محمد بركة
هزيمة الثورة فى شارع الجلاء
الخميس، 30 يونيو 2011 - 22:15
«لا يمكن أن يكون معتقل المغول الذى شاهدنا زنازينه فى فيلم أمير الانتقام أسوأ من ذلك!» هكذا ستحدث نفسك وأنت تسير فى شارع الجلاء بوسط القاهرة «مبقناش عارفين بتقهر مين بالظبط» وتتطلع إلى طبقة السواد الكثيفة التى تغطى باطن كوبرى أكتوبر الذى يشق الشارع إلى نصفين بعشرات الأعمدة الخرسانية العملاقة، ويمر أسفله عشرات الآلاف يومياً من البشر مثل أسرى مهزومين شاخوا فجأة قبل الآوان. الشارع يربط ميدانى رمسيس وعبد المنعم رياض ويسير بمحاذاة شارع رمسيس الذى كان يحمل اسم «شارع الملكة نازلى» قبل ثورة يوليو. يضم شارع الجلاء مؤسسات ومنشآت بالغة الحيوية كالأهرام والأخبار ومجمع المحاكم ومستشفى الجلاء التعليمى للولادة، كيف تذهب بزوجتك لتلد فى مستشفى يحمل اسم الجلاء، على رأى بلال فضل فى فيلم واحد من الناس، تحول الشارع فجأة وبقدرة قادر بعد 25 يناير إلى عنوان فاقع على هزيمة حكومة د. عصام شرف وحالة «التهجيص» المرورى التى تعيشها البلاد ويرفل فى نعيمها العباد.. مافيا الميكروباص أطلقت لميولها الإجرامية العنان، فأنت وأنا و«السامعين» نعرف كيف أن كل سائق ميكروباص مصرى أصيل يحمل بداخله مشروع «بلطجى محتمل».. هؤلاء السائقون الذين كانوا يرتعبون من منظر أمين الشرطة، باسم الله لم تعد تخيفهم تجريدة أمنية يطلقها مدير مرور القاهرة ويحمل قادتها ما تيسر من السيوف والنسور الذهبية، التى تضوى تحت أشعة الشمس! احتل بلطجية السرفيس الشارع بأكمله وحولوه إلى موقف عام للميكروباص أمام القنصلية الإيطالية بالتمام والكمال، وعلى بعد أمتار من السادة «بهوات» قسم شرطة الأزبكية: إن ما وريتك يا منطقة... ده أنا اللمبى!. هل تعرف معاليك معنى احتلال بلطجية الميكروباص للشارع عينى عينك؟ دعك من مسألة هيبة الحكومة التى داسها «عجل الميكروباز» ولا تفكر فى البرستيج الوطنى لمصر الثورة أمام إخواننا الطليان، فهناك ما هو أسوأ من ذلك وأشد فداحة: آلاف السيارات يومياً «ملاكى وأجرة» بما فيها من عجائز وأطفال ومرضى وناس حالها واقف، تظل ساعة كاملة محبوسة مثل الفراخ داخل قفص أسفلتى وتحت سواد الكوبرى إياه وهى تتنفس هواء أكدت الإحصاءات الموثوقة أن نسبة تلوثه هى الأعلى على مستوى العالم برمته يا برنس... يظل هؤلاء البشر محبوسون ولا تتحرك سياراتهم إلى الأمام إلا كام متر كل كام دقيقة، نفس الوضع الذى كان يتكرر من حين لآخر فى النظام البائد فنهتف على الفور:
ـ هو فيه إيه؟
ـ أكيد فيه حاجة
ـ لازم حمار كبير الموكب بتاعه معدى
يا دكتور عصام...
هل وصلت سيادتكم الرسالة؟
ما كان يحدث بشكل استثنائى أيام أحمد نظيف ويملأ النفوس بالقرف ويشعل القلوب بالغضب، أصبح مشهداً يومياً يتكرر منذ الصباح الباكر إلى ما قبل منتصف الليل وفى قلب العاصمة... إننى يا معالى رئيس الوزراء مازلت أتذكر كيف لم يعجبك مصطلح «حكومة تصريف الأعمال» وقلت معاليك بل «حكومة الثورة» فهل هذه هى مصر الثورية؟
المدهش فى الأمر أننى لم أجد استجابة توحد ربنا من السادة أصحاب الرتب الكبيرة سوى مرة واحدة يتيمة فى حملة أمنية لتحرير الشارع فى يونيو الماضى، لم تسفر الحملة عن أى تغيير يذكر، وبقى الحال على ما هو عليه، بل ازداد الأمر سوءاً أسوأ، والطريف أن جنرالات وعمداء الداخلية لم يظهروا فى الكادر بعد ذلك، تاركين المواطنين يواجهون مصيرهم مثل ثوار سوريا بصدور عارية ولسان حال السادة الجنرالات يقول: ما يقدر على القدرة إلا ربنا...» فإلى هذا الحد كانت عين البلطجية حمراء؟
هزيمة الثورة فى شارع الجلاء
الخميس، 30 يونيو 2011 - 22:15
«لا يمكن أن يكون معتقل المغول الذى شاهدنا زنازينه فى فيلم أمير الانتقام أسوأ من ذلك!» هكذا ستحدث نفسك وأنت تسير فى شارع الجلاء بوسط القاهرة «مبقناش عارفين بتقهر مين بالظبط» وتتطلع إلى طبقة السواد الكثيفة التى تغطى باطن كوبرى أكتوبر الذى يشق الشارع إلى نصفين بعشرات الأعمدة الخرسانية العملاقة، ويمر أسفله عشرات الآلاف يومياً من البشر مثل أسرى مهزومين شاخوا فجأة قبل الآوان. الشارع يربط ميدانى رمسيس وعبد المنعم رياض ويسير بمحاذاة شارع رمسيس الذى كان يحمل اسم «شارع الملكة نازلى» قبل ثورة يوليو. يضم شارع الجلاء مؤسسات ومنشآت بالغة الحيوية كالأهرام والأخبار ومجمع المحاكم ومستشفى الجلاء التعليمى للولادة، كيف تذهب بزوجتك لتلد فى مستشفى يحمل اسم الجلاء، على رأى بلال فضل فى فيلم واحد من الناس، تحول الشارع فجأة وبقدرة قادر بعد 25 يناير إلى عنوان فاقع على هزيمة حكومة د. عصام شرف وحالة «التهجيص» المرورى التى تعيشها البلاد ويرفل فى نعيمها العباد.. مافيا الميكروباص أطلقت لميولها الإجرامية العنان، فأنت وأنا و«السامعين» نعرف كيف أن كل سائق ميكروباص مصرى أصيل يحمل بداخله مشروع «بلطجى محتمل».. هؤلاء السائقون الذين كانوا يرتعبون من منظر أمين الشرطة، باسم الله لم تعد تخيفهم تجريدة أمنية يطلقها مدير مرور القاهرة ويحمل قادتها ما تيسر من السيوف والنسور الذهبية، التى تضوى تحت أشعة الشمس! احتل بلطجية السرفيس الشارع بأكمله وحولوه إلى موقف عام للميكروباص أمام القنصلية الإيطالية بالتمام والكمال، وعلى بعد أمتار من السادة «بهوات» قسم شرطة الأزبكية: إن ما وريتك يا منطقة... ده أنا اللمبى!. هل تعرف معاليك معنى احتلال بلطجية الميكروباص للشارع عينى عينك؟ دعك من مسألة هيبة الحكومة التى داسها «عجل الميكروباز» ولا تفكر فى البرستيج الوطنى لمصر الثورة أمام إخواننا الطليان، فهناك ما هو أسوأ من ذلك وأشد فداحة: آلاف السيارات يومياً «ملاكى وأجرة» بما فيها من عجائز وأطفال ومرضى وناس حالها واقف، تظل ساعة كاملة محبوسة مثل الفراخ داخل قفص أسفلتى وتحت سواد الكوبرى إياه وهى تتنفس هواء أكدت الإحصاءات الموثوقة أن نسبة تلوثه هى الأعلى على مستوى العالم برمته يا برنس... يظل هؤلاء البشر محبوسون ولا تتحرك سياراتهم إلى الأمام إلا كام متر كل كام دقيقة، نفس الوضع الذى كان يتكرر من حين لآخر فى النظام البائد فنهتف على الفور:
ـ هو فيه إيه؟
ـ أكيد فيه حاجة
ـ لازم حمار كبير الموكب بتاعه معدى
يا دكتور عصام...
هل وصلت سيادتكم الرسالة؟
ما كان يحدث بشكل استثنائى أيام أحمد نظيف ويملأ النفوس بالقرف ويشعل القلوب بالغضب، أصبح مشهداً يومياً يتكرر منذ الصباح الباكر إلى ما قبل منتصف الليل وفى قلب العاصمة... إننى يا معالى رئيس الوزراء مازلت أتذكر كيف لم يعجبك مصطلح «حكومة تصريف الأعمال» وقلت معاليك بل «حكومة الثورة» فهل هذه هى مصر الثورية؟
المدهش فى الأمر أننى لم أجد استجابة توحد ربنا من السادة أصحاب الرتب الكبيرة سوى مرة واحدة يتيمة فى حملة أمنية لتحرير الشارع فى يونيو الماضى، لم تسفر الحملة عن أى تغيير يذكر، وبقى الحال على ما هو عليه، بل ازداد الأمر سوءاً أسوأ، والطريف أن جنرالات وعمداء الداخلية لم يظهروا فى الكادر بعد ذلك، تاركين المواطنين يواجهون مصيرهم مثل ثوار سوريا بصدور عارية ولسان حال السادة الجنرالات يقول: ما يقدر على القدرة إلا ربنا...» فإلى هذا الحد كانت عين البلطجية حمراء؟