«أبوالفتوح» و«العوا».. والرئاسة «الإسلامية»
بقلم د. وحيد عبدالمجيد ١/ ٧/ ٢٠١١
ما إن حققت ثورة ٢٥ يناير هدفها الأول، وهو إسقاط حسنى مبارك وأركان نظامه، حتى تبين مجددا أن من جمعتهم هذه الثورة كانوا متفقين على ما لا يريدون، وليس على ما يرغبون. أُسدل الستار على المشهد التاريخى النادر فى ميدان التحرير وغيره من ميادين الثورة، حيث كان المصريون بمختلف اتجاهاتهم وفئاتهم على قلب رجل واحد، ليُفتح على فصل جديد فى مسلسل تكرر عرضه فى العقود الماضية. وتبدأ أحداث هذا المسلسل عادة بخلاف يتطور إلى صراع فانقسام يهدد باستقطاب.
عاد كل من الأطراف المختلفة فى الساحة السياسية إلى سيرته الأولى بأشكال ودرجات متفاوتة على نحو أعاد إنتاج الخلاف الذى غذّاه النظام السابق بين الإسلاميين وغيرهم. وأنتج هذا الخلاف انقساما لم يكن له مبرر موضوعى فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى ١٩ مارس الماضى. وبدأت نذر الاستقطاب تلوح فى الأفق بالرغم من الجهود المبذولة لتجنبه، والسعى إلى بناء توافق وطنى على مبادئ حاكمة للدستور الجديد لطمأنة من يخشون إجراء الانتخابات قبل إصداره.
وفى مثل هذه الأجواء تشتد الحاجة إلى الحكمة لتهدئة الخواطر وبث الطمأنينة فى القلوب.
فإذا كانت هناك مخاوف متنامية من أن يقطف الإسلاميون ثمار الثورة دون غيرهم، يصبح الحد من هذه المخاوف واجبا بغض النظر عن تقدير مدى جديتها أو وجود أساس حقيقى لها من عدمه. فليست هناك ثمار الآن ليتسابق المتنافسون إلى قطفها، بل خراب مقيم لا يقدر أحد على مواجهته منفردا. فليس الفشل فحسب هو الذى ينتظر من يسعى إلى الانفراد بالحكم فى ظل هذا الخراب، بل حساب عسير من شعب تعلم أن التفريط فى حقه فى محاسبة حكامه، انتهى به إلى ذل وهوان فوق ما حل به من تسلط واستبداد.
ومع ذلك، تقضى الحكمة فى الوقت الراهن أن يتجنب الإسلاميون كل ما يمكن أن يزيد المخاوف ويفاقم الاستقطاب، وأن يكون لمعتدليهم دور بارز فى هذا المجال. ولذلك لم يحالف كلاً من د.عبدالمنعم أبوالفتوح ود.سليم العوا التوفيق عندما قررا الترشح لرئاسة الجمهورية فى لحظة لا تتحمل فيها البلاد أن يكون هذا المنصب مصدرا لمزيد من الانقسام ومنذرا بما لا تُحمد عقباه.
وبالرغم من أن عصر الحاكم الفرد الذى تدور الدولة حوله وتوضع مقاديرها بين أيدى أسرته وأصدقائه وحاشيته انتهى، وأن الرئيس القادم سيعمل فى إطار مؤسسات يفترض أن تكون فاعلة، وسيخضع لمراقبة نتمنى أن تكون صارمة، مازالت نظرة المصريين إلى هذا الموقع متأثرة بتجربتهم التى عاشوها.
وحين يكون احتمال وصول إسلامى إليه، مقترناً بتوقع أن يكون تياره بالمعنى الواسع هو الأكبر فى البرلمان الجديد، وأن يقود بالتالى الحكومة القادمة التى يحسن أن تكون ائتلافية، لابد أن يزداد قلق من يخافون هيمنة هذا التيار على النظام السياسى، على نحو يفاقم الانقسام الآخذ فى ازدياد.
ولذلك يحسن أن يكون الرئيس القادم فوق هذا الانقسام. والأحسن أن يكون على مسافة متساوية من طرفيه، وأن يقف على أرضية تمكّنه من السعى إلى معالجته. ويقتضى ذلك، بداهة، ألا يكون منتميا إلى أى منهما، أو حتى محسوبا على هذا أو ذاك منهما.
ولكن أباالفتوح والعوا قادمان من قلب الحركة الإسلامية. صحيح أنهما معروفان باعتدالهما وحكمتهما، وأن كلا منهما قد يرى بطريقته أن هذا قد يساعد فى الحد من الانقسام. غير أن هذا لا يكون صحيحا إلا فى وضع طبيعى وبعد بناء الثقة اللازمة للحد من الشكوك العميقة والمخاوف المتنامية التى تنتاب القلقين من التيار الإسلامى بالمعنى الواسع.
فعندما يصبح الوضع فى البلاد طبيعيا، وتنتشر ثقافة ديمقراطية ويستقر مبدأ تداول السلطة، لن يتعرض أبوالفتوح لاتهامات من نوع القول بأنه (يقف على كتف «الإخوان» كهدهد سليمان حتى إذا لم يجلس فى حضنهم)! فهذا الاتهام الظالم للطرفين قد يكون مفهوما فى لحظة انتقال ضبابية، ولكنه قد لا يكون واردا بعدها.
ولذلك يفعل «أبوالفتوح» و«العوا» خيراً إذا أعادا النظر فى موقفهما. فهذا خير لمصر، ولهما أيضا وخصوصا أبو الفتوح الذى قد يكون مرشحا قويا فى الانتخابات بعد القادمة، إذا لم يحرق نفسه بنار الانقسام الذى ستُجرى الانتخابات المقبلة فى ظله. فهذا رجل مصرى صميم من النوع الذى يألفه المصرى العادى، مسيحيا كان أو مسلما.
ولكن حقيقته هذه لن تظهر واضحة إذا أصر على خوض الانتخابات القادمة لأن نار الانقسام التى يغذيها ترشحه ستشوّه صورته. فليته ود. العوا يساهمان بحكمتهما فى محاصرة هذه النار سعيا إلى إطفائها
بقلم د. وحيد عبدالمجيد ١/ ٧/ ٢٠١١
ما إن حققت ثورة ٢٥ يناير هدفها الأول، وهو إسقاط حسنى مبارك وأركان نظامه، حتى تبين مجددا أن من جمعتهم هذه الثورة كانوا متفقين على ما لا يريدون، وليس على ما يرغبون. أُسدل الستار على المشهد التاريخى النادر فى ميدان التحرير وغيره من ميادين الثورة، حيث كان المصريون بمختلف اتجاهاتهم وفئاتهم على قلب رجل واحد، ليُفتح على فصل جديد فى مسلسل تكرر عرضه فى العقود الماضية. وتبدأ أحداث هذا المسلسل عادة بخلاف يتطور إلى صراع فانقسام يهدد باستقطاب.
عاد كل من الأطراف المختلفة فى الساحة السياسية إلى سيرته الأولى بأشكال ودرجات متفاوتة على نحو أعاد إنتاج الخلاف الذى غذّاه النظام السابق بين الإسلاميين وغيرهم. وأنتج هذا الخلاف انقساما لم يكن له مبرر موضوعى فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى ١٩ مارس الماضى. وبدأت نذر الاستقطاب تلوح فى الأفق بالرغم من الجهود المبذولة لتجنبه، والسعى إلى بناء توافق وطنى على مبادئ حاكمة للدستور الجديد لطمأنة من يخشون إجراء الانتخابات قبل إصداره.
وفى مثل هذه الأجواء تشتد الحاجة إلى الحكمة لتهدئة الخواطر وبث الطمأنينة فى القلوب.
فإذا كانت هناك مخاوف متنامية من أن يقطف الإسلاميون ثمار الثورة دون غيرهم، يصبح الحد من هذه المخاوف واجبا بغض النظر عن تقدير مدى جديتها أو وجود أساس حقيقى لها من عدمه. فليست هناك ثمار الآن ليتسابق المتنافسون إلى قطفها، بل خراب مقيم لا يقدر أحد على مواجهته منفردا. فليس الفشل فحسب هو الذى ينتظر من يسعى إلى الانفراد بالحكم فى ظل هذا الخراب، بل حساب عسير من شعب تعلم أن التفريط فى حقه فى محاسبة حكامه، انتهى به إلى ذل وهوان فوق ما حل به من تسلط واستبداد.
ومع ذلك، تقضى الحكمة فى الوقت الراهن أن يتجنب الإسلاميون كل ما يمكن أن يزيد المخاوف ويفاقم الاستقطاب، وأن يكون لمعتدليهم دور بارز فى هذا المجال. ولذلك لم يحالف كلاً من د.عبدالمنعم أبوالفتوح ود.سليم العوا التوفيق عندما قررا الترشح لرئاسة الجمهورية فى لحظة لا تتحمل فيها البلاد أن يكون هذا المنصب مصدرا لمزيد من الانقسام ومنذرا بما لا تُحمد عقباه.
وبالرغم من أن عصر الحاكم الفرد الذى تدور الدولة حوله وتوضع مقاديرها بين أيدى أسرته وأصدقائه وحاشيته انتهى، وأن الرئيس القادم سيعمل فى إطار مؤسسات يفترض أن تكون فاعلة، وسيخضع لمراقبة نتمنى أن تكون صارمة، مازالت نظرة المصريين إلى هذا الموقع متأثرة بتجربتهم التى عاشوها.
وحين يكون احتمال وصول إسلامى إليه، مقترناً بتوقع أن يكون تياره بالمعنى الواسع هو الأكبر فى البرلمان الجديد، وأن يقود بالتالى الحكومة القادمة التى يحسن أن تكون ائتلافية، لابد أن يزداد قلق من يخافون هيمنة هذا التيار على النظام السياسى، على نحو يفاقم الانقسام الآخذ فى ازدياد.
ولذلك يحسن أن يكون الرئيس القادم فوق هذا الانقسام. والأحسن أن يكون على مسافة متساوية من طرفيه، وأن يقف على أرضية تمكّنه من السعى إلى معالجته. ويقتضى ذلك، بداهة، ألا يكون منتميا إلى أى منهما، أو حتى محسوبا على هذا أو ذاك منهما.
ولكن أباالفتوح والعوا قادمان من قلب الحركة الإسلامية. صحيح أنهما معروفان باعتدالهما وحكمتهما، وأن كلا منهما قد يرى بطريقته أن هذا قد يساعد فى الحد من الانقسام. غير أن هذا لا يكون صحيحا إلا فى وضع طبيعى وبعد بناء الثقة اللازمة للحد من الشكوك العميقة والمخاوف المتنامية التى تنتاب القلقين من التيار الإسلامى بالمعنى الواسع.
فعندما يصبح الوضع فى البلاد طبيعيا، وتنتشر ثقافة ديمقراطية ويستقر مبدأ تداول السلطة، لن يتعرض أبوالفتوح لاتهامات من نوع القول بأنه (يقف على كتف «الإخوان» كهدهد سليمان حتى إذا لم يجلس فى حضنهم)! فهذا الاتهام الظالم للطرفين قد يكون مفهوما فى لحظة انتقال ضبابية، ولكنه قد لا يكون واردا بعدها.
ولذلك يفعل «أبوالفتوح» و«العوا» خيراً إذا أعادا النظر فى موقفهما. فهذا خير لمصر، ولهما أيضا وخصوصا أبو الفتوح الذى قد يكون مرشحا قويا فى الانتخابات بعد القادمة، إذا لم يحرق نفسه بنار الانقسام الذى ستُجرى الانتخابات المقبلة فى ظله. فهذا رجل مصرى صميم من النوع الذى يألفه المصرى العادى، مسيحيا كان أو مسلما.
ولكن حقيقته هذه لن تظهر واضحة إذا أصر على خوض الانتخابات القادمة لأن نار الانقسام التى يغذيها ترشحه ستشوّه صورته. فليته ود. العوا يساهمان بحكمتهما فى محاصرة هذه النار سعيا إلى إطفائها