يصح شرعاً زرع أعضاء لأن الجسد ملك لله! المريض المحتاج لزرع القلب والذى هتف للسلفيين والإخوان كان يهتف فى الوقت نفسه لمن يحرمونه من الحياة على أسس شرعية من وجهة نظرهم.
إذن، اختزال القضية فى مايوهات وشواطئ وتفاهات وهوامش هو إلهاء وتعمية عن قضايا أساسية وجوهرية وعن منهج تفكير نختلف عليه، فليس اختلاف الليبرالى والعلمانى مع الإخوانى والسلفى على مايوه أو شاطئ عراة على الإطلاق، هذا مجرد مسدس صوت يخفى عن البسطاء صوت وتأثير قنبلة النابالم!، الخلاف على منهج تفكير، على مساحة الإنسانى ومساحة المقدس، وهل ما نفكر فيه يحقق مقاصد الدين والشريعة أم يحقق الترجمة الحرفية للنص؟ القضية خلاف بين التجديد والترديد وبين العقل والنقل.
منقوول
بقلم خالد منتصر - المصرى اليوم
كلما حدثت مواجهة بين القوى الليبرالية والعلمانية وبين تيار الإسلام السياسى بفصيليه «الإخوان» و«السلفيين»، يحتدم الحوار العاصف حتى يستقر على شاطئ الحديث عن الخمر والمايوهات والشذوذ ... إلخ
وهذه دوماً هى أوتار الجيتار الفائز الذى يدغدغ المشاعر ويكسب الجولة بتزييف المعانى وتزوير المصطلحات وإقحام الكبت الجنسى وسيطرته على النقاش والجدل، وحتى نجعل الكلام واقعياً بلا دجل أو دغدغة مشاعر سنذكر لكم مجالاً هو من أهم مجالات النشاط الإنسانى، وهو مجال الطب والصحة، ونرى الفرق بين تفكير التيار الليبرالى العلمانى وتفكير تيار الإسلام السياسى فى قضية مثل زرع الأعضاء، وسنرى كيف أن التيار الذى يتم تكفيره هو الذى يحافظ على مقاصد الشريعة وروح الدين، وأن تيار الإسلام السياسى متمسك بظاهر النصوص وحرفيتها فقط دون النفاذ إلى المقصد والغاية من هذه النصوص، وهذا هو جوهر الخلاف.
«الإخوان» رفضوا قانون زرع الأعضاء، وكان على رأسهم الدكتور أكرم الشاعر الفائز عن «الإخوان» فى بورسعيد، وهو طبيب ويعرف جيداً أن جميع مراجع الطب قد حددت ما هو معنى الموت وما هى علاماته التى تحدد بدقة وبدرجة لا يرقى إليها الشك موت الشخص إكلينيكياً! وتحدد هذه المراجع الفرق بين الغيبوبة والموت الإكلينيكى، ويعرف دكتور أكرم وزملاؤه من أطباء «الإخوان» أنه لو دخل امتحاناً شفوياً وقال للممتحن إن الموت هو انخساف الصدغين وتدلى الشفتين وشخوص البصر... إلى آخر ما هو مكتوب فى كتب الفقه فسيرسب ويسقط بالثلاثة، ويأخذ صفراً مربعاً فى الامتحان!!
الفكر الليبرالى القائم على المنهج العلمى فى التفكير رأيه فى هذه القضية الطبية أن المرجع العلمى المعتمد هو الفيصل، أما الفكر السلفى وتيار الإسلام السياسى فيقولان إن كتاب الفقه هو المعتمد، دون النظر إلى ملابسات زمان هذه الكتب، ودون النظر إلى كم التغيير الذى حدث، المهم لديهم هو الاحتفاظ بحرفية ما قاله الفقيه، ولا ينفع اتهام الطرف الليبرالى أو العلمانى الأول بأنه كافر، لأنه يتبنى هذا الرأى، ووصف الثانى بأنه مؤمن لمجرد أنه نقل ما هو فى كتاب الفقه فوتوكوبى ونقل مسطرة!! بالعكس، الأول يحافظ على مقاصد الشريعة وغايات الدين من إنقاذ حياة مريض وزرع قرنية لأعمى أو كبد لمريض تليف كبد أو قلب لمريض على شفا الموت!! أما الثانى، فهو مهتم فقط بحرفية النص.
مريض تليف الكبد الغلبان الذى ذهب إلى الانتخابات ووقف فى الطابور وصوت لصالح «الإخوان» و«السلفيين» من رافضى زرع الأعضاء، هو فى الحقيقة يصوت لمن سيشطبون قانون زرع الأعضاء ويجعلونه يتسول زرع الكبد فى الصين وبلاد بوذا وكونفوشيوس!! مريض تلف القرنية الأعمى الذى سيبصر ويرى النور بعد زرع القرنية والمتحمس لانتخاب تيار الإسلام السياسى، لأن الناس قالوا له دول بتوع ربنا والليبراليين كفرة ـ هذا المريض يوقع على وثيقة عماه وكف بصره إلى الأبد، لأنه لا يصح شرعاً زرع أعضاء لأن الجسد ملك لله! المريض المحتاج لزرع القلب والذى هتف للسلفيين والإخوان كان يهتف فى الوقت نفسه لمن يحرمونه من الحياة على أسس شرعية من وجهة نظرهم.
إذن، اختزال القضية فى مايوهات وشواطئ وتفاهات وهوامش هو إلهاء وتعمية عن قضايا أساسية وجوهرية وعن منهج تفكير نختلف عليه، فليس اختلاف الليبرالى والعلمانى مع الإخوانى والسلفى على مايوه أو شاطئ عراة على الإطلاق، هذا مجرد مسدس صوت يخفى عن البسطاء صوت وتأثير قنبلة النابالم!، الخلاف على منهج تفكير، على مساحة الإنسانى ومساحة المقدس، وهل ما نفكر فيه يحقق مقاصد الدين والشريعة أم يحقق الترجمة الحرفية للنص؟ القضية خلاف بين التجديد والترديد وبين العقل والنقل.
منقوول