قال النازي إدولف هتلر قبل أكثر من خمسة وستين عاماً:“ إذا أردت السيطرة على الناس أخبرهم انهم معرضون للخطر وحذرهم من أن أمنهم تحت التهديد، ثم شكك في وطنية معارضيك”
هذه المقولة هي سيناريو الأحداث الجارية الذي يُمارس بحذافيره على الشعب المصري الآن،
خرج علينا حاكمنا الموقر بأن هناك مؤامرات تُحاك « لسقوط الدولة » ولم يوضح لنا مفهوم ولا كيفية هذا السقوط وماذا يعني «بالسقوط »؟
فأركان أي دولة تتكون من ستة عناصر الثلاثة الأولى منها هم الأساسيين «الشعب - الأقليم - الحكومة أي النظام السياسي السلطوي- السيادة - الإستقلال - الإعتراف الدولي » وإختصرهم البعض إلى الثلاثة عناصر الأولى وأولهم وأهمهم عنصر الشعب، فأي سقوط يقصدونه ؟! فالعنصرين الأولين لايمكن سقوطهما وهما «الشعب و الإقليم» لأنه لامعنى للقول بسقوطهما، يتبقى لنا السلطة السياسية التي تستمد شرعيتها من «إرادة الشعب»،فإذا كانوا يقصدون بسقوط الدولة هو سقوط النظام السياسي السلطوي «فمرحباً بالسقوط»، أليس الثورات تقوم لأجل سقوط النظام السياسي الفاسد والدكتاتوري وقيام أنظمة سياسية جديدة قائمة بمبادئ الحرية والعدالة التي تقوم لأجلها الثورات؟!
ماحدث في ثورتنا المصرية التي ليست بثورة أن المجلس وقف ضد «إرادة الشعب الثائر» في تحقيق مكسبات ثورته، وكفَّن حلم الثورة في أحضان صندوق الإنتخابات الأسود، فأصبح المجلس بهذا مؤيداً للثورة المضادة التي أجهضت وتجهض عمل الثوار الآن والتشكيك فيهم لتشويههم وتشويه إنجازاتهم وأهدافهم السامية، وإتهامهم بأن منهم بلطجية ومندسين وأصابع خفية، فإن كانوا هم كذلك فلماذا كل من سقطوا شهداء هم من خيرة شباب مصر من أطباء ومهندسين وشيوخ أزهريين وأساتذة جامعات، لماذا لم نجد جثة هامدة واحدة لهذا البلطجي الشبحي والهُلامي في كل المذابح والممارسات الدامية التي مُورست ضد الشعب والثوار سواء في ماسبيرو أو شارع محمد محمود وأخيراً أحداث مجلس الوزراء؟
لا يا سيادة المجلس العسكري، فشعب مصر أذكي بكثير من حُكامه وليس بضعيف الذاكرة، فالتصريحات والإيهام بوجود طرف ثالث مجرد فزاعة «لتصفية الثورة وإخمادها وإفراغها من مضمونها ومبادئها » والتي جائت مبادئها ومطالبها غير متوافقة مع نظام مبارك الذي مازال قائماً بنفس دستوره ومؤسساته وأجهزته الأمنية، لذلك يتم تصفية الثوار لتكميم أفواههم بإستخدام العنف المفرط ضددهم بإدعاء أنهم بلطجية وطرف ثالث، ليتم السيطرة على عامة الشعب المقهور الذي عاني ظلم الإستبداد ستين عاماً.
أن مايحدث الآن هو صراع سياسي بين «نظام دولة» مجحف لم تغيره الثورة سوى رؤوس نظامه وبين «نظام ثوري» قامت لأجله الثورة لأجل تحقيق مبادئه لدولة ديمقراطية مدنية حديثة، إنه صراع مخطط يتم بعناية فائقة، منذ أن تم إجراء إستفتاء 19مارس بترقيع الدستور القديم لصالح الإسلاميين بدلا من وضع الدستور الجديد كما تقول كل الأعراف الدولية بأن يُوضع الدستور أولاً قبل أي إنتخابات، أنه صراع سياسي منذ أن فُتحت السجون للمجرمين من الإسلاميين وتم الإستعانة بالآلاف من الإسلاميين من أفغانستان وباكستان وإيران والشيشان ووغيرها من الدول التي ترعي وتربي الإرهابيين في أحضانها ، أنه صراع منذ أن سمحت الحكومة للجماعات الإسلامية المحظورة بأن يكوِّنوا أحزاب سياسية رغم أن قوانين الأحزاب في مصر تمنع تكون أحزاب سياسية بمرجعية دينية، أنه صراع سياسي منذ أن حمت الحكومة مليونيات التيارات الإسلامية فلم نرى إراقة قطرة دماء واحدة في مليونياتهم بينما مليونيات الثوار الأحرار والشعب المسكين الذين يطالبون بحريتهم فحدث ولا حرج، فتحولت مليونياتهم وإعتصاماتهم إلى مذابح روت دمائهم المقطم وماسبيرو والتحرير ومحمد محمود ومجلس الوزراء. فمن يتأمل الأحداث سيكتشف أن الإخوان إنضموا للثورة يوم إنضمام الجيش لها في اليوم الرابع من بدايتها وتحديداً يوم 28 يناير وإنصرفوا معاً عن الميدان حاملين معهم صفقتهم .
مايحدث الآن هو شن حرب معنوية على الثوار بإدعاء أنهم يريدون «سقوط الدولة» فسقوط الدولة أصبح هو مجرد مصطلح لتجريم وقمع الثوار وتصفيتهم ليتم تحته تنازع دموي حتى لو أدى الأمر إلى مزيد من قتل للشعب والمبرر حماية الدولة من السقوط، فهو في الحقيقة تنازع على شرعيات وعلى دستورية الدولة بين نظام الدولة القديم بدستوريته العجوزة والبالية والمتهالكة وبين نظام ثوري بدستورية شبابية جديدة تحمل روح الثورة والتي قامت لأجله، لتخلع وتفكك وتنسف كل النظام السياسي العتيق، أما سقوط الدولة بالنسبة للشعب الثائر هو إحداث تغيير حقيقي بتفكيك أجهزة الدولة ومؤسساتها، لإقامة نظام سياسي جديد بأجهزة أمنية ومؤسسات إقتصادية تحمل روح التغيير الثوري، أليس مفهوم الثورة هو هدم الأنظمة السياسية القديمة «سقوط الدولة» وإقامة أنظمة جديدة « قيام الدولة » وتكوين أحزاب سياسية تعبر عن إرادة الثوار الحقيقيين بدستورهم الجديد وأحزاب تستمد شرعيتها من ميدان التحرير الذي كان السبب وأعطي شرعية لهذا التغيير، وليس عن طريق أحزاب دينية يتم تسييسها كما فُرضت على إرادة الشعب ؟
لذلك يُطبق الآن الخطة الهتلرية الجهنمية وهي إدعاء أن هناك مخطط لحرق مصر في25 يناير المقبل حتى لاتتجدد وتشتعل الثورة من جديد والتي لم تأتي بثمارها حتى الذكرى الأولى لإندلاعها، لأنه الآن يجب تصفية الثوار بعد أن تم توزيع الأدوار الجديدة بمن فيها أدوار التيارات الإسلامية من إخوان وسلفيين والذين صعدوا عن طريق الصندوق الأسود بإنتخابات باطلة تفتقد للدستورية وللشرعية لأنها لاتعبر ولاتحمل روح ثورة التغيير، ولكن هكذا صعد هتلر للحكم عن طريق هذا الصندوق الكاذب وضد إراده شعبه!
تقول الخطة الهتلرية من وكالة أنباء الشرق الأوسط:« كشف مصدر مسئول رفيع المستوى عن رصد جهات أمنية سيادية لتحركات واتصالات لعناصر داخلية مع جهات أجنبية خارجية لتنفيذ سيناريو مخطط يوم 25 يناير المقبل، من خلال قيام ثورة أخرى جديدة هدفها فقط الدخول فى اشتباكات دامية مع عناصر القوات المسلحة بعد استفزازهم فى أماكن حيوية وسقوط قتلى، بالاضافة إلى التجهيز لاشعال الحرائق وإثارة الفوضى فى الشارع»، فهل هذا تصريح أم تهديد وما الهدف منه؟ فإن كان تصريح فلماذا لم يقم هذا المسئول الرفيع المستوى بالإبلاغ للقبض على العناصر الداخلية قبل يوم 25 يناير المقبل، أم هو مجرد إنذار وتهديد كمقدمة للقيام بمذابح جديدة في حق الشعب الثائر أو على الأقل لتخويفهم وترهيبهم من النزول في هذا اليوم؟! فإن كان «المسئول الرفيع المستوي» غير قادر على التحكم في الكوارث والمذابح قبل وقوعها وهو يعرف تلك الأيادي الخفية التي ستشعل البلد في ذلك اليوم،فلايستحق ذلك المسئول الرفيع المستوى أن يجلس في كرسيه الذي جعل منه «رفيع المستوى»، لأن عليه أن يكشف تلك الأيادي الخفية وذلك اللهو الخفي المزعوم ليُقبض عليه قبل القيام بجريمته.
وإلا فلن يسمح الشعب لمن كانوا يُمارسون من جحورهم المظلمة إجرامهم ضده بالأمس أن يدعوا الشرف والوطنية وحامي حمى الوطن اليوم، وأن يأتي اليوم الذي يصرح فيه المتحدث الرسمي بإسم الجماعة الإسلامية عاصم عبد الماجد بأن الجماعة قادرة على تطهير الميدان من البلطجية إذا فشل العسكري؟! فإذا كان هذه هي نظرة التيارات الإسلامية للمجلس إذاً الوضع أصبح خطير ، فإن كان المجلس غير قادر على حماية الوطن فليرحل شاكرين له مساعيه الحثيثة في صعود المجرمين لسُدة الحكم.
هل أصبح الباب الآن مفتوحاً أو موارباً لوقوع الكارثة وهي دخول أطياف الشعب وتياراته وإنتماءاته في حرب أهلية لتحترق مصر وشعبها ونصبح لُبناناً أخر؟
الإجابة ببساطة نعم.. إن من تركوا المجمع العلمي الذي يحوى تاريخ وكنوز مصر يحترق فلم يتحركوا لإطفائه، رغم أن وقت حريقه كانت قوات الجيش فوق مبنى المجمع تقذف الناس بالحجارة من أعلاه، هم أنفسهم من سيقفوا متفرجين على حريق مصر وقتل شعبها وثوارها في 25 يناير المقبل لو حدث وتم تنفيذ هذا التهديد من سيادة «المصدره الرفيع المستوى».
أما البلطجية والمندسين الحقيقيين فهم ليسوا سوى الثورة المضادة التي يهمها الإبقاء على النظام السابق لأنها تعمل في فلكه ووفق مبادئه ومحميين من أجهزته الأمنية.
الحل الوحيد لحقن دماء الشعب من هذه المذابح اليومية وحتى لايدخل الشعب في حرب أهلية هو تفعيل مبادئ الثورة تفعيل حقيقي لإحداث التغيير الثوري الحقيقي التي قامت لأجله الثورة في كل أجهزة ومؤسسات الدولة، لاتجريم الثوار كما يحدث الآن تحت مسميات «بلطجية ومندسين، طرف ثالث، اللهو الخفي»
واولى الخطوات لإحداث هذا التغيير الثوري الحقيقي هو تسليم السلطة لمجلس مدني ينتخبه الثوار أو يُسلم لمجلس قيادة الثورة، حقناً لدماء الشعب ودرءاً لمزيد من حرق الوطن.
منقووول